تحليل يقرأ في التداعيات الاقتصادية على عدن بعد بدء استقبال موانئ الحوثي في الحديدة سفن الوقود...
ما الذي تغير وجعل سفن الوقود تتجه إلى رأس عيسى بدلًا من عدن؟
هل ستُحرم عدن من كميات الوقود التي كانت تموّن السوق المحلية.. وما تداعيات ذلك؟
كيف سيؤثر استئناف العمل في موانئ الحديدة على الحركة التجارية بعدن؟
ما هدف إجراءات الحوثي بمنع استيراد أية بضائع عبر ميناء عدن؟
ما المعالجات المتوقعة لمواجهة التبعات الاقتصادية المتوقعة؟
تحويل (الدفة) نحو موانئ الشمال.
(عدن الغد) القسم السياسي:
يبدو أن الاتفاقيات التي تحدثت عنها التسريبات بين التحالف العربي ومليشيات الحوثي الانقلابية، قد وجدت طريقها إلى التنفيذ، حتى قبل الإعلان عن إقرارها رسميًا.
وإذا كان تمرير الاتفاقات بين الحوثيين والتحالف تم بشكل سري وغير معلن، إلا أن أمورًا كهذه لا يمكن أن تُخفى عن الشعب، خاصةً في ظل سعي المليشيات إلى إظهار انتصارها ولو سياسيًا، على العكس تمامًا من الطرف الآخر، الذي يتفق مع الحوثيين ”على استحياء”.
القصد في هذه الاتفاقات ما تم مؤخرًا من إعادة تشغيل الموانئ النفطية (وليس موانئ البضائع)، الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية في محافظة الحديدة، وتحديدًا ميناء رأس عيسى النفطي، وبشكل كثيف وواسع وعلى مصراعيه، وفتحه بشكل كامل دون أي تفتيش مسبق.
وبالنظر إلى خطورة مثل هذه التطورات على المشهد السياسي، والمفاوضات بين أطراف الصراع اليمني، وتحقيقها انتصارًا سياسيًا للمليشيات على حساب التحالف والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إلا أن هناك ما هو أخطر بكثير.
الخطورة المقصودة هنا، لن تطال ويلاتها إلا السواد الأعظم من بسطاء اليمنيين في المحافظات اليمنية المحررة تحديدًا، وهي فئات لا تأبه لها الأطراف السياسية التي لا هَمّ لها سوى الفوز بالمكاسب والمصالح الضيقة التي لا تتعدى الموالين لها من القيادات العليا.
فمجرد السماح لموانئ النفط في مناطق سيطرة الحوثيين بالعمل فهذا يعني أن الموانئ النظيرة لها في المحافظات المحررة ستكون أكبر المتضررين اقتصاديًا وتجاريًا، بما في ذلك الانعكاسات المعيشية القاسية التي تطال المواطنين البسطاء.
وبصرف النظر عن أن عمليات تشغيل ميناء رأس عيسى النفطي بالإضافة إلى ميناء الحديدة الخاص بالحاويات والبضائع ستتم دون أية قيود أو شروط أو حتى تفتيش يؤمّن اليمن من ويلات السلاح الإيراني المتدفق رغم الحظر، إلا أن المخاطر الاقتصادية والمعيشية من إجراء كهذا من المؤكد أنها ستكون أكثر وطأة وذات تداعيات أسوأ على الفئات الضعيفة.
> توافقات ودلالات كبيرة
مصادر ملاحية بمحافظة الحديدة، الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية، أكدت أن ميناء رأس عيسى النفطي الواقع غرب اليمن استقبل قبل يومين ناقلة وقود قادمة من الخارج وتحمل مشتقات نفطية لمناطق سيطرة الحوثيين.
وهي المرة الأولى التي تحدث فيها هذه العملية عبر ميناء رأس عيسى الذي توقف عن تصدير واستيراد النفط منذ عام 2015، وحتى السفن التي كانت تموّن مناطق الحوثيين بالمؤن والبضائع كانت جميعها تفرغ شحناتها في ميناء الحديدة وليس ميناء رأس عيسى النفطي، وبعد تفتيش مشدد في موانئ التحالف العربي.
حدثٌ مثل هذا يعني أن هناك توافقات كبيرة وخطيرة في آنٍ واحد حدثت في الملف اليمني خلال الفترة الماضية بين التحالف والمليشيات، أفضت إلى هذا التطور الخطير، الذي يأتي في ظل استعدادات حثيثة من السلطات الحوثية في الموانئ الخاضعة لها تمهيدًا لاستقبال المزيد من السفن.
الخطورة التي يشار إليها هنا، تكمن في أمرين، الأول أن التحالف والحوثي أصبحا يمرران اتفاقاتهما دون الاهتمام برد فعل الأطراف اليمنية الأخرى حيال هذه التوافقات السياسية الخطيرة، وهو أمر له دلالاته غير المبشرة بالخير على الوضع العسكري والتفاوضي المستقبلي.
والأمر الثاني يكمن في التبعات الاقتصادية والمعيشية لمثل هكذا تطور، خاصةً وأن تشغيل ميناء رأس عيسى النفطي في الحديدة، يعني بالضرورة تراجع نشاط ميناء الزيت النفطي في عدن، تمامًا كما يعني استئناف عمل ميناء الحديدة التجاري تراجع نشاط ميناء عدن للحاويات والبضائع.
وهي أنباء أكدها قيادون حوثيون، حين أشاروا إلى أن ما أسموه بـ ”العبور المباشر” لكل السفن التجارية إلى موانئ الحديدة -دون احتجاز أو تأخير- يمثل خطوة أولية في الاتجاه الصحيح وتحتاج لتعزيز وتوسيع عبر إلغاء عمليات التفتيش الأممية، كما اعتبروا الإجراء بأنه ”يعزز فرص السلام”.
> الأضرار المترتبة
توجه سفن الوقود، ناهيك عن سفن البضائع، إلى موانئ الحديدة، سواءً في رأس عيسى النفطي أو ميناء الحاويات، يؤكد أن ثمة تغيرات سياسية، ليس فقط تشي صراحةً بنجاح التوافق الحوثي مع التحالف العربي، لكنها أيضًا تبوح بأن هناك تهديدات أخرى.
فالأضرار الاقتصادية والمعيشية المتوقعة كبيرة وخطيرة للغاية، تحدق بشكل مخيف بموانئ عدن على وجه الخصوص والمناطق الجنوبية المحررة، حيث أن إعادة تشغيل ميناء رأس عيسى في الحديدة يعني تراجع أو ربما توقف العمل ميناء الزيت -في البريقة غرب عدن- عن استقبال سفن الوقود.
وهذا يشي بأن أزمة وقود ومشتقات نفطية قد تضرب المحافظات المحررة في ظل توقعات باستئثار الحوثيين بكل كميات الوقود الممكنة، خاصة أنه يمنح امتيازات للسفن والتجار أفضل من تلك المقدمة في موانئ عدن، سواءً الموانئ النفطية أو موانئ البضائع.
كما أن الحصص المخصصة من الوقود والبضائع للمحافظات الشمالية المحررة كمأرب وتعز، والتي كانت تستقبلها موانئ عدن سيتم تحويلها إلى موانئ الحوثي في الحديدة؛ ما يعني حدوث واقع مؤلم أشبه بـ”الموت السريري” للحركة التجارية في موانئ عدن.
وهو ما يعني أن التداعيات ستطال كل تفاصيل الحياة والمعيشة التي يكابدها المواطنون في المحافظات المحررة منذ عام 2015، والتي من المتوقع أن تتفاقم في قادم الأيام إذا انتعشت موانئ الحوثي وأُهملت موانئ عدن، من خلال حرمان هذه الأخيرة من كميات ضخمة من الوقود كانت موانئ عدن تستقبلها بانتظام.
الأمر الذي يعني أن التداعيات المعيشية ستكون قاسية للغاية، حيث أن المشكلة لن تقتصر على الوقود، لكنها ستنال أيضًا من استقرار السلع الغذائية والبضائع الأساسية التي ستكون مهددة هي الأخرى إذا لجأ التجار اليمنيون نحو الموانئ اليمنية الخاضعة للحوثيين بهدف الاستفادة من الامتيازات المقدمة هناك، والتي تفتقر إليها موانئ عدن.
بل إن اقتصاديين يرون أن استئناف العمل في موانئ الحديدة سيؤثر بما نسبته 85 % على الحركة التجارية لموانئ مدينة عدن، وسط قرارات حكومية غير مدروسة متعلقة برفع قيمة التسعيرة الخاصة بالدولار الجمركي، تقابلها تسهيلات وإغراءات حوثية في موانئهم للتجار ورجال الأعمال.
> استغلال حوثي
يحاول الحوثيون استغلال واستثمار ”سقطات وهفوات” الحكومية اليمنية والبناء عليها لصالحه وتقريب التجار ورجال الأعمال نحوه، وتكرر الأمر سياسيًا وعسكريًا، وهو يتكرر اليوم اقتصاديًا.
فالحوثيون يدركون أن ما تقع فيه الحكومة والتحالف من أخطاء يومية تجاه معالجة الملف الاقتصادي، يجب استغلاله بشكل يصب في خدمتهم وإعلاء أسهمهم عند التجار ورجال الأعمال الكبار في اليمن.
ولم يكتفِ الحوثيون بتقديم تسهيلات مغرية للتجار في مناطق سيطرتهم أو الراغبين بالاستيراد عبر ميناء الحديدة، ولكنهم أيضًا عملوا على تحذير هؤلاء التجار من التوجه مجددًا نحو موانئ عدن لاستيراد أية بضائع كانت، والاكتفاء بميناء الحديدة.
وأهداف هذه الأعمال يكمن في أن الحوثي يجتهد لإعادة أسهم سمعته لدى مواطني المناطق الخاضعة الحوثي، وتقديم نفسه كمنقذ للشعب، في ظل حملات التضييق المتكررة التي ينفذها بحق المواطنين في مناطق سيطرة المليشيات.
كما أن الغاية الرئيسية تتمحور حول التسويق الناجح الذي يقوم به الحوثي سياسيًا، وحرصه على كسب المعركة السياسي لصالحه وتوجيهها التوجيه الأمثل وإظهار نفسه في مظهر ”البطل”.
بالإضافة إلى سعي المليشيات إلى أنها تغلبت على الحكومة والتحالف في المعركة الاقتصادية، التي لا تقل أهمية عن المعارك السياسية أو العسكرية.