آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

الرئيس علي ناصر : العراقيون مارسوا على الجنوب ضغوط غير مرئية ويربطون مساعداتهم بهذه الشروط. ! (20)

الجمعة - 03 مارس 2023 - 08:21 ص بتوقيت عدن
الرئيس علي ناصر :  العراقيون  مارسوا  على الجنوب  ضغوط غير مرئية  ويربطون مساعداتهم  بهذه الشروط. ! (20)
إعداد / د. الخضر عبدالله :

 


 


من عاصمة الامويين إلى عاصمة العباسيين


تحدث الرئيس علي ناصر محمد في الحلقة الماضية حول علاقة جنوب اليمن مع دولة قطر .. وفي هذه الحلقة يروي لنا عن 
العلاقات بين اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العراقية.. وسترسل في حديثه وقال :" في عام 1970 بعد وداع رسمي من قبل الفريق حافظ الأسد، وزير الدفاع، أقلعت بنا الطائرة في طريقنا إلى بغداد، في رحلة استغرقت أكثر من ساعة، حيث شاهدنا من الجو لأول مرة نهري الفرات ودجلة وشريطاً أخضر تمتد عليه مدينة بغداد عاصمة الرشيد التي ترتبط بسلسلة من الجسور المعلقة. ومرّ أمامي شريط من المعلومات عن تاريخ بلاد الرافدين وعن بغداد التي شيدها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بين سنتي 762 – 766م  ، لا تزال بغداد تعيد بشيء من التكرار كل الأدوار التي مرت بها حضارة بلاد الرافدين عبر التاريخ، بدءاً ببعث حضارة الآشوريين والبابليين، ومن مجيء الحَجّاج الذي حصد رؤوس العراقيين، إلى تحولها إلى إحدى الحواضر الإسلامية… إلى اجتياح المغول والتتار لها وحرق حضارتها ومكتباتها. توقفت عن استرجاع المعلومات بينما كانت عجلات الطائرة ترتطم بمدرج المطار. كان في استقبالنا على أرض المطار الفريق الركن الطيار حردان التكريتي، رجل الانقلابات، وهو رجل ذو بنية ضخمة وملامح قاسية. بعد مراسم الاستقبال انتقلنا إلى فندق بغداد، وبعد استراحة قصيرة حضرنا حفلة العشاء بنادي الصيد الذي أقامه نائب الرئيس صدام حسين بمناسبة توقيع اتفاق 11 آذار/مارس مع الأكراد في شمال العراق، شارك فيه عدد من المسؤولين والفنانين من العراق والجمهورية العربية المتحدة (مصر). وفي اليوم الثاني قمت بزيارة الرئيس «أحمد حسـن البكر»  بحضور نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقية «صدام حسـين»، والفريق «حردان التكريتي» وزير الدفاع. وكان هذا لقائي الأول بالقيادة العراقية.


التطورات الأخيرة في بلادنا

وواصل الرئيس ناصر حديثه بالقول :"  وفي اللقاء شرحت لهم الأوضاع والتطورات الأخيرة في بلادنا، وفي المناطق المحيطة، والمصاعب التي تواجهها الثورة في اليمن الديمقراطية من جراء التآمر الخارجي وتخلي بريطانيا عن دعمها للجنوب وفقاً لمفاوضات الاستقلال بجنيف عام 1967، وطالبت بفتح سفارة لليمن الديمقراطية في بغداد.
ردّ الرئيس البكر على ما قلته، فأكد ضرورة افتتاح سـفارة لبلادنا في بغداد، وأبدى استعداد الحكومة العراقية لتجهيزها بكل ما يلزم، ووجّه الدعوة إلى الرئيس سالم ربيع علي رئيس مجلس الرئاسة لزيارة القطر العراقي في الوقت الذي يراه مناسباً.

ويكمل الرئيس ناصر ويقول :" أما نائبه «صدام حسين»، فقد تحدث عن ضرورة تعزيز الجبهة الداخلية في اليمن الجنوبية، وفهمت من ذلك أنه يشير إلى ضرورة استيعاب «البعثيين العراقيين» في السلطة، أو السماح لهم بالنشاط العلني. وكانت كل نشاطات الأحزاب الأخرى محظورة (ما عدا التنظيم الحاكم) بموجب قرار صدر بعد الاستقلال مباشرة يعتبر الجبهة القومية التنظيم السياسي الشرعي الوحيد في البلاد (اليمن الجنوبي)… ودعانا إلى تعزيز علاقاتنا بالجمهورية العربية اليمنية… حيث وصل «البعثيون العراقيون» إلى السلطة في صنعاء عبر انقلاب 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1967م الذي أطاح حكم الزعيم المشير عبد الله السلال، وكان «صدام حسين» يشير صراحة إلى ضرورة التعاون معهم مباشرة من خلال ما سمّاه ضرورة تعزيز علاقة اليمن الجنوبية بصنعاء. وفي إشارة أخرى إلى تعزيز علاقتنا ببغداد لمّح صدام إلى ضرورة تعزيز علاقتنا بالدول العربية «التقدمية».. وقد وعدته بأن أرفع تلك القضايا إلى القيادة السياسية فور عودتي إلى البلد.
ظهر لي من حديثه أن له من السلطة أكثر مما كان يبدو في ذلك الوقت. وكان الإعلام العراقي يلمّعه ويدعوه بالسيد النائب، وسرعان ما انتزع لنفسه كل السلطة بعد أن أحال الرئيس أحمد حسن البكر على التقاعد وأجبره على الاستقالة فيما بعد.


التعاون بين اليمن والعراق


ويتابع الرئيس ناصر حديثه مستدركا قائلا :" في صباح اليوم التالي 28 آذار/مارس التقيت الفريق «حردان التكريتي» وزير الدفاع في مكتبه، وناقشت معه التعاون العسكري السياسي بين البلدين.
كانت القضية التي تلحّ عليّ أكثر من سواها هي الطائرات الحربية التي خلفتها لنا بريطانيا عند انسحابها من عدن، وخصوصاً بعد القرار غير المدروس الذي اتخذه وزير الدفاع علي سالم البيض بطرد الطيارين البريطانيين من سلاح الجوّ ما أدى إلى توقف الطائرات عن القيام بأي مهمة، بينما بقي الفنيون الأرضيون البريطانيون في السلاح، وكان علينا أن نبحث عن حلّ لمشكلة الطيارين وصيانة الطائرات، ولهذا فقد لجأنا إلى طلب مساعدة الأشقاء العراقيين الذين يملكون مثل هذا النوع من الطائرات البريطانية «جت بروفست»، فشرحت لوزير الدفاع العراقي حاجتنا الملحّة إلى خبرات فنية عراقية لصيانة هذه الطائرات. وكان هذا يتفق مع توجهاتنا لإنهاء العقد مع الإنكليز وإنهاء مهمة خبرائهم العسكريين في سلاح الطيران. وقد أبدى وزير الدفاع العراقي موافقته على إرسال عدد من الفنيين العراقيين إلى عدن… لكني طلبت منه تحديد أسمائهم على الفور وإبلاغهم بذلك حتى أتمكن من اصطحابهم معي على الطائرة نفسها، وقد وافق وأعطى تعليماته بذلك.


ظروف العراق لا تمكنه من مساعدتنا،

وقال الرئيس علي ناصر في حديثه :" أما في يتعلق ببقية القضايا التي تطرقنا إليها، فقد أبلغني أنهم سيدرسونها. واستنتجت من ذلك أننا لن نحصل على كل ما نريده بسهولة، وليس ذلك لأنها غير متوافرة، أو أن ظروف العراق لا تمكنه من مساعدتنا، بل لأن العراقيين كانوا يمارسون علينا نوعاً من الضغوط غير المرئية، ويربطون حصولنا على المساعدات ببعض الشروط. كنت أعوِّل على أن المسؤولين العراقيين سيعيدون النظر في موقفهم في الأخير، لكنني لم أكن أعرف متى بالضبط، في أثناء الزيارة أو بعدها.
في الساعة التاسعة صباح اليوم الأخير من شهر آذار/مارس زارني الفريق صالح مهدي عماش، وزير الداخلية العراقي، في مقر إقامتي بفندق بغداد، وكان يرافقه السيد صلاح عمر العلي عضو مجلس قيادة الثورة وزير الإعلام الذي تعرفت إليه في الخرطوم في عام 1969م بحضور صديقنا المشترك جورج حبش، وأتذكر أنني وجهت إليه الدعوة لزيارة عدن، وقد استجاب لها مشكوراً، وقام بالزيارة يوم 6 شباط/فبراير1970م وفي الطريق إلى عدن، أجبر الطيارين السعوديين، وعلى رأسهم الأمير بندر بن سلطان طائرته على الهبوط أثناء مرورها في أجواء السعودية فوق خميس مشيط، وكادت أن تسقط وتتحطم عندما هوت إلى الأرض بسبب تأثير مرور طائرتين عسكريتين سعوديتين عن يمينها ويسارها، لكنّ الطيارين العراقيين الماهرين استطاعوا أن يمنعوا هذه الكارثة، وهبطوا في المطار بسلام وأجبر الوفد برئاسة صلاح عمر العلي على الخروج من الطائرة من أجل تفتيشها، لكن السيد صلاح العلي رفض النزول من الطائرة، وأصرّ على الإقلاع ومواصلة رحلته إلى عدن، وأمام إصرارهم على تفتيش الطائرة، بزعم أنها تحمل أسلحة إلى عدن، استجاب لهم في التفتيش، لكنه رفض الخروج من الطائرة، ومن ثم سُمح له بمواصلة رحلته. وقد بادر من جهته بإقناع القيادة في العراق بتقديم الدعم إلى النظام في عدن، وجرت الموافقة على اعتماد مبلغ 15 مليون دولار لتمويل مشروع تعميق ميناء عدن، يُدفع على مدى عشرين سنة بلا فوائد.
وواصل الرئيس ناصر حديثه :" وبمجرد رؤيتهما أحسستُ بأن هذا اللقاء هو الذي سيحدد الموقف النهائي للعراقيين من القضايا التي أثرناها معهم. ولم يخب حدسي، فقد طلب الفريق «عماش» مزيداً من الإيضاح لموقف بلادنا من قضايا عديدة تدخل في نطاق استراتيجية العراق، وخصوصاً الأوضاع في الخليج العربي. لم يكن العراقيون يراهنون على دور «الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج» كما كانت تسميتها حينذاك، بل كانت لهم حساباتهم الأخرى التي لم يفصحوا عنها لتحقيق أهدافهم في هذه المنطقة إلا عام 1990م. ولذلك أخفق وفد من الجبهة زار بغداد في وقت سابق في مقابلة أيّ مسؤول عراقي. وفي المقابل، كانوا يتبنون جماعة «المجلس الثوري» في «جبهة التحرير الأريترية». وقد طلب منا الفريق «مهدي عماش» تسهيلات لإدخال السلاح إلى أريتريا، ولم يقل إن المساعدات التي طلبناها تتوقف على هذا الشرط، بل أبلغني بموافقة العراق على تخصيص منح عسكرية لبلادنا أكثر مما طلبناه.

إسماعيل في العراق


واردف الرئيس علي ناصر  بقوله :" لم أنسَ أن أصطحب معي على الطائرة الفنيين الجويين الذين وافقت الحكومة العراقية على إعارتهم لبلادنا بناءً على إلحاح مني، لكني أخفيت أمرهم ومهمتهم عن أعضاء الوفد المرافق لي. زعمت أنهم أطباء وسيعملون في المستشفى العسكري للقوات المسلحة بعدن. كنت حريصاً على ألا يتسرب أي شيء عنهم، حتى لا يكتشف ذلك الإنكليز، فيسارعوا إلى سحب خبرائهم في القوى الجوية قبل أن نوفر البديل، وقبل أن ندرب كادرنا. وكاد السر ينكشف ونحن لا نزال في القاهرة. فجأة شعر أحد أعضاء الوفد المرافق لي بوعكة صحية، فلجأ فوراً إلى أحد المهندسين العراقيين  واسمه عبد المجيد السعدون لاعتقاده بأنه طبيب حسبما أخبرته، وكاد يسقط في يد المهندس، فهو ليس طبيباً، ومهنته في صيانة الطائرات الحربية أبعد ما تكون عن الطب وعلاج المرضى، لكنه استطاع التخلص من الحرج بادعاء أنه طبيب أمراض نسائية، وبذلك تخلص من المأزق الذي كاد يكشف السر الذي كنت حريصاً على إخفائه، اتصل بي علي عيدروس وكيل وزير الزراعة عضو الوفد المرافق، وشكا إليّ «الطبيب العراقي» الذي رفض أن يكشف عليه ويصف له دواء لمرضه، فأفهمته وأنا أخفي ضحكتي أنه قد يكون متعباً من رحلة الطائرة، كذلك فإنع لا يحمل دواءً معه. وحولته على خدمات «فندق شبرد» الذي يقع على ضفاف النيل، فاستدعوا له طبيباً لمعاينته.
فور عودتي إلى عدن رتبت عمل الفنيين العراقيين دون أن يكتشف البريطانيون مهمتهم، وكانوا ينجزون أعمال صيانة الطائرات سراً ليلاً… وهكذا بعد أن أنجزوا مهمتهم بصورة نهائية أمكننا إلغاء العقد مع الخبراء الإنكليز في الطيران. 
في عام 1972م زار العراق عبد الفتاح إسماعيل، الأمين العام للتنظيم السياسي للجبهة القومية. وزاره أيضاً رئيس مجلس الرئاسة سالم ربيع علي في عام 1974م، واستمرّ تبادل الزيارات والاتصالات بين البلدين الشقيقين. وقمت بزيارة بغداد مرة أخرى لحضور مؤتمر القمة العربية التاسعة، وبالرغم من ذلك، لم يقم أي من الرؤساء العراقيين بزيارة اليمن الديمقراطية.( للحديث بقية ) ..