تقرير يسلط الضوء على زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للرياض وما أثر ذلك على حل الأزمة اليمنية ووقف الحرب..
هل هناك انعكاس إيجابي للزيارة على وقف الحرب في اليمن؟
كيف تعامل الإعلام السعودي مع هذه الزيارة؟
على ماذا تقوم الرؤية السياسية الجديدة للسعودية في المنطقة؟
ما هي أبرز القضايا التي ناقشها الرئيس العليمي مع بلينكن؟
بماذا علقت مليشيا الحوثي على الزيارة؟
أمريكا والسعودية والملف اليمني.
(عدن الغد) القسم السياسي:
تشهد العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية حالة فتور في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن العلاقة التاريخية والاستراتيجية التي جمعت بينهما تمتد إلى 8 عقود خلت.
حالة الفتور هذه عبر عنها نشطاء سعوديون، إذ قالوا إن التغطية الإعلامية التي حظيت بها صفقة لاعب كرة القدم الفرنسي كريم بن زيما إلى نادي الاتحاد السعودي تفوق ربما الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن إلى الرياض.
وقبل وصول بلينكن إلى الرياض بساعات، كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستقبل من يعدون خصوما للولايات المتحدة الأمريكية، ونعني هنا استقبال ولي العهد السعودي بن سلمان للرئيس الفنزويلي.
وفي حين كان يجري اللقاء بين بن سلمان مع بلينكن، كان هناك احتفال يجري في الرياض لافتتاح السفارة الإيرانية في الرياض.
وعقب انتهاء اللقاء بين بلينكن وبن سلمان، كان ولي العهد السعودي يتلقى اتصالا تلفونيا من الرئيس الروسي بوتن، وفي هذا الأسبوع تتهيأ الرياض لاستقبال مؤتمر كبير يضم مستثمرين عربا وصينيين.
وفي هامش الزيارة لوزير الخارجية الأمريكي لأنتوني بلينكن للرياض، كان للأزمة اليمنية نصيب منها، إذ التقى الرئيس رشاد العليمي بالوزير الأمريكي وجرى خلال اللقاء مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين وسبل الدفع بها إلى آفاق أرحب في مختلف المجالات.
> لماذا زار الوزير الأمريكي الرياض؟
لا أحد يجهل العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي جمعت بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية منذ 80 عاما، وفي ضوء ذلك يحرص الجانبان على المحافظة عليها في كل المجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية.
لم يحمل الوزير الأمريكي بلينكن ملفاته وأجنداته في المنطقة، بل حمل مخاوفه من أي تقارب سعودي مع خصوم الولايات المتحدة الأمريكية، ونعني بالخصوم الصين وفنزويلا وإيران، خاصة أن هذه المخاوف تأتي بعد 3 أشهر من رعاية الصين اتفاقا بين الرياض وطهران في العاصمة الصينية بكين.
ووفق آراء محللين سياسيين سعوديين فإن الأجندات التي حملها الوزير الأمريكي بلينكن إلى الرياض كان يتقدمها أمن إمدادات الطاقة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى التحديات الأمنية للبحر الأحمر التي من المحتمل أن يخلفها الصراع العسكري في السودان.
ولم تغفل زيارة بلينكن إلى الرياض بحث التعاون المشترك، والعلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن، والعلاقة الجمعية بين واشنطن ودول الخليج، عوضا عن التقارب السعودي/ الإيراني بواسطة صينية، الذي بات يزعج كما يبدو الحليف الأمريكي للرياض.
وفق الرؤية السعودية وتبدلاتها فإن المنطقة تحتاج إلى التهدئة أكثر من أي وقت مضى.
فالقيادة السعودية ترى أن المنطقة تحتاج اليوم إلى الرؤى المشتركة وتصفير أو على الأقل تجميد المشكلات السياسية والتوترات الطائفية والمذهبية، من أجل التهيئة للولوج إلى المرحلة التنموية العميقة، مع إعادة ترتيب أوراق وملفات المنطقة لصالح الاقتصاد والتنمية المستدامة.
ووفق مراقبين فإن المنطقة العربية لم تعد محكومة بالنطرة القاصرة للولايات المتحدة الأمريكية "النفط مقابل الأمن"، وكذا التسريع في التطبيع مع إسرائيل، بل يجب أن تغير أمريكا استراتيجيتها تجاه المنطقة وفق معطيات جديدة، فالشراكة الصينية مع السعودية ودول الخليج قد تربك المشهد وتغير ميزان العلاقة بين دول الخليج وواشنطن.
وطبقا لمتابعين للوضع الأمريكي الداخلي فإن واشنطن تعاني من الخلافات المتجذرة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مع غياب التوافقات داخل الحزب الجمهوري نفسه، علاوة على أن البيت الابيض يشهد خلافات بينه وبين المؤسسات الأمريكية العميقة، مع تصاعد الأزمة الاقتصادية التي تشهدها أمريكا وارتفاع سقف الدين والعجز عن سداد الديون.
ويرى كثيرون أنه في حالة لم تستوعب أمريكا هذه التحولات، فإنه من الصعب بناء التفاهمات، وإعادة التموضع في المنطقة، والعودة إليها بالأجندات الأمريكية الحالية مع دخول المنافس الصيني الأقوى للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
> الرئيس العليمي يلتقي الوزير الأمريكي
لم تفت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الرياض دون لقاء بالرئيس رشاد العليمي.
وطبقا لمصادر (عدن الغد) فإن اللقاء الذي جمع بين الرئيس العليمي والوزير الأمريكي بلينكن تطرق إلى مستجدات الأوضاع اليمنية والدعم المطلوب لتعزيز الإصلاحات الاقتصادية والخدمية، والجهود الإقليمية والدولية لإحياء مسار السلام في ظل تعنت المليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني.
وفي اللقاء أشاد العليمي بالتدخلات الأمريكية لدعم خطة الاستجابة الإنسانية والخدمات الأساسية المنقذة للحياة.
وثمن العليمي الجهود التي يقوم بها المبعوث الأمريكي الخاص في اليمن من أجل تجديد الهدنة وإنهاء المعاناة الإنسانية التي صنعتها المليشيات الحوثية، إضافة إلى المساهمات الأمريكية المقدرة على صعيد محاربة تهريب الأسلحة الإيرانية والمواد المخدرة إلى المليشيات الحوثية وجماعات العنف في المنطقة.
كما أكد العليمي على الشراكة مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب في ظل التخادم بين المليشيات الحوثية وتنظيمي القاعدة وداعش.
وجدد الرئيس العليمي مطالبته المجتمع الدولي بممارسة المزيد من الضغوط المشتركة من أجل تحقيق السلام العادل وفقا للمرجعيات المتفق عليها وطنيا وإقليميا ودوليا وخصوصا القرار 2216.
وذكر العليمي الوزير الأمريكي بالدور المطلوب لوقف انتهاكات المليشيات الحوثية، بما في ذلك الإجراءات التعسفية ضد أنشطة القطاع الخاص والتكسب من وراء اقتصاد الحرب دون الاكتراث للتداعيات الوخيمة على تلك الإجراءات.
وفي ذات الصعيد، دعت واشنطن إلى اتفاق جديد أكثر شمولا لإنهاء الحرب في اليمن.
وأفاد بيان صادر عن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، بأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن التقى الخميس الماضي بالرئيس العليمي وناقش معه الالتزام المشترك لحل النزاع اليمني، وتخفيف الأزمات الإنسانية والاقتصادية التي تواجه اليمن.
وأعرب بلينكن عن قلقه إزاء الإجراءات الحوثية التي تقطع عن اليمنيين الموارد وهم في أمس الحاجة إليها، وغير مقتصرة تلك الإجراءات على إيقاف تصدير النفط بل إعاقة التدفق للبضائع داخل اليمن.
من جهة أخرى أكد الاجتماع الوزاري المشترك بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزير الخارجية الأمريكي على دعمهم لسيادة اليمن واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه ودعمهم لمجلس القيادة الرئاسي.
وفي نفس السياق علق وزير الخارجية اليمني السابق والقيادي المؤتمري أبوبكر القربي على البيان الخليجي الأمريكي المشترك بقوله: يجب أن يرافق تمسك الاجتماع الوزاري الخليجي الأمريكي بوحدة اليمن وسيادته موقف واضح يتصدى لما يهدد وحدة اليمن وينتهك سيادته ويواجه المعرقلين لجهود انهاء الصراع، نتيجة تقاطع المصالح والخصومات المحلية والاقليمية وتجنيبه مخطط إغراقه في صراعات داخلية تسهل الهيمنة على مقدراته.
> بحضور المبعوث الأمريكي.. لندن تستضيف الانتقالي
لم يعلق المجلس الانتقالي على زيارة وزير الخارجية الأمريكي للرياض ونتائجها على القضية الجنوبية، لكنه كشف عن زيارة للعاصمة البريطانية لندن يعتزم القيام بها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي، في سياق تسويق المجلس الانتقالي الجنوبي لرؤيته التي تمخضت عن الميثاق الوطني الجنوبي.
وكشف عضو في هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي عن زيارة مرتقبة لرئيس المجلس اللواء عيدروس الزبيدي إلى العاصمة البريطانية لندن، لطرح رؤيته بشأن حل الأزمة اليمنية.
وقال لطفي شطارة: إن الزبيدي سيشارك في ندوة سياسية ينظمها معهد شاتام هاوس البريطاني في 22 يونيو الجاري بعنوان "أزمة اليمن نهاية تلوح في الآفق".
وأوضح شطارة على حسابه بموقع تويتر أن الندوة سيشارك فيها عيدروس الزبيدي والمبعوث الأمريكي إلى اليمن ليندر كينج وعدد من الباحثين، وسيطرح الزبيدي رؤية الانتقالي لحل الأزمة.
وعلق القيادي في المجلس الانتقالي الدكتور ناصر الخبجي على هذه الزيارة، بدعوته إلى انتهاج سياسة مستقلة يعتمد فيها المجلس على نفسه بدلا من الاعتماد على أي دعم أجنبي دولي آخر.
وقال الخبجي إنه يجب الاعتماد على النفس وتحقيق الطموحات، شاكرا ومقدرا كل الجهود الدولية الداعمة للمجلس الانتقالي.
ودعا الخبجي قيادة المجلس الانتقالي إلى الاتعاظ من الماضي في إشارة إلى اعتماد جمهورية اليمن الديمقراطية على الاتحاد السوفيتي الذي بانتهائه انتهت الدولة في الجنوب.
> الموقف الحوثي من زيارة بلينكن
هاجمت المواقع المحسوبة على مليشيا الحوثي زيارة بلينكن للرياض ووصفتها بمساع أمريكية لفرض رؤيتها للحل في اليمن.
وقال الحوثيون في منابرهم الإعلامية إن هذه الزيارة تسعى إلى عرقلة جهود السلام الفعلي في اليمن، وفرض حالة اللا حرب واللا سلم التي تبقي المجال مفتوحا لمواصلة استهداف الشعب اليمني وتجويعه واحتلال ارضه بدون تبعات- حسب زعمهم.
وحذر الحوثيون السعودية من أي استجابة للرغبة الأمريكية وإن (صنعاء) لديها التعدد والتنوع في الخيارات والكثير من المفاجآت، حد قولهم.
ووصفت مليشيات الحوثي هذه التحركات الأمريكية بأنها رفض لشروطهم التي كان أبرزها البدء بالملف الإنساني بعيدا عن الملفات العسكرية والسياسية، بحسب ما تم الاتفاق عليه خلال المفاوضات التي عقدت في شهر رمضان بصنعاء بحضور السفير السعودي ووفد الوساطة العمانية.
وتتخوف مليشيا الحوثي من رؤية جديدة للسلام في اليمن تتبناها أمريكا وبريطانيا عبر المبعوث الأممي لليمن، ترى أنها قد تنسف المكاسب التي حققتها من زيارة السفير السعودي لدي اليمن في شهر رمضان الفائت بمعية الوفد العماني.
في المحصلة، فإن الزيارة لوزير الخارجية الأمريكي لم تحظ بذاك الترحيب الذي حظي به لاعب كرة قدم، قادم إلى دوري المحترفين السعودي، مما يعكس فتور العلاقة السعودية الأمريكية في الوقت الحالي، وإن القيادة السعودية كما يبدو قد حسمت خياراتها وأعادت رسم خريطة تحالفاتها الاستراتيجية الدولية لتضم إلى أمريكا علاقة جيدة ومتوازنة مع الصين وروسيا.
تقول مراكز بحوث دولية إن السعودية لم تعد تعول كثيرا على المواقف الأمريكية في حل مشاكلها مع إيران في ظل إدارة الرئيس الحالي بايدن، وأكبر دليل على ذلك موقف الإدارة الأمريكية بمنع امداد المملكة بالأسلحة والمعدات للتصدي لأذناب إيران في المنطقة لولا تدخل الدول الصديقة كالصين واليونان وجنوب أفريقيا، فهذه الإدارة في نظر السعوديين غير جديرة بالثقة، و"المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين".