كتب: خـــــديجة الجسري
على حين صدفة أتت بحلوياتها التي ستساهم فيها بالطبق الخيري التي ساهم فيه عدد من طلاب الجامعة والذي يعود لمصلحة أطفال الشوارع.
سوسن بيد ترتجف حياءً، كأول مرة تمد يدها لزميل وتكلمه خذ الصحن، يرفع رأسه وتقع عينه بعينها وقبل إن يأخذ الصحن كانت قد اخترق سهم الحب قلبه بالنظرة الأولى ؛ على الرغم أنه كان ينكر الحب بكل مقاماته فكيف بحب النظرة الأولى؟ !!
بدأ يدور في مخيلته أحاديث كثيرة حول أدبها، رجفة يدها وهي تمدها إليه عن صوتها الرخيم الهادئ عن نظرتها نحوه وتسمرها والصحن بين أيديهم ....
ظل كل يوم يراقبها بصمت، يبتسم قلبه عند حظورها،ثم اتخذ قرار الدراسه مع مجموعة أول، رغم أنها ليست شعبته فقط ليكون بنفس القاعة التي تدرس بها سوسن، كان يحس بغصة واكتئاب لعدم حضورها.
يغضب إذا لم تدخل محاضراتها وكأنه أب يخاف مستقبل ابنته، يصفق بحرارة عندما تجيب عن سؤال مهما كان بسيط وكأنها صنعت أنجاز في عالمه الخاص، يتصبب عرقاً ويلتفت يساراً ويميناً أن توجه لها سؤالاً ولم تجيب عليه.
تلقى من أقرباء له دعوة للعديد من الأعمال،اخبروه أن يكتفي بحضور الاختبارات، كانت عروض ستعود عليه بمبالغ مالية تعينه على أمور كثيرة، لكنه رفض كما لو أن عدم حضوره ليوم واحد سيفارق روحه، هو يعلم أنه سيعيش بدون شغف،بدون همة، كان الحضور واستراق النظرات إليها جرعة من السعادة لا يمكن أن يشارك في خسارته إياها.
أتذكر جيداً بعد وفاة والده بثلاثة أيام حظر الكلية لأجل أعطاءها ملزمة مهمه لاختبار القانون الخاص ...ااااااه ليتها نجحت في المادة التي ترك العزاء وأتى ليساعدها فيها .
أربع سنوات مرت لم يعترف سمير بحبه لسوسن رغم أحساسها بتصرفه الغريب نحوها، وأعجابها بنظراته الحانية إليها ..
وفي آخر اختبار الذي كان مادة " اللغة العربية " وبعد عصر 12/3
تقدم سمير إلى سوسن ، كان قد درب نفسه أمام المرآة عشرات المرات ع مقابلتها، كانت رجلاه ترتجفان خجلا ووجه يقطر بلون الشفق الذي كان قد خيم ع أشجار الجامعة ، همس في نفسه كلمات لم يسمعها سواه، بشجاعة وفراسه وقف أمامها قائلاً :
لم أحب يوماً الدراسة في الكلية، ولم أحضر حباً بكل هذه المقررات، ولم أتِ إلى هنا لأحصد المركز الأول، ولم أنصت يوم لمحاضرة دكتور، ولم أوقت المنبه كي أصل الأول إلى قاعة الدراسة ، عملت كل هذا لأجلك نعم لأجلك أنتِ، كي أراك كل صباح، كي أسرق منك النظرات بين الفينة والأخرى لكي ألتقيك، قاطعته.... فقاطعها دعيني أكمل ..لم أسس المبادرة الطلابية إلا لأنك عضواً فيها ولم ولم ...الخ.. وبكل شرف وفخر أنني سأتقدم لك من الأبواب الكبيرة كما يعمل الرجال؛ لأنني بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ أفاق وأفكار " أحبك "
لا أريد منك جوابا الآن..
حددي وقت كافٍ، حدديه كما تحبين أن يكون، هزت رأسها ويدها ترتجف؛ لكن هذه المرة ليس خجلا بصحن الحلوى أنها رجفة الحب.
وبعد غروب اليوم الأخير الذي أشرق فيه الحب أفترقا ولم يتفرقا ، لقد كانا على موعد لقاء آخر في أحد الأماكن العامة ..
بعد أسبوعين حسب الموعد المحدد التقيا بعيون تملأها الحب والدموع قالت سوسن لـ سمير نعم أنني موافقة لتكون الشريك الذي يرافقني الحياة بحلوها ومرها وعلى هذا تعاهدا الزميلان.
حكى سمير ظروفه الحالية في غضون الحرب القائمة لسوسن وأنه في العام القادم سيتم زواجهما بعد أن يجمع مبلغ المهر وتكاليف الزفاف أومت سوسن برأسها إيجاباً وهي تبتسم بخجل، وعدا كلاهما لينصرف كلُ إلى بيته وهما يتمنيان البقاء مع بعض ...
مرت سنة وهما على تواصل مستمر وشغف الحب يملأ قلبيهما، رغم أخفاء سوسن عن سمير الكثير من ممارستها للأعمال السياسية التي لم يغرب بها والتي وعدته بالتخلي عنها ليس لتقييد حريتها وإنما لسوء الجهة التي تعمل لأجلها ،عرف فغضب منها ثم سامحها عن ذلك فالحب لم يدع للضغينة مكان في قلوب العاشقين.
وفقاً للعادات والتقاليد أرسل سمير والدته وأخته لمنزل سوسن والتعرف ع أهلها فتفاجأت الأم ــ المناضلة الجسورة التي عاشت كل حياتها مع زوجها دفاعاً عن الوطن والجمهورية والوحدة الوطنية والمساواة بين أبناء هذا الشعب ــ بصور تملأ الجدران تدعو للطائفية والعنصرية والتعالي فجلست على مضض ـ رغم الأستقبال والحفاوة التي أستقبلها به أهل سوسن ـ وأثناء حديثها مع أم البنت وأقربائها بدأ الحديث عن حقهم الآلهي المزعوم، وأنهم شعب الله المختار ولولا أنتساب سمير لبيت السيد العظيم لما صاهروه فغضبت غضباً شديد وأخفت ذلك في نفسها وخرجت مقسمة في نفسها أنها الزيارة الأخيرة لهذا المنزل المشووم حسب وصفها ...
ما كان منها إلا إن عادات لتنهي قصة حب عمرها سنين وتذبل وردة زُرعت بين البندقية والطائفيه، وتُسلب روح فارسها الأبيض وعاد جسد بلا روح تساوت في نظره فرح الحياة وترحها.