مقال تحليلي يسلط الضوء على المشروع السياسي المدني في مواجهة المشاريع المتعددة في اليمن..
كيف يمكن أن نفهم أن الصراع القائم اليوم في اليمن بين مراكز القوى ليس صراعا سياسيا؟
ماذا ينتج عن المشاريع الشخصية التي تحدث بين شخصيات نافذة لها ثقل عسكري أو قيادي أو قبلي أو اقتصادي؟
لماذا يتمرد أصحاب المشاريع الشخصية على العمل السياسي والمؤسسي؟
هل تختلف دوافع أصحاب المشاريع الشخصية عن أصحاب المشاريع المذهبية والطائفية؟
كيف تسهم المشاريع الشخصية والمذهبية والطائفية في تعقيد الصراع على المشهد السياسي اليمني؟
هل الحل يكمن في تجفيف المشاريع المتعددة ومحاصرتها وكشفها لإحداث نقلة نوعية في العمل السياسي؟
البحث عن المشروع السياسي المدني.
> تحليل/ إبراهيم ناصر الجرفي
إن المتابع للمشهد السياسي اليمني يمكنه أن يلاحظ بأن الصراع القائم اليوم في اليمن بين مراكز القوى، ليس صراعا سياسيا، لأن الصراع السياسي يمكن إيجاد الحلول المناسبة له، كما هو متعارف عليه في عالم السياسة، من خلال تشكيل حكومة انتقالية، ومن ثم الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وهذا ما كان ولا يزال وسيظل يدعو إليه حزب المؤتمر، لكن نظراً لأن الأطراف الأخرى لديها مشاريعها الصغيرة الخاصة بها، فإن الصراع في اليمن تعددت صوره، وأشكاله، وأهدافه، والداعمين له، والقائمين عليه، وهذا هو السبب الحقيقي في تعقيد الأزمة السياسية اليمنية، وفي فشل كل المحاولات، والمبادرات، والمفاوضات، الساعية لحلحلتها...!!
> الطريق الصحيح لحل الصراع القائم
لذلك فإن الطريق الصحيح لحل الصراع القائم، على الساحة السياسية اليمنية اليوم، يتطلب بذل الجهود على كل المستويات لحصر الخلاف في المجال السياسي، ولن يتم ذلك إلا إذا تم تحييد المشاريع الصغيرة الأخرى بمختلف أنواعها وتوجهاتها، لأن القائمين عليها يبذلون كل جهدهم في سبيل محاربة العمل السياسي المدني، لأن مناهجهم الفكرية غير قابلة للحياة في أجواء يسودها العمل السياسي المدني، لأنها غير مدنية وغير حضارية، وللقيام بأي مواجهة مع هذه المشاريع، يجب معرفة أنواعها وماهيتها والجهات الداعمة لها وأهدافها، فبالنسبة لأنواعها فهي عديدة لكن أهمها هي المشاريع الشخصية والمشاريع المذهبية والمشاريع المناطقية..!!
> المشاريع الشخصية
والمشاريع الشخصية الصغيرة ينتج عنها الكثير من الصراعات الشخصية، وعادةً ما تحدث بين شخصيات نافذة لها ثقل عسكري أو قيادي أو قبلي أو اقتصادي، ولديها طموحات سلطوية خاصة بها، ومن الصعب إيجاد حلول مناسبة لهكذا صراعات، كون إرضاء تلك الشخصيات، وتحقيق رغباتها وأطماعها الخاصة بها من المؤكد أنه سوف يتعارض مع العمل السياسي والمؤسسي والقانوني، ما يدفع بتلك الشخصيات إلى التمرد على العمل السياسي والمؤسسي، كونه لا يلبي طموحاتها الكبيرة، فتقوم بتسخير كل الطاقات المتاحة لها، لتحقيق مشروعها الخاص بها، بغض النظر عن المآلات والمردودات السلبية لتلك المشاريع على المصالح العليا للوطن، لذلك سوف تظل المشاريع الشخصية حجر عثرة أمام نجاح أي مشروع سياسي مدني...!!
> المشاريع المذهبية والطائفية
وكذلك الحال بالنسبة للمشاريع المذهبية والطائفية الصغيرة، التي تقوم على أسس مذهبية وطائفية بحتة، فأتباع كل مذهب وخصوصا المتشددين منهم، يحاولون بسط نفوذهم ونشر أفكارهم المذهبية، على حساب المذهب الآخر، وكل طرف يستغل العواطف الدينية والمذهبية لدى أتباعه لتحشيدهم وتجنيدهم لقتال الطرف الآخر، تحت مسمى الجهاد الديني المقدس، وهذا الأمر يتعارض مع العمل السياسي والمؤسسي المدني، ويزيد من تعقيد المشهد السياسي اليمني، ويصنع صعوبات بالغة أمام أي تقاربات أو توافقات لحلحلة الأزمة السياسية اليمنية، ما لم يتم تحييد تلك الصراعات المذهبية والطائفية، لتبتعد بظلالها المعتمة والمظلمة عن دائرة الأزمة السياسية اليمنية، وبذلك فإن المشاريع المذهبية والطائفية الصغيرة ستظل حجر عثرة أمام أي مشروع سياسي وطني مدني جامع...!!
وكذلك الحال أيضاً بالنسبة للمشاريع المناطقية الصغيرة، فهي تدعو إلى تقسيم الوطن إلى دويلات وإمارات وأقاليم على أسس مناطقية بحتة، وينتج عنها العديد من الصراعات المناطقية بين أبناء الوطن الواحد، وتقوم هذه المشاريع على تحشيد عناصرها ومؤيديها وتجنيدهم لقتال أبناء المناطق الأخرى بهدف الانفصال وتكوين كيانات مناطقية جديدة، وهو ما يساهم بشكل كبير في تعقيد الصراع على المشهد السياسي اليمني، كما أنها تضع المزيد من العراقيل والصعوبات أمام أي توافقات أو تقاربات لحلحلة الأزمة اليمنية، وستظل هذه المشاريع حجر عثرة أمام المشروع السياسي الوطني الجامع، ما لم تتوقف الأطراف الداخلية، والدول والجهات الخارجية، من دعمها لتلك الدعوات المناطقية والانفصالية، وتركها لمراحل قادمة، وفق الأطر الدستورية والقانونية، وبالطرق الديمقراطية...!!
> تعدد وتنوع المشاريع الصغيرة
وبذلك فإن تعدد وتنوع المشاريع الصغيرة كما رأينا، على الساحة السياسية اليمنية، والتغذية الخارجية السلبية لها، هي السبب الحقيقي في تعقيد الأزمة الداخلية اليمنية، لذلك أعتقد بأنه لن يكون هناك أي حل أو مخرج حقيقي للأزمة السياسية اليمنية، إلا بتحييد المشاريع الصغيرة وتجفيف منابع دعمها، ودعم المشروع السياسي المدني والوطني الجامع، ولن يتمكن الشعب اليمني من الخروج من أزمته الراهنة، إلا إذا تمكن من حصر كل خلافاته وصراعاته المتعددة والمتنوعة، في الصراع السياسي فقط، وإذا تمكن من الوقوف في وجه المشاريع الصغيرة، شخصية كانت، أو مذهبية، أو مناطقية، والتي تعزز فرص استمرار الصراعات، وتعزز موقف القائمين عليها، وعندما يكون الخلاف السياسي هو ميدان الصراع فقط على الساحة اليمنية، فإن الحل سيكون ممكناً وقريباً، من خلال الاحتكام للديمقراطية وصناديق الاقتراع، ولن يكون هناك حاجة للصراعات المسلحة، التي لا يلجأ إليها إلا أصحاب المشاريع الصغيرة التي تتعارض مع العمل السياسي والمؤسسي المدني...!!
وبذلك فإنه بات واضحاً للجميع، بأن المشاريع الشخصية والمذهبية والمناطقية، هي التي تُغذِّي الصراعات القائمة في الساحة اليمنية، وهي التي تُعطِّل كل الحلول السياسية، وتجفيفها ومحاصرتها وكشف مشاريعها الصغيرة، هو الحل لإحداث نقلة نوعية في العمل السياسي، والذي بدوره سوف يساهم بشكل كبير، في حلحلة الأزمة السياسية اليمنية، ولن يكون ذلك ممكناً، إلا إذا تم الاصطفاف الجماهيري خلف الأحزاب السياسية المدنية، كبرامج ومناهج فكرية وسياسية، والتوقف عن الاصطفاف خلف المشاريع الصغيرة، التي تغذيها التعصبات الشخصية، والمذهبية، والمناطقية، كون الأحزاب السياسية هي من تمتلك القدرة على سحب البساط من تحت أقدام أصحاب المشاريع الصغيرة، والقادرة على حصر الخلاف في الجانب السياسي، وتحييد الصراعات الشخصية والمذهبية والمناطقية جانباً، وهذا ما يدفع القائمين على المشاريع الصغيرة إلى محاربة الحزبية السياسية والعمل على إضعافها وتحييدها وتهميشها وصولاً إلى تحريمها؛ لأنهم يدركون بأنه لا مكان للمذهبية والطائفية والمناطقية والمشاريع الصغيرة بكل صورها في برامج ومناهج الأحزاب السياسية (حزب المؤتمر أنموذجاً)...!!