آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

تقرير يرصد ظاهرة ارتفاع الأسعار ومدى تأثيراتها الاقتصادية على المواطن

الخميس - 16 فبراير 2023 - 08:57 ص بتوقيت عدن
تقرير يرصد ظاهرة ارتفاع الأسعار ومدى تأثيراتها الاقتصادية على المواطن
(عدن الغد)خاص:

تقرير يرصد ظاهرة ارتفاع الأسعار في عدن ومدى تأثيراتها الاقتصادية على المواطن.

هل يوجه المجلس الرئاسي حكومة الكفاءات لإجراء حزمة من الإصلاحات الاقتصادية للتخفيف من وطأة هذه الظاهرة؟

ما أسباب ظاهرة ارتفاع الأسعار في عدن وكيف تتعامل السلطة المحلية معها؟

هل ظاهرة ارتفاع الأسعار طبيعية أم أن الخلاف السياسي قد أفضى إلى هذا الواقع المؤلم؟

من يملك عصا الإنقاذ السحرية لإخراج المواطن من جحيم ارتفاع الأسعار؟

ارتفاع الأسعار.. وتستمر الحكاية.

(عدن الغد) القسم السياسي:

مع بداية تصاعد ألسنة الخلاف السياسي في اليمن منذ أواخر العام 2014 كان المواطن ينظر إليه من زاوية ثانوية كون ذلك الصراع السياسي قد تمحور حول كرسي السلطة في ظل عدم المساس بأمنه الاقتصادي، وأما في الآونة الأخيرة مع تصاعد وتيرة الصراع ودخول أكثر من طرف في إدارة ملف اليمن، وقد أدى ذلك التباين في الرؤى إلى انحراف مسار الصراع  إلى المتاجرة بقضايا المواطن وإقحام احتياجاته الحياتية في ميدان الصراع السياسي، مما شكل ضغطاً نفسياً عليه، وقد باتت ظاهرة غلاء الأسعار تؤرق المواطن وتخلط أوراق استقراره النفسي، حتى بات المواطن ينظر إلى الصراع بعين الرغبة لأن يصل إلى محطة التوافق لينعم بلحظات من الهدوء النفسي ويتمكن من إدارة ملفات حياته.

ولكن تلك الآمال ذهبت أدراج الرياح وقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاع الاسعار ليلقي بظلاله الثقيلة على حياة المواطنين والأسر في عدن، قضية عادت مجددا لتطفو على سطح الواقع وباتت الشغل الشاغل لأفراد المجتمع كونها تنعكس بصورة سلبية على حياة وترابط الأسر، الذين يعانون الأمرين من غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وإيجارات البيوت في ظل أزمة اقتصادية صعبة تعصف بالمدينة.

وتتصدر مشكلة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة قائمة المشاكل للمواطنين في عدن، إذ إن الأعباء الاقتصادية المباشرة تثقل حياة المواطن، وارتفاع الاسعار في الآونة الاخيرة بدأ يخلق فجوة شاسعة بين دخل الفرد وتحقيقه لمتطلبات الحياة الأساسية.

وارتفاع الأسعار لم يقتصر على الكماليات التي يستطيع المواطن التخلي عنها، كون الاستغناء عنها لا يؤثر على بنائه النفسي والجسماني، وإنما قد استفحلت تلك الظاهرة لتشمل كافة المواد الغذائية والاستهلاكية دون استثناء؛ وباتت متطلبات المعيشة اليومية حلما صعب المنال لعديد من الأسر في ظل صعوبة توفيرها، لاسيما الأساسية منها، وواقع صعب باتت تعيشه المدينة. عملة نقدية منهارة، وآباء بين مقصلة انقطاع رواتبهم وسندان شح فرص العمل. مدينة لا يُرحم فيها أحد. غلاء مبالغ فيه للأسعار أكبر بكثير من فارق هبوط العملة المحلية أمام الدولار.

> أسباب ارتفاع الأسعار

مما لاشك فيه أن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، وإنما قد أسهمت عدة عوامل في تفاقمها وتوسيع دائرة تأثيرها السلبي على حياة المواطن، ولما قمنا بتسليط ضوء التحليل وبحثنا عن الأسباب الموضوعية لزيادة وتيرتها وجدنا أن الحرب التي اندلعت في أواخر العام 2014 قد لعبت دوراً محورياً في تضييق سبل العيش وقد مهدت الطريق لاستفحال هذه الظاهرة في المجتمع، كما أن الحكومات المتعاقبة قد عجزت عن القيام بإصلاحات مهنية تمنع التدهور المخيف للعملة الوطنية في مقابل الارتفاع المخيف للعملات الأجنبية وهي القشة الاقتصادية التي قصمت ظهر بعير الاستقرار المالي للعملة الوطنية.

وقد أدت الحرب في اليمن إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود إلى مستويات قياسية تفاقمت معها معاناة اليمنيين، وسجلت معدلات البطالة والفقر أعلى نسبها على الإطلاق، في ظل عدم تمكن أغلب المواطنين من ممارسة أعمالهم تحت سماء العنف الدائر بين جماعة الحوثيين، وقوات المقاومة الشعبية المدعومة من تحالف دولي تقوده الرياض.

والحرب الطاحنة التي دارت رحاها في اليمن ليست هي الوحيدة التي أسهمت بشكل سلبي في تمدد هذه الظاهرة ونشب أظفارها الحادة في جسد المواطن المتهالك جراء الأزمات المتعاقبة التي تضرب كيانه الإنساني، وإنما هناك عوامل أخرى كجشع التجار وعدم قدرة الحكومة على تفعيل دوائر الرقابة والقيام بإصلاحات تعيد العملة الوطنية إلى واجهة الاستقرار وبدأ تجار الجملة والتجزئة في المدينة عمليات بيع جديدة بأسعار مضاعفة للسلع الاستهلاكية، متذرعين بالجرعة الجديدة، حيث ارتفعت الأسعار بمعدلات زيادة متفاوتة من تاجر إلى آخر، في ظل غياب الرقابة على عمليات البيع والشراء في الأسواق المحلية للمدينة، ووفقا لعدد من المستهلكين، فإنهم تفاجأوا بالأسعار الجديدة التي أضافها التجار على السلع الاستهلاكية الرئيسية مثل «الأرز، والدقيق، والحليب المجفف، والسكر وزيوت الطبخ»، والتي تفوق قدراتهم الشرائية، وتقضي على ما تبقى من الوضع المعيشي المنهار لعدد كبير من السكان.

كما أن عجز الحكومة عن دفع الرواتب لأشهر طويلة قد فاقم هذه الظاهرة وجعل رب الأسرة يعاني الأمرين من أجل توفير قوت أولاده الضروري.

وتأتي الزيادة الأخيرة في الأسعار عقب القرار الحكومي لمجلس الوزراء غير المدروس برفع سعر الدولار الجمركي من 500 ريال، إلى 750 ريالا، وكذلك رفع تسعيرة الوقود والكهرباء والغاز، والسلع المستوردة بنسبة 250 ريالا.

> مدى تأثير الظاهرة على حياة المواطنين

كعادتهم مطلع كل عام يأمل المواطنون في عدن ان يختلف الحال ويأتي العام الجديد محملا بالأنباء السارة، ولكن هذا لا يحدث كل مرة، واليوم انحدرت الاوضاع نحو الأسوأ عقب عودة العملة المحلية للانهيار مجددا امام العملات الأجنبية، حيث بلغ سعر صرف الدولار الواحد أكثر من ألف ريال في حين وصل سعر صرف الريال السعودي الواحد إلى أكثر من 300 ريال يمني.

ولفت بعض أرباب الأسر إلى أن أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية كالمعلبات والحبوب (العدس والفاصولياء) ومواد التنظيف المختلفة شهدت ارتفاعا في الأسعار إلى جانب حدوث زيادات كبيرة على أسعار الدواجن واللحوم والبيض، وإن هذا الأمر أثر سلبا على المستوى المعيشي له، وبات غير قادر على تأمين احتياجات منزله.

وأكدوا أن حالة الغلاء التي طالت مختلف مناحي الحياة زادت الأمور سوءا، وبات الراتب الشهري لا يكفي لتسيير أموره حتى منتصف الشهر، وبقية الشهر يقوم بشراء حاجياته بالدين، مشيرين إلى أن ارتفاع الأسعار المتتالي دمر البيوت، وزادت نسب الفقر وشردت الأسر نتيجة عدم القدرة على تأمين المستلزمات والمصاريف اليومية.

وناشد المواطنون الجهات المعنية بتحمل مسؤولياتهم تجاه المواطنين، والعمل على خدمة المواطنين وتحمل الواجب الملقى على عاتقهم وتفعيل الرقابة الحكومية على الأسواق وإخضاع التجار للمحاسبة بسبب تجاوزاتهم وانتهاكهم لقانون السوق، كون عدم مساءلة التجار جعل المحلات، خاصة التي هي واقعة وسط الأحياء الشعبية، تستغل هذه الفجوة بالزيادة التي يضعها العمال في المتاجر أو البقالات، وتقفز الأسعار حتى مع ثبات سعر الصرف، دون رقيب أو حسيب.

ويحذر اختصاصيون اجتماعيون من تأثير غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار على المواطنين كون ذلك يجعل أرباب الأسر يشعرون بالدونية في ظل عدم مقدرتهم على تلبية متطلبات أسرهم اليومية، وهو ما يصيب الشخص بأمراض نفسية، لكثرة الضغوط، ومن أهمها الضغوط الاقتصادية، حيث يصبح الفرد أكثر عرضة للاكتئاب والقلق النفسي.

إضافة إلى أن الغلاء المعيشي يتسبب بدمار الكثير من العلاقات الأسرية ويساهم في تفشي العديد السلبيات أهمها التهديد الصريح للاستقرار الأسري، وإصابة ذوي الدخل المحدود بالعديد من الأمراض وفي مقدمتها الضغط والسكري.

> الحلول والمعالجات

إن استمرار الواقع المعيشي على ما هو عليه ينذر بكارثة إنسانية بل قد يتعداها إلى خلق مزيد من الأزمات الاجتماعية التي تهدد النسيج الأمني للمجتمع وتسهم في تصدع جدران قيمه الإنسانية.

وظاهرة غلاء الأسعار تفاقم صعوبات الحياة المعيشية، وتصيب آمال المواطن البسيط بمقتل، ولابد من اتخاذ سلسلة من التدابير لرفع كاهل المعاناة عن عاتق المواطنين، ورسم مسار مهني للخروج من عنق زجاجة الارتفاع غير الأخلاقي لأسعار المواد الغذائية، وتمثلت آلية الخروج من دوامة الأزمة من وجهة نظر المواطنين في الآتي:

> مطالبة الحكومة بإصلاحات اقتصادية:

بما أن انهيار العملة الوطنية في مقابل النقد الأجنبي هو السبب الرئيس في توسع دائرة الغلاء وأكله للأخضر واليابس، فقد ناشد العقلاء بضرورة اضطلاع أعضاء الحكومة بدورهم الأخلاقي والقيام بإصلاحات فورية عاجلة تحد من السقوط المتسارع للعملة، وحفظ ما يمكن حفظه وإعادة الصرف إلى مستويات مقبولة ترفع عن كاهل المواطن لهيب الأسعار وحفز ما تبقى من كرامته الإنسانية المهدورة في تراب التسول.                                                                                 
> تفعيل الرقابة الحكومية:

على الجهات المعنية تحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين، والعمل على خدمة المواطنين وتحمل والواجب الملقى على عاتقهم وتفعيل الرقابة الحكومية على الأسواق وإخضاع التجار للمحاسبة وشدد المواطنين على ضرورة تفعيل قرار وزارة الصناعة والتجارة بالإشهار السعري الذي يلزم بضرورة نشر قوائم بأسعار السلع في المحلات التجارية ووضع سعر المنتج على العبوة. وكذا النزول الميداني لمراقبة حركة الأسعار في الأسواق لمنع أي زيادة قد تحصل.

> مطالبة التحالف بالوفاء بالتزاماته:

بما أن اليمن ترزح تحت خط الوصاية الإقليمية ببندها السابع وأن القرار السياسي لها قد سلب بموجب قرار مجلس الأمن، فلا بد على تحالف دعم الشرعية أن يقوم بدوره في زيادة وتيرة الدعم الإنساني، والإسهام بشكل مباشر في انتشال اليمن من مستنقع الانهيار الاقتصادي، وأن يأخذ على عاتقه مهمة دعم العملة الوطنية وتزويد البنك المركزي بالنقد الأجنبي على شكل هبات أو مساعدات أو من بوابة الودائع المالية، وبغير هذه الرؤية ستظل اليمن في نفق الانهيار، ولن ترى نور التعافي من أزماتها.