قراءة تحليلية لمستقبل اللواء محمود الصبيحي وتوجهاته السياسية بعد عودته وخروجه من الأسر.
هل ما زال لدى الرجل طموح سياسي وعسكري.. أم أنه سيلزم معتكفه خلال الفترة القادمة؟
ماذا لو عاد إلى السياسة والعمل العسكري.. بأي الأطراف سيلتحق؟
ما المشروع الأقرب إليه في حالة عودته للعمل السياسي والعسكري.. وما الذي يمكن أن يضيفه؟
هل يمكن أن يكون الصبيحي عاملاً مساعداً للتقريب بين أطراف الصراع؟
الصبيحي.. والوضع الجديد
(عدن الغد) القسم السياسي:
أصبح وزير الدفاع اليمني الأسبق اللواء محمود الصبيحي أيقونة سنوات الحرب في اليمن، خاصةً في المحافظات الجنوبية من البلاد، وأضحى اسمه وتضحياته في سجون المليشيات الحوثية مرادفًا لقيم المقاومة والصمود جنوبًا.
انعكست هذه الدلالات في مشاعر الحفاوة والترحيب التي لاقاها اللواء الصبيحي عقب خروجه من سجون الانقلابيين الحوثيين، بعد ثماني سنوات من الأسر، مثّل فيها ضمير المقاومة ضد المشروع الحوثي، حتى على مستوى اليمن عمومًا، وليس فقط في الجنوب.
وهذا التمثيل الذي يشكله الصبيحي لم يكن نابعًا من كونه جنوبيًا فقط، بل إنه ينبع حتى من اعتبار الرجل رمزًا للدولة والمؤسسة العسكرية اليمنية حين تم أسره، وما زال كذلك بشخصيته التي ما زال محتفظًا بها كرجل عسكري.
فاللواء الصبيحي من الشخصيات الثقيلة في المشهد اليمني سياسيًا وعسكريًا، ليس فقط منذ أسره، أو منذ تعيينه وزيرًا للدفاع قبيل الحرب، بل أيضًا منذ أن كان أحد أبرز القيادات اللافتة والمثيرة للجدل في المنطقة العسكرية الرابعة.
قد يكون هذا التاريخ الذي يمثله الصبيحي هو ما جعل منه أيقونةً للمقاومة والحرب ضد المشروع الحوثي، ولعل الإفراج عنه مؤخرًا زاد من هذه المكانة،بعد الزخم الشعبي الذي رافق إطلاق سراحه.
ولعل هذا ما جعل الأنظار تتجه نحو الرجل، في انتظار معرفة موقفه من المشهد السياسي الراهن، والذي من المؤكد أنه اختلف جذريًا عن المشهد الذي كان قد تركه في مارس/آذار 2015 حين أسرته مليشيات الحوثي في لحج، على مشارف مدينة عدن.
يومذاك، كان الرجل ومعه رفقاء عسكريون وسياسيون آخرون، يشكلون آخر خطوط الدفاع في مواجهة جحافل الحوثيين قبيل دخولهم إلى مدينة عدن، وكان الاصطفاف حينها ضد الحوثيين وانقلابهم على الدولة في أوجه، كما لم تكن هناك أية شرعية إلا شرعية حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي.
أما اليوم، وبعد الإفراج عن الصبيحي، يبدو المشهد معقدًا أكثر من ذي قبل، في ظل وجود مشاريع سياسية متعددة تصل أحيانًا حد التناقض، وهذا ما جعل من معرفة موقف الرجل تجاه هذا المشهد المتغير والمتشظي، وإلى أي الجهات سيميل، من الأهمية بمكان.
خاصةً وأن البعض كان يعتقد أن سني الأسر الثمان يمكن أن تؤثر في قناعات اللواء الصبيحي ومواقفه السياسية من الانقلاب او مستقبل الدولة، غير أن الحرص على معرفة رأي الرجل وموقفه أفضت إلى ما يشبه الصدمة لدى كثيرين،
نتيجة موقفه المعلن مؤخرًا.
وهو ما يدل على أن سنوات الأسر لم تفت في عضد اللواء الصبيحي الذي يُصنف كأحد "الصقور" المستمرين في مواجهة مشروع إيران في اليمن والانقلاب الحوثي على الدولة والشرعية والجمهورية.
الصبيحي.. والمشهد الراهن
يترقب كثيرون مستقبل اللواء محمود الصبيحي عسكريا وسياسيا بعد الإفراج عنه من أسر استمر ثماني سنوات، وهذا الترقب يتباين بحسب الجهة أو الطرف، خاصة من تعدد الأطراف والمكونات السياسية التي تنظر للرجل بأنه جزء منها أو أحد أعمدتها.
فكونه جنوبيًا، فهذا دفع الجنوبيين ومناصري الانفصال إلى اعتباره أحد المعبرين عن مشروعهم السياسي، بالإضافة إلى مشروعهم السياسي في مواجهة الانقلاب والحوثيين بشكل عام.
وفي المقابل، فإن التوقيت الذي وقع فيه الصبيحي في الأسر كان حينه بصفته وزيرًا لدفاع الحكومة الشرعية للبلاد، وهذا ما يدعو أنصار هذه الأخيرة إلى النظر إليه كونه أحد الرجال الأقوياء في المرحلة الراهنة، وحتى المراحل القادمة التي تنتظر الأزمة اليمنية.
غير أن نظرات كل طرف للرجل، لا تحدد خياراته ولا تفرض عليه موقفًا سياسيًا ما دون غيره من المواقف الأخرى، حيث أنه يمتلك خياراته ومواقفه التي أكدها التسريب المرئي المتناقل على منصات التواصل الاجتماعي، والمنسوب للواء الصبيحي، والذي تحدث فيه رؤيته لمستقبل البلاد.
وبالنسبة للمقطع المرئي المتداول، ورغم تشكيك كثير من السياسيين والمراقبين به، وبما قاله الصبيحي، إلا أنه قد يلخص رؤية الرجل تجاه المشهد الراهن، وهي رؤية بحاجة إلى الوقوف أمامها، إذا صح التسريب المنسوب، دون أن يكون قد خضع للتعديل أو الإضافات.
واللافت في ما تضمنته تصريحات الصبيحي أنها ركزت على تمسكه بمشروع "الدولة الاتحادية"، والتي جاء على ذكرها بشكل واضح في التسريب، رغم رداءة التسريب، ورغم أنه تحدث عن هذه النقاط في لقاءات التهنئة الشعبية بمناسبة إطلاق سراحه، وليس في محفل رسمي معتبر.
لكن، إن صحت تلك التصريحات من الرجل، فهي تستحق الوقوف أمامها لاستشراف ما قد تحمله من مؤشرات ودلالات سياسية متعلقة بقناعات الصبيحي، خاصة وأنها رؤية مرتبطة بما آمن ودافع عنه الصبيحي عشية أسره، حين دافع عن عدن وعن الدولة ضد حرب شنت رفضًا للدولة الاتحادية وخيارات الأقاليم المعتمدة في مؤتمر الحوار الوطني، ومسودة الدستور الجديد الذي لم يكتب له النجاة.
وفي اعتقاد كثيرين أن ما تحدث به الصبيحي، نابع من قناعاته التي آمن بها، ودفعته للدفاع عنها ضد جحافل القوات الغازية لعدن، وهي قناعات لم يتخل عنها الرجل رغم سنوات الأسر الثمانية، وتؤكد أن المليشيات الحوثية التي أسرت الصبيحي فشلت في تغيير قناعاته.
ما مستقبل الرجل؟
تاريخ اللواء الصبيحي، وتصنيفه كأحد صقور الحكومة الشرعية، ووقوفه إلى جانب الدولة والجمهورية جعل منه عرضة للاستهداف من قبل الحوثيين، لخشيتهم من خبرته العسكرية، غير أن واقعه اليوم وحديثه التمسك بالدولة الاتحادية قد يبوح بشيء من مستقبل الرجل.
ولعل ذات المعايير والأسباب التي أغرت الحوثيين باعتقال الصبيحي وأسره، هي نفسها التي قد تؤهله للعب دور مهم في عملية مواجهة المليشيات في قادم المراحل السياسية والعسكرية التي ستقبل عليها البلاد.
إلا أن المشكلة تكمن في احتمالات أن يكون الرجل عرضة هو الآخر للتجاذبات السياسية التي تمتلئ بها الساحة الوطنية، خاصة ما بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو واقع لم يكن يشهده اللواء الصبيحي قبل أسره عام 2015، ولعله تفاجأ به إن لم يكن اطلع عليه وهو في غياهب الأسر.
الأمر الذي يجعل من تعاطي الصبيحي مع هذا الواقع الراهن أمرًا معقدًا، وسط ادعاء كل طرف من أطراف التجاذبات المحلية أحقيته بأن يكون الرجل في صفه ومع توجهاته، وهو موقف لن يحدده سوى الرجل ذاته، بعد أن يكون قد تفرغ لدراسة الوضع والتفكير مليًا في المواقف التي سيتخذها.
وهذا كله متعلق باللواء محمود الصبيحي نفسه ولا يخص أحدًا غيره، كونه المعني بتحديد مآلات مستقبله السياسي والعسكري، في حالة واحدة فقط، هذه الحالة يحددها طموح الرجل ولا شيء سواه، فإذا كان لديه طموح باستكمال مسيرته السياسية والعسكرية فيمكن أن يكون اختياره لخوض غمار هذا العمل صعبًا للغاية.
وفي الوقت الذي يتحدث البعض عن إمكانية التزام الرجل معتكفه، وينقطع عن العالم والمشهد السياسي والعسكري، إلا أن آخرين يعتقدون أنه سينخرط قريبًا في خضم العمل السياسي والعسكري، خاصةً عقب لقائه الأخير بنائب رئيس المجلس الرئاسي اليمني، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي.
وفي هذا اللقاء الكثير من المؤشرات التي يمكن البناء عليها وقراءة مستقبل اللواء الصبيحي، بحسب مراقبين، هذا إذا كان للرجل طموح سياسي وعسكري ما زال يدفعه نحو العودة للمشهد، كشخص فاعل ومؤثر وليس مجرد تاريخ لأسير ومناضل.
ليس هناك الكثير من المعلومات عما دار في لقاء الصبيحي والزبيدي، سوى أحاديث المجاملات الرسمية والتهاني بإطلاق سراحه من الأسر، وحتى وإن وُجد هناك ما تم الحديث عنه حول مستقبل الصبيحي واستثماره قدراته وخبراته فلن يسمح له أن ينشر في العلن.
ماذا لو عاد الرجل؟
عودة اللواء محمود الصبيحي إلى العمل السياسي والعسكري سيحمل في طياته الكثير من الإثارة والجدل، في ظل ترقب الجماهير لمثل هكذا عودة لشخصٍ بات يشكل أيقونة شعبية على المستويات سياسية وعسكرية.
لكن ثمة تساؤل يلوح في الأفق، حول مصير اللواء محمود الصبيحي في حالة رغبته بالعودة إلى المشهد السياسي والعسكري، وهذا التساؤل يدور حول هوية الجهة أو الطرف الذي يمكن أن ينضم إليه الرجل، بما يوفر له مناخًا مناسبًا لاستيعاب قدراته وخبراته.
ورغم أن اللقاء الأخير الذي جمع اللواء عيدروس الزبيدي بالصبيحي رجح كفة المجلس الانتقالي في احتمالات استقطاب الرجل، إلا أن اللقاء لا يعني التأكيد في قناعة الصبيحي بمشروع الانتقالي، عطفًا على تاريخه العسكري الذي كان إلى جانب الشرعية اليمنية، وفق مراقبين.
وهذا ما يؤكده تصريح الصبيحي في المقطع المرئي المسرب مؤخرًا، والذي كان يتحدث فيه عن "يمن اتحادي"، ولم يتطرق أصلًا إلى أي مشروع أو خيارات تقترب من مصطلح "الجنوب" أو ما شابه، هذا إذا كان التصريح صحيحًا وغير محرف أو معدل، بحسب تشكيك البعض به.
وبناءً على عدم قدرة أحد يستطيع حتى اللحظة بتحديد المشروع الأقرب للواء الصبيحي، سواءً كان مشروع الانفصال أو مشروع اليمن الاتحادي الموحد، إلا أنه من المستبعد- وفق سياسيين- أن نرى الرجل يتبنى موقفًا متطرفًا بين الخيارين، وحتى وإن تعرض لضغوطات أو استقطابات من نوع خاص.
بل إن كثيرين يعتقدون أن اللواء الصبيحي لن يلتحق بأي من تلك المشاريع، في ظل تناقضها ومعارضتها لقناعته العسكرية والسياسية، والتي كان مؤمنًا بها ويعتنقها حتى اللحظات التي سبقت أسره، واستمرت على ما يبدو إلى اليوم.
ولعل المشروع الوحيد الذي يمكن أن يتبناه الرجل ويقف إلى جانبه في المراحل القادمة هو مشروع القضاء على الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة، سواء عبر الأساليب العسكرية أو الحوارات السياسية، وهو ما تضمنه المقطع المرئي المسرب المنسوب للواء الصبيحي، خاصةً فيما يتعلق بالحوار.
شخصية توافقية
اهتمام القوى السياسية ومشاريعها المختلفة باللواء محمود الصبيحي نابع من مبررات وأسباب عديدة، لعل أبرزها تحوله إلى نموذج شعبي، ونضالاته في الأسر الحوثي، كمواجه ومقاوم حقيقي، منحه ميزة إضافية يسعى الجميع إلى الاستفادة من زخمها.
لكن الشيء الأبرز الذي يغري كافة الأطراف باستقطاب الصبيحي هو إمكانياته وخبراته وقدراته عسكريًا وسياسيًا، في العمل الميداني العسكري كقائد فعلي، أو بصفته السياسية كوزير لإحدى أهم الوزارات السيادية في البلاد، والتي جعلت منه جامعًا للشأنين السياسي والعسكري معًا.
ولهذا تسعى كافة القوى إلى جذبه نحوها للاستفادة من تلك المميزات التي يمتلكها، وحتى يمثل بالنسبة لها إضافةً نوعية، تزيد من أسهم تلك القوى، وشعبيتها المرتبطة من شعبية الصبيحي نفسه، التي ستضاف تلقائيًا للطرف الذي سيفوز به.
غير أن كل ذلك قد لا يتحقق، خاصةً وأن الرجل يمثل شخصية توافقية بما لا يدع مجالًا للشك، وقاسمًا مشتركًا بين كافة القوى والشخصيات والأطراف مهما كانت تبايناتها، وهذا ما كشفته زيارات التهنئة التي اكتظت بها مجالس اللواء الصبيحي في مسقط رأسه.
ويعتقد مراقبون أن الرجل على قدر من الوعي والإدراك والفطنة ما يجعله عاملًا جامعًا بين الأطراف المتصارعة محليًا، وعنصر جذب لكافة الجهات والمشاريع السياسية المتناقضة والمتعارضة، ولعل في محنته التي مر بها وتاريخه النضالي ما يؤهله للقيام بهذا الدور المنتظر.