تقرير يسلط الضوء على زيارة العميد طارق صالح لمدينة تعز..
ما مضمون الرسائل السياسية للزيارة وما هو رد الفعل الرسمي والشعبي؟
هل مرت الزيارة بسلام أم أن هناك انتقادات وتحفظات عليها؟
هل ستحدث الزيارة انفراجة سياسية وإنسانية وتنموية على المدينة المحاصرة؟
من يخدم استمرار الأحقاد والاحتقانات السياسية بين الشركاء وهل التسامح والتصالح ضرورة؟
تعز.. ماض يُطوى ومستقبل يُفتح
(عدن الغد) القسم السياسي:
لا يثبت حال السياسة على حال، فأعداء الأمس أصدقاء اليوم، وأصدقاء اليوم أعداء الغد، فالسياسة ليست فعلا جامدا، إنها فن الممكن، أو فن إدارة الخلافات والصراعات بين فرقاء العمل السياسي.
وفي سياق تبدلات المواقف السياسية ومقاربة المواقف، قام عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح بزيارة تفقدية صباح الأربعاء لمدينة تعز، وهي الثانية له بعد زيارته الأولى لريف تعز الجنوبي ومدينة التربة في عيد الأضحى من العام الماضي 2022.
وفور وصوله المدينة أدلى العميد طارق صالح لوسائل الإعلام بتصريح قال فيه: إن تعز مفتتح الثورات، ورافعة العمل السياسي، وموجهة للعمل الوطني.
في الزيارة افتتح العميد طارق صالح 8 مشاريع إسعافية لمدينة تعز بإحمالي 10 مليارات ريال يمني وبتمويل إماراتي.
وقبل الزيارة لمدينة تعز بأيام، ترأس رئيس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية طارق صالح، اجتماعا تنظيميا للأمانة العامة للمكتب السياسي وممثلي تعز في الكتلة البرلمانية، حيا فيه أبناء تعز قائلا: إن تعز كانت ولاتزال خط الدفاع الأول عن مكتسبات الثورة والجمهورية، وشكلت ببسالة أبنائها التواقين للحرية والرافضين لمشروع الكهنوت، قلعة للصمود في مجابهة هذا المشروع الخبيث، لافتا في الاجتماع إلى الدور الكبير الذي تلعبه مدينة تعز في الدفاع عن مكتسبات النظام الجمهوري.
ويرى المراقبون أن زيارة العميد طارق صالح لمدينة تعز لا تخلو من رسائل سياسية، خصوصا أنها جاءت بعد سنوات من الجفاء والقطيعة للمدينة، إثر الحراك الثوري على نظام عمه علي عبدالله صالح في 2011م، والذي انطلق من مدينة تعز، ثم ما تلاه من اصطفافات سياسية وعسكرية بعد الانقلاب الحوثي 2014، انتهت بمقتل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح على يد مليشيا الحوثي في 4 ديسمبر 2017، ومغادرة العميد طارق صالح العاصمة صنعاء، ليلتحق بالقوى السياسية والعسكرية المناوئة للانقلاب الحوثي، ويتخذ من مدينة المخا في ساحل تعز الغربي منطلقا للمقاومة الوطنية ضد مليشيا الحوثي.
> ما الرسائل السياسية للزيارة؟
رسائل كثيرة حملتها زيارة طارق صالح، أبرزها أن صفحة من الصراع السياسي قد طويت، وأن صفحة سياسية جديدة قد فتحت.
تقول عضو هيئة التشاور والمصالحة الوطنية الدكتورة ألفت الدبعي: تعد هذه الزيارة من قبل العميد طارق صالح لمدينة تعز، ومقابلة قيادات السلطة المحلية والأحزاب السياسية، ووضع الحجر الأساس لمشاريع مياه تمس حاجة مدينة تعز الملحة، ما هي إلا إحدى ثمار الشراكة الوطنية.
وقالت الدبعي: "نأمل أن تتوسع لتصب نتائجها في خدمة كل اليمنيين وتهدف في مجمل خطواتها إلى استعادة الدولة والتنمية كحجر أساس للسلام الشامل".
ويقول رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم سيف الحاضري معلقا على زيارة طارق للمدينة: حضور العميد طارق في مدينة تعز لا يمثل انتصارا له ولا هزيمة لخصومه، فهذه خطوة نحو لملمة الصفوف يشكر عليها الجميع.
ويضيف الحاضري: الانتصار الحقيقي هو دخول الجميع وفي مقدمتهم طارق منطقة الحوبان، وتحريرها من الميليشيا الحوثية إن صدقت النوايا لتوحيد الصف، ولعل هذا المكسب هو الأهم من وصول طارق مدينة تعز والكاسب هنا الوطن.
وطرح الناشط السياسي والشبابي ذو يزن محمد سؤالا عن شخصية طارق صالح: ما الذي ميز طارق صالح عن أقرانه، وبقى رجلا عسكريا محترما بنظر الجميع.
يجيب محمد لم يعادي أحدا ولم يكن خطابه موجها ضد أحد من خصومه السياسيين في الشرعية، بل كان كل خطاباته دائما ضد جماعة الحوثي كخصم رئيسي، وفتح المجال في معسكراته للجميع، وهذه ميزة يتميز بها القائد العسكري المحنك.
ويقول الناشط الشبابي رامز الشارحي: الوضع الحالي يحتاج من جميع الأطراف أن تمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ وتصحيحه، وهي الرسالة الأبرز التي حملتها زيارة عضو المجلس الرئاسي وقائد المقاومة الوطنية العميد طارق صالح.
اللحظة لا تحتمل مزيد من الخلافات ولا حتى استمرار الشتات في صفوف القوى الجمهورية بمختلف توجهاتها.
ثم ينصح الشارحي الجميع بقوله: "كونوا صفا واحدا أو لن تكونوا أبدا!".
ويعلق رئيس ملتقى ذمار في محافظة تعز الناشط الشبابي والسياسي خالد الريمي على حدث الزيارة بقوله: أرى أن هذه الزيارة كانت ضرورية، وتصب في إطار توحيد الجهود في هذه المرحلة الحرجة، وكان لا بد منها من أجل تجاوز الماضي وحرصا على المستقبل.
ويضيف الريمي: أن هذه الزيارة حصيلة توافقات سياسية تحتمها المرحلة، من أجل توحيد الصف الجمهوري، ولملمة المشروع المقاوم لمشروع الاصطفاء الإلهي والمذهبي لجماعة الحوثي التي تحمل مشروعا إقصائيا للجميع، فهل من معتبر؟!.
> لا تخلو الزيارة من انتقادات وتحفظات
تظل مدينة تعز مدينة الجدل السياسي بامتياز، ولذا لم تخل هذه الزيارة من انتقادات وتحفظات، عكستها بعض ردود الأفعال في وسائل التواصل الاجتماعي، رصدنا في (عدن الغد) بعضا منها.
ويرى مراقبون أن هناك تباينات في المواقف والرؤى بين أجنحة الإصلاح في الداخل والخارج، اذ تعاملت القيادات السياسية لإصلاح الداخل ببرجماتية ،وكانت أكثر فهما للواقع وطبيعة المرحلة ،وجاءت مواقفها متقدمة جدا ؛مدركين خطر المليشيا الحوثية وأهمية التلاحم والصمود في وجه المشروع الحوثي الإيراني، الذي لا يمكن هزيمته إلا بمزيد من الاصطفاف وتوحيد الجبهة الجمهورية المناوئة لمشروعه.
يقول الدكتور عبدالحكيم المشرقي: ما يحصل ليست شراكة حقيقية بل الهدف هو نزع مخالب الإصلاح ومن بعدهم الانتقالي، وتسليم ما تم استعادته من يد مليشيا الحوثي إلى نظام صالح.
ويضيف المشرقي: سنقبل اعتذار طارق صالح عندما يرد الجميل لأبناء تعز الذين فكوا حصار صنعاء في حرب السبعين يوما عام 1968 بقيادة عبدالرقيب عبدالوهاب، وعليه أن يقتدي به ويطالبه بفك حصار مدينة تعز وتحرير منطقة الحوبان الاستراتيجية.
وفي سياق ردود الأفعال عن الزيارة، صدر بيان منسوب إلى شباب الثورة السلمية جاء فيه: "إن شباب فبراير اليوم وهم يعبرون عن اعتزازهم وفخرهم بالدور الذي سجلته مدينة تعز، التي كان لها الشرف أن أطلقت رصاصة المقاومة الأولى في صدر الانقلاب الغاشم، وما سبقها من تظاهرات جماهيرية حاشدة، رفضا للانقلاب ولتحالفه المشؤوم، فإنهم يودون التأكيد على أن ذاكرة الثورة والمقاومة ليست مثقوبة، فهي تعرف خصومها وأعداءها جيدا، خصوصا وأنهم حتى اللحظة لن يعلنوا براءتهم أو اعتذارهم عن الأفعال الإجرامية التي استهدفت آلاف المدنيين، طيلة سنوات الحرب الغاشمة والإرهابية التي كانوا شركاء فيها".
وقدم آخر تفسيرا للزيارة بقوله: إحدى استراتيجيات السيطرة على الشعوب، هي أن تخلق المشكلة ثم تأتي بالحل، وفي اللحظة التي وصلت فيها المحافظة إلى هذا الوضع المزري، ظهر طارق صالح كرجل مخلص لها من هذه العذابات.
> الآمال المعلقة على الزيارة
تعيش مدينة تعز وضعا استثنائيا من كل النواحي الخدمية والإنسانية والمعيشية، ولذا كانت هناك آمال متوخاة من هذه الزيارة، جاءت على لسان مواطني المدينة إذا قالوا: نتمنى أن ينظر العميد طارق لمدينة تعز بنظرة إنسانية، فهي تعاني الكثير من سوء الخدمات، كالكهرباء والماء والتعليم والصحة والطرق، ويستكمل ما بدأه من فك الحصار عن تعز، وذلك بشق الطريق الاستراتيجي (الكدحة) الذي يربط المدينة من غربها، ويسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية عن سكان المدينة جراء حصار المليشيا الحوثية الخانق عليها.
ويتطلع مواطنون من أبناء تعز أن يقود العميد طارق صالح فعلا عسكريا وسياسيا وتنمويا، ينعكس على صعيد المجتمع التعزي، وعلى صعيد التنمية الوطنية في المحافظة.
وتمنى آخرون أن تكون هذه الزيارة فاتحة لتشكيل خارطة سياسية وعسكرية موحدة الهدف منها توحيد القيادة والهدف والوجهة، تدفع بالمزيد من بناء الثقة بين النخب السياسية من أجل تجاوز مماحكات وصراعات الماضي، والتطلع إلى مستقبل اليمن الجمهوري.
> أوضاع تعز على طاولة المكتب السياسي
في الاجتماع الذي عقده طارق صالح مع قيادات المكتب السياسي للمقاومة الوطنية الأسبوع الماضي في مدينة المخا، وضم أعضاء من الكتلة البرلمانية لمحافظة تعز، ناقش معهم أوضاع المدينة، والدور الذي يمكن أن يلعبه المكتب السياسي في مساندة السلطة المحلية بتعز، للقيام بأدوارها في خدمة الصالح العام ورعاية مصالح المواطنين، والتخفيف من الأعباء الملقاة على كواهلهم.
وجاء في الاجتماع إلى أن مشروع طريق الكدحة - البيرين جاء ضمن الخطط والجهود الرامية لكسر الحصار الحوثي على مدينة تعز.
وتعمل القيادة السياسية في المخا على ثلاثة مشاريع استراتيجية هي: تأهيل ميناء المخا، ومحطة كهرباء المخا البخارية، إضافة إلى شق وسفلتة طريق الكدحة - البيرين، ويبقى الأهم من ذلك إنشاء مطار المخا، كأول مشروع حيوي هام يربط مدينة تعز بالعالم الخارجي.
> التسامح والتصالح شيمة الأقوياء
تحدث كثيرا العميد طارق صالح عن ضرورة وحدة الصف، والاعتراف بالأخطاء والاستفادة من الدروس. وفي الزيارة قال: كلنا مثخنون بالجراح وكلنا أخطأنا".
ويعلق الكاتب والقيادي الشبابي في الإصلاح على استقبال طارق صالح في تعز بقوله:
استقبلته تعز استقبالا رسميا على الرغم من جراحها الغائرة شجاعة منها، واعترافا منه، شجاعة من يسمو على الجراح ويعلو فوق الخصومات، ويكبر بكبر المشروع الوطني الذي ثار له وقاوم لأجله، واستعدادا منها لنسيان السيئات ولكن بحسنات تذهبها، والتغاضي عن قبح الماضي بتحسين الحاضر.
ويعلق مواطن تعزي بلهجته ناصحا الجميع: "هم لا يهنجموش.. وأنتم لاتزعلوش، فكلنا محتاجين لبعض!".
وفي الأخير يظل التسامح والتصالح شيمة الأقوياء، فلدينا وطن ودين وهدف واحد، وعدو مشترك واحد، ومن قصر النظر أن نتمسك بأحقاد الماضي!.