آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

قصة.. كيف غيرت الحرب أحلام سعيد؟!

السبت - 04 مارس 2023 - 12:46 م بتوقيت عدن
قصة.. كيف غيرت الحرب أحلام سعيد؟!
(عدن الغد)خاص:

كتب/ علي خالد:

"كان نفسي أكمل دراستي وأكون متعلم"، تنهيدة عميقة سبقت حديث سعيد الحمدي (اسم مستعار) معنا، ليختصر بتلك الكلمات ألمه والوضع الصعب الذي يعيشه بعيدًا عن أهله منذ ستة أعوام، بعد أن أصبح المعيل الوحيد لهم، تاركًا أحلامه الدراسية التي لم يكمل منها إلا خمس مراحل فقط!! 

بداية مؤلمة

يروي لنا سعيد عن حياته والمعاناة التي رافقته منذ الصغر وحتى أصبح شابًا في مديرية شرعب الرونة التابعة لمحافظة تعز، يقول: "عشت حياة صعبة للغاية!! لم يكن لدينا مصدر دخل ثابت يغطي احتياج الأسرة، والدي بدون عمل ولا نمتلك أي أراضي زراعية سوى بعض المواشي، وأخي الكبير الذي كان يخرج للعمل اليومي لتوفير ما نسد به حاجة يومنا"، أذرف سعيد أدمعه بعد غصة خنقت صوته لبرهة. تماسك من جديد وأخذ يمسح خديه ويلتقط أنفاسه ليكمل حديثه معنا.

فاجعة الحرب

أكمل الشاب العشريني حديثه، وهنا تغيرت ملامح قصته، فبعد كل هذه المعاناة التي عاشها منذ بداية حياته!! أتت الحرب لتكمل ماتبقى من المعاناة المستمرة !،ولتكون القشة التي قسمت ظهر البعير وتكون سبباً رئيسياً في تركه لدراسته رغم إلتحاقه بها في سن متأخرة..يقول سعيد وهو مطأطأً رأسه ، بأن الحرب فرضت عليه أن يترك دراسته التي كان يأمل  في إكمالها والإنتفاع منها بعد ذلك ليغير شيئاً من واقعه ، ومن الحياة المريرة التي عاشها ،ولكن الأمر لم يكن سهلاً في مدينته الذي نشأ وترعرع فيها ،ويحمل في قلبه حباً كبيراً لها حسب قوله ،والألم يعتصر قلبه..يقول سعيد تغيرت الأحوال كثيراً بسبب الحرب، وما كنا نوفره من المال لتغطية احتياجاتنا اليومية !أصبح صعباً جداً بسبب الحصار والحرب! الأمر الذي اضطرني للنزوح وحيداً إلى مدينة عدن ،وأنا في عمر الخامسة عشرة ؛من أجل العمل وتوفير المال الكافي لعائلتي.

قرار النزوح

يقول سعيد وهو مستند على الجدار من خلفه: لم يكن قرار النزوح وترك عائلتي سهلاً بالنسبة لي! حيث كنت لا أزال صغيراً، ولم أسافر أبداً من قبل ..يستذكر سعيد هذه الأحداث التي مر بها والألم يعصره؛ من قسوة الأيام  التي عاشها ولازال يعيشها ،والدموع ،والحسرة لم تفارق عيناه!، ويقف مرة أخرى ليلتقط أنفاسه ،ويكمل بحرقة قصته..أخبرته أن يتوقف إن أراد ذلك! ولكنّه أصّر على أن يفرغ  ما في قلبه من كلمات كان يحبسها حتى أدرك اللحظة المناسبة لإطلاقها.

الوصول إلى عدن

بعد أن استجمع نفسه ،تابع حديثه قائلاً: عند وصولي إلى مدينة عدن لم أكن أعلم إلى أين أذهب!! كوني لا أعرف المدينة ولا شوارعها، ولكن كل ما كنت أمتلكه مجرد عنوان! لأحد الأقرباء الذين يعيشون في عدن وتحديداً في مدينة بئر أحمد في منطقة يطلق عليها إسم (العلّيبة) وهي منطقة تأوي أغلبية المهمشين والنازحين.

ركبت دراجة نارية وأشرت لصاحب الدراجة بمكان العنوان الذي أريد الوصول إليه وبدا لي بأنه يعرف المكان،وأخذني حتى وصلنا إلى المكان الذي أريده، وبالصدفة!! إلتقيت بقريبي على الشارع واستقبلني بالأحضان وسألني عن حالي وعن أحوال العائلة هناك..بعد أن أخذت قسطاً من الراحة لم أنتظر طويلاً!، وبدأت مع قريبي أبحث عن عمل لكي  أجمع منه المال وأرسله لعائلتي، فقد كانت هي  كل همّي وكل ما أفكر به .. بحثنا أنا وقريبي عن أي عمل متوفر..حيث قصدنا أثناء بحثنا محلاً لمواد البناء وأخبرني بأنه يريد عامل يشتغل في الحمالة بالأجر اليومي! لم أتردد إطلاقاً ووافقت على الفور حتى دون أن أعرف قيمة الأجر..

حياة جديدة

يقول سعيد: بدأت العمل ،وكنت أنقل الأخشاب وبعض أكياس الإسمنت بجسدي النحيل الذي يبلغ خمسة عشر عاماً فقط والألم  يعصره .. كنت على هذا الحال كل يوم ولمدة تزيد عن خمسة وأربعين يوماً وكنت خلال هذه المدة أجمع ما أجنيه من المال كل عشرة أيام ، وأرسله لعائلتي ؛لأسد به قليلاً من حاجتهم…بعد أكثر من خمسة وأربعين يوماً من العمل البدني الشاق والمنهك وبأجر يومي لايتعدى الثلاثة ألآف ريال!! أتتني فرصة عمل أخرى في سوبر ماركت كعامل نظافة وبراتب شهري ''يمشي الحال'' حسب قوله..وهو ماوافقت عليه، وإلى اليوم لازلت أعمل فيه ، ولكن بسبب التدهور المستمر للعملة في عدن  وإعتماد طبعة جديدة منها !!صعب الأمر أكثر حيث أن هذه الطبعة الجديدة ليست قانونية في مدينتي الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين وهو الأمر الذي انعكس سلباً على سعر الصرف بين الشمال والجنوب..تعقد الوضع بالنسبة لي واضطررت إلى زيادة عدد ساعات العمل من تسع ساعات في اليوم إلى ثلاثة عشر ساعة في اليوم لكي أحصل على دخل أساعد فيه عائلتي، وأدعو الله بأن يتحسن الحال وتتوقف هذه الحرب وتنعم بلادنا بالأمن  ، وأتمكن من رؤية عائلتي من جديد..قالها وهو يحدق في السماء متشبثاً بخيط الأمل الذي قطعه واقع الحياة المرير.