الشيخ سعيد شخصية حبية يحمل روحاً مرحةً متسامحة ، يملك محلا تجاريا صغيرا في إحدى الحارات الشعبية في أطراف المدنية ، يمتاز بصفات خاصة في التعامل مع رواد المتجر،خصوصا انه يدرك مدى ضنك العيش الذي تعيشه منطقته وقلة الأعمال وتدني الأجور ، لذلك فهو اتخذ قراراً بينه وبين نفسه بالعفو عن كل من لا يستطيع أن يسدد بعض ماعليه من مبالغ او ديون او سلف،دون ان يبلغهم، و قرر أن يستمر في هذا النهج والتعامل مع الناس بقدر ما يستطيع، وأصبح هذا السلوك جزءاً من شخصيته وسمةً من صفاته اليومية. وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة، كان الحاج سعيد يجلس مع أبنائه ويتوسطهم الموقد لتدفئة الغرفة ويتبادلون أطراف الحديث ومتابعة بعض أخبار اليوم ، بينما الحاجة سعيدة تجهز مكان الحاج ليخلد إلى النوم كعادته كل ليلة ،أخلد الحاج في نوم عميق وإذ به يشعر بألم في أطراف رجليه ، وينتقل إلى الصدر و الرأس بسرعة، وإذا به يسمع أصواتاً من البكاء للنساء والأطفال من حوله ، تم نقله إلى المستشفي ، توقف النبض، أخبر الدكتور أبناءه أن قلب الحاج توقف عن النبض وعظم لهم الاجر،لم يستوعب الأبناء هذه الكلمات ،كيف توقف النبض ، ننقله إلى الخارج ،صُدم الجميع وانتشر الخبر وإذ بالمعزين يتوافدون إلى المنزل ،رجالا ونساءً واطفالا، وتحول البيت إلى حالة من الحزن ، همس هنا وهناك ، وترتيبات لموعد الدفن؛حالة من الخوف والفزع متملكة الحاج سعيد وشريط طويل من الذكريات والمواقف تمر أمام عينيه ولكنه لا يستطيع الحركة ، لحظات متسارعة وتمت الترتيبات للدفن والحاج سعيد يستشعر كل مايدور حوله، حتى تم إنزاله إلى مسكنه الأبدي وذهاب كل المشيعين ، استشعر الحاج سعيد بوحشة المكان وظلمة القبر، فبدأ يتصبب بالعرق ، ماهي إلا لحظات بسيطة،حتى فتحت نافذة انتقل خلالها الحاج سعيد إلى عالم واسع من الأنهار والشلالات والأشجار الوارفة الظليلة، استشعر خلالها الحاج سعيد عودة الروح إلى جسده، مستمتعاً بمايشاهده من أجواء ومناظر خلابة ممطرة ، لم تمر سوى ساعات بسيطة، فإذا بالحاج سعيد يسمع صوتاً عظيماً مزلزلا، ويرى نفسه وسط حشد كبير من الناس وازدحام شديد وإذ بصوت ينادي: أين العافين عن الناس.. قائمة طويلة من الأعمال التي قدمها من إعفاء عن الناس تظهر أمامه، بصورة جلية ، فتحرك نحو المنادي مع الآلاف من الجموع.. وبينما الحاج سعيد يتخطى الصفوف، مسرعاً نحو المنادي سمع صوت الحاجة سعيدة توقضه لأداء صلاة الفجر، وتقطع عليه حلمه، نهض مسرعاً وهو يشهّد ويهلل،لما رأه بالحلم ويحمد الله ويشكره ويتوضأ لأداء الصلاة وهو لايزال غير مستوعب مارأه..