آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:16ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: مطالب الانتقالي بتغيير رئيس الحكومة.. هل تصطدم باعتراضات خارجية؟

الأحد - 18 يونيو 2023 - 08:29 ص بتوقيت عدن
تحليل: مطالب الانتقالي بتغيير رئيس الحكومة.. هل تصطدم باعتراضات خارجية؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل لواقع الأزمة السياسية الحاصلة حول الحكومة الشرعية ورئيسها الحالي..

(عدن الغد) القسم السياسي:

دأبت الحكومة الشرعية طيلة سنوات صراعاتها وخصومتها مع المجلس الانتقالي الجنوبي على تقديم التنازلات تلو الأخرى، بفعل الضغوط والمطالب التي ينادي بها هذا الأخير مدفوعًا بدعم خارجي وإقليمي لا يمكن إنكاره، بل إن هذه التنازلات التي تقدمها الحكومة الشرعية ما هي إلا نتاج عن ضغوط خارجية أكثر منها مطالب للانتقالي.

غير أن هذا الوضع يبدو أنه قد شهد تغيّرًا ملحوظًا في خضم الصراع والأزمة السياسية الجديدة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، فالضغوطات والمطالب التي نادى بها الانتقالي ومهاجمته الأخيرة للحكومة، بل وتهديدها عكسريًا لم تعد شبيهة بضغوطات وتعبئات يناير 2018، أو أغسطس 2019.

حيث ظهر المجلس الانتقالي وحيدًا هذه المرة، بسبب تخلي الداعمين الخارجيين وتحديدًا الإقليميين عن مساندة مطالبه، وتجسد ذلك في لقاءات مسئولين وممثلين عن دول فاعلة في الملف اليمني مع رئيس الحكومة الشرعية الدكتور معين عبدالملك، الذي كان في مرمى اتهامات وهجوم الانتقالي طيلة الأسبوع الماضي، الأمر الذي يجعل من معركة الانتقالي الحالية تبدو صعبة، في ظل عدم وقوف داعميه الإقليميين مع مطالبه كما اعتاد من قبل، ذلك الوقوف والدعم الذي جعل من الانتقالي إحدى القوى السياسية والعسكرية في اليمن، بالإضافة إلى حصوله على الكثير من المكاسب على حساب تنازلات الشرعية التي لم تتوقف عند حد.

ولعل الشارع السياسي يتذكر كثيرًا كيف استطاع الانتقالي أن يسيطر على الأرض أمنيًا وعسكريًا في بعض المحافظات الجنوبية، ويُبقي على قواته المسلحة بيده دون أن يدمجها في مؤسسات الحكومة الأمنية والعسكرية (بحسب اتفاق الرياض 1)، كما استطاع أن يحصل على مقاعد وحقائب في الحكومة ومناصب دبلوماسية ويحظى الكثير من المكاسب، كل ذلك بفضل داعميه الإقليميين.

غير أن الصراع والأزمة الحالية بين الانتقالي وحكومة معين عبدالملك لا تحظى بدعم الرعاة التقليديين للانتقالي، ربما نتيجة عديد عوامل سياسية وتطورات دبلوماسية آثرت الإبقاء على الأوضاع في البلاد كما هي عليه، وتجنب الخوض في مزيد من التعقيد للمشهد العام، في انتظار المستجدات القادمة.

> دوافع الانتقالي.. بين المنطق والمبالغة

مهاجمة المجلس الانتقالي الجنوبي للحكومة الشرعية ورئيسها من المؤكد أن دواعيها منطقية للغاية، خاصة بعد أن وصلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد والمحافظات المحررة منها تحديدًا مستويات غير مسبوقة من التدهور والتردي، في ظل غياب تدخلات ومعالجات حكومية حقيقية لمواجهة هذا التردي الذي ضرب كل مجالات المعيشة والاقتصاد.

ولعل الانهيار الذي طال العملة المحلية، وانعكاسات هذا الانهيار على ارتفاع أسعار السلع الأساسية، خاصة مع قرب حلول عيد الأضحى والتضخم السعري الذي تعيشه كافة احتياجات العيد، بالإضافة إلى الحالة السيئة للغاية لخدمة الكهرباء في مدينة عدن تحديدًا، وبقية المحافظات الجنوبية، كل ذلك وأكثر كان من الطبيعي أن يدفع المجلس الانتقالي إلى مثل هذا التحرك.

كما أن ما قام به الانتقالي جاء متزامنًا مع تصريحات عضو المجلس الرئاسي وقائد ألوية العمالقة عبدالرحمن المحرمي التي اتهم فيها رئيس الحكومة الشرعية بالفساد، بالإضافة إلى تزامنها مع إجراءات اتخذها محافظ عدن ووزير الدولة أحمد لملس بوقف توريد إيرادات المحافظة إلى البنك المركزي اليمني في عدن، وتوجيهها في قنوات خدمية وعلى رأسها توفير وقود الكهرباء.

كل هذا جعل من مهاجمة الانتقالي للحكومة ورئيسها مقبولًا، بل ومطلوبًا حتى من المواطنين والناشطين الذين يرون بعدم السكوت عن هذا الوضع، غير أن البعض رأي فيما يقوم به الانتقالي بعض الانتهازية؛ لسبب بسيط هو أنه جزء من هذه الحكومة، وأي هجوم عليها ما هو إلا هجوم على الذات، وكان الأولى به مناقشة هذه الجوانب في إطار الحكومة وتقديم الاقتراحات والمعالجات لتجاوزها، أو تقديم ممثلي الانتقالي استقالتهم من الحكومة في حالة عدم اعتماد الحلول المقترحة.

ومن المرجح أن تكون هذه الجزئية هي التي تسببت بتخلي داعمي الانتقالي عن الوقوف معه في خصومته الحالية مع الحكومة الشرعية ورئيسها، كما أن مطالب الانتقالي يبدو أنها اصطدمت باعتراضات خارجية وإقليمية، دفعت الخارج إلى قبول طلب اللقاء برئيس الحكومة الشرعية ، الذي سعى إلى مثل هذه اللقاءات ليُرسل رسالة ما للمجلس الانتقالي، وهو ما نجح بالفوز به من خلال تصريحات ممثلي الدول الإقليمية والدولية بالإبقاء على الحكومة.

> مناورة أم تهور؟

وما دام الأمر لم يفلح هذه المرة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في الضغط والمطالبة بالتخلص من رئيس الحكومة الشرعية الحالي، رغم أن مطالبه واقعية ومنطقية، يتساءل البعض عن الأسباب التي استدعت الانتقالي إلى مثل هكذا تحرك، خاصة وأنه تحرك قوبل بتحرك مضاد من رئيس الحكومة ظفر من خلاله بدعم خارجي جديد.

وبحسب رأي البعض، فإن ما قام به الانتقالي مجرد تكتيك ومناورة سياسية للحصول على مزيد من المكاسب السياسية والعسكرية على حساب الأوضاع المعيشية المتردية ومعاناة المواطن، وإلا كان الأولى به الضغط من خلال وزرائه في الحكومة ضمن أطر وعمل مجلس الوزراء، وليس تصعيد الوضع السياسي والعسكري وخلق أزمة جديدة البلد في غنى عنها.

فيما يعتقد مراقبون أن تحركات الانتقالي ليس لها سوى تفسير وحيد، يكمن هذا التبرير في رغبة الانتقالي بمواجهة الحرص الخارجي في الإبقاء على الدكتور معين عبدالملك رئيسًا للحكومة الشرعية، وفي الحقيقة فإن هذا الأخير لا يستحق البقاء والاستمرار في قيادة الحكومة التي أثبتت فشلها في الملفات الاقتصادية والمعيشية المرتبطة بحياة المواطنين، لكن في المقابل فإن الوضع الحالي للبلاد لا يتحمل مزيدًا من التصعيد، أو مواجهة استمرار معين بهذه الطريقة.

وهناك أيضًا من يظن أن سياسة المجلس الانتقالي باتت خاضعة "للتهور" غير المدروس من قبل بعض قياداته التي لا تراعي الحالة السياسية والموقف السياسي، ولا تتواكب مع متطلبات "الحذاقة" السياسية التي تتطلبها الأوضاع، وهو عمل لا يتقنه سوى السياسيين المتمرسين، الذين قد يفتقدهم المجلس الانتقالي، ونظرًا لعدم وجود مثل هذه الشخصيات بات ضحية بعض المتهورين المتواجدين داخل هيئة رئاسة المجلس.

وما يؤكد هذه النقطة تحديدًا، هو أن أي تصعيد يصدر من الانتقالي يكون مصدره شخصيات بعينها، كلما اجتمعت أو ترأست اجتماعات الانتقالي، الأمر الذي يحتم على هذا الأخير ضبط إيقاع البوصلة السياسية، وتقييد بعض الاندفاعات من قبل قياداته، خاصة وأن الانتقالي بات اليوم قوة سياسية لا يستهان بها ويحتاج إلى تغيير طبيعة التعامل مع الأحداث حتى يستمر كقوة سياسية كبيرة.

> ماذا لو استمرت الحكومة؟

الأوضاع الاقتصادية متدهورة، لا أحد ينكر هذا الوضع، كما أنه يحتاج إلى الكثير من التدخل الحقيقي من قبل الحكومة الشرعية، وألا يبقى هذا التدهور مستمرا بما يفضي إلى حالة من الانهيار المتوقع إذا لم يتم التدخل الفعلي والناجع.

لكن استمرار الحكومة وبقاءها دون القيام بأي تدخل لإنقاذ معيشة الناس وقوتهم، ووضع حد لتدهور سعر الصرف وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتردي الخدمات العامة كالكهرباء والمياه التي بلغت مستويات سيئة للغاية، ضاعفت معاناة الناس في كل المحافظات المحررة.

حتى ولو نجح معين عبدالملك في كسب جولة الصراع مع الانتقالي والحصول على دعم خارجي بالبقاء، وكسب الدول الفاعلة في الشأن اليمني، أو هكذا يبدو الواقع، إلا أن استمرار التدهور الخدمي والمعيشي لا بد أن يُعجل في رحيل الرجل الذي أكد فشله بالفعل وفشل حكومة في إيقاف التدهور المتسارع للاقتصاد الوطني.

كما أن الوضع ما زال يشكل تهديدًا لرئيس الحكومة معين عبدالملك، الذي وإن حصل على الدعم الإقليمي والدولي إلا أنه ليس بمنأى عن "تقلبات السياسة والمصالح"، التي قد تتسبب بتلاشي الدعم الخارجي، وتُسرّع برحيل معين، إذا استمر في عجزه الملموس على الأرض.

فرغم أن رئيس الحكومة -نجح مؤقتًا- في منع سقوطه من على سدة رئاسة الوزراء إلا أنه بدون شك أن يكون بمنأى عن أي تغيير قادم، وهو لا محالة سيكون تغييرًا حتميًا، قد يشمل الجميع إذا تواصل فشل الحكومة وهيئاتها ومؤسساتها في معالجة الوضع الآيل للانهيار.