آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:25ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: هل حقاً مركزي عدن مقبل على إعلان حالة إفلاس بسبب نفاد مخزون الاحتياطي النقدي؟

الأحد - 11 يونيو 2023 - 08:40 ص بتوقيت عدن
تحليل: هل حقاً مركزي عدن مقبل على إعلان حالة إفلاس بسبب نفاد مخزون الاحتياطي النقدي؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل اقتصادي يبحث في حقيقة استنفاد البنك المركزي في عدن للمخزون النقدي وانعكاسات ذلك على الوضع المعيشي في البلاد..

ما انعكاسات مثل هذا الإفلاس على الأسعار والمستوى المعيشي للناس؟

ما الذي أوصل أعلى مرفق مالي سيادي إلى هذه الحالة الاقتصادية المتردية.. ولماذا لم يتم التدخل؟

من السبب.. هل هي السياسة الخاطئة للحكومة اليمنية وعجزها عن معالجة الاختلالات؟

هل الانقسام المالي بين صنعاء وعدن كانت حصيلته هذه الفوضى التي تهدد بانهيار بنك عدن؟

لماذا لا يتم إيداع ودائع حقيقية رغم الإعلان المتكرر الذي لم ينعكس على الواقع؟

الصعود إلى الهاوية

(عدن الغد) القسم السياسي:

خرجت أكبر وكالة أنباء في العالم قبل أيام بخبر يتحدث عن إمكانية إعلان إفلاس البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن؛ نتيجة قرب نفاد المخزون النقدي الاحتياطي في خزائن البنك، وهو نبأ يحمل الكثير من التهديدات التي تحدق باستقرار البلاد برمتها.

الوكالة العالمية نقلت هذه المعلومات عن مسئولين في الحكومة اليمنية، بالإضافة إلى مصادر وصفتها بأنها ”اقتصادية” من داخل أروقة البنك المركزي اليمني في عدن، الذين اتقوا في تصريحاتهم على أن ما بقي في خزائن مركزي عدن لا يزيد عن مائتي مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل جدًا مقارنة بمخزون نقدي لأي دولة.

ولم تخف رويترز التداعيات المتوقعة لمثل هكذا تهديد يحدق باستقرار البلاد في أهم القطاعات المرتبطة بشكل مباشر بمعيشة وحياة الناس وأقواتهم، حيث تطرقت إلى إمكانية تأثر عملية صرف مرتبات موظفي الدولة، واحتمالات تعثرها أو توقفها نهائيًا نتيجة هذا العجز في المخزون النقدي الاحتياطي لدى البنك المركزي اليمني في عدن.

غير أن البنك المركزي اليمني بعدن ما لبث أن نفى هذه المعلومات التي أوردتها الوكالة العالمية، وراح يحذر من الترويج لمعلومات مغلوطة وصفها بـ"الحملات المشبوهة" التي تستهدف استقرار الأوضاع المعيشية للناس، ونقل موقع البنك المركزي الإلكتروني في تحذيره المنسوب لمصدر مسؤول في البنك أن كل ما يتم الترويج له في بعض وسائل الإعلام من نفاد الاحتياطات الخارجية للبنك "غير صحيحة".

ودعا البنك وسائل الإعلام المهنية إلى التنبه لخطورة مثل هذه الشائعات التي وصفها بالكاذبة، وأكد أن اعتداءات جماعة الحوثي على قطاعات النفط واستهداف ناقلات النفط وتعطيل تصدير النفط والإيرادات المفقودة منذ اتفاق الهدنة من الرسوم الجمركية والضريبية أثرت بشكل سلبي على إيرادات الدولة.

وعاد البنك المركزي بعدن للحديث عن "إنجازه الوحيد" حسب تعبيره، واستطاعته الحفاظ على استقرار سعر صرف العملة المحلية، وتغطية جزء من احتياجات العملة الصعبة المخصصة لاستيراد السلع الأساسية والبضائع، مؤكدًا أن لديه من الاحتياطات النقدية الخارجية في عدة بنوك عالمية ما يمكنه من القيام بوظائفه وتأمين الاحتياج، مشيرًا إلى استمراره بالمزادات الأسبوعية لتغطية جزء من حاجيات السوق من العملات الأجنبية لاستيراد المواد الأساسية والضرورية عبر آلية شفافة وتنافسية.

واتهم البنك ما أسماه بشبكات المضاربة أنها من تقف خلف هذه الشائعات التي تستهدف المواطن في معيشته، في نفي واضح من البنك لما أوردته وكالة رويترز عن قرب نفاد مخزون الاحتياطي النقدي، غير أن هذا النفي لا يقلل من المخاطر التي تنتظر البنك المركزي اليمني جراء تراجع إيرادات تصدير النفط، والتي ما زالت تشكل تحدياً خطيراً.

وما يعاضد هذه المخاوف أن الوعود والتعهدات الخليجية بمنح البنك المركزي في عدن والخاصة بالودائع البنكية المعلن عنها لم تصل بعد إلى خزائن البنك، بالإضافة إلى غياب وضبابية المعالجات والإصلاحات التي يتحدث عنها محافظ البنك باستمرار كلما التقى بممثلي الدول الغربية، وهي إصلاحات لا يعلم أحد هل تم تطبيقها أو أنها لم تطبق بعد.

وما يزيد من سوداوية المشهد الاقتصادي في اليمن، والموقف المالي لدى البنك المركزي بعدن أن الإيرادات المحلية في المديريات والمحافظات لا يتم توريدها كما ينبغي إلى بنك عدن، في ظل تراجع مصادر الدخل الوطني ومحدوديتها، ما يعني انعكاسات اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية تنتظر البلاد.

> انعكاسات الإفلاس

تعيش اليمن حربًا مستعرة منذ تسع سنوات، وهذه الحرب بدأت تأخذ أبعادًا أخرى خلال السنوات الأخيرة، وباتت اليوم تتجه نحو الاقتصاد ومعيشة الناس وأقواتهم، وشرعت تمس أساسيات حياتهم التي ساعدتهم على البقاء صامدين في مواجهة تبعات الحرب خلال الأعوام الماضية.

لكن ما يتم ممارسته من أطراف الصراع اليوم، واتجاه الحرب إلى البُعد الاقتصادي، وتحولها إلى محاربة المواطنين في عيشهم، ينذر بكوارث لا تحمد عقباها، لن تطال البسطاء من الناس فقط، بل سيكتوي بنيرانها الساسة والعسكريون والمسئولون عن إشعال الحرب.

فالإفلاس إذا حدث، سواءً في المحافظات المحررة الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية أو في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، فإنه من المتوقع أن يفجر "ثورة جياع" في كل مكان، كونه يعني توقف مرتبات نسبة كبيرة من المواطنين، وحتى وإن كان أغلب اليمنيين غير موظفين بشكل رسمي لدى الدولة، إلا أن الانعكاسات تبدو أعمق من ذلك بكثير.

فالتفسير الاقتصادي لنفاد مخزون الاحتياطي النقدي في البنوك المركزية معناه أن الدولة بما تبقى من مؤسساتها النقدية والمالية لن تكون قادرة على منح التجار ورجال الأعمال المسئولين عن استيراد المواد الأساسية والبضائع التي يقتات عليها الناس أي إمكانية باستيراد ما يحتاجه المواطنون من سلع رئيسية.

الأمر الذي يعني خلو الأسواق المحلية من القوت الأساسي، وتوقف الحركة التجارية والاقتصادية، تلاشي السيولة من الأسواق والبنوك، وبالتالي سقوط البلاد في دوامة من المجاعة قد لا تنتهي في وقت قريب وسيطول أمدها بسبب غياب الدولة وانقسامها، ومن المتوقع أن يتخلى كل أطراف الصراع عن مسئولياتهم والرمي بها نحو الطرف الآخر.

وبغض النظر عن المعلومات التي أوردتها رويترز عن وضع البنك المركزي اليمني بعدن، سواءً كانت صحيحة أو لا، إلا أن الواقع الاقتصادي والموقف المالي الذي يعيشه مركزي عدن يوحي بأن الأمور قد تتفاقم، حتى وإن كانت جيدة الآن، غير أن المستقبل لا يبشر بالخير نتيجة الكثير من العوامل والمؤشرات، من ما لم يتم التدخل العاجل.

> تكالب المسببات

تعددت العوامل التي أودت بالاقتصاد اليمني إلى هذا الوضع المتردي للغاية، فالحرب قد تكون المنبع الذي خرجت من الكثير من الأسباب جعلت من الاقتصاد الوطني مترنحًا، وغير قادر على الصمود أو مواجهة التطورات والمستجدات العسكرية والسياسية، لكن بالتوازي مع ذلك، ثمة عوامل ومسببات أخرى تكالبت على الوضع المعيشي في اليمن، حتى بدا على الوضع الذي يبدو عليه اليوم.

أولى تلك العوامل، هو الانقسام المالي والنقدي الذي مارسته مليشيات الحوثي الانقلابية، عقب نقل المركز الرئيسية للبنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، وطبقت عندها التجربة التي قامت بها سلطات إقليم كردستان العراق عند محاولة الانفصال عن المركزية المالية العراقية.

الأمر الذي أودى بالعملة المحلية، وجعل الريال اليمني يهوي إلى مستويات قياسية في ظل تراجع حجم الإيرادات التي تورد للبنك المركزي في عدن، وضغوطات رفض الأوراق المالية المطبوعة لمواجهة شحة الإيرادات من قبل الحكومة الشرعية التي لم تنجح في اتخاذ أية إجراءات ملموسة لإنقاذ العملة من التدهور، ومعالجة الوضع الاقتصادي.

فالحكومة اليمنية تتهم بأنها لا تمتلك سياسة اقتصادية لمواجهة الأزمات أو حتى منع حدوثها، فكل إجراءاتها ما هي إلا رد فعل عما يقوم به الحوثيون من ممارسات تضر بالاقتصاد، وحتى ردود الفعل الحكومية تلك لم تنجح في معالجة أية أزمة، بل إنها تتسبب بإنتاج أزمات إضافية وجديدة تفاقم المشكلة ولا تحلها، وأكبر مثال على ذلك ما قامت به الحكومة من إجراءات في رفع تسعيرة الدولار الجمركي وتعرفة الخدمات العامة؛ لتعويض توقف إيرادات تصدير النفط والغاز.

وزد على كل تلك المسببات، شحة توريد الأموال والإيرادات المحلية من المحافظات إلى البنك المركزي اليمني في عدن، وعجز الحكومة عن إيجاد آلية شفافية وفاعلة لتحسين عملية تحصيل الإيرادات المالية، ورفع مستوى تحصيل الضرائب والجمارك وغيرها من الموارد المالية الأخرى، ما نتج عنه فوضى مالية ترزح تحتها كل البلاد.

إضافة إلى الفوضى التي تسببت بها منشآت وشركات الصرافة التي شهدت تفريخًا وتكاثرًا، ينم عن وضع غير صحي في ظل تراجع سعر صرف العملة واقتصاد الحرب الذي تقبع تحت ويلاته وتأثيراته كل مناطق اليمن شمالها وجنوبها، وتسبب تلك المنشآت مجهولة المصدر بمضاربات مالية مشبوهة لصالح تهريب الأموال إلى المليشيات والقيام بغسيل أموال، أودت باستقرار الريال اليمني في المناطق المحررة.

وهو ما نتج عنه وصول أعلى مرفق مالي وسيادي في اليمن ممثلًا بالبنك المركزي اليمني إلى هذه الحالة المليئة بالعجز والفوضى، وغياب المعالجات الناجعة لتجاوز الاختلالات المصرفية والمالية التي تكابدها البلاد ويعاني منها المواطنون البسطاء في الدرجة الأولى.

> أين الودائع؟

المعلومات التي ساقتها رويترز عن وضع خزينة البنك المركزي اليمني بعدن، تضمنت الإشارة إلى غياب الودائع البنكية التي سبق وأن وعد بها الداعمون الخليجيون عقب الإعلان عن تشكيل المجلس الرئاسي اليمني مطلع أبريل عام 2022، غير أن تلك التعهدات لن تصل بعد إلى الخزينة البنكية في عدن.

ورغم البروبجندا الإعلامية التي واكبت الإعلان عن التعهدات، وبشكل متكرر مع التقاط الصور برفقة المسئولين الخليجيين واليمنيين، إلا أن شيئًا من تلك الودائع لم خل البنك المركزي اليمني، بحسب الوكالة العالمية.

وهو وضع يفاقم المشكلة، ويهدد البنك المركزي بعدن بنفاد خزينة بالفعل، وإن لم يكن الأمر قد حدث وفق ما أوردته رويترز، بحسب وفي البنك، إلا أنه قد يحث فعلًا في حالة استمرار الوعود الخليجية بودائع لم تبارح الاوراق التي وقعت عليها تلك الدول، كما لم تتجاوز القنوات والمواقع الإعلامية التي أوردت تلك الأخبار.

ما يتطلب تدخلًا عاجلًا وضغطًا من قبل الحكومة اليمنية على التحالف العربي للإسراع بتوريد الوديعة، التي طالما ارتبطت باشتراطات تفعيل وتنفيذ الإصلاحات المالية والنقدية التي لم تر النور بعد، على أمل أن تتحقق وتنفذ هذا الشعب المكلوم من كوارث اقتصادية تتهدده وتجعل بما تبقى من مستقبله في مهب الريح.