آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

الرئيس علي ناصر يروي رحلته إلى تونس الخضراء.. وهذا ما قاله!(25)

الأربعاء - 10 مايو 2023 - 11:37 ص بتوقيت عدن
الرئيس علي ناصر يروي رحلته إلى تونس الخضراء.. وهذا ما قاله!(25)
(عدن الغد)خاص:

إعداد / د. الخضر عبدالله : 

الطريق إلى تونس 

في الأعداد الفائتة تحدث الرئيس علي ناصر محمد حول علاقة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع جمهورية ليبيا الشعبية.. وفي هذا اللقاء يخوض بنا في الحديث عن العلاقات الحميمة مع دولة تونس .. حيث أشار بقوله :" عند الساعة العاشرة من صباح الثاني من شباط/فبراير غادرنا طرابلس في طريقنا إلى تونس الخضراء. وفي السيارة كنت أدندن بمقاطع من أغنية «بساط الريح» للشاعر عصمت عبد العظيم، وتحديداً المقطع الذي يقول فيه: 

تونس أيا خضراء يا حارقة الأكباد غزلانك البيضاء تصعب على الصياد

غناء المرحوم الفنان فريد الأطرش، خصوصاً تلك المقاطع الجميلة التي يتغنى فيها بالطبيعة الساحرة والخضرة الأبدية في تونس، وغزلانها البيضاء! وكنا ونحن في ريعان الصبا قد تعرفنا إلى تونس عبر شاعرها العظيم الذي مات في ريعان شبابه، بعد أن خلدها وخُلد من بعدها بشعره، وأقصد الشاعر أبا القاسم الشابي الذي ذهب بيت من قصيدته (إرادة الحياة) مضرب الأمثال، وكان ذات يوم يشعل جذوة النضال في وطنه العربي ، ويستشهد بشعره الوطنيون والثوار العرب والشعوب العربية في كل مكان. فمن منا لم يردد مع الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة      فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليـل أن ينجلــي            لا بد للقيد أن ينكسـر

ويتابع الرئيس ناصر قائلا :" وعرفنا تونس عبر نضال شعبها ضد الاستعمار الفرنسي في سبيل الحرية والاستقلال الذي كان يقوده في تلك الأيام المحامي الذي أصبح فيما بعد أول رئيس لجمهورية تونس حتى أدركته الشيخوخة، وارتبط اسمه بالاستقلال وبتونس لسنوات طويلة. أقصد الحبيب بورقيبة. 

كل شيء يُهَرَّب حتى النفط 

ويتطرق الرئيس ناصر  في حديثه وقال :" (أبي كماش) هي النقطة الحدودية بين ليبيا وتونس، وتتجمع فيها أكثر من 1500 سيارة محملة بكل أنواع البضائع متوجهة من ليبيا إلى تونس. تشعر وأنت تشاهد هذا المنظر وكأن الشعب الليبي كله في حالة انتقال أو في طريقه إلى الخارج هارباً من حرب، أو مجاعة، أو خوف أو شيء ما. ومثل هذه الطوابير الطويلة من السيارات يمكنك مشاهدتها على حدود ليبيا مع تشاد ومصر والسودان، وما خفي في الصحارى الليبية أعظم وأخطر، لأن التهريب والمهربين هنا يظهرون أكثر من أي مكان في العالم. فالمهربون من دول الجوار وحلفاؤهم من الليبيين يقومون بعملية تفريغ منظمة لمعظم السلع في الأسواق الليبية دون رقيب أو حسيب بعد أن حطم معمر القذافي النقاط الجمركية على طول حدوده مع جيرانه مصر، تونس، الجزائر، وبقية البلدان الأخرى، حيث امتطى العقيد ظهر «بلدوزر» ودكّ تلك النقاط في واحدة من هبّاته التاريخية بتحطيم الحدود بين أجزاء الوطن العربي الواحد. ولكن هذا القرار الذي اتخذ من طرف واحد، ألحق الأضرار بالشعب الليبي ومعيشته وأمنه، وخلق كراهية بينه وبين جيرانه الذين ينهبون كل السلع من سوقه في الوقت الذي هو في أمسّ الحاجة إليها. وهذا ما أحسست به ولمسته من كل الذين شاء لي الحظ أن ألتقيهم. فكل شيء يهرَّب، بما في ذلك النفط، إلى خارج الحدود، نظراً إلى رخص أسعار البضائع في ليبيا، وخصوصاً المواد الغذائية التي تُعَدّ الأرخص في العالم بسبب دعم الدولة لها، حيث تشكلت مصالح بين المهربين والقائمين على حراسة هذه النقاط التي أقيمت أساساً لمراقبة التهريب والحيلولة دونه. وكما علمت، فإن المهربين وحراس الحدود والمسؤولين عن الأسواق الشعبية يشتركون جميعاً في هذا الاستنزاف الكبير الذي حوّل المحالّ التجارية في طرابلس وبنغازي وبقية المدن الأخرى إلى أماكن مهجورة ينظر إليها المتسوقون بحسرة وألم.

تونس من الباب الخلفي

ويكمل الرئيس علي ناصر  في لقائه  ويقول :" بعد أن قطعنا طريقاً صحراوياً طويلاً، وصلنا إلى النقطة الحدودية «أبي كماش»، وتوقفنا حتى تمّ لهم التحقق من هويتنا، وسمحوا لنا بالعبور إلى تونس، ولكن عبر النقاط الجمركية المهدمة التي تحولت إلى أطلال وأرض خراب دكّتها البلدوزرات الليبية بتوجيهات من القائد. ومنها انتقلنا إلى النقطة الجمركية التونسية، حيث يوجد جهاز قوي من الإداريين ورجال الأمن الذين يراقبون كل صغيرة وكبيرة، شاردة وواردة... ولا يتركون شيئاً للمصادفة. وحتى عندما حاولنا التقاط بعض الصور التذكارية على الحدود، قالوا لنا إن ذلك يخالف أنظمة الأمن التي تمنع التصوير في مثل هذه الأماكن الحدودية، مع أن كل ما فيه كان مبنى جميلاً يرفرف عليه العلم التونسي، وقد أرادوا مصادرة «الكاميرا» أو سحب الفيلم، ولم يقتنعوا بكل ما قلناه إلا بعد أن جاءتهم التعليمات من المركز بالسماح لنا بالدخول بعد أن هددنا بالعودة إلى طرابلس، حينئذ فقط رحبوا بقدومنا إلى تونس الخضراء. 

ويضيف :" ورغم ما شعرت به من انزعاج لهذا التشدد الأمني الذي لم أجد له ما يسوّغه، فقد تمنيت لو أن مثل هذه الإجراءات طبقت في الإجراءات الأمنية والحراسة على المناضلين الفلسطينيين  ابو جهاد وأبو إياد اللذين اغتالهما الموساد وعملاؤه وهما في ضيافة تونس . 

ويردف الرئيس ناصر في حديثه وقال :" عبر طريق متعرج أخذت السيارات تتقدم بنا إلى تونس، في طريقنا مررنا بقابس والقيروان، حيث تذكرت التاريخ المجيد لهذه المدينة، وجامعها المشهور، ومعاهدها في عصر الازدهار الإسلامي. أما قابس، فقد كنا نسمع ونحن صغار أن الرجل عندما يغضب من شخص يقول له: «اذهب إلى برقة وقابس ».. لأنها تقع في أقصى الدنيا بمعايير ذلك الزمان، ولكن العلم والطيران حلا هذا اللغز، وما كان يبدو بالأمس بعيداً أصبح اليوم قريباً وفي متناول اليد، وها نحن اليوم نصل إلى قابس متتبعين خُطى أجدادنا في هجراتهم الهلالية القديمة.

أبو جهاد وأبو إياد

ويختتم  الرئيس علي ناصر حديثه في لقاء هذا العدد  وقال مسترسلا :" أخيراً، وفي الساعة السابعة مساءً وصلنا إلى تونس. كانت تبدو جميلة وهي تسبح في محيط من الأضواء والألوان... لا أدري وأنا أمرّ بأحياء تونس وشوارعها وأزقتها، لماذا سيطرت عليّ بشكل ملحّ صورتا «أبو جهاد» و«أبو إياد» اللذين اغتيلا هنا. وتخيلت كيف تسلل القتلة إليهما وأزهقوا روحيهما. كانت تربطني بالبطلين الفلسطينيين علاقة صداقة حميمة، فقد كانا من أنبل من عرفتهم. قرأت على روحهما الفاتحة في سري، ودعوت لهما بالخلود والرحمة... واستذكرت آخر كلمة قلتها لأبي إياد في صنعاء عام 1989م، «اهتم بأمنك» وكان ردّه عليّ، ولكني أخاف عليك أكثر من الخوف على نفسي، وكانت تلك كلمة الوداع الأخيرة.

نزلنا في فندق «هيلتون الذي يقع فوق ربوة تطل على جزء من مدينة تونس حيث تمتد تلك الخضرة التي اكتسبت منها تونس بهاءها وزهوها كبساط أخضر جميل." 

( للحديث بقية )