قراءة في مستقبل المجلس الحضرمي الوطني كمكون سياسي جديد على الساحة اليمنية..
ما عوامل ضعف أو قوة المجلس الحضرمي.. وهل يقوى على التأثير في الساحة السياسية؟
الدعم السعودي للمجلس الحضرمي.. هل يمثل عنصر قوة ويمنحه رافعة إضافية؟
الواقع المليء بالمكونات.. هل تجاوز الترحيب بأي تيار سياسي جديد؟
كيف يمكن أن يصطف الحضارم مع قيادات لا تحظى بشعبية كبيرة؟
الشرعية والانتقالي.. كيف سيتعاملان مع هذا الكيان الوليد.. وهل يحظى بتواجد رسمي؟
ما موقف المحافظات الجنوبية الأخرى من هذه التطورات.. وهل يمكن أن نرى كيانات جديدة تمثلها؟
الشرعية والانتقالي والمكون الجديد.
(عدن الغد) القسم السياسي:
ما زالت حضرموت تحظى باهتمام الجميع من القوى والمكونات والمؤثرين الخارجيين في الشأن اليمني، بعد أن جعلت منها المستجدات والتطورات السياسية الأخيرة تتصدر المشهد، وتحولت إلى حديث الساعة نتيجة التسابق المحموم من قبل المكونات السياسية والقوى الإقليمية لاستقطابها.
وزاد من هذا الواقع الإعلان مؤخرًا عن تأسيس ما عُرف بـ "المجلس الحضرمي الوطني"، الذي تمخض عن مشاورات المكونات الحضرمية في الرياض، والتي استمرت في التشاور لمدة تزيد على الشهر، وخرجت بهذا المكون السياسي الجديد على الساحة الحضرمية والجنوبية بالتحديد، في تجسيد لتقليد بدأ منذ تشكيل المجلس الرئاسي اليمني قبل ما يزيد على عام، وانتهى بتشكيل المجلس الحضرمي الوليد.
ويبدو أن أية مشاورات بين القوى اليمنية تستضيفها المملكة العربية السعودية سيتمخض عنها بشكل مؤكد تشكيل مجالس سياسية ومكونات تنضم إلى القوى المتواجدة أصلا على الساحة المتخمة بالتيارات والكيانات ذات المشاريع المتباينة، والتي قد تصل حد التناقض في كثير من النماذج، وتجعل من الساحة غارقة لدرجة الفوضى بالمكونات السياسية المتعددة.
وحتى وإن كان البعض يرى في التعدد السياسي أمرا صحيا، غير أن آخرين يعتقدون أن هذا يكون في مجتمعات مستقرة تشجع التعدد، كما أن المشكلة لا تكمن في التعدد والتنوع المطلوب، ولكن تكمن في تعارض المشاريع وتناقضها، والتي قد تصل إلى مستوى المواجهة وليس التكامل كما ينبغي أن تكون عليه الأحزاب والمكونات.
والمراقب لوضع تشكيل المجالس السياسية في اليمن، وبقية المكونات والقوى السياسية الأخرى، يرى أنها جاءت لمعالجة مشكلة آنية وفورية، ولا تحمل أية أبعاد استراتيجية أو بعيدة المدى، بدأ هذا مع المجلس الانتقالي الجنوبي، واستمر مع المجلس الرئاسي اليمني، ويبدو أن نفس الحال ينطبق على المجلس الحضرمي الوطني.
فالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي جاء على خلفية إقالة مسئولين جنوبيين موالين لقوى إقليمية من مناصبهم الحكومية، بُني على أساس رد فعل فوري وآنٍ، حتى وإن تبنى غايات تتعلق باستعادة الدولة الجنوبية أو ما شابه، بينما كان تأسيس المجلس الرئاسي اليمني يهدف إلى استيعاب وتوحيد القوى المناهضة لمليشيات الحوثي تمهيدًا لترتيبات التسوية السياسية المقبلة، وتشكيل جبهة متماسكة في مواجهة الحوثيين.
ويعتقد مراقبون أن المجلس الحضرمي الوطني ليس ببعيد عن كل تلك المجالس السياسية والقوى المستحدثة مؤخراً خلال السنوات الست الأخيرة، خاصة وأن كثيرين لا يستبعدون تأثير التطورات التي عاشتها محافظة حضرموت خلال الشهور الماضية، وعلى رأسها الاحتجاجات الشعبية الخدمية والسياسية في سيئون، واختيار المجلس الانتقالي عقد اجتماعات جمعيته الوطنية في المكلا، وإطلاق اسم "حضرموت" على دولته التي يسعى إليها.
ولعل في هذه المؤثرات التي حكمت ظروف تأسيس المجلس الحضرمي الوطني وإعلانه من العاصمة السعودية الرياض ما يمكن أن يكون بداية فهم غايات وأهداف هذا المكون الجديد، وإمكانياته وقدرته على تحقيق النجاح المطلوب منه، سواءً فيما يتعلق بمواجهة المشروع السياسي للمجلس الانتقالي، أو فيما يخص توفير المطالب الخدمية للحضارم.
> فرص النجاح
يتساءل الكثير من المتابعين حول الأهداف التي من أجلها جاء تشكيل المجلس الحضرمي، والذي توافقت بشأنه القوى والمكونات الحضرمية السياسية التي كانت موجودة أساسًا على الساحة داخل حضرموت وفي واقع المحافظة العملي، وكان بالفعل لديها أنشطتها وتحركاتها المحلية.
لكن لا يجب على أي مراقب ومتابع حصيف أن يقطع سياق تشكيل المجلس الحضرمي عن سياقات التحركات التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي، عشية استدعاء السعودية للقوى الحضرمية والاجتماع بها في الرياض والتشاور معها للخروج بمكون حضرمي جديد، يمكن لها أن يلعب أدوارًا تختلف عن أدوار القوى التي شكلته.
وهنا يكمن مربط الفرس، فمن خلال هذه الأدوار الجديدة لهذا المكون، يمكن عندها تحديد فرص نجاحه من عدمها، فالنطاق الذي يمكن أن يتحرك خلال هذا المجلس الحضرمي، والداعمين الخارجيين الذين من المؤكد أنهم سيؤثرون في عمله ستحدد قدرته على مزاحمة فوضى المكونات التي تغرق فيها اليمن والمحافظات الجنوبية تحديدًا.
فالتحول إلى مكون سياسي ناجح يمتلك شعبية كبيرة يعتمد على العديد من العوامل التي لا يمكن إغفالها، ويجب الأخذ بها لتحقيق الغاية المنشودة، ولعل المكون الجديد يستند إلى أساس شعبي ناتج عن المكونات المحلية التي تشكل منها المجلس الحضرمي، وهي -إن لم تكن جميعها- تحظى بقبول شعبي ومجلس لا بأس به يمكن البناء عليها للانطلاق نحو المنافسة السياسية وفرض مشاريعها ومطالبها.
صحيح قد تكون بعض القوى تكاد لا تذكر، إلا أن البعض الآخر كان له مواقف سياسية وخدمية قوية خلال السنوات والشهور الماضية، خاصة على المستوى القبلي والاجتماعي الحضرمي، وليس بالضرورة على المستوى السياسي، وهذا الجانب أكثر عمقًا وأثرًا على المدى البعيد، وهي نقطة قوة تحسب للمجلس الحضرمي.
ومن نقاط القوى الأخرى، امتلاك المجلس لداعم خارجي يتمثل في المملكة، التي لا يمكن إغفال اهتمامها التاريخي بحضرموت، حتى ما قبل استقلال الجنوب اليمني من بريطانيا، وهو اهتمام استمر حتى تحقيق الوحدة اليمنية، ويمكن لهذا الغطاء الخارجي أن يمنح المجلس الحضرمي الوطني الكثير من الدافعية لإثبات ذاته، بل ويمنحه رافعة إضافية في مواجهة بقية المشاريع الأخرى، حتى وإن تعدد القوى والتيارات التي صنعت فوضى سياسية عارمة.
لكن في المقابل، ثمة نقاط تهديد قد تشكل جوانب ضعف في المكون الحضرمي الوليد، وعلى رأسها قلة "الكاريزما السياسية المطلوبة" في القيادات والشخصيات السياسية المتواجدة في قمة هرم المجلس الحضرمي، والتي لا يمكن القول إنها تحظى بالفعل بشعبية حقيقة وقوية واقعيًا، وحتى وإن كانت كذلك، فلا يمكن مقارنتها بشخصيات وقيادات المكونات الأخرى، وهذا قد يقلل من اصطفاف بقية الحضارم خلف قيادات هذا المجلس الجديد.
لا يمكن إغفال هذه الجزئية الأخيرة في أي قوى سياسية، حتى تستطيع أن تحقق التأثير المطلوب في الساحة اليمنية والجنوبية، والأهم الحضرمية، وسط كل هذا الكم الهائل من الفوضى الحزبية، وهو ما بدأ بالفعل في التأثير على المكون نفسه عند اللحظات الأولى من تشكيله، والتي كشفت عنها تسريبات المشاورات في العاصمة السعودية، إن صحت.
> العمل وسط الفوضى
عوامل عديدة قد تكون مؤثرة أيضًا في عمل ومهام المجلس الحضرمي الوطني، فالأجواء في اليمن والمحافظات الجنوبية غير صحية، وينقصها الاستقرار حتى يزدهر عمل أي مكون أو تيار سياسي جديد كان أو قديم.
بل إن المكونات الجديدة قد تعاني من مشكلة لا تواجهها المكونات الأقدم، وهي أن العمل السياسي في اليمن والذي تمارسه المكونات والأحزاب أفقد المواطنين الثقة بتلك المكونات، وبالتالي عدم انتظار أي نتائج مرجوة منها، خاصة في ظل سياسة التفريخ المستمرة للتيارات.
بالإضافة إلى تلك العوائق، ثمة عراقيل أخرى تتمثل في النزعة المناطقية بل والقروية حتى، مازالت تتحكم بعمل كافة القوى، وتتجسد في مشاريعها المستقبلية، بدءًا بنزعة الانفصال التي ألقى بظلال تأثيراتها على بقية المكونات والقوى الوليدة، حتى إنها كانت سببًا في تشكيل وتأسيس تيارات جديدة كرد فعل وأسلوب للتعبير الرافض عن تلك النزعة لكن بصبغة أكثر تطرفًا.
فالجميع يدرك كيف واجه الحضارم مشروع المجلس الانتقالي بانفصال الجنوب عن اليمن، بالتفكير باستقلال حضرموت وانفصالها عن الجنوب وعن اليمن على السواء، واختيار مشروع سياسي خاص بحضرموت فقط، والتذكير بتاريخ السلطنات الحضرمية التي كانت ذات سيادة يومًا ما.
وأسلوب الهروب إلى الأمام هذا أدركته المملكة العربية السعودية هي الأخرى، وعملت على استيعابها وتشذيبه، والعمل على توجيهه في إطار من الشرعية اليمنية، خاصة مع تصاعد لهجة التوتر والخلاف بين الرياض والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهي جوانب مؤثرة يجب وضعها في الحسبان عند قراءة هذا الملف المعقد المليء بالفوضى.
والقصد بالفوضى هنا، هي فوضى المشاريع والكيانات، بالإضافة فوضى التحالفات أيضًا والتي تعمل على جوانب مختلفة، إما بهدف إحداث توازنات وتهذيب اللغة المتطرفة، أو العمل على إفشال مشاريع أخرى والوقوف أمام توسعها، ولعل ما يبرر موقف المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية اليمنية من المجلس الحضرمي الجديد.
فالظروف المحيطة بتشكيل هذا الكيان، توحي بأن المقصود قد يكون هو المجلس الانتقالي الجنوبي، والحد من رغبته في التوسع والتمدد وضم حضرموت إلى مشروعه الانفصالي، بينما في المقابل حظي المجلس الحضرمي الوطني بمباركة وتأييد حكومي رسمي من الحكومة الشرعية التي تبنت إعلان المجلس برفقة الجانب السعودي معًا.
وهذا الترحاب الذي حظي به المجلس الحضرمي، ليس في الواقع ولكن من الحكومة والرياض، قد يدفع بمزيد من "فوضى المشاريع السياسية"، في ظل رغبة الكثير من المحافظات الجنوبية، كشبوة مثلا وأبين، في إعلان وتشكيل مجالسها الخاصة بها هي الأخرى، وذلك في سبيل تحقيق مطالبها سواءً كانت سياسية أو خدمية، ومهما كانت الغاية، إلا أن كل ذلك لا بد أن يكون مبررًا، على قاعدة: "لكل فعل ردة فعل".