آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:25ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: هل قررت أطراف الصراع نقل معاركها السياسية إلى حضرموت.. وما دلالات انعقاد اجتماعات الجمعية الوطنية للانتقالي فيها؟

الثلاثاء - 16 مايو 2023 - 06:30 ص بتوقيت عدن
تحليل: هل قررت أطراف الصراع نقل معاركها السياسية إلى حضرموت.. وما دلالات انعقاد اجتماعات الجمعية الوطنية للانتقالي فيها؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل لتطورات الصراع حول حضرموت في ظل الأحداث السياسية الأخيرة وانعقاد الجمعية الوطنية للانتقالي في سيئون..

ما مآلات الصراع حول حضرموت بين كافة الأطراف السياسية المحلية والإقليمية؟

ما الذي سيضيفه انضمام اللواء فرج البَحسني للمجلس الانتقالي؟

ما الذي يعنيه تولي قوات حضرمية مسئولية المنافذ البرية والجوية بحضرموت؟

ما تأثيرات اتفاق السلام بين الرياض وصنعاء على مجريات المعادلة السياسية في حضرموت؟

كيف يمكن لحضرموت أن تكون الحلقة الأخيرة من الصراع السياسي في اليمن.. وهل سيتحول إلى صراع عسكري؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

منذ قرابة العامين أو يزيد، تحولت بوصلة الصراع في المشهد اليمني نحو الشرق، وتحديدًا صوب محافظة حضرموت، بعد أن ظلت هذه المحافظة طيلة سني الحرب في اليمن بمنأى عن الصراع السياسي والعسكري منذ اندلاعه عام 2015.

صحيح أن حضرموت نالت نصيبها من غياب الدولة منذ ذلك الحين، وتسلطت عليها التنظيمات الإرهابية المتطرفة كتنظيم القاعدة وغيرها، لكن المحافظة تحررت من هذه الجماعات عام 2016, ومضت في صناعة نموذج مغاير لما عاشته بقية المحافظات اليمنية، وباتت مثالًا للاستقرار الخدمي والأمني حسدتها عليه مناطق البلاد الأخرى.

غير أن الاهتمام بحضرموت وجرها إلى قلب الصراع في اليمن بدأ بشكل عملي وحثيث منذ أواخر العام 2019، عندما شرع المجلس الانتقالي الجنوبي بالسيطرة الكاملة عسكريًا على المحافظات الغربية من الجنوب، وأخذ بالرنو نحو الشرق الثري المليء بالخيرات، محاولًا جمع شتات دولته المنشودة التي يسعى إلى استعادتها على حدود عام 1990.

ودخلت المحافظة حينها في أتون تجاذبات بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي، كان عنوانها الأبرز إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى، التي طالتها اتهامات الانتقالي بأنها "إخوانية"، أو أنها متورطة بعلاقات داعمة للجماعات والتنظيمات الإرهابية، وأحيانًا بالتواطؤ مع مليشيات الحوثي وتسهيل عملية تهريب الأسلحة برًا إلى الانقلابيين في صنعاء.

وهي اتهامات ما زالت مستمرة إلى اليوم، لم تخلُ منها محاولات بعض الأطراف جعل حضرموت خالصة لها دون غيرها، لا وجود لأي قوات حكومية تمثل اليمن أو الشرعية اليمنية في حضرموت، لكن هذه النزاعات فاقمت الصراعات الداخلية وأحيت أحلام الحضارم بدولتهم المستقلة البعيدة عن أي تدخلات سواءً يمنية أو جنوبية حتى.

الأمر الذي أدى إلى تعقيد المشهد الحضرمي نتيجة المبالغة في الصراعات، وعدم توقع احتمالات تنازل طرف للآخر أو على الأقل الالتقاء على نقاط مشتركة، وبالتوازي مع كل ذلك ثمة تدخلات خارجية تطال هذا المشهد في حضرموت، ليست بمنأى عن نزاعات المتصارعين، بل يمكن أن تكون خاصة لتوجيهاتها خدمةً لمصالح الإقليم وأجنداته.

وزاد من توريط حضرموت في الصراع اليمني استهدافها من قبل مليشيات الحوثي بمسيّراتها المفخخة التي قصفت وهدده الموانئ البحرية في حضرموت المخصصة لتصدير النفط؛ بهدف منع تلك الموانئ من تصدير النفط الخام، وحرمان اليمنيين كافة من مرتباتهم، بل والإضرار بمجالات التنمية في حضرموت نفسها.

> انعكاسات الصراع على حضرموت

بعد سنوات من النأي عن إدخالها في أتون أية صراعات سياسية أو عسكرية، تبدو حضرموت  متصدرةً للمشهد العام بين المتصارعين اليوم في اليمن، سواءً الأطراف المحلية أو حتى الإقليمية والدولية، حتى أنها باتت محور الأزمة اليمنية برمتها، ودخلت في صلب المواجهة بين الانقلابيين الحوثيين والحكومة الشرعية.

وهذا يوحي بأن تحييد حضرموت طيلة السنوات الماضية عن الدخول في أية نزاعات كان "أمرًا مخططًا له"، وأن دورها في الصراع لم يكن قد حان بعد عامي 2015 و2016، فتم تأجيل للحديث عنها أو الصراع حولها إلى ما بعد أحداث عام 2019، في المحافظات الغربية من الجنوب، وبعد أن رنا المجلس الانتقالي بنظره وطموحاته نحو الشرق.

هذه المآلات والانعكاسات بدت واضحة اليوم، بعد أن نجح المتصارعين في جذب حضرموت وجرها إلى مستنقع الصراع المحلي السياسي والعسكري في اليمن، وباتت مرتكز الصراع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي من جهة، وبين الحكومة الشرعية والمليشيات الحوثية من جهة أخرى.

لكن هذا البُعد المحلي، لم يكن هو الوحيد الذي جعل حضرموت هدفًا لهذه الصراعات، فهناك البُعد الإقليمي المساهم إلى حدٍ بعيد في رفع وتيرة الصراع السياسي والاقتصادي والعسكري على هذه المحافظة المليئة بالمقومات الاقتصادية والخيرات الطبيعية، وجميع تلك المقومات هي سر التركيز على حضرموت مؤخرًا وتحولها إلى محور الصراع الراهن في اليمن.

وإذا عرفنا هذه الخلفية المنطقية للصراع، وتهافت الأطراف الداخلية والإقليمية على حضرموت، يجعل من معرفة أسباب نقل تلك الأطراف لصراعاتها إلى حضرموت مفهومًا إلى حد كبير، كما أنه لا يوجد أي مبالغة لدى البعض حين أشاروا إلى وجود اهتمام دولي على أرفع المستويات بحضرموت، وربما هذا الاهتمام الدولي بالإضافة إلى الإقليمي هو ما تسبب بنقل الصراع اليمني إلى حضرموت.

وزاد من تحول بوصلة الصراع باتجاه حضرموت النزاعات الدولية والإقليمية التي القوة بظلالها على حضرموت، باعتبارها أغنى مناطق المنطقة بالثروات، في ظل أزمة طاقة عالمية نتيجة حرب روسيا وأوكرانيا، مادة جعل كبريات شركات النفط والغاز في العالم للبحث عن بدائل حتى وإن بدت ضئيلة، كما أن هذه البدائل بحاجة إلى حماية وتأمين، وهو ما تحاول القيام به دول الإقليم بإيعاز دولي.

إلى جانب أن دول المنطقة تسعى إلى إيجاد خطوط بديلة لنقل النفط والغاز من مناطق تواجدها في غرب الخليج العربي بعيدًا عن أيادي إيران وتهديداتها، ولعل في موانئ بحر العرب ما يوفر ذلك، فكان الاهتمام الإقليمي والدولي بحضرموت هو ما دفع إيران لإعطاء الضوء الأخضر لأداتها الحوثية بتهديد موانئ التصدير اليمنية، لتجد حضرموت نفسها في محور صراع دولي - إقليمي، وليس فقط محليا.

حتى وإن بدا الصراع حول حضرموت لعامة الناس بأنه منحصر بين الحكومة الشرعية والانتقالي، وهو ما يبدو عليه الظاهر، إلا أن تلك الأطراف تسعى لتحقيق أهدافها ما كان لها أن تحققها لولا حرصها على تنفيذ مصالح وأجندات خارجية تدعمها وتقف إلى جانبها، وهذا ما تجلى في عملية الاستقطاب لعدد من الشخصيات السياسية والعسكرية، إلى هذا الكيان أو ذاك.

> سيئون.. حضن الشرعية والانتقالي

يرى كثيرون أن الترتيبات الجارية لعقد اجتماعات الجمعية العمومية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي (برلمان الجنوب) في مدينة سيئون، حاضرة وادي حضرموت، تأتي ضمن الصراع الدائر حول حضرموت، ومحاولات الأطراف المتصارعة الحصول على نفوذ فيها والسيطرة على مقوماتها الاقتصادية ومميزاتها الأخرى.

كما أن الذاكرة ما زالت تحتفظ بذكرى اجتماعات مجلس النواب اليمني في مدينة سيئون تحديدًا، خلال أبريل/نيسان عام 2019، وهو ما يؤكد الصراع حول حضرموت والوادي بالذات.

وفي هذا الانعقاد الذي يسعى إليه الانتقالي الكثير من الدلالات والمؤشرات لا يجب إغفالها، خاصةً وأن الذي يرتب لانعقاد اجتماعات الجمعية العمومية هو عضو المجلس الرئاسي اليمني ونائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء ركن فرج البَحسني، محافظ حضرموت السابق، والقائد السابق للمنطقة العسكرية الثانية في ساحل حضرموت، الأمر الذي يمكن أن يبوح بالكثير من المعطيات.

أولى تلك المعطيات أن المجلس الانتقالي الجنوبي استفاد كثيرًا من تعيين البحسني بالقرب من قيادة المجلس، رغم صفته القيادية في المجلس الرئاسي اليمني، وفي نظر البعض فإن الانتقالي سعى من مثل هكذا تعيين إلى الاستفادة من قدرات البحسني في الوصول إلى وادي حضرموت المستعصي على الانتقالي منذ سنوات، وترتيب عملية التواجد الحقيقي ميدانيًا في الوادي لإثبات وجوده.

وهذه الإضافة التي شكلها تعيين البحسني في هرم الانتقالي يمكن لها أيضًا أن تعطي انطباعًا بخشية الانتقالي من تصاعد وتيرة المطالب الداعية بانفصال واستقلال حضرموت تمامًا ليس فقط عن اليمن بل حتى عن الجنوب، وهي خسارة لا يمكن أن يقبلها الانتقالي الذي يسعى إلى استعادة دولته بحدود عام 1990، ويمكن لشخصية منثل البحسني أن تساعد في مثل هكذا عمل.

هذا فيما يتعلق بعلاقة البحسني والانتقالي بالصراع حول حضرموت وواديها الثري المليء بالخيرات، في ظل سيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى الحكومية عليها، والتي ستسمح بتحركات وترتيبات البحسني في الوادي بصفته القيادية في المجلس الرئاسي، حتى وإن كانت تلك التحركات لصالح الانتقالي.

> مصالح الدول الإقليمية

أما فيما يتعلق بعلاقة الإقليم بالصراع في حضرموت، فإن ما أقدمت عليه دول كالإمارات والسعودية مؤخرًا من تسليم المنافذ البرية والجوية في الوديعة ومطار الريان لقوات حضرمية بحتة تديره وتشرف عليه خطوة لا بد الوقوف أمامها، خاصةً وأن القوات والجهات التي تولت مهمة إدارة منفذ الوديعة البري ومطار الريان والإشراف عليهما مقربة من السعوديين والإماراتيين.

حتى وإن ظهرت تلك القوات بأنها موالية للانتقالي أو الشرعية اليمنية، إلا أن مجرد السماح لها بهذه المهمة من قبل أبو ظبي والرياض من خلال تولي تلك القوات مهام منافذ سيادية بهذا الحجم يؤكد أن الإقليم يمتلك من الأجندات ما لا يقل عما يسعى إليه المتصارعون المحليون، بل إن ما تم التوجيه به يأتي عبر أذرع وشخصيات محلية قيادية، لشرعنة الوضع القادم في حضرموت.

وما يؤكد هذا الطرح أن الدول الإقليمية ما زالت تمتلك نفوذًا حقيقيًا على الواقع في كل حضرموت، فلا يمكن أن يتخيل أحد تخلي الرياض أو أبو ظبي عن مشاريعهم ومصالحهم في حضرموت، خاصة تلك المرتبطة برؤى دولية خاصة بجنوب شبه الجزيرة العربية وموانئ بحر العرب وخليج عدن، والتي تمثل أبعادًا استراتيجية للعالم وليس فقط للإقليم أو اليمن فقط.

وهذا ما يعزز الإبقاء على مصالح الخارج في حضرموت، وترتيب الأوضاع بأسلوب ناعم وسلس، بعيدًا عن أي عنف، ومنعًا لأي محاولات تسعى إلى تحويل الصراع حول حضرموت من صراع سياسي إلى صراع عسكري، فمصالح الجميع في حضرموت لا تحتمل تعريضها لخطر التصعيد المسلح، ولهذا يجري العمل على ترتيب الأوضاع سياسيًا في حضرموت.

وهذه النعومة في التعامل مع حضرموت بعيدًا عن الدخول في مواجهات عسكرية، يعود إلى الكثير من العوامل والمقومات النابعة من طبيعة حضرموت ذاتها، وخصوصيتها وثقافة أبنائها وساكنيها المسالمين، بالإضافة إلى حرص المتصارعين على تجنيب ثروات حضرموت أي تهديدات في حالة تحول الصراع إلى مواجهة عسكرية.

ولعل هذا ما فرض على الحكومة اليمنية عدم المخاطرة عندما عملت على منع وإيقاف أية عمليات تصدير النفط عبر موانئ حضرموت النفطية؛ حفاظًا على البنية التحتية للموانئ وحقول النفط، وجعل هذا الملف على أولويات المفاوضات الجارية حاليًا في صنعاء بين الحوثيين والسعوديين، والتي تدور حول محور صرف المرتبات، وهي إيرادات تأتي من تصدير النفط عبر موانئ حضرموت.

كل تلك المعطيات تشير إلى أن المشهد في حضرموت معقد للغاية، وأن الصراع هناك مترابط إلى حد بعيد بين جهات محلية وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى التدخلات الدولية سواء كان مباشرًا أم عبر وكلاء محليين وأدوات داخلية.