آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:16ص
ملفات وتحقيقات

اللواء الزبيدي وعقلانية الحوار

الأحد - 25 يونيو 2023 - 12:04 م بتوقيت عدن
اللواء الزبيدي وعقلانية الحوار
(عدن الغد)خاص:

في زيارته إلى لندن للمرة الثانية منذ رئاسته للانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي:

ــ عُرِض عليّ أن أكون رئيسا لليمن ورفضت لأني لا أسعى للسلطة بل لاستعادة دولة الجنوب.

ــ استقلال الجنوب سيكون سلميا بالتفاوض مع المجتمع الإقليمي الدولي وتحت إشراف الأمم المتحدة ولن نقدم على أية خطوة أحادية الجانب.

ــ الحوثي صار أمرا واقعا يجب التعامل معه على هذا الأساس وهو الذي انفصل وليس الجنوب.

(عدن الغد)/ القسم السياسي:

تحركات مهمة في نظر أنصار الانتقالي الجنوبي تلك التي يقوم بها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس الزبيدي إلى العاصمة لندن هذه الأيام.

ووصف مناصرو الانتقالي الزيارة بأنها تأتي من أجل البحث عن استقلال الجنوب، إذ شملت الزيارة المعهد الملكي البريطاني للدراسات الإستراتيجية، والمعهد الأوروبي للسلام، والبرلمان البريطاني مع لقاء ضمه بوزير الدفاع البريطاني السابق.

وبدا الرجل أكثر واقعية سياسية وهو يُسأل بين يدي فارع المسلمي في الندوة التي أقامها المعهد الملكي البريطاني "تشاتام هاوس" في لندن تحت عنوان "اليمن بعد 8 سنوات من الحرب".

كان بالطبع أهم متحدث في جلسة ندوة الخميس الماضي عيدروس الزبيدي عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي قال في الندوة إنه رفض عرضا أن يكون رئيسا لليمن، لأنه لا يسعى للسلطة بل لاستعادة دولة الجنوب، حد تعبيره.

وقال "الزبيدي" في الجلسة الحوارية: "إن استقلال الجنوب سيكون سلميا بالتفاوض مع المجتمع الإقليمي الدولي وتحت إشراف الأمم المتحدة"، مؤكدا أنه لن يقدم على أي خطوة أحادية الجانب.

وهو ما يبدو أن هناك خطابين سياسيين لقادات الانتقالي للداخل والخارج، فالخطاب الأول يميل إلى "الشعبوية" ويراعي مزاج الجماهير والأخير يجنح إلى العقلانية والاتزان والواقعية السياسية- يقول متابعون.

وإلى هذا القول سبقه قبل أيام سالم العولقي رئيس الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي حين قال في منتدى اليمن الدولي الثاني في لاهاي في معرض رده عن سؤال الانفصال: "نؤكد في الهيئة العليا للانتقالي أنه ليس هناك انفصال، ونحن أكثر حرصا على وحدة مجلس القيادة الرئاسي اليمني، وإن وجدت خلافات فهي حول الحكومة وعلى بقائها أو إقالتها".

وجدد اللواء عيدروس الزبيدي في الندوة مطالبه باستعادة دولة الجنوب المستقلة، وأكد أنه لن يصدر إعلانا أحاديا باستقلال الجنوب، وأنه يملك قضية وطن وليس قضيته أن يشغل منصبا، حد تعبيره.

ومما قاله "الزبيدي" في الندوة إن الحوثي والإخوان كلاهما خطر على الجنوب، وإن الحوثي صار أمرا واقعا يجب التعامل معه على هذا الأساس، وإنه هو الذي انفصل وليس الجنوب.

كما أشار "الزبيدي" إلى الحكومة اليمنية في حديثه ووصفها بأنها عاجزة عن القيام بواجباتها تجاه مواطنيها.

وفي الندوة دافع "الزبيدي" على الإجراء الذي أعلنه محافظ عدن بالامتناع عن دفع الإيرادات للبنك المركزي قبل تراجعه عنه، قائلا إنه كان ضروريا لإنقاذ عدن من كارثة حاصلة، مشيرا إلى أن هناك تفاهمات تجري من أجل حلحلة ما وصفها بالأمور.

وفي معرض حديثه في الندوة علق "الزبيدي" على إعلان الحضارم مجلسهم الوطني بقوله "هو حوارنا ولا توجد هناك أية مشكلة فهو حوار وطني جنوبي جنوبي من حقنا ومن أولوياتنا".

> الأهداف العامة للزيارة

لعل الهدف من الزيارة التي يقوم بها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إلى لندن هذه الأيام هو التسويق لمشروع استعادة الدولة الجنوبية بحدودها المتعارف عليه قبل 90م، ومحاولة الانتقالي فتح ثغرة دبلوماسية مع لندن من أجل تفهم هذا المشروع- يقول أنصار الانتقالي.

ويذكر الصحفي عادل اليافعي أن الوضع في البلد يمر بمراحله النهائية، وتكمن أهمية هذه الزيارة إلى أن الفصل السابع في اليمن هو من صنيعة دولتين هي أمريكا وبريطانيا، والسعي إلى تغيير الوضع على الأرض بيد -من وصفهم- برافعي التقارير في إطار مهمة هذه الزيارة.

المقدم محمد النقيب المتحدث باسم القوات الجنوبية قال "إن اللواء عيدروس ناقش مع مسؤولين بريطانيين استقرار أمن المنطقة من تفشي ظاهرة الإرهاب وإن الدولة الجنوبية ستكون صماما للمصالح الدولية في المنطقة من هذه العناصر التخريبية".

بدوره يقول مستشار اللواء عيدروس الزبيدي الدكتور صدام عبدالله عن أهداف الزيارة "هو مجرد إيصال الرسائل الداخلية إلى الخارج صاحب القرار، وكان صريحا وشفافا في إيصال رسائله في هذا الصدد".

وأضاف "عبدالله" "من الرسائل التي أرادها الزبيدي أن المجلس الانتقالي هو الممثل للجنوب وأنه يعاني من مشاكل تتمثل في مواجهة الإرهاب في المحافظات الجنوبية، كما أنه أراد إيصال أن الانتقالي قد فتح الحوار الجنوبي الجنوبي لحل الصراعات السياسية، وإن الباب مازال مفتوحا أمام الجميع بدون استثناء.

وللزيارة أهداف أخرى ربما يريد الانتقالي اعطاء القوى الدولية الفاعلة في الملف اليمني رسالة ما توضح حقيقة الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية في المحافظات الجنوبية، بعيدا عن الصورة التي تنقلها أجهزة الحكومة الشرعية والمنظمات ووسائل الإعلام الخارجية التي يرى "الانتقالي" أنها تندرج ضمن المعادين لمشروعه.

وفي مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية ناشد "الزبيدي" الغرب بقبول الواقع الجديد الذي تشكل على الأرض، وهنا يشير "الزبيدي" إلى الغاء القرار الأممي 2216 بشأن وضع اليمن تحت الفصل السابع.

يعتقد كثيرون في الانتقالي الجنوبي أنهم يصارعون قوى إقليمية ودولية لها مصالح تدافع عنها، بالإضافة إلى قوى محلية تقف عائقا أمام تحقيق أي استقلال ناجز، ولذا ليست الزيارة مجرد نزهة أو حضور مباراة في كرة القدم، بحسب وصف الدكتور حسين لقور.

تذكر تدوينات أنصار الانتقالي أن "الزبيدي" ناقش بحضور عمرو البيض وصالح الحاج والشيخ راجح باكريت مع عضو البرلمان البريطاني جون سيبلار الأهداف والأبعاد الإستراتيجية للاعتراف بدولة الجنوب، حد قولهم.

لم تسلم الزيارة من الانتقادات الشعبية أهمها مطالبة "الزبيدي" أن يولي الشارع الجنوبي ومعاناته التي تتفاقم كل يوم أولوية قصوى من الزيارات المكوكية بحثا عن دولة قادمة، بينما تضيع الدولة التي بين أيدينا وتنحرف عن واجباتها الوظيفية تجاه المواطنين، حد قولهم.

وقال مواطنون ينتمون إلى المحافظات الجنوبية: إننا نعاني من سوء الخدمات وأبرز هذه الخدمات انقطاع الكهرباء لفترة طويلة، إضافة إلى ضرورة الالتفات إلى فساد الإدارة والمؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية والأمنية في المحافظات الجنوبية، وذكروا أن الاستقطاعات في رواتب الجنود تصل أحيانا، حسب تعليق أحدهم، إلى أكثر من نصف الراتب.

> عيدروس يحمل تطلعات شعب الجنوب إلى لندن

هناك من رأى أن اللواء عيدروس الزبيدي كان واضحا وشفافا في حديثه وهو يتحدث في المعهد الملكي البريطاني في لندن إلى الجمهور، وأنه تمكن إلى حد ما من إيصال رسالته ورؤيته لمستقبل الجنوب وقضيته، ولعل أهم رسالة هي انتهاج الوسائل السياسية السلمية المدنية المعتدلة لتقرير المصير وتحقيق الاستقلال للوطن الذي ينشده، بعيدا عن الخطابات الشعبوية واستخدام لغة العنف لتحقيق تلك المطالب والغايات.

وفي تدوينته الرسمية في "تويتر" قال عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إن مجلس القيادة الرئاسي يواجه الكثير من الصعوبات بعد استهداف المليشيات الحوثية للمنشآت النفطية في شبوة وحضرموت.

وأكد "الزُبيدي" في سياق حديثه أن الحكومة الحالية، باتت غير قادرة على القيام بمهامها في توفير الحد الأدنى من الخدمات، مشيرا إلى أن الإجراء الذي أقدم عليه محافظ العاصمة عدن كان ضروريا لإنقاذ العاصمة، والدفع باتجاه حلحلة الأمور ضمن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة.

وتطرق "الزُبيدي" إلى عمل مجلس القيادة الرئاسي، مؤكدا أن العلاقة بين الأعضاء في إطار المجلس رائعة، والجميع على اتفاق أنهم جبهة واحدة في مواجهة مليشيا الحوثي، ومواجهة التحديات الاقتصادية، والإنسانية، على الرغم من أن لكل عضو برنامجه الخاص.

وقدم "الزبيدي" خلال الندوة، شرحا للبناء التنظيمي للمجلس الانتقالي الجنوبي، وهيئاته المختلفة، مؤكدا أن المجلس ينتهج سياسية مدنية معتدلة، وملتزم للمجتمع الدولي والإقليمي باحترام القوانين والمواثيق الدولية في نضالاته لتحقيق تطلعات شعب الجنوب، كما يرفض استخدام الدين كمظلة لتحقيق الأهداف السياسية.

كما أشار "الزبيدي" أيضا إلى ملف مكافحة الإرهاب، وجهود القوات المسلحة الجنوبية في هذا الشأن، مؤكدا بأن "قواتنا الجنوبية تواجه المليشيات الحوثية وتكافح التنظيمات الإرهابية، وفق عقيدة وطنية بحتة".

وثمّن "الزبيدي" في هذا الشأن، الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة في مكافحة الإرهاب في بلادنا، كما كان حضورهما بارزا في إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية التي انهارت تماما بسبب الحرب، وقد باتت اليوم تؤدي دورها بشكل كبير في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب.

وبخصوص الكيان السياسي، الذي تم إشهاره مؤخرا، تحت مسمى مجلس حضرموت الوطني، أوضح "الزُبيدي" أن التفاصيل الكاملة مازالت غير متوفرة حوله، مؤكدا أن المجلس الانتقالي انتهج خيار الحوار مع كافة المكونات في الجنوب، وقد بدأ المرحلة الأولى مع الكيانات التي تؤمن بحتمية استعادة الدولة الجنوبية وسيواصل الحوار مع بقية القوى الأخرى.

وفي وقت سابق كان قد صرح محمد الزبيدي رئيس الهيئة التنفيذية المساعدة للمجلس الانتقالي الجنوبي لشؤون مديريات وادي وصحراء حضرموت أن مجلس حضرموت الوطني هو أحد نواتج سياسة تفريخ (الدكاكين)، وأن من يمثل حضرموت هو المجلس الانتقالي الجنوبي وليس عشرات الأشخاص الذين اجتمعوا في فندق بالخارج.

تصريحان متناقضان في نظر البعض بشأن إعلان المجلس الحضرمي، جعل البعض يذهب إلى أن هناك تباينا واضحا في المواقف السياسية لقيادات الانتقالي، وتضاربا شديدا في التصريحات، تعمق أكثر وأكثر في الفترة الأخيرة بعد قضية كهرباء عدن، والآن في موقف الانتقالي الرسمي تجاه إنشاء مكون المجلس الوطني الحضرمي.

وفي الحقيقة مايزال موقف الانتقالي من الإعلان عن مجلس حضرموت الوطني مبهما ومرتبكا وغير واضح، وقد تحدث عنه اللواء "الزبيدي" في الندوة بنوع من الدبلوماسية بقوله: "إن التفاصيل الكاملة لم تتضح حوله بعد".

كما أن "الزبيدي" تحدث في الندوة عن الرؤيا المستقبلية لعمل المجلس الانتقالي الجنوبي، إذ أكد أن الجنوب لن يُقدم على أي إجراءات أحادية لإعلان الاستقلال، وسيعمل على تحقيق ذلك من خلال عملية سلمية تحت إشراف الأمم المتحدة.

وجدد "الزُبيدي" التأكيد على أن الجنوبين لا يطالبون بالانفصال كما يروّج له البعض، كونهم ليسوا أقلية، مؤكدا أن الجنوب كان دولة لها عَلَم، ونشيد، وعملة، ومقاعد في الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية، ومن حق شعبه أن يستعيد دولته كاملة السيادة، كما أن الجنوب جزء أصيل من المنطقة، ولديه علاقة استراتيجية مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ويطمح لأن يكون جزءا فاعلا في مجلس التعاون الخليجي مستقبلا.

وكشف "الزُبيدي" في ختام حديثه، عن أنه رفض عرضا لتولي رئاسة اليمن، لكونه يحمل قضية وطن، ولم يكن يوما باحثًا عن سلطة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المسؤولية الأخلاقية، والإنسانية، والأخوية، تحتّم على الجنوبيين عدم ترك أشقائهم من أبناء اليمن الشمالي ضحية للمليشيات الحوثية.

يجدر الإشارة إلى أن هذا الخطاب العقلاني للواء "الزبيدي" نال استحسان بعض الأتباع ووصفوا هذا الحضور بالمميز والمهم في سياق التسويق للقضية الجنوبية دوليا وفي عواصم الدول الكبرى، لكن هناك من الأتباع لم يرق له هذا الخطاب المتزن وذهب يسأل اللواء عيدروس: أبعد كل هذه التضحيات والشهداء علينا أن نستأذن الأمم المتحدة بمنحنا حق تقرير المصير ونيل الاستقلال؟!

ثم طالبوه بمقولة ثورية قديمة للزعيم عبدالناصر قالها في حق اغتصاب إسرائيل للأرض العربية فلسطين: ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة!

> أسئلة صعبة

في الندوة لم تكن كل الأسئلة على اللواء عيدروس الزبيدي بتلك البساطة، فهناك من رأى أنه واجه أسئلة صعبة ومحرجة إلى حد ما من قبل من أدار الجلسة والمشاركين.

ولم يعرف "المسلمي" طريقا لمهادنة "الزبيدي" من خلال طرح الأسئلة عليه، وحاول أن يخرج منه إجابات لأسئلة واقعية وليست معلبة ومحفوظة.

ومن الأسئلة الصعبة التي ذكرها المحلل السياسي الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله في تدوينه له على "تويتر" تلك التي انهالت عليه بهذا الشكل:

- أيهما أشد خطرا على الجنوب الحوثي أم الإصلاح، وكيف تضمن عدم حدوث نزاع جنوبي- جنوبي؟

- هل يكون الجنوب دولة مستقلة أم إمارة داخل دولة الإمارات؟!

- هل تتوقع نجاح الحج الدبلوماسي الذي يقوم به الحوثيون إلى المملكة هذه الأيام؟

- كم مدة تتوقع سيستمر مجلس القيادة الرئاسي؟!

وبينما ظل البعض يبحث عن إجابة لهذه الأسئلة الصعبة، انشغل البعض الآخر بمهاجمة "المسلمي" الذي أدار الندوة كونه "ذماري" ينتمي إلى مديرية وصاب في محافظة ذمار.

تجدر الإشارة إلى أن تأسيس معهد (تشاتام هاوس) الملكي البريطاني تعود إلى عام 1923م، أي قبل حوالي 100 سنة، ويقع وسط لندن، وكان مقرا لسكن (3) من رؤساء وزراء بريطانيا، واستضاف زعماء ورؤساء ووزراء وشخصيات عالمية، ومؤخرا حل اللواء عيدروس الزبيدي ضيفا على هذا المعهد وهي ثاني زيارة له إلى بريطانيا منذ رئاسته للمجلس الانتقالي الجنوبي في 4 مايو 2017م.