آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

تقرير: ما مكاسب التحالف والحكومة الشرعية من الامتيازات الممنوحة مؤخراً للحوثيين؟

السبت - 18 فبراير 2023 - 06:29 ص بتوقيت عدن
تقرير: ما مكاسب التحالف والحكومة الشرعية من الامتيازات الممنوحة مؤخراً للحوثيين؟
(عدن الغد)خاص:

قراءة لواقع المستفيدين والخاسرين من التفاهمات الأخيرة التي يشهدها المشهد اليمني..

من سيحقق مكاسب أكبر خلال الاستحقاقات القادمة في اليمن؟

ما موقف المجلس الانتقالي.. وهل سيكون هو الخاسر الأكبر من كل ما يحدث؟

هل كسب الحوثيون جولة الحرب الحالية.. وكيف ستصب التفاهمات غير المعلنة لصالحه؟

الإيرادات التي سيجنيها الحوثيون.. إلى أين ستذهب.. وهل سيلتزم بصرف مرتبات الموظفين؟

لماذا يعمل التحالف والحكومة اليمنية على إعفاء الحوثيين من أية التزامات؟

ما الخسائر المتوقعة للمناطق المحررة من المكاسب التي يجنيها الحوثيون حالياَ؟

مكاسب الحوثيين.. هل هي مؤقتة تمهيداً للتسوية السياسية أم أنه يجري تسليم اليمن للمليشيات؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

لا يعرف عالم السياسة أية ثوابت، بل إن الشيء الثابت الوحيد في السياسة هو "التغيير"، وهذا التغيير قائم على أساس المصالح والمكاسب، فعدو الأمس يمكن أن يكون صديق اليوم، والعكس صحيح بناءً على المتغيرات.

وهذه القواعد تحكم أية حسابات سياسية، متى ما توفر ما يُغري هذا الطرف أو ذاك على تقديم التنازلات للحصول على مكاسب ما، والمشهد السياسي اليمني الذي يعيش صراعًا مستمرًا منذ تسع سنوات لا يخرج عن هذه القواعد.

فما يجري حاليًا من تغيرات جذرية في الحسابات السياسية والعسكرية والإنسانية في اليمن يؤكد أن المتغيرات تحدث بالفعل، وأن الأعداء بدأوا بالتقارب حتى أنهم شرعوا بتقديم التنازلات تلو الأخرى، في مقابل الحصول على امتيازات.

وفي صلب هذه المتغيرات تبرز التفاهمات السياسية بين التحالف العربي والمليشيات الحوثية، والمتضمنة فتحًا واسعًا لمطار صنعاء الدولي إلى وجهات غير مقيّدة، بالإضافة إلى رفع يد التحالف عن ميناء الحديدة في عملية استقبال كافة أنواع السفن التجارية والنفطية دون أية شروط أو تفتيش.

تفاهمات كهذه، جعلت من الحوثي يظهر في موقف المستفيد الأكبر من كل ما يحدث، خاصةً وأنه تمسك لسنوات بمطالبه في رفع الحظر عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء أو كما كانت تصفه المليشيات بـ"الحصار على اليمن".

في المقابل، بدا التحالف العربي والحكومة اليمنية الشرعية وحتى المكونات المنضوية في نطاقهما كالمجلس الانتقالي الجنوبي بمظهر الخاسرين من هكذا تفاهمات، ليس فقط سياسيًا بل حتى اقتصاديًا وعسكريًا.

لكن في الحقيقة أن الواقع لا بد أن يكون مغايرًا لما يبدو للعيان، فالسياسة عبارة عن تنازلات متبادلة في سبيل تحقيق مصالح ومكاسب لجميع الأطراف، حتى وإن لم تكن تلك المكاسب بادية بجلاء.

ومن خلال استعراض المكاسب والخسائر لكل الجهات المتداخلة في الصراع اليمني يمكن أن يتضح موقف كل طرف تجاه ما يجري من تفاهمات يتوجس منها البعض فيما آخرون يروجون لها ويرحبون بها، رغم أن شيئًا من تلك التفاهمات لم يتم الإعلان عنها رسميًا.

> مكاسب التحالف والشرعية

أعلنت الحكومة اليمنية الشرعية مؤخرًا عبر بيانات رسمية خشيتها من استغلال الحوثيين للاتفاقات التي تمت مع التحالف العربي في إدخال المزيد من الأسلحة الإيرانية عبر موانئ الحديدة ومطار صنعاء الدولي.

مخاوف الحكومة اليمنية نبعت من عدم قيام التحالف بتفتيش السفن أو الرحلات الجوية كما جرت العادة، وهو ما يعني- بحسب رؤية الحكومة- أن الحوثيين بإمكانهم استغلال هذه الثغرة في تعزيز ترسانتهم العسكرية ومعاودة التصعيد.

ووجهة نظر الحكومة تقوم على أساس أن المليشيات التي لا ترعى اتفاقًا ولا هدنة يمكنها التذرع بأي ذريعة لإفشال التفاهمات مع التحالف بعد أن تكون قد عززت قدراتها العسكرية عبر الأسلحة التي ستصلها عبر ميناء الحديدة ومطار صنعاء.

وبرأي الحكومة فإن الخاسر عندها سيكون الشعب اليمني برمته، الذي كان ينتظر السلام بدلًا من التصعيد العسكري واستئناف الحرب مرةً أخرى، خاصة وأن الحوثيين لا يؤمن جانبهم، وتاريخهم مع المعاهدات خير شاهد.

أما التحالف العربي، فيبدو أنه يرى في اتفاقاته مع الحوثيين فرصة لإيقاف شرهم الذي وصل إلى عمق أراضي دول التحالف، كما يبدو أنه حصل على العديد من الضمانات التي تكفل له منح الحوثيين امتيازات في تطبيع الحياة داخل مناطقه مقابل الكف عن إيذاء جيرانه، أو حتى تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر.

وهذه المكاسب التي يسعى التحالف لضمانها وأخذها من الحوثيين تؤكد أنه لا يوجد شيء ثابت في السياسة، وأن الفوز بالمصالح مقدم على المواجهة التي تؤسس لعلاقة متوترة باستمرار، خاصةً وأن المجتمع الدولي يسعى إلى وضع حد للأزمة اليمنية والحرب المستعرة منذ ما يقارب عقد من الزمان.

لكن الشيء الخطير اللافت في الأمر أن سعي التحالف إلى ضمان مكاسبه يتم بشكل انفرادي بعيد عن الحكومة الشرعية التي منحته شرعية التدخل العسكري في اليمن، وهو ما حذرت منه مجموعة الأزمات الدولية، التي عبرت عن مخاوفها من إزاحة الشرعية عن المشهد.

وهذه الإزاحة المعبرة عن خسائر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا من هكذا اتفاقات انفرادية تعمل على الإخلال بتوازن الصراع اليمني، سياسيًا على الأقل، حيث لن يتواجد مقابل طبيعي وند شرعي للانقلاب والتمرد على الدولة الذي يمثله الحوثيون الذين بدلًا من مواجهتهم ومعاقبتهم فإنهم يحصلون على الامتيازات.

غير أن موالين للحكومة والتحالف معًا يؤكدون أن هذا الأخير لا يمكن له أن يُقدم على أية خطوات بمنأى عن ضمان مصالح الشرعية اليمنية المعترف بها دوليًا، فلا يمكن تمرير أية صفقات إلا بموافقة من الحكومة الشرعية، حتى تبدو التفاهمات معتمدة دوليًا أيضًا.

وهذا يعني أن الحكومة الشرعية هي الأخرى ستحظى بمكاسب نظير تنازلاتها للحوثيين باستعادة الحركة التجارية في منافذها البحرية والجوية على السواء، لكن إلى الآن لا يُعرف ما طبيعة تلك المكاسب التي ستفوز بها الشرعية اليمنية، لكنها ستأتي حتمًا، بناءً على القاعدة السياسية القائمة على التنازلات والمصالح المتبادلة.

ولعل أبرز تلك المكاسب المتوقعة، أن يرفع الحوثيون يده من موانئ تصدير النفط الخام، حتى تستطيع الحكومة اليمنية تصديره إلى الخارج وصرف مرتبات الموظفين، مقابل تشغيل موانئ الحوثيين بشكل طبيعي.

> موقف الانتقالي

ثمة مكونات سياسية موالية للتحالف العربي ومنضوية في الهيكلية الشرعية للحكومة المعترف بها دوليًا، ويأتي على رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي والمجلس السياسي للمقاومة الوطنية بقيادة طارق علي عبدالله صالح.

وباعتبار أن المجلس الانتقالي الجنوبي المسيطر على الأرض عسكريًا في أغلب مناطق المحافظات الجنوبية المحررة، فإن الامتيازات الاقتصادية التي تعطيها التفاهمات مع التحالف تنعكس بالتأثير الواضح والكبير على الموانئ الجنوبية وفي مقدمتها ميناء عدن.

فتحويل السفن التجارية وناقلات النفط إلى ميناء الحديدة بدلًا من ميناء عدن يؤثر بشكل قاسي على الأوضاع المعيشية في المحافظات الجنوبية ومناطق سيطرة الانتقالي، وهو ما يجعل هذا المكون السياسي في مواجهة مباشرة مع أنصاره والمواطنين في تلك المناطق الذين حتمًا سيتأثرون بالتداعيات المعيشية لتحويل وجهة السفن والبضائع من ميناء عدن.

التفاهمات لم تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، ولكنها تتضمن جوانب عسكرية لعل أكبر الخاسرين فيها هو المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته التي بدأ التحالف في سحب البساط من تحتها، لصالح قوات مستحدثة مؤخرًا تأتمر بإمرة التحالف والمجلس الرئاسي اليمني رأسًا.

وهذه الخسائر الجلية والواضحة تؤكد أن المجلس الانتقالي سيكون أحد الخاسرين جراء هذه الصفقة التي تتم بين التحالف والحوثيين، لكن هذه الخسائر ستكون مقتصرة على الكيان السياسي المتمثل في الانتقالي، الذي سيفقد جزءا كبيرا من مصداقيته تجاه مطالب أنصاره السياسية.

لكن الخاسر الأكبر في حسابات الاقتصاد والأوضاع المعيشية سيكون المواطنون الذين سيتعرضون لمزيد من نيران الضغط المعيشي والتردي الاقتصادي نتيجة رحيل التجار ورأس المال ورجال الأعمال صوب موانئ الحوثيين في الحديدة بما تحمله من امتيازات يفتقر لها ميناء عدن.

> مصير إيرادات منافذ الحوثيين

تلك الامتيازات والمكاسب التي سيجنيها الحوثيون على الجانب السياسي، ليست أكبر من المكاسب التي سيجنونها على المستوى الاقتصادي، فالإيرادات المتوقعة قد تصل إلى مليارات الدولارات، غير أن مصيرها يبدو غامضًا للغاية.

فمخاطر توظيف هذه الإيرادات الضخمة نحو المجهود الحربي لاستئناف القتال وتهديد المناطق المحررة احتمالاتها كبيرة، خاصةً وأن الحوثيين لا يمكن لهم أن يلتزمون بصرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرتهم، ناهيك عن مناطق سيطرة الحكومة الشرعية والمحافظات المحررة.

ورغم هذه الإيرادات الضخمة التي تصل إلى المليارات فإن التحالف والحكومة الشرعية غير قادرين على إلزام الحوثيين بصرف مرتبات الموظفين، حتى داخل مناطق سيطرتهم، بل إنهم يشترطون أن تقوم الحكومة بصرف مرتبات موظفي مناطق الحوثيين مقابل السماح لها بتصدير النفط.

لكن هذا العجز عن إلزام الحوثيين يؤكد أن هذا الأخير استطاع فرض قوته ومطالبه، ويبرر الخضوع الذي أقر به التحالف ومن ورائه الحكومة الشرعية وإعفاء الحوثيين عن التزاماتهم تجاه مرتبات موظفي الدولة.

وتبدو هذه الصفقة هي الممكنة والمتوقعة وتؤكد التنازلات المتبادلة والمصالح والمكاسب التي يمنحها كل طرف للآخر، لكن الخطورة تبقى في مصير الإيرادات التي سيجنيها الحوثي نتيجة استقباله للسفن التجارية والنفطية ورحلات مطار صنعاء، بالإضافة إلى مخاطر تمرير الأسلحة عبر هذه المنافذ الرسمية وبشكل أكبر من تهريبها عبر المنافذ غير القانونية.

> الخاسر الأكبر

في المحصلة النهائية لكل ما يجري من تنازلات سياسية يظهر أن الخاسر الأكبر من هذه الصفقات هو المواطن في المناطق المحررة تحديدًا، وحتى من المواطنين في مناطق الحوثيين.

ففي المناطق المحررة سيكتوي المواطنون بمزيد من التردي المعيشي نتيجة تراجع النشاط الاقتصادي والتجاري لميناء عدن ومطارها الدولي لصالح مطار صنعاء وميناء الحديدة الذي لن تذهب إيراداته للمواطنين في مناطق الحوثيين بقدر ما ستذهب إلى جيوب قادة المليشيات وحساباتهم في الخارج، أو في أحسن الأحوال فإنها ستذهب للمجهود الحربي الحوثي.

لكن الأمل الوحيد في تحسين وضع المواطن البسيط في مناطق الحوثيين والحكومة اليمنية على السواء هو أن تكون هذه الصفقة الجاري تنفيذها مجرد صفقة مؤقتة لبناء الثقة بين الجانبين.

كما أن الأمل في أن يكون كل ما يجري ما هو إلا بداية للتمهيد للسلام وللتسوية السياسية التي ستعيد الأوضاع إلى طبيعتها ما قبل عام 2014، وليست كما تبدو أنها عملية لتسليم اليمن ليد المليشيات الحوثية ومن ورائها إيران.