آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

تقرير: كيف تنتقم الجغرافيا من أصحابها؟

الأحد - 30 أبريل 2023 - 05:48 م بتوقيت عدن
تقرير: كيف تنتقم الجغرافيا من أصحابها؟
((عدن الغد))خاص.

(عدن الغد) القسم السياسي:

تقرير يتناول تأثير الحرب في السودان على جهود إغلاق ملف حرب اليمن.

ما تأثير الحرب في السودان على جهود إغلاق ملف حرب اليمن؟

هل الحرب في السودان جبهة استنزاف جديدة للسعودية وحليفتها مصر؟

هل ما يحدث في السودان انتقام أمريكي من الصين والسعودية؟

ما أوجه الشبه بين اليمن والسودان.. وهل حرب السودان امتداد لحرب اليمن؟

هل يتعظ الأخوة في السودان بما جرى في اليمن؟

ما إن بدت ملامح إيقاف الحرب في اليمن من خلال التحركات الإقليمية والدولية الأخيرة، حتى انفجر الصراع السياسي المسلح في بلد عربي آخر لا يقل من حيث الأهمية  والموقع الجغرافي عن اليمن.

إنه السودان الشقيق وقد وقع في دائرة النار والفوضى، هذا البلد الذي تربطه باليمن علاقات أخوية وروابط سياسية  واقتصادية وتجارية أزلية، ولذا لا أحد في اليمن يريد للأشقاء أن يسقطوا في أتون هذه الحرب المدمرة للسودان ومقدرات شعبه، ولو يعرف السودانيون ما جنت الحروب والصراعات المسلحة على اليمن لما اطلقوا على بعضهم البعض رصاصة واحدة.

في مقطع فيديو، ظهر مواطن سوداني مستاء مما آلت إليه أوضاع عاصمته "الخرطوم"، بعد اشتباكات دامية بين رفقاء السلاح، قائلا: "لن تكون الخرطوم صنعاء أخرى، ولن نسمح للحوثيين الجدد بالسيطرة عليها، فما أشبه ليلة الخرطوم ببارحة صنعاء!".

اليمن والسودان ..انتقام الجغرافيا

تطل السودان كما اليمن على البحر الأحمر، الذي يعد أهم الممرات الملاحية التي تربط بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويشكل هذا الممر الدولي الهام لحركة التجارة العالمية، محل تنافس وصراع ونزاع بين القوى الكبرى الطامعة للموقع والثروة، ودفعت الدول التي تطل عليه ثمنا باهظا من أمنها واستقرارها، ومن بين هذه الدول اليمن والسودان".

كما أن البلدين يجاوران منطقة جيوسياسية مهمة من العالم، ألا وهي منطقة القرن الأفريقي التي تضم الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وأريتريا.

وإذا كانت الصراعات في هذين البلدين بين الفاعلين المحليين ذات طابع سياسي على مسألة تقاسم الحكم والسلطة والثروة والنفوذ في المؤسسة العسكرية، فإن القوى الإقليمية والدولية عادة ما تتدخل في هذه الصراعات من أجل السيطرة على الموقع الجغرافي والثروات في ظاهر وباطن الأرض، وتعمل على توظيف هذه الصراعات، لصالح أطماعها الاستعمارية ونفودها السياسي والاقتصادي.

تتشابه النهايات بين البلدين الشقيقين، فالحرب في اليمن هي من قضت على التوافق الوطني الذي كان  تحت مسمى "مخرجات الحوار الوطني" بانقلاب سبتمبر 2014، والحرب  نفسها هي التي قضت على "الاتفاق الإطاري" في السودان 2023، الذي كان كفيلا بنقل هذا البلد إلى حكم مدني ديمقراطي، يغادر الجيش من خلال هذا الاتفاق السياسي إلى ثكناته العسكرية.

حرب السودان.. امتداد لحرب اليمن

هناك من يرى أن ما يحدث في السودان من صدام مسلح ما هو إلا امتداد لحرب اليمن.

فالسودان شاركت التحالف العربي في حربه ضد الحوثيين  بـ10 آلاف جندي، كان معظم هذه القوات تابعة لقوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة الحالي الجنرال "حميدتي"، وأشرف عليها رئيس مجلس السيادة وقائدالجيش الجنرال عبدالفتاح البرهان.

فالبعض يرى أن من رفع رصيد الرجلين هي الحرب في اليمن، والعلاقات الإقليمية والدولية التي نسجها الرجلان مع الفاعلين الإقليمين والدوليين بشأن اليمن، وهذه العلاقة هي من جعلتهما أقوى رجلين بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير.

ظلت العلاقة بين الرجلين- كشركاء- في المرحلة الانتقالية بالسودان إلى وقت قريب، قبل أن ينفجر الصراع المسلح فجأة في العاصمة السودانية الخرطوم، متصف أبريل 2023، ودون سابق إنذار.

في الظاهر يعود الصراع  إلى خلاف بينهما، بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، كآخر دورة من  المرحلة الانتقالية التي ترعاها الرباعية الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وكان من المقرر لها أن تنتهي في أواخر 2023.

لكن يرى محللون سياسيون أن من يقف وراء هذا الصراع في الخفاء هي أجندات إقليمية ودولية متشابكة ومعقدة تحرك الجميع ضد الجميع، كي تخرج من هذه الحرب بين الأخوة الأعداء وحدها منتصرة، ووحده السودان، بأمنه واستقراره ووحدته الوطنية، هو الخاسر الأول.

انتقام أمريكي!

يفسر الكثيرون أن ما يجري في السودان ما هو إلا انتقام أمريكي من الصين، على خلفية رعاية بكين لاتفاق في مطلع مارس الماضي 2023 ينهي الصراع الإقليمي بين الرياض وطهران الممتد لسنوات، ويهدف هذا الاتفاق إلى إغلاق الملفات المشتعلة بينهما في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، بعد أن عجزت الدبلوماسية الأمريكية عن فعل ذلك في سنوات خلت.

الفريق الذي يفسر ما يجري في السودان على هذا النحو، يبرر بأن ما قامت به الصين كان على حساب الرصيد الدبلوماسي والنفوذ السياسي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

ويسوق هذا الفريق الأدلة على ذلك بأن الصين وحليفها الروسي هما الخاسر الأكبر من عدم الاستقرار في السودان، إذ أن الصين هي من تصدر النفط السوداني، ولديها طموحات بإقامة منشآت اقتصادية على موانئ السودان في إطار مشروعها الاقتصادي العملاق المسمى "طريق الحرير"، والذي يشمل عدة دول عربية وأفريقية مطلة على البحر الأحمر منها السودان.

أما ما يتعلق بروسيا، فمنذ سنوات وهي تنقب وتستحوذ شركاتها على الذهب السوداني، وكانت تطمح لتوقيع اتفاقية بإنشاء قاعدة عسكرية محاذية لميناءبور سودان، يسمح بموجبها لروسيا أن تحرك أساطيلها الحربية وتنقل جنودها إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، وهو الأمر الذي قوبل بالتحفظ السعودي، والرفض من قبل الحكومة السودانية المؤقتة ودول أخرى، أبرزها فرنسا التي تخشى على نفوذها في القارة الأفريقية.

استنزاف للسعودية وحليفتها مصر

بحسب متابعين ومحليين سياسيين فإن تفجر الصراع في السودان، لا يستهدف إلا الوقيعة بين الثلاثي الذي انفرد بملف السودان عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، ويتكون هذا الثلاثي من السعودية والإمارات ومصر.

وإن كان من أعباء اقتصادية ستقع في هذا الملف المشتعل، فستتحملها المملكة العربية السعودية، فالسودان حليف لها، إضافة إلى أن أي أعباء سيتحملها كذلك الاقتصاد المصري، نتيجة النزوح والإنفاق العسكري على الجيش المصري، فسيكون على السعودية تحمل العبء الأكبر منه، كون الاقتصاد المصري يعاني في ظل وصول الجنية المصري أمام الدولار إلى 33 جنية للدولار الواحد.

عوضا عن ذلك، المخاطر الأمنية على البحر الأحمر التي قد تنشأ من طول أمد الصراع، كون المملكة العربية السعودية واحدة من الدول المطلة عليه، إضافة إلى مصر والسودان واليمن والصومال وإريتريا والأردن، وأغلبها دول عربية وحليفة للرياض.

وإن كان لنا من تساؤل في نهاية المطاف فهو: هل ملف السودان المشتعل في هذا التوقيت، عقوبة أمريكية للسعودية، جراء تقاربها وانفتاحها مع القوى العظمى الصاعدة، الصين وروسيا، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مصادفات ليس إلا؟!.

وما مدى تأثير استنزاف السعودية في السودان على جهود إنهاء الحرب في اليمن التي تجري بشكل حثيث هذه الأيام؟.