آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:16ص
ملفات وتحقيقات

تقرير:السلام المرتبك في اليمن.. إنفاق باذخ وعجز في فهم أسبابه وبواعثه!

الإثنين - 19 يونيو 2023 - 05:48 م بتوقيت عدن
تقرير:السلام المرتبك في اليمن.. إنفاق باذخ وعجز في فهم أسبابه وبواعثه!
((عدن الغد))خاص.

تقرير يتناول مخرجات منتدى اليمن الدولي الباحث عن السلام في اليمن..

هل تجلب منتديات ومؤتمرات السلام بالخارج السلام إلى اليمنيين في الداخل؟

كم أنفقت المنظمات الدولية والمحلية على الورش التدريبية في مجال الصراع والسلام؟

بماذا وصف المبعوث الأممي عملية السلام في اليمن؟

لماذا تفشل وتتعثر الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية في تحقيق تقدم نحو السلام؟

هل أثبتت مليشيا الحوثي أنها جديرة في صناعة السلام؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

توجه مشاركون ومشاركات من اليمن، أغلبهم من صنف (الخواجات)، إلى قصر السلام في مدينة لاهاي في هولندا حيث يعقد منتدى اليمن الدولي مؤتمره الثاني بحثا عن السلام في اليمن الذي كان يسمى بالسعيد.

وعلى مدى ثلاثة أيام ناقشوا في المدينة التي يحاكم فيها مجرمو الحروب العديد من القضايا والملفات أهمها: قضايا بناء السلام الجامع وحقوق الإنسان والتحول الديمقراطي وإحياء الاقتصاد اليمني والعدالة والمصالحة والدمج الفعلي للشباب والنساء في عملية السلام، إضافة إلى قضايا المناخ والبيئة.

 

وشكك رئيس تحرير صحيفة (عدن الغد) فتحي بن لزرق من أي جدوى عملية لهذه المنتديات التي تعقد في خارج البلاد، باعتبار أن 90 % من المشاركين فيها لا يعيشون في اليمن منذ 9 سنوات، والغريب أنهم سينشغلون وطوال 3 أيام لبحث الحلول لمشاكل بلد زاروه آخر مرة منذ عقد من الزمان، بل الأغرب من ذلك أن المبعوث الأممي الذي يزور اليمن مرتين كل شهر سيكون حاضرا ليسمع الحلول من أناس زاروا اليمن ويعرفون مشاكلها أكثر منهم!  تبقى أهم قضية تم مناقشتها في المنتدى هي قضية السلام الذي يحاك إقليميا ودوليا بصيغته الحالية وفق معادلة القوة والسيطرة على الأرض لا على أساس عدالة القضية ومنطق استعادة دولة الجمهورية اليمنية.

 

هذا السلام الذي لن يفضي وفق منطق الاستحواذ على القوة إلى سلام عادل ومستدام، بل سيقود إلى جولات صراع أخرى في سياق (يمننة الحرب) كعنوان عريض للمرحلة المقبلة.

وبينما يرى البعض أن الحرب في اليمن قد انتهت، يراها آخرون أنها لم تبدأ بعد.

وعلى الرغم من تقديم الحوافز لميلشيا الحوثي برفعهم من قائمة المنظمات الإرهابية عقب قرار أمريكي نهاية ولاية الرئيس السابق ترامب، بالإضافة إلى محاولات سعودية بتقديم حوافز مالية لهم عبر الهدنة الإنسانية، بغية افتكاك ارتباط الجماعة الحوثية عن إيران والجنوح إلى السلام إلا أن الحوثيين لم يكونوا يوما ما جديرين بمشاركة الآخرين في صناعة السلام حتى هذه اللحظة.

منتديات السلام.. هل تأتي بالسلام؟

يذكر موقع شفافية المعونة الدولية أن ما تم إنفاقه على مشاريع نفذتها المنظمات الدولية والمحلية في اليمن في مجال "الصراع والسلام" خلال الفترة من 2015م إلى 2022م هو 435 مليونا و916 ألف دولار، وإذا ما تم حساب متوسط للدولار الواحد عند 800 ريال يمني، فإن ما تم إنفاقه على السلام في اليمن هو هذا المبلغ المهول الذي يصل إلى 348 مليار ريال يمني.

وإذا ما تجاهلنا هذا الإنفاق المهول على الورش التدريبية للسلام، وعدنا لمفهوم السلام في اليمن، فإن التصور النهائي له يظل الحلقة المفقودة على الرغم من الحديث الذي يكثر حوله.

 أما تعثر السلام فله أسبابه ودواعيه، إذ يرجعه باحثون ومحللون ودبلوماسيون إلى أن كل طرف يحاول أن يحصد المكاسب السياسية دون خصمه، كما أن هذا الحصاد متعلق بالربح والخسارة العسكرية على الأرض، عوضا عن حصة الأطراف الإقليمية والدولية من هذا السلام المنتظر.

بقول ماجد المذحجي رئيس مركز صنعاء للدراسات وراعي المنتدى: "أي نقاشات مباشرة بين اليمنيين هي فعل جيد ونحن نعمل على ذلك، والمسؤولية السياسية الآن تقع على جميع الأطراف اليمنية ونحن بدورنا نيسر لها والمنظمات الدولية بما في ذلك مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن للوصول إلى مخرجات جلسات المنتدى".

وأوضح "المذحجي" أن هناك جمودا تعاني منها العملية السياسية في اليمن والمشهد مايزال مرتبكا في اليمن منذ النسخة الأولى المنعقدة للمنتدى في ستوكهولم، لذلك من الصعب علينا دعوة أطراف إلى المنتدى ومن الصعب أيضا إعادة الجميع إلى طاولة النقاشات لكننا كسرنا هذا الجمود نوعا ما، مشيرا إلى صعوبات المعقدة في اليمن أو الإقليم في الوقت الحالي.

 ويرى وليد الحريري أحد منظمي منتدى اليمن الدولي في لاهاي أن هذا المنتدى منصة لكل اليمنيين والقوى المهمشة في نقاشات مستقبل اليمن، وأن هذا مكسب كبير إذ يأتي هذا الحضور كي يثري النقاشات بالأفكار والمبادرات ويسهم في تشخيص وضع البلد كما يحاول وضع تصور لمستقبل أفضل.

ويرى الكثيرون أن هناك قصورا وتصورات غير واقعية في البحث عن جذور الحرب اليمنية ومعرفة أبعادها ومسبباتها وبواعثها التاريخية، والاقتصار بتعريف الحرب بأنها أزمة إنسانية وحرب تهدد الأمن القومي الخليجي والدولي وليس تهدد اليمنيين ووجودهم.

وبالنظر إلى المعطيات الحالية فإن بعض الأطراف الشريكة في الحرب اليمنية تريد أن تضع خطة سلام وهمية، خشية من ظهور مراكز قوى عسكرية وسياسية تنشأ بعيدا عن مركز السيطرة، يأتي ذلك في الوقت الذي يتغول الحوثي في مفاصل البلاد ويجرف كل شيء في طريقه.

ووفق مراقبين فإنه مالم يُصنع السلام في الداخل عبر مبادرة محلية يحترمها الجميع تذهب بالجميع إلى مصالحة حقيقية، فلن يأت الحل والسلام من الخارج. واستنادا لرأي الكاتب السياسي أحمد الدبعي فإن هناك للآسف من يصغي فقط للمكالمات الخارجية ولم يحن الوقت لالتقاط أي مكالمة محلية معتبرة.

خطوات للوراء

في منتدى اليمن الدولي الثاني الذي انعقد في لاهاي لمدة ثلاثة أيام واختتم فعاليتها الخميس الماضي، قال المبعوث الأممي هانس غروندبرغ في كلمته إن هذا اللقاء جاء والأطراف قد توافقت على تجديد الهدنة لأول مرة، وبدأ يعدد إنجازاته المتمثلة بالإفراج عن 900 أسير من الطرفين، بالإضافة إلى البدء بتفريغ النفط من خزان صافر العائم المتهالك لتجنب أزمة بيئية هائلة، مع زيادة في عدد الرحلات بين صنعاء والعاصمة الأردنية عمان.

وقال "على الرغم من الخطوات الإيجابية تلك إلا أنه اتخذت أيضا للأسف خطوات إلى الوراء، إذا اشتدت الحرب الاقتصادية، واتخذ الطرفان تدابيراقتصادية ومضادة ما زاد من وقع الضرر على اقتصاد اليمن الذي يعاني أصلا من التحديات.

وأكد في كلمته أن الطريق نحو السلام سيكون طويلا وصعبا، يتطلب منهجا تدريجيا نظرا لعمق غياب الثقة بين الأطراف، وكذلك يجب اتخاذ تدابير اقتصادية وتدابير بناء ثقة من أجل الوصول إلى بناء سلام عادل مستدام.

من الواضح وكالعادة لم يحدد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ في كلمته الطرف المعرقل بشكل واضح وصريح أو على الأقل الإشارة إلى أن هناك إجراءات فعلية وعملية ضد هذا الطرف المعرقل، لكن للأسف لم تفعل الأمم المتحدة شيئا في هذا الاتجاه وكما يبدو لن تفعل ذلك في القريب العاجل.

يقول الصحفي عدنان الراجحي إن التعويل على المجتمع الدولي في ردع الحوثي  وإجباره على السلام أصبح من العبث الاعتقاد بذلك، فلو كان المجتمع الدولي صادقا في إنهاء الحرب في اليمن لفعل ذلك، لكن جذور الأزمة اليمنية لها عوامل إقليمية ودولية، كلها لا تصب في صالح حل بصيغة تضمن وقف الحرب وعدم تكرارها وإزالة أسبابها.

فشل مبادرات السلام الأممية

 بالنظر إلى الإخفاقات الأممية في الوصول إلى السلام العادل في اليمن، فإن الإخفاق كما يراه محللون سياسيون يعود إلى التعنت الحوثي ومحاولة الجماعة فرض هيمنتها وسيطرتها بقوة السلاح، وهو الأمر الذي يعني أن مشاركتها في كل جولات التفاوض والمشاورات مجرد كسب الوقت من أجل كسب واقع عسكري جديد على الأرض.

نقطة أخرى في الإخفاق الأممي تتمثل في التساهل الذي يبديه المبعوثون الأمميون مع الجماعة الحوثية، وهو الشيء الذي يجعل الجماعة تتعنت وتبالغ بشروطها بحثا عن المكاسب والحوافز دون تقديم أي من التنازلات تجاه الآخرين.

 ولذا فإن من المؤكد أن المبادرات الأممية دائما ما تلقى تعنتا حوثيا وفق المنهج المراوغ الذي تتبناه الجماعة الحوثية وتحاول أن ترسخ وجودها على الأرض.

تقتصر الجهود الدولية والأممية تجاه المليشيا الحوثية بالإدانة والتعبير عن القلق دون أي قرارات فاعلة وسياسات رادعة وضغوطات تجبر الجماعة على احترام الشرعية الدولية وقراراتها بشأن اليمن.

تعثر مشاورات السلام العمانية- السعودية منذ مغادرة الوفد السعودي والعماني العاصمة اليمنية صنعاء بعد زيارة استغرقت 6 أيام، فإنه لا بوادر جديدة تلوح في الأفق لتحقيق السلام ولا اختراق من أي نوع قد حدث في هذه الزيارة، باستثناء المكاسب التي تجنيها مليشيا الحوثي وراء فتح ميناء الحديدة والفتح الجزئي لمطار صنعاء المقيدبوجهات محددة.

ووفق تقارير صحفية فإن الجماعة كانت تسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب في الملف الإنساني، وذلك بفتح وجهات جديدة لمطار صنعاء ودفع الرواتب لموظفي الدولة وفق كشوفات تتقدم بها الجماعة، مع تأجيل أي حديث في الملف السياسي والعسكري والأمني.

 وحسب محللين فإن الجماعة تود استغلال وانتهاز فرصة عدم رغبة السعودية بالحرب في الوقت الحالي، وتقابل هذه الرغبة بالمزيد من الضغط على تنفيذه شروطها ومطالبها التعجيزية، ما لم التهديد والوعيد بالعودة إلى الحرب مرةأخرى.

وعلى الرغم أن كلا الطرفين السعودي والحوثي لم يعلنا عن تعثر المشاورات بينهما إلا أن الوقائع على الأرض يقول ذلك، وتشير إلى أن الجهود الدبلوماسية في هذا المضمار قد تعثرت مع استمرار بعض الجهود لإنعاشها وإحيائها من جديد.

ما يغري المليشيات الحوثية هو تشتت الطرف المقابل لها، ونقصد به هنا غياب الانسجام في عمل مجلس القيادة الرئاسي منذ تشكيله في 7 أبريل 2022م، بالإضافة إلى عجز الحكومة المعترف بها دوليا أن ترسي نموذجا ناجحا في الإدارة والاقتصاد والخدمات والتنمية.

صعوبة التخلي عن المكاسب السياسية والاقتصادية

يرى مراقبون أن الحركة الحوثية حركة مبنية على إيديولوجيا بفكر استعلائي لا يقبل بالتعاطي مع الآخرين ولا يقبل أن يشاركهم في السلطة أحد، فهذه السلطة هي حق إلهي وليس حقا مكتسبا يمكن التخلي عنه للآخرين عبر صناديق الانتخابات مثلا.

كثيرون يرون أن المليشيا الحوثية ابنة الحرب ومن الحرب استمدت شرعيتها، فهي ليست حركة سياسية يمكن أن تتحاور معها، وما يزيد من تعنت المليشيا الحوثية ويدفعها إلى عدم الجنوح للسلام هو بناؤها مليشيات عسكرية ضخمة، واقتصاد موازٍ يدر عليها مليارات الدولارات من الضرائب والجمارك والرسوم والمشتقات النفطية والعقارات وغسيل الأموال وتهريب السلاح والمخدرات.

من الملاحظ أيضا أن المليشيات الحوثية ماتزال تحشد في صفوفها المزيد من المقاتلين عن طريق المعسكرات الصيفية لطلاب المدارس، بالإضافة إلى جمع التبرعات تحت مسميات مختلفة، فضلا عن مصادرة أموال وممتلكات وعقارات السياسيين المخالفين لها في المناطق الخاضعة لها لصالح المجهود الحربي.

الشرعية تختنق بالهدن والسلام

يكشر الحوثيون أنيابهم على الشرعية اليمنية، مستغلين الرغبة السعودية بالسلام وتثبيت الاتفاقات بينهم وبين إيران الموقعة في أبريل الماضي برعاية صينية، ولا يتعاملون مع الهدنة الموسعة وأي بوادر للسلام إلا

بالمزيد من الاستحواذ على الاقتصاد اليمني والمزيد من الموارد على حساب الشرعية اليمنية، ولم يكتفوا بذلك بل سعت مليشيات الحوثي إلى تعطيل صادرات النفط والغاز منذ عام تقريبا مما حرم الحكومة المعترف بها دوليا حوالي مليار دولار.

خلاصة الأمر، لا يلوح في الأفق أي سلام عادل أو نهاية وشيكة للحرب، بالنظر إلى السلوك السياسي المراوغ للجماعة الحوثية خلال المراحل المختلفة من المفاوضات والمشاورات المحلية والإقليمية والدولية، ولن ترضخ الجماعة الحوثية للسلام إلا وفق معطيات عسكرية جديدة على الأرض، أو ضغط سياسي ودبلوماسي من قبل إيران على حليفها الحوثي وفق التفاهمات الأخيرة بين الرياض وطهران، وإن لم يحدث ذلك سيراوح الوضع العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي مكانه مع احتمال انفراجة في الملف الإنساني قد تحدث.

وبعد كل مكاسب تحققها مليشيا الحوثي من وراء الهدن الإنسانية ومشاورات السلام، في المقابل هناك المزيد من التفكك في صف المناوئين للمشروع الحوثي التدميري، وهذا التفكك من شأنه أن يمنح هذا المشروع المدمر المزيد من المكاسب غير المستحقة على حساب المشروع الوطني الجامع.