تقرير يرصد دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي أنصاره في حضرموت إلى الاحتشاد..
هل الدعوة إحياء لذكرى 7 يوليو أم هي تعبير عن موقف سياسي رافض لمجلس حضرموت الوطني؟
ما وراء تصعيد الانتقالي الجنوبي في حضرموت مجددا.. وهل دعوته للاحتشاد ردة فعل لزيارة الرئيس العليمي؟
ما هي الأهداف المصيرية للانتقالي التي أعلن عنها اللواء بن بريك في حضرموت؟
هل تمثل تصريحات بن بريك تهديدا لمجلس حضرموت الوطني أم إنها دعوة للحوار والشراكة؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
ما إن تهدأ الأوضاع السياسية في حضرموت حتى تشتعل مرة أخرى، وكأنه يراد لحضرموت أن لا تنعم بالهدوء والاستقرار السياسي والأمني الذي شهدته طيلة سنوات الحرب منذ 8 سنوات مضت، وحرمت منه أغلب المحافظات الجنوبية.
فمن على حسابه بتويتر أطلق نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيس الجمعية الوطنية اللواء أحمد سعيد بن بريك تصريحات دعا من خلالها أنصار الانتقالي في حضرموت إلى الاحتشاد يوم الجمعة (أمس) بمناسبة "يوم الأرض الجنوبي".
هذا اليوم الذي تزامن مع دخول- ما سميت حينها- بـ"قوات الشرعية اليمنية" إلى العاصمة عدن في 7 يوليو 1994، وبالمقابل يطلق أنصار الحراك الجنوبي السلمي ومكونات جنوبية أخرى منها الانتقالي على هذا اليوم مسمى "يوم احتلال الأرض الجنوبية من قبل قوى عسكرية ودينية وقبلية شمالية".
ولعل أبرز ما في دعوة بن بريك هو دعوته إلى "تحرير وادي حضرموت، وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في حضرموت، وبقاء محافظة حضرموت القلب النابض للجنوب"، حد تعبيره.
لم تمر تصريحات بن بريك دون ردود أفعال متباينة من الشارع الحضرمي المنقسم على نفسه، بالإضافة إلى العديد من التساؤلات عن ما يمكن أن تمثله هذه الخطوة التصعيدية من قبل الانتقالي الجنوبي تجاه الوضع السياسي المأزوم أصلا والذي يشهد في الآونة الأخيرة تعقيدات كثيرة.
دعوة بن بريك.. هل هي ردة فعل لزيارة الرئيس العليمي؟
في حين يحدد بن بريك هدف دعوته أبناء حضرموت إلى الاحتشاد من أجل وحدة الصف ضد دعوات التجزئة ومشاريع التمزيق وخلق الفتن بين أبناء حضرموت من جهة وأبناء الجنوب من جهة أخرى، يرى معارضون للدعوة أنها تسعى إلى التحريض من أجل إجهاض خيارات الحضارم المدعومة من أبناء حضرموت ومن قبل المملكة العربية السعودية ورئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي.
في نظر البعض تزامنت دعوة بن بريك مع زيارة قام بها الرئيس العليمي لأول مرة إلى حضرموت قبل أيام، عقب الإعلان عن مجلس حضرموت الوطني في الرياض، والذي رافقه في الزيارة وفد رفيع من شخصيات سياسية حضرمية بارزة كرئيس مجلس الشورى اليمني أحمد عبيد بن دغر ومستشار مجلس القيادة الرئاسي المهندس حيدر أبوبكر العطاس وكذا نائب رئيس مجلس النواب محمد الشدادي ونائب هيئة التشاور والمصالحة الدكتور عبدالملك المخلافي وعدد من المسؤولين وأعضاء في مجلسي النواب والشورى.
وفي الزيارة التي حظيت بدعم سعودي واضح وكبير، أعلن الرئيس العليمي عن دعمه وتأييده الكامل لخيارات الحضارم في إدارة شؤونهم المحلية ذاتيا في إطار القوانين الناظمة للدولة اليمنية، وهو ما يعد تأييدا ومباركة لمخرجات مشاورات الحضارم في الرياض واعترافا صريحا بمضامين الوثيقة السياسية والحقوقية التي تمخض عنها إعلان مجلس حضرموت الوطني.
وخلال الزيارة دشن العليمي وبدعم من البرنامج السعودي للتنمية وإعادة الإعمار نحو 20 مشروعا خدميا وتنمويا بتكلفة إجمالية قدرت بمليار ومائتي مليون ريال سعودي، وهي المشاريع السعودية الأضخم، وفق مراقبين، على مستوى اليمن منذ اندلاع الحرب التي أشعلتها المليشيا الحوثية الانقلابية في عام 2014.
هذا التوجه الخدمي والتنموي في حضرموت من شأنه أن يخفف من حدة التوتر في المحافظة التي تشهد حراكا سياسيا واجتماعيا وشعبيا منقطع النظير.
بن بريك يكشف عن أهداف الانتقالي في حضرموت
في 21 مايو الفائت زار رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي مدينة المكلا عاصمة حضرموت، وعقدت الجمعية الوطنية للانتقالي جلسة في المدينة لتأكيد تمثيل الانتقالي للمحافظة، وهو الأمر الذي رفضته مكونات سياسية واجتماعية حضرمية، معتبرة أن هذه الزيارة التي حشد لها الانتقالي من محافظات أخرى استفزاز لأبناء المحافظة.
فلا يخفى على أحد التحفظات والهواجس والمخاوف التي يبديها أنصار الانتقالي الجنوبي من خطوة إشهار الحضارم لمجلسهم الوطني، هذه الخطوة التي أثارت حفيظة الانتقالي الجنوبي الذي رأى أنها إفشال لمشروعهم المتمثل في قيام الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة في حدود عام 90م.
ولعل دعوة بن بريك تأتي في إطار حالة الرفض التي يبديها الانتقالي الجنوبي منذ الإعلان عن مجلس حضرموت الوطني ضد ما أسماها بعض أنصارهم "تزييف إرادة الحضارم لصالح مشاريع اليمننة بعيدا عن المشروع الذي يتبناه الانتقالي الجنوبي"، حد وصفهم.
وفي دعوته قال بن بريك مخاطبا أنصار الانتقالي خاصة وأبناء حضرموت عموما: نشدُ على أياديكم من أجل وحدة الصف وتعزيز اللُحمة والترابط لحماية الأرض والعرض والوقوق ضد كل دعوات التجزئة ومشاريع التمزيق وخلق الفتن بين أبناء حضرموت من جهة وبينهم وأبناء الجنوب من جهة أخرى.
وأضاف بن بريك تأتي هذه الدعوة من أجل انتزاع الحقوق المشروعة لأبناء حضرموت، وقطع يد كل العابثين والفاسدين من قبل القوى المستفيدة من نهب الثروات في حين يعاني أبناء حضرموت والجنوب الأمرين من التدهور الاقتصادي والمعيشي والخدمي الذي وصل إلى حد لا يمكن السكوت عليه أو القبول به.
وعاهد بن بريك أنصاره بقوله: إننا إذ نعاهد أهلنا وأبناءنا وإخوتنا في حضرموت والوادي خصوصا، نؤكد لهم وقوفنا إلى جانبهم ومساندتهم حتى تحقيق أهدافهم المصيرية وفي مقدمتها تحرير الوادي وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار، وستبقى حضرموت قلب الجنوب النابض.
وجدد بن بريك دعوته لأبناء حضرموت عامة والوادي بشكل خاص إلى التفاعل والمشاركة الإيجابية، بالوقوف والاحتشاد يوم الجمعة (أمس) في فعاليات "يوم الأرض الجنوبي".
تلك الدعوات التي اطلقها بن بريك اعتبرها نشطاء معارضون للانتقالي في حضرموت استفزازا جديدا للانتقالي وخلطا للأوراق ودعوة صريحة إلى تفجير الأوضاع في حضرموت، لاسيما وأن الدعوة كانت صريحة بتحرير وادي حضرموت.
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون جنوبيون أن الحشد والحشد المضاد لن يفضي إلا إلى المزيد من التفكك والتشرذم والصراع السياسي في الصف الجنوبي، ولن يخدم سوى أعداء القضية الجنوبية ووحدة الصف الجنوبي.
هل هو تهديد لمجلس حضرموت الوطني؟
وفقا للعديد من المحليين السياسيين، يمكن اعتبار إشهار مجلس حضرموت الوطني خطوة قطعت الطريق على الانتقالي وحدت من تطلعاته الرامية للسيطرة على وادي وصحراء حضرموت، وضمها إلى ساحل حضرموت الذي يقع تحت نفوذه السياسي والعسكري.
ومنذ إعلانه في 4 مايو 2017 والمجلس الانتقالي الجنوبي يمثل قوة سياسية منظمة وقوة عسكرية تحظى بدعم قوي وداعمين إقليميين، يمكن أن تهدد هذه القوة استمرارية وبقاء المجلس الوطني الحضرمي المعلن عنه أخيرا في الرياض.
وبالنظر إلى الوقائع على الأرض فإن الانتقالي الجنوبي يسعى إلى التقليل من أهمية المجلس الوطني الحضرمي بل ويحاول تجاوز دوره السياسي والاقتصادي والخدمي والتنموي المحتمل في حضرموت.
ويعتقد البعض أنه إذا ما فهمت دعوة بن بريك بأنها اطلاق وعيد وتهديدات للمجلس الوطني الحضرمي، فإن هذه تعد بادرة خطيرة من المتوقع أن تسهم في تهديد استقرار وأمن المحافظة.
فأي محاولة من قبل الانتقالي لتجاوز المجلس الحضرمي بأدوات غير سياسية من شأنها أن تؤثر سلبًا على أوضاع المحافظة العسكرية والأمنية والاقتصادية والخدمية والمعيشية، وقد تؤدي إلى اندلاع صراعات داخلية جديدة في الصف الحضرمي.
وحتى لا تصطدم تطلعات المجلس الوطني الحضرمي مع تطلعات المجلس الانتقالي الجنوبي فمن المتابعين من يرى أن على المجلس الوطني الحضرمي التعاون مع الانتقالي الجنوبي، وفتح حوار سياسي معه على الرغم من أن مجلس حضرموت قد يجد صعوبة في قبول هذا الخيار؛ نظرًا لأن الانتقالي يرى أنه الممثل الوحيد للقضية الجنوبية ويخشى من فقدان نفوذه العسكري والسياسي على محافظة حضرموت، ومعها على المحافظات الجنوبية التي يتطلع أن يكون ممثلها الحصري في مفاوضات الحل النهائي في التسوية السياسية للأزمة اليمنية.
ومن هنا نستنتج أن المصير المحتمل للمجلس الوطني الحضرمي بعد تهديدات الانتقالي الجنوبي هو التعاون البناء والمثمر مع هامش ضئيل لصدام عسكري سيقف الأشقاء في الرياض وأبوظبي لمنع حدوثه.
وينصح خبراء الجميع بالسعي إلى إيجاد حوار سياسي يلبي مطالب جميع الأطراف والمكونات في حضرموت ويحافظ على استقرار المحافظة، مع العمل على بناء تفاهمات تلبي التطلعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأبناء حضرموت.
ويخشى معظم الحضارم من أي تسويات سياسية تضعهم في خانة الإقصاء والتهميش والضم والإلحاق مرة أخرى، وهو الأمر الذي قد يعيدهم إلى الماضي الذي عانت منه حضرموت، حد قولهم.
ما وراء تصعيد الانتقالي في حضرموت مجددا؟
تصعيد الانتقالي الجنوبي في حضرموت مجددا يعكس حجم التوترات السياسية والعسكرية الحادة في المحافظة، خاصة بين القوى المختلفة محلية وإقليمية التي تتنافس على السلطة والتأثير في وادي وساحل حضرموت.
إذ بات من الواضح حسب مراقبين أن الانتقالي الجنوبي يسعى إلى الاستقلال عن شمال البلاد، ويعمل جاهدا على استعادة الدولة الجنوبية المستقلة ذات السيادة على حدود عام 90م، ولا طريق سالكا للاستقلال حسب تعريف الانتقالي للاستقلال إلا بمحافظة حضرموت ذات الثقل السكاني والمساحة الواسعة والموارد الاقتصادية الهائلة.
ومع اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 2014 وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في 2015 لدعم الشرعية، ظهرت فرصة يراها الانتقالي أنها مواتية له لتعزيز نفوذه في المحافظات الجنوبية، ومنها بالتأكيد حضرموت التي تمثل 60% من مساحة المحافظات الجنوبية و80% من موارده النفطية والغازية والمعدنية، إذا ما أضيف لها محافظات الشرق شبوة والمهرة وسقطرى.
وبدأ الانتقالي الجنوبي بإدارة المحافظة من عاصمتها الواقعة في ساحل حضرموت "المكلا" عمليا منذ طرد تنظيم القاعدة في أبريل 2016.
يعتقد كثيرون أن الانتقالي يهدف من وراء هذا التصعيد في حضرموت إلى الحفاظ على النفوذ والقوة السياسية والعسكرية وعدم اختلال ميزان القوى في المحافظة النفطية المهمة لمصلحة خصومه على الأقل حاليا في ساحل حضرموت حيث العاصمة المكلا.
من ناحية أخرى هناك من يحذر من خطوة كهذه، اذ التصعيد يمكن أن يؤدي إلى تصاعد حدة النزاعات المسلحة وتدهور الأوضاع الإنسانية في المحافظة، وقد تكون له آثار سلبية على الحالة الأمنية والاقتصادية والتعليمية والصحية في حضرموت، مما يزيد من معاناة المواطنين هناك.
علاوة على ذلك، فإن تصعيد الانتقالي الجنوبي في حضرموت قد يؤثر على أداء مجلس القيادة الرئاسي، وجهود التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة اليمنية.
فالتوترات بين الأطراف المختلفة في الصف المناوئ لمليشيا الحوثي قد تجعل من الصعب تحقيق اتفاق سلمي بين مكونات مجلس القيادة الرئاسي، عوضا عن تحقيق سلام واستقرار دائم في عموم البلاد.
إجمالا، تصعيد الانتقالي الجنوبي في حضرموت مجددا وفي هذا التوقيت، يعكس حجم مخاوفه من أي خطوة تحجم من نفوذه السياسي والعسكري في محافظات شرق البلاد الغنية بالنفط، وفي نفس الوقت تعكس اتساع رقعة التوترات السياسية والعسكرية المستمرة في صف مجلس القيادة الرئاسي وتضارب أهدافه وتوجهاته وتطلعاته، وهذه التطورات الجديدة قد تؤثر على حالة الوفاق والانسجام بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وتضع أمامه المزيد من التعقيدات التي تصعب من مهامه الوطنية الجسيمة حاضرا ومستقبلا.