آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:16ص
ملفات وتحقيقات

الرئيس علي ناصر يروي عن علاقات قطر و موقفها من الصراعات اليمنية  (19)

السبت - 25 فبراير 2023 - 05:26 م بتوقيت عدن
الرئيس علي ناصر يروي عن علاقات قطر و موقفها من الصراعات اليمنية  (19)
((عدن الغد)) خاص.

إعداد / د. الخضر عبدالله :

العلاقات مع قطر

بعد ان  أوضح  الرئيس علي ناصر  عن  كشف من كان السبب في  وقع  الحرب والقطيعة بين عدن  وعُمان  ..و هذه المرة يروي حول العلاقات مع قطر ..وقال مسترسلا في حديثه :" كانت زيارتي الأولى لقطر عام 1982م، في إطار جولة قمت بها إلى بعض دول المنطقة، التقيت خلالها أمير قطر الشيخ خليفة آل ثاني، وولي عهده حمد، قبل أن ينقلب على والده ليصبح حاكماً مع شريكه حمد بن جاسم وزير الخارجية. أتذكر أننا اختلفنا مع الوالد في موضوع العلاقات مع المعسكر الاشتراكي ومع إثيوبيا، ولكننا اتفقنا مع ابنه حمد الذي كان متفقاً معنا في كثير من القضايا، فانزعج والده منه وضحك، وقال: لقد اتفقتم عليّ. شعرت حينذاك بالتباين في وجهات النظر بينهما، ولكنني لم أتصور أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، فالسلطة والمال والنساء تفرق ما بين الأب وابنه والأخ وأخيه، وهذا لا ينطبق على قطر وحدها، فالخليج والمنطقة مرّا بمثل تلك الأحداث.

ويكمل حديثه بالقول :"حينذاك كانت قطر قد بدأت استثمار ثرواتها وخيراتها، وانعكس ذلك على النهضة التي شاهدناها في العاصمة وخارجها وغيرها من المشاريع، وكان الأمير وابنه مهتمين بالمها التي جرى تجميعها من الصحراء ومن ثمود في حضرموت، وطلب مني الأمير حمد أن نقوم بزيارة المحمية التي كانوا يعتزون بها وعملوا من رأسها شعاراً لطائراتهم وغيرها. لكن والده لم يكن مقتنعاً بهذه الزيارة مع وليّ عهده بعد تطابق وجهات النظر بيني وبينه في القضايا الإقليمية والدولية، ولهذا أجّلت الزيارة لهذه المحمية نزولاً عند رغبة والده، لكن العلاقات الرسمية والشخصية بيني وبين وليّ العهد استمرت منذ عام 1982 وحتى مغادرتي للسلطة وما بعدها، وكنا نتبادل الهدايا في المناسبات وعند زيارة الوفود لنا أو لهم.

العرض بمنصب نائب الرئيس

ويستدرك الرئيس علي ناصر  حديثه قائلا :" بعدها لم أزرها منذ مغادرتي السلطة عام 1986م إلا عام 1994م. في عام 1994م، طلب مني الرئيس علي عبد الله صالح التوجه إلى الدوحة بعد إخفاق الوساطة العمانية في صلالة بينه وبين نائبه علي سالم البيض الذي التقيته في أبو ظبي قبل لقائه علي عبد الله في صلالة بساعات. كان حكّام قطر يقفون سياسياً وإعلامياً إلى جانب الرئيس علي عبد الله في صراعه مع نائبه علي سالم البيض. فقد حضرت لقاءً يمنياً قطرياً مشتركاً وطلب الرئيس مني أن أتحدث عن أوضاع اليمن وحكام عدن، وحين تحدثت أكدت أهمية استمرار الوحدة والحفاظ عليها، وقلت إن الحوار والحلّ يجب أن يأخذا في الاعتبار الحفاظ على الوحدة اليمنية، لأنني أرى الأمور الآن تسير نحو الاقتتال والانفصال. قاطعني الرئيس وقال إننا لا يمكن أن نكون البادئين للحرب، وإننا متمسكون بوثيقة العهد والاتفاق والدفاع عن الوحدة مهما كلفنا ذلك من ثمن.

كان أمير قطر الشيخ خليفة يسأل ونحن نجيب، وابنه الشيخ حمد يعلّق على حديثنا ويؤكد مساندته للوحدة. بعد الجلسة حاول الرئيس إقناعي بالذهاب معه إلى صنعاء لتحمّل مسؤولية نائب الرئيس بدلاً من البيض، ولكنني قلت له إنني لا أفكر في العودة إلى السلطة، وألحّ الرئيس عليّ للسفر معه، وقال: «إن الطائرة الرئاسية تحت تصرفك، وبعد وصولنا إلى صنعاء إذا أحببت واقتنعت بقيت... وإذا رغبت في التخزين والمبيت يوماً واحداً، فهذا راجع لك!!! وإذا رغبت في مواصلة رحلتك بعد وصولنا إلى صنعاء فعلى بركة الله».

تجار الحروب

ويواصل الرئيس  ناصر قوله :"  كان أمير قطر ووليّ عهده وحمد الجاسم يسمعون الحديث، ولكنني ودعته في مطار الدوحة وطلبت منه أن يصطحب معه مدير مكتبي حسن عليوه ليشرف على ترتيبات افتتاح فرع المركز العربي للدراسات الاستراتيجية الذي سيكون في حالة تجهيزه مناسبة لقدومي إلى صنعاء لافتتاحه، وقبل ذلك المقترح على مضض!!!! بعد إقلاع الطائرة توجهنا إلى قاعة التشريفات مع الأمير وابنه حمد بن خليفة، وسألني الشيخ حمد: ما رأيك في الوضع اليمني؟ فنحن نتابع تصريحاتك ومواقفك المتوازنة وحرصك على حقن الدماء والحفاظ على الوحدة، قلت لهما: إن الجميع يستعد للحرب والانفصال وأنا شخصياً ضد الاقتتال والانفصال. قاطعني الشيخ خليفة وقال إن الرئيس أكد أنه لن يحارب ولن يبدأ... قلت: طبول الحرب تقرع في كل مكان من اليمن، وتجار الحروب منتشرون في كل مكان فيها وخارجها، بعضهم لشراء السلاح والاستفادة من العمولات، وبعضهم من أجل الحصول على السلاح وبيعه، وآخرون من أجل الحرب التي يراها البعض مصدراً للارتزاق الدائم، فقد عاش البعض من الحروب والصراعات منذ قيام الثورتين في الشمال والجنوب. ابتداءً بحروب الملكيين، وهم ينتقلون من حاكم إلى حاكم ومن دولة إلى دولة أخرى، وجاهزون لنقل بنادقهم من كتف الاشتراكي إلى المؤتمر الشعبي، كما كانوا ينقلونها من كتف عبد الناصر إلى كتف السعودية، ودوماً كان اليمنيون وقوداً في هذه الصراعات والحروب، وندفع الثمن دماءً ودموعاً والآخرون يغذونها بالمال والسلاح. نحن اليوم بحاجة إلى مساعدتكم ومساعدة كل الأشقاء لوقف الانهيار في الوضع اليمني، فالبلد يقف على حافة الحرب، وقلت له إنني أتوقع أن يحدث هذا الانفجار خلال شهرين من الآن لا أكثر! وحدث في أيار/مايو من العام نفسه.

انقلاب القطرين على بعضهم

 يكمل الرئيس  ناصر حديثه  ويقول :" سألني الشيخ خليفة: أأنت متيقن مما تقول؟ لكن الشيخ حمد قال: أنا أعتمد على تقييمه للوضع، وأتوقع حدوث الحرب بين الطرفين كما أكد الرئيس علي ناصر. والتفت نحوي الشيخ خليفة وقال: نحن سنساعدك في إنشاء مركز الدراسات إذا كنت لا ترغب في العودة إلى اليمن والسلطة... (ولكنهم لم يقدموا دولاراً واحداً بعد ذلك). غادرت قاعة التشريفات، وكان في انتظارنا الشيخ حمد بن جاسم وزير الخارجية الذي طلب مني أن أبقى بعض الوقت، ولكني أصررت على السفر إلى دمشق. وسألني الشيخ حمد: أين طائرتك؟ وكان الهدف من السؤال توديعي، فأجبته: سأسافر عبر طيران الخليج. لكنه أصر على ترتيب إحدى طائرات الديوان الأميري لنقلنا إلى دمشق دون أن يستأذن الأمير أو ولي عهده في هذا القرار، وشعرت بأنه صاحب قرار... وغادرت الدوحة إلى دمشق على متنها.

بعد هذا تغيرت الأمور في قطر. رحل أمير قطر الأب، وحلّ محله ابنه الشيخ حمد، ومارس الشيخ حمد بن جاسم دوراً مهماً في هذه التغييرات، وفي السياسة الداخلية والخارجية، وأصبح صاحب اليد الطولى في القرار في هذا البلد الشقيق، وفي المنطقة أخذت قطر تؤدي دوراً أكبر من حجمها جغرافياً وبشرياً. حاول الشيخ خليفة استعادة عرشه بالتعاون مع بعض الدول وسماسرة السلاح في بعض الدول العربية واشترى الأسلحة من وادي عبيدة في الجمهورية اليمنية، وكلّف هذه المهمة وغيرها من المهمات المتعلقة بالحصول على السلاح الشيخ حمد بن جاسم وزير الاقتصاد في حكومته السابقة، وهو ابن عم الأمير، ويدعي أن والده هو الذي كان يجب أن يكون حاكماً، ولكنهم تآمروا عليه وأبعدوه ليحلّ محله الشيخ خليفة وابنه حمد، وقامت المحاولة الانقلابية الفاشلة، وأكد لي الشيخ حمد بن جاسم بعد هذا الانقلاب الفاشل أنهم خدعوه وتآمروا عليه (يقصد الأب والابن) وعرضوا كل أنصاره في الداخل والخارج لهذا المصير الذي آلوا إليه في السجون والتشرد بين الدول العربية. وشكا لي تجارَ السلاح في وادي عبيدة الحكومةَ اليمنية التي سلّمت بعض الضباط الهاربين لحكومة قطر، وشكا موقف بعض الدول الخليجية التي تحالفت معه ومن بعد خانته، وشكا أن الشيخ خليفة أيضاً تخلى عنه واستولى على كل أموال قطر ومساعدات بعض الدول. كان محبطاً يكيل الاتهامات يميناً وشمالاً. تحدثت كثيراً مع قائد هذا الانقلاب الفاشل في عديد من المرات، ونصحته بالتوقف عن هذه الأحاديث، والتوقف عن حديث السلاح والانقلابات، ونصحته بإجراء حوار مع أمير بلاده والعودة إلى وطنه... ولكنه كان يرفض الحديث عن ذلك، وشرحت له كيف أننا في تجربتنا في عدن كنا نطالب بالحوار مع النظام بالرغم من حكمه علينا بالإعدام.

الامير الذي وقع ضحية النصابين

ويستطرد الرئيس  ناصر ويقول :" حمد بن جاسم هذا شخص صادق وبريء، جريء وسطحي، ولا يخفي أي أسرار أو معلومات شخصية أو غيرها، وأخيراً استقرّ به المقام في دمشق في قرى الأسد، وحاول أن يبني له قرية سكنية في مرتفعات جبال الديماس التي تطلّ على الصبورة ويعفور وقرى الأسد، واشترى قطعة واسعة من الأرض تقدَّر بألف دونم لبناء منازل له ولزوجاته وأولاده وأخواته ووالدته. وقد زرت هذه الأرض التي حدد فيه مواقع السكن والخيام والخيول والغنم، وشكا أنه وقع ضحية مجموعة من النصّابين ساعدته على شراء الأرض، وكان أكثر من 400 دونم منها أراضي دولة وليست للبائعين مما اضطره إلى الشكوى، وقد تدخل مدير مكتب الرئيس الأسد واحتُجِز النصّابون، وسُجِّلَت الأرض باسمه حسب توجيهات من الرئيس الذي أبدى تفهماً لحالته، لأنه كما شرح لي كان يقاتل مع الفدائيين الفلسطينيين في لبنان قبل تحمله مسؤولية شرطة قطر ووزير الاقتصاد.

الغربة كربة

وتابع الرئيس علي ناصر حديثه وقال :" فيما بعد وهو في زيارة للبنان، جرى اختطافه وتخديره وترحيله ونقله ومحاكمته وسجنه في قطر، حيث قضى فترة العقوبة، ودفع ثمن أخطائه وعفويته واستهتاره وعدم حرصه على أمنه. وقد تألمت كثيراً لما جرى له. ومن المؤسف أن الشيخ خليفة وأميره في الانقلاب تخلى عنه وعن أنصاره الذين نقل بعضهم إلى قطر للمحاكمة. وبالمصادفة، قابلت بعد ذلك الشيخ خليفة في أبو ظبي، وكان ينزل مع أنصاره ومرافقيه وحرسه الفرنسيين والطباخين في الأنتركونتيننتال، وكان عددهم لا يقل عن 100، معظمهم من الأجانب، وقد نصحته بالحوار مع ابنه الشيخ حمد والعودة إلى الوطن، فالسلطة انتقلت من اليد اليمنى إلى اليسرى ولم تخرج خارج أسرته، وشرحت له أن «حياة الغربة كربة» كما يقول المثل، وقلت له: «صدقني أيها الأمير، جربنا الحياة خارج الوطن منذ 1986م، ونأمل أن يأتي اليوم الذي يلتئم فيه لمّ شمل أسرتكم، فأنت أولاً وأخيراً أبٌ للجميع». ولكنه صمت طويلاً ولم يُعَلِّقْ على حديثنا عن العودة والسلطة والغربة، وربما لم يقتنع بحديثي وكان لا يزال يفكر في الشهرة والجاه والسلطان.

ويضيف الرئيس ناصر  :" و لم أزر قطر مجدداً إلا عام 1998م، إثر عودتي من زيارة لطهران، وقد شاركنا في ندوة نظمها وكيل وزارة الخارجية الأستاذ عبد الرحمن العطية الذي رتب لنا موعداً للقاء الأمير حمد بن خليفة... وفي اللحظة الأخيرة قبل لحظات من الموعد ونحن نستعد للذهاب إلى المقابلة جرى الاتصال بي وإشعاري بأن موعد الأمير قد تأجل، وأنهم حددوا لي بديلاً من ذلك موعداً مع رئيس وزراء قطر (شقيق الأمير). قلت لهم إنني لم أطلب موعداً مع رئيس الوزراء، والمقابلة مع الأمير هي للمجاملة ولأنني أعرفه، وقد رتبت المقابلة وأبلغت بذلك رسمياً وأنا أتأهب الآن للذهاب إليه، وأعلم أن وزير الشباب اليمني عبد الوهاب راوح ذاهب لمقابلة الأمير بعدي، وقد حددوا له موعداً عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً، ولن أذهب لمقابلة أحد في قطر إذا تعذّر اللقاء مع الأمير.

واستدرك الرئيس ناصر حديثه :" بدا لي قرار الاعتذار وكأنه ليس قراراً قطرياً، بل حصل نظراً إلى تدخل جهات أخرى كانت تراقب تحركاتي وتخشى حركتي، بالرغم من أنني جندت كل نشاطي لخدمة اليمن وشعبه، ومع الأسف إن الرئيس علي عبد الله صالح لم يتصرف بطريقة ودية، وأنا متيقن من أنه لن يعترض على مقابلة أي شيخ من الذين يتنقلون ويقفون على أبواب حكام الخليج. وهكذا قررت مغادرة الدوحة دون لقاء أحد، خلافاً لرجاءات القطريين والسفير اليمني، وقد كان لي ما أردت، حيث غادرت إلى دبي، وكان في استقبالي في مطارها صديقي الشيخ طالب بن صقر القاسمي قائد شرطة رأس الخيمة، الذي أقلني بسيارته إلى مقر إقامتي." ( للحديث بقية ).