آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:25ص
ملفات وتحقيقات

مستشفيات بلا ذاكرة إلكترونية(تقرير)

الإثنين - 27 فبراير 2023 - 02:31 م بتوقيت عدن
مستشفيات بلا ذاكرة إلكترونية(تقرير)
((عدن الغد)) خاص.

تقرير: جمال سيلان          

 في كل مرة يقصد فيها الشاب الثلاثيني (أبو رامي الحاشدي) أحد المستشفيات الحكومية بالعاصمة صنعاء، بصحبة والدته التي تعاني من أمراض مزمنة، سيضطر في كل مرة لسرد قصة والدته مع المرض، وإجراء فحوصات من جديد للطبيب المناوب، وهذا يكلفه الكثير من الأموال في ظل وضع لا يسر.

 معاناة (الحاشدي ووالدته) ليست الوحيدة في اليمن، إذ يواجه آلاف المرضى المترددون على المستشفيات والعيادات الطبية الوضع ذاته، في ظل غياب التوثيق الالكتروني. وتقول الاستشارية في طب العيون، ابتسام التويتي: "حينما يوثق المستشفى إلكترونياً بيانات المريض أستطيع أن أبني عليها، أما في المستشفى الذي لا يعمل بهذا النظام فأضطر للبدء من جديد مع المريض". 

نظام التوثيق غير فعال

لعل الزائر للمستشفيات الحكومية والخاصة والعيادات الطبية في العاصمة صنعاء أو غيرها من المدن اليمنية، سيلحظ غياب التوثيق الالكتروني لبيانات المرضى وطبيعة ما يعانونه، والفحوصات التي أجريت لهم، والأدوية التي صرفت لعلاجهم، إذ لازال العمل سارياً في أغلب هذه المستشفيات بالنظام التقليدي للمرضى فقط الذين أجريت لهم عمليات بهذه المستشفيات، أو استمر علاجهم لأيام فيها.

 يؤكد "عبدالله النمري" مدير قسم الإحصاء بمستشفى الثورة بالعاصمة صنعاء، قائلاً: "لا يزال التوثيق لدينا يتم بالطريقة التقليدية، نحفظ ملفات المرضى الذين تُجرى لهم عمليات في المستشفى في ملفات، ويتم البحث فيها والاسترجاع يدوياً"، مضيفاً: "لا يوجد مستشفى عام في حد علمي يستخدم نظام الأرشفة الإلكترونية، ونحن في مستشفى الثورة نسعى للبدء بنظام التوثيق الإلكتروني منذ بداية العام الجاري".

بدوره "حاشد جعدل"، مدير إدارة الإحصاء في المستشفى الجمهوري بالعاصمة صنعاء يتفق مع ما قاله زميله "النمري"، مشيراً إلى أن إدارة المستشفى تسعى للعمل بنظام التوثيق الإلكتروني خلال هذا العام.

الأرشفة الحديثة تمثل خدمة طبية

غياب العمل بنظام الأرشفة الحديثة، يؤكده الأطباء العاملون بالمستشفيات اليمنية، فبحسب تعبير "طارق الدعيس" الاستشاري في طب العيون، أنه لا يوجد حتى الآن أي مستشفى أو مركز صحي يعمل بنظام التوثيق الإلكتروني، بالرغم من أهميته الكبيرة للمريض والطبيب معاً، حيث أن الطبيب يستطيع أن يطلع على البيانات من سجل المريض الطبي، ويبني عليه فحصه الجديد، كما يستفيد المريض بعدم سرد قصته المرضية وإجراء فحوصات من جديد.

ويشير الى أن نظام التوثيق الإلكتروني يحتاج إدخاله إلى كادر فني وأجهزة ومعدات حديثة للعمل به في المستشفيات والعيادات الطبية، وسيوفر الكثير من الجهد والوقت في تشخيص المرضى وتوثيق بياناتهم.

ومع أن دولاً كثيرة في العالم أصبح التعامل الإلكتروني لسجلات المرضى وتقاريرهم الطبية يتم بالطريقة الإلكترونية منذ أكثر من عقد من الزمن، وقد امتد التطور في هذا الجانب لامتلاك شبكة إلكترونية تجمع بين عدة مستشفيات في إطار البلد الواحد، بحيث يستطيع الطبيب عند مقابلته للمريض أن يجد إلكترونياً سجل المريض وفحوصاته التي أجريت له في أي مستشفى ومع أي طبيب، لكن هذا الأمر لايزال حلماً بعيد المنال في أغلب المستشفيات والعيادات الطبية في اليمن.

 يقول "يونس عوض" مسئول المركز الإعلامي بمستشفى الثورة بصنعاء إن بناء شبكة إلكترونية شاملة لجميع المستشفيات لاتزال فكرة مستقبلية تسعى الدولة- حسب معرفتي- إلى توفيرها والعمل بها في المستقبل.

إهدار ثروة كبيرة من البيانات

بينات المرضى وسجلاتهم الطبية تعتبر بمثابة ثروة علمية للباحثين في المجال الطبي، لكن استخدام المستشفيات اليمنية لنظام التوثيق التقليدي يخلق صعوبة في الوصول إلى هذه البيانات، ويكلف الباحثين الكثير من الجهد والوقت، خصوصاً أن هذه المستشفيات لا تعمل على تصنيف وتحليل هذه المعلومات بحيث تحقق الفائدة القصوى للباحثين، فضلاً على قيامها بإتلاف ملفات المرضى التي مضى عليها عدة سنوات بين فترة وأخرى، مما يحرم الباحثين من الاطلاع والاستفادة منها.

يعلق "النمري" على ذلك: "يأتي إلينا باحثون بشكل يومي للبحث في ملفات المرضى بالطريقة التقليدية، ولا نعمل على تصنيف وتحليل المعلومات وتقديمها للباحثين".

ويزداد الأمر خطورة حينما يغيب اهتمام الجهات المختصة بالإحصاء وتوثيق سجلات المرضى في المستشفيات اليمنية بالأمراض والأوبئة الشائعة، ويؤكد "النمري" عدم الرفع بأي تقارير للجهات المختصة بوجود أوبئة.

 بدوره "منذر العباسي" المختص بالإدارة العامة لمكافحة الأمراض والترصد الوبائي في وزارة الصحة بصنعاء، أشار إلى أن إدارة الرصد لديهم تعتمد على ضباط لرصد الأوبئة في المستشفيات الحكومية ومتطوعين، وأن الرصد المبكر للوباء يمكِّن من القضاء عليه بتكلفة أقل ووقت أقصر، مقارنة بتكلفة القضاء عليه حال الانتشار.

وساهم غياب نظام الأرشفة الدقيق والاحصاء العلمي، في ظهور عدد من الشائعات المتعلقة بالأرقام والاحصائيات الصحية في اليمن، سواء تلك المتعلقة بوباء كوفيد-19 أو سائر الأمراض والاوبئة، مما أدى الى ضياع الحقائق والإحصاءات الدقيقة وسط ركام الفوضى الشائعات المتداولة. 

*أنتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز Internews ضمن مشروع (روتد انترست) Rooted In Trust في اليمن.