(عدن الغد) القسم السياسي:
تقرير يتناول إنجاز مجلس القيادة الرئاسي بعد عام من الإعلان عنه.
ماذا أنجز مجلس القيادة الرئاسي بعد عام من الإعلان عنه؟
هل استطاع المجلس أن يردم الاختلافات والتباينات بين أعضائه؟
هل نجح المجلس في حلحلة أهم ثلاثة ملفات تؤرق البلاد؟
ما مخاطر بقاء الملفات مفتوحة دون حل.. ومن يتحمل أعباء فشل التوافق بين أعضاء المجلس؟
تقرير يتناول إنجاز مجلس القيادة الرئاسي بعد عام من الإعلان عنه..
ماذا أنجز مجلس القيادة الرئاسي بعد عام من الإعلان عنه؟
مر عام على الإعلان الرئاسي لانتقال السلطة باليمن في 7 أبريل 2022، ونص الإعلان على نقل وتفويض الرئيس السابق عبدربه منصور هادي صلاحياته إلى مجلس قيادة رئاسي مكون من رئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي و7 أعضاء آخرين نواب له.
تم تكليف المجلس بالعمل بدستور الجمهورية اليمنية النافذ، وتسيير عمله بعدد من الفرق والهيئات التي تحدد طبيعة عمل المجلس حتى الوصول إلى استعادة الدولة وإنهاء انقلاب الحوثي إما بالسلم أو بالحرب.
يقوم عمل المجلس على مبدأ السلطة الجماعية في إدارة الدولة، وعلى مبدأ الشراكة والتوافق بين أعضائه في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية
والعسكرية والأمنية.
وبعد انقضاء عام على تشكيل وبدء عمل المجلس، يحق لكل اليمنيين مطالبة مجلس القيادة الرئاسي بجردة حساب عن أعماله السابقة ومنجزاته وخططه المستقبلية.
إدارة الاختلافات.. وإذابة التناقضات
يعتقد مناصرو تشكيل مجلس القيادة الرئاسي أن الحاجة كانت ملحة إلى كيان سياسي قادر على احتواء كل ما تشكل على الأرض من مراكز قوى عسكرية ومشاريع سياسية متباينة، في ظل الفشل في إدارة المعركة ضد الجماعة الانقلابية الحوثية، طيلة السنوات الماضية.
وكانت هناك قضايا ومهام ملحة يجب أن يضطلع بها "المجلس"، كالقضاء على واقع اللا دولة في مناطق الشرعية، والإصلاح الاقتصادي ومؤسسات الجيش والأمن، والعمل على إخضاع كل التشكيلات العسكرية تحت سقف وطني واحد.
ويرى المتابعون أنه من الأهمية بمكان وجود كيان سياسي يعمل على تحقيق وحدة القرار والقيادة والتوجه السياسي عمليا، فكان الإعلان عن مجلس القيادة الرئاسي.
تناقضات وعراقيل!
مجلس القيادة الرئاسي مجلس مؤقت وليس مستداما، وهو صيغة إصلاحية داخل منظومة الشرعية اليمنية، ولا يمثل صيغة لحل سياسي شامل، إذ أن الحل السياسي الشامل مرهون بالطرف الآخر ألا وهو مليشيا الحوثي الانقلابية.
وعن أداء المجلس بعد مرور عام، يقول مصطفى النعمان، عضو هيئة التشاور والمصالحة- الذي قدم استقالته منها في وقت سابق: إن الواقع الذي يدركه الجميع هو أن المجلس فشل في تحقيق أي إنجاز وطني أو خدمي، بل إن أداءه الجماعي أصاب المرحبين والمتفائلين بالإحباط، وألقى بمزيد من ظلال الشك على قدرات الأعضاء الذاتية، وصعوبة توحيد القرار داخله، كما أظهر تقصيراً في ترتيب أوضاعه التنظيمية التي ربما كانت قادرة على ضبط حركته وتوزيع المهمات بين أعضائه.
ويضيف النعمان: إن مدة عام كانت كافية لتمنح الناس مؤشرات على جدية "المجلس"، وإمكاناته وتطلعاته، ولكن التناقضات التي تسكنه منذ اليوم الأول، وما زالت، تجعل من الإنجاز الذي يتوخاه المواطنون مسألة متعثرة
لأسباب أهمها: أن الأعضاء الذين يمتلكون عناصر القوة المسلحة غير متحدين في الأهداف النهائية التي يسعون إلى تحقيقها، وهذه عقبة ليس من السهل تجاوزها، وستضع العراقيل أمام التعامل مع الملفات الكثيرة المعلقة وستزيد من إرباك المشهد.
وأشار النعمان إلى أن أشد الملفات تعقيداً وأكثرها جدلاً حالياً يدور حول تشكيل الفريق التفاوضي الذي سيشارك في المشاورات التي سيدعو إليها المبعوث الأممي، وعلى رغم أن "المجلس" يواجه نظرياً خصماً واحداً يتمثل في جماعة الحوثي، فإن الأعضاء كما ذكرت، يختلفون في تحديد الأولويات التي يجاهدون لتحقيقها، ولعل أبرز عقبة تقف أمام هذه القضية هي كيفية التعامل مع ملف الجنوب التي ذكر البيان الختامي لمشاورات الرياض إنها "قضية شعب"، وهذا التصنيف أدخلها في مسار جديد شديد الحساسية لدى عديد من الأطراف اليمنية.
وأوضح النعمان أن الخلاف الحالي يتمحور، حول رغبة "المجلس الانتقالي" في دخول المشاورات المقبلة بوفد مستقل، وهو أمر صعب التوفيق بينه وبين الحديث عن وحدة الصف داخل المجلس الرئاسي.
تعثر في إدارة الملف الاقتصادي
يعد الملف الاقتصادي والخدمي من أهم الملفات التي عني بها تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، ومن أهم الملفات الذي يلامس حياة المواطنين وهموهم المعيشية، وأن هذا الملف لا تقل تعقيداته عن ملف التمثيل الجنوبي في المشاورات المقبلة.
يقول السفير مصطفى النعمان: إن هذا الملف لم يتمكن "المجلس الرئاسي" من معالجته، ولم يتعامل معه بالجدية المطلوبة، ولم يتخذ إجراءات أكثر من التوجيهات والبيانات الصحافية، التي لم تطمئن لا المانحين ولا المؤسسات الدولية، لتضع أموالها بتصرف الحكومة.
ويرجع النعمان أسباب الأداء الضعيف إلى تأجيل تنفيذ دفع الوديعتين السعودية والإماراتية، وكذا غياب آلية شفافة من قبل الحكومة تقوم على استيعاب هذه الودائع بالشكل الأمثل، إضافة إلى عدم قدرة الحكومة على تحصيل وإدارة وتنمية الموارد، وكذا الهجوم الذي تعرض له ميناء الضبة لتصدير النفط، فقد نضبت موارد الحكومة التي كانت تستعين بها على صرف
الرواتب في مناطق سيطرتها.
ويضيف النعمان: لقد أدى العجز الفاضح في معالجة الملف الاقتصادي إلى تزايد الاحتقان، وارتفاع منسوب الغضب والحنق عند المواطنين، مما فاقم من فقدان الثقة بالمجلس والحكومة، مؤكدا إن هذا سيؤدي حتماً إلى مزيد من التدهور في الخدمات والاختلالات الأمنية، وسينعكس ذلك على تدهور عمل الأجهزة الحكومية.
وتساءل النعمان عن جدوى استمرار التعيينات غير المجدية على كل المستويات، ومضاعفة فاتورة الرواتب والنفقات التي أصبحت تستهلك كل الموارد التي تتمكن الحكومة من الحصول عليها؟!.
لجنة عسكرية لم تقترب من ملف الدمج!
ملف آخر شائك لم يتمكن "المجلس الرئاسي" من التعامل معه وإنجازه وهو الاتفاق بشأن "إنهاء الانقسام والنزاعات المسلحة" بين التشكيلات العسكرية المختلفة، وأن تصبح الكيانات المسلحة تحت قيادة واحدة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية.
ويرى الخبراء العسكريون أن "المجلس" فشل في عامه الأول من الاقتراب من هذا الملف والتعامل معه، ما عدا تشكيل لجنة عسكرية لم تحقق شيئاً ملموساً على الأرض.
ويرى المختصون في الشأن العسكري أن اللجنة العسكرية عجزت حتى الآن عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة، فضلا عن عدم قدرتها على إعادة انتشار القوات، أو الاقتراب من عملية الدمج.
ويرى الكثيرون أنه ليس في ذلك أي غرابة، إذ أن القوات التي تخضع لقيادة وزارة الدفاع تشكلت هي الأخرى بطريقة غير نظامية، حتى وإن تم منح قياداتها رتباً عسكرية كي تبدو بمظهر القوى المنضبطة الخاضعة للتراتبية ولتوجيهات القيادات النظامية.
مخاطر بقاء الملفات مفتوحة!
يحذر السفير مصطفى النعمان "مجلس القيادة الرئاسي، من بقاء هذه الملفات الثلاثة مفتوحة، كونه أمرا لا يجب السماح باستمراره"، مشيرا إلى أن"القصور الذاتي داخل المجلس يتسبب في عجز مستدام عن التعامل مع القضايا الملحة والعاجلة، إضافة إلى مواجهتها بحزم وإيجابية بعيداً عن المماطلة والحسابات المناطقية الضيقة والمحاصصة التي تهيمن على أعمال المجلس، الذي لم ينجح في أداء الكثير من وظائفه ومهامه حتى الآن".
ويرى الكثيرون أن المجلس لم يتمكن من التعامل الإيجابي مع القضايا الكبرى، وسينعكس هذا النهج على عدم النجاح في تحقيق اختراقات حقيقية
وإيجابية تعيد ثقة الناس به.
وبحسب متابعين، فإن أي قصور في التعاطي مع القضايا الملحة سيزيد من هذه الإخفاقات والتعقيدات على الأرض، وحتماً ستصل بالبلد إلى مزيد من التدهور الذي قد يفجر الأوضاع، ويضع الجميع أمام مشهد من الانفلات الكامل.
الفشل في إدارة التوافق
وفي المحصلة، فإن العجز المستدام والضعف الفاضح في إدارة مؤسسات"الشرعية" يلقيان بأعباء كبيرة على الدولة السعودية التي تسعى إلى الخروج من متاهات المشاكل الداخلية اليمنية، في إطار استراتيجية تتبناها المملكة للخروج من حرب اليمن لاعتبارات عدة.
وتخشى الجارة "السعودية" من أن استمرار انفلات الأمور عند جارتها اليمن ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة كلها.
وإذا ما كان الاتفاق السعودي الإيراني قد فتح باب الأمل لوقف الحرب، فإن ذلك لا يعني بالتأكيد أن الاستقرار والسلام سيتحققان سريعًا، لأن التمزقات التي أصابت الجسد اليمني ستحتاج إلى عقود طويلة لمداواتها.
وهكذا سيبقى دور الرياض حيوياً وحاسماً للتقريب بين الفرقاء اليمنيين، والوصول إلى حل سياسي شامل يضع حدا لهذه الحرب الممتدة منذ 8 سنوات.
أيا يكن الأمر، فإن مجلس القيادة الرئاسي يظل صورة مصغرة للتوازنات العسكرية والسياسية على الأرض، تتيح فرصة أمام اليمنيين لإجراء مفاوضات شاملة تسهم في الوصول إلى الحل السياسي الشامل.
ويبقى نجاح المجلس مرهونا بالسير على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني لمواجهة كآفة التحديات الماثلة أمامه حاضرا ومستقبلا.