تقرير يخوض في مستقبل أبرز المفرج عنهم بصفقة تبادل الأسرى الأخيرة (الصبيحي وهادي ورجب)..
كيف ستؤثر المتغيرات السياسية والعسكرية في المشهد اليمني على هذه الأسماء؟
هل ما زال المفرج عنهم مؤخراً قادرين على العطاء مجدداً؟
ما هو مستقبل الصبيحي وهادي ورجب سياسياً وعسكرياً؟
ما موقف المكونات السياسية تجاه تلك الشخصيات.. وهل ستحاول استقطابها؟
ما العوامل التي يمكن أن تُعيد هذه القيادات السياسية والعسكرية إلى الواجهة.. وما موانع ذلك؟
كيف يمكن أن تخدم هذه الأسماء القضايا التي ناضلت من أجلها وتعرضت للأسر بسببها؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
كان الإفراج عن شخصيات يمنية قيادية على المستويين السياسي والعسكري مؤخرًا بمثابة تحول كبير في مسار الحرب في اليمن والأزمة المستمرة في البلاد منذ أكثر من ثماني سنوات.
هذا التحول تمثل في إغلاق نسبي لملف الأسرى والمحتجزين الذي كان من أبرز الملفات المستعصية في الأزمة اليمنية، كونه يتعلق بقيادات رفيعة سياسيًا وعسكريًا، رغم أن هذا الملف لم يغلق بشكل كامل حتى الآن.
لكن اللافت في الإفراج عن شخصيات بحجم وزير الدفاع اليمني الأسبق اللواء محمود الصبيحي، والقيادي ناصر منصور هادي، واللواء فيصل رجب، شكل بدايةً لمرحلة جديدة على المستويين الوطني والشخصي لهذه الشخصيات المفرج عنها.
فمن ناحية، فإن هذا التطور والاختراق في ملف الأسرى والأزمة اليمنية يمثل تغييرًا وتقدمًا في الصراع اليمني، كما يمنح المفرج عنهم من الشخصيات المذكورة أعلاه فرصة جديدة ومرحلة أخرى للعمل السياسي والعسكري بالنسبة لهم بعد إطلاق سراحهم.
غير أن أمر عودة هذه القيادات السياسية والعسكرية إلى العمل العلني وبشكل رسمي مناط بها أولًا، وهي من ستحدد إمكانية هذه العودة من عدمها، وهي حقيقة لا بد من التسليم بها، لكن هذا لا يمنع من الخوض في دراسة جدوى هذه العودة وإمكانية حدوثها فعلًا.
ودراسة أمر كهذا، يكتسب أهميته من كون الواقع اليمني سياسيًا وعسكريًا قد تغير كثيرا بين مرحلتي أسر تلك الشخصيات القيادية وبين الإفراج عنها وإطلاق سراحها، فهناك الكثير من العوامل التي يجب أن توضع في الحسبان عند البحث في إمكانية وقدرة تلك الشخصيات على العودة للعمل السياسي والعسكري.
تاريخ عسكري وسياسي
وبنظرة عامة على تاريخ الشخصيات الثلاث المفرج عنهم، تبدو فكرة عودتهم مجددًا إلى واجهة العمل السياسي والعسكري ممكنة، عطفًا على مكانتهم التي كانوا يتمتعون بها قبل أن يقعوا في الأسر.
فرجل مثل اللواء محمود الصبيحي، وزير الدفاع اليمني الأسبق، يمتلك الكثير من الإرث العسكري الذي يمكن أن يُبنى عليه للاستمرار بعد حصوله على الحرية من الأسر الحوثي الذي وقع فيه عند دفاعه عن عدن وقيم الدولة والجمهورية والشرعية اليمنية.
ولعل في الترحيب الذي حظيّ به الرجل بعد أطلاق سراحه، وهو ترحيب من كافة القوى السياسية في البلاد، يؤكد مكانة اللواء الصبيحي العسكرية عند كافة التيارات الجنوبية واليمنية على السواء، وهو إجماع قلما يحظى به رجب سياسي وعسكري في اليمن.
وهذا الإرث والتاريخ، والواقع أيضًا، يؤهل الصبيحي للعب دور مهم ومحوري في المشهد اليمني العام، خاصة في ظل احتياج البلاد لشخصيات تتمحور حولها تستثمر تأثيراتها الكارزمية تُجمّع ولا تفرّق، في ظل التشظي والخلافات التي شتت الرؤى ومزقتها.
ذات الأمر ينطبق على اللواء فيصل رجب الذي نال الإفراج عنه هو الآخر زخمًا شعبيًا وقبليًا، رغم وجود بعض الامتعاض من قبل بعض القوى السياسية وأنصارها من الطريقة التي تم الإفراج بها عنه، غير أن هذا لم يقلل من المكانة التي وصل بها اللواء رجب بنضالاته وتضحياته.
وفوق كل ذلك، يُضاف إليه دور اللواء رجب بمجابهة مليشيات الحوثي في صعدة، وهو تاريخ يقف إلى جانب تصديه مع اللواء الصبيحي لتمدد المليشيات صوب عدن في عام 2015، وهو ما تسبب بأسره، واحتفاظ الحوثيين به نظرًا لدوره الموجع ضدهم في حروب صعدة.
وبدرجة أقل من الرجلين، يأتي السياسي اليمني ناصر منصور هادي، شقيق الرئيس اليمني السابق، الذي يبدو أنه يعاني من أمراض واسقام تسببت بها فترة سجنه وأسره في معتقلات الحوثيين، والتي أزّمت من حالته الصحية، والتي قد تبعده عن احتمالات العودة مجددًا إلى الواجهة.
غير أن ما سيؤكد عودة هؤلاء الرجال الى العمل السياسي والعسكري مجددًا هو الوقت الذي هو كفيل بإثبات إمكانية حدوث هذه العودة من عدمها، بالإضافة إلى العديد من العوامل والمؤثرات على احتمالات عودة هذه الشخصيات مرة أخرى إلى الواجهة.
عوامل ومؤثرات
غادرت الشخصيات الثلاث المفرج عنها المشهد السياسي والعسكري اليمني حين كان الوطن برمته في أوج عدائه لمليشيات الحوثي الانقلابية، التي استولت على السلطة والدولة والجمهورية، لكنها عادت إليها حريتها وقد فترت وتيرة وحماسة العداء تجاه الحوثيين، على الأقل من قبل النخب السياسية والمجتمعين الإقليمي والدولي.
وهذا عامل رئيسي قد يحول دون عودة مناسبة وملائمة لهؤلاء الشخصيات إلى الواجهة السياسية، بل إنه في أحسن الأحوال قد تكون هذه العودة متأخرة، وتحتاج إلى وقت كاف لدراسة الوضع الجديد الذي تمخض عن ثماني سنوات من الحرب، لم يحسم فيها أي طرف الحرب المستعرة.
هناك عوامل أخرى قد تحول ربما بين القيادات هذه وبين عودتهم إلى المشهد السياسي العام، من بينها احتمالات اشتراك مليشيات الحوثي الانقلابية عدم خوض أي من المفرج عنهم في صفقات تبادل المحتجزين في أي أنشطة سياسية أو عسكرية، وهي التزامات واشتراطات ترعاها المنظمات الدولية المنشقة لمثل هذه الصفقات.
وقد تكون رغبة المفرج عنهم الذاتية في اعتزال للعمل السياسي والعسكري بعد سنوات الأسر المؤلمة إحدى تلك العوامل التي قد تؤثر هي الأخرى على عودتهم إلى الأنشطة العامة، وفي هذه الحالة لا يمكن التعليق على مثل هكذا قرار شخصي يتعلق بقيادات قدمت سنوات طويلة من التضحيات في سجون المليشيات.
كما أن مواقف المكونات السياسية سواء على مستوى الجنوب أو على مستوى اليمن قد تعمل على تحديد مستقبل هذه الشخصيات، فيما يتعلق بمحاولات استقطابها وجعلها تعمل ضمن إطارها السياسي ووفق أجنداتها ومصالحها التي هي في الغالب متضاربة ومتعارضة إلى حدٍ كبير.
ويخشى مراقبون أن يكون هذا التضارب والتعارض بين الأهداف والغايات للمكونات السياسية في الجنوب وفي اليمن قد تمنع تلك الشخصيات من العودة مجددًا إلى الساحة، خاصة في ظل التوافق والترحاب الكبير الذي حظوا به بعد عملية الإفراج عنهم، وإن كان البعض منهم معروف التوجه السياسي والعسكري سلفًا.
لكن في المقابل، ثمة جوانب يمكن أن تسمح بعودة ممكنة لكل تلك القيادات التي خرجت من الأسر إلى العمل العام سياسيًا وعسكريًا، وإن بشكل غير مباشر، وفي نفس الوقت الحفاظ على التاريخ والإرث المكتسب من سني الخبرة والتضحيات في سجون المليشيات الحوثية، بالتوازي مع إمكانية استمرار نضالاتهم، في حال رغبتهم بالاستمرار.
كيف يمكن أن يخدموا؟
من الصعب على من أدمن خدمة الوطن أن يتنازل عن هذا الشرف، خاصة بمثل هذه الشخصيات التي بصددها، لا يمكن لها أن تترك إرثها السياسي والعسكري في خدمة البلاد ينتهي عند هذا الحد وهذا المستوى، بل إن أمثال هؤلاء يتوقون إلى مواصلة مشوار نضالهم مهما كانت التحديات.
ولعل في مثل هذه الحالات التي يتم دراستها الكثير مما قد يشجع على مضيّهم قدمًا نحو مزيد من العمل النضالي في سبيل خدمة البلاد وقيمهم العسكرية التي آمنوا بها منذ سنوات.
وليس بالضرورة أن تكون مساهمة هؤلاء الرجال ميدانيًا كما كان الأمر قبل وأثناء وقوعهم في الأسر، ولكن الأمر هنا قد يختلف نوعًا ما، فيما يتعلق بطبيعة ما يمكن أن تقدمه هذه القيادات في الشئون العامة، ليصبحوا مستمرين في تقديم ما درجوا على تقديمه طيلة سنوات نضالهم.
فأمثال هؤلاء يمكن استشارتهم في كافة الجوانب المتخصصين فيها، والاستفادة من خبراتهم الطويلة والعميقة، يُضاف إليها سنوات الأسر التي قضوها بين ظهراني مليشيات الحوثي، والتي لا بد أن يكونوا قد استوعبوا طريقة تفكير الحوثيين، والبناء عليها في كيفية التعامل مع المليشيات مستقبلًا.
وهذه الزاوية التي يمكن من خلالها استيعاب قدرات هذه الشخصيات تحمل الكثير من التقدير، والاعتراف بما تملكه هكذا قيادات من خبرات ونظرة ثاقبة ستساعد في عملية تحسين عملية المواجهة مع المليشيات، وفي ذات الوقت استثمار نصائح هذه الشخصيات في الإبقاء على بنيان المواجهة متماسكًا.
مع الوضع في الاعتبار والحسبان رغبة تلك القيادات الشخصية في الاستمرار بالعمل والعودة مجددًا، إلى المشهد العام، وتحديد اسلوب العمل الذي تختاره هي لمستقبلها السياسي والعسكري.