آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:25ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: ما مخاطر نقل الصراع والانقسام السياسي إلى حضرموت والبلد بشكل عام؟

الأحد - 09 يوليو 2023 - 08:08 ص بتوقيت عدن
تحليل: ما مخاطر نقل الصراع والانقسام السياسي إلى حضرموت والبلد بشكل عام؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل لأبعاد الصراع الدائر في حضرموت على وقع تحشيد الانتقالي وإعلان تشكيل مجلس حضرموت الوطني..

هل خرج الصراع بين أطراف التحالف إلى العلن وبشكل سافر؟

ما مآلات الصراع السياسي على أمن واستقرار المحافظة؟

تجاذبات الأطراف الداخلية والإقليمية.. لمن ستكون الغلبة؟

كيف سيؤثر هذا الصراع على مصير المعركة مع الحوثيين؟

هل يزيد الصراع في حضرموت من حالة الانقسام داخل المجلس الرئاسي؟

الانتقالي يحسم الموقف

عدن الغد) القسم السياسي:

يبدو أن رقعة الصراع حول حضرموت بدأت تتسع، ولم تعد المشكلات التي تعاني منها المحافظة الغنية بالثروات الطبيعية مجرد حرمان خدمي أو مماحكات سياسية، ولكنها تحولت إلى ما يشبه المصير الغامض الذي ينتظر المحافظة.

فبعد سنوات من الاستقرار النسبي والنموذج المثالي الذي كانت تمثله حضرموت وتختلف به عن نظيراتها من المحافظات اليمنية، تحولت المحافظة إلى بؤرة للصراع، ليس فقط بين القوى اليمنية، ولكن حتى بين الأطراف الإقليمية التي جعلت من حضرموت ساحة للتجاذب والمواجهة بأدوات محلية.

ورغم أن اللاعبين الإقليميين دأبوا على جعل الصراع الحضرمي يبدو وكأنه مقتصر على مطالب انسحاب القوات الحكومية ممثلةً بالمنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت والتي ما فتئ المجلس الانتقالي الجنوبي ينادي بها، أو بالمطالب الخدمية فقط، إلا أن الفترة الماضية جعلت من روائح الصراع والتنافس الإقليمي على حضرموت تتصاعد حتى أزكمت الأنوف.

التحول توافق مع التصعيد الذي عاشته حضرموت يوم الجمعة، والذي تصادف مع ما يطلق عليه المجلس الانتقالي بـ "يوم الأرض" السابع من شهر يوليو/ تموز، وهو التاريخ الذين يعتبره الجنوبيون بأنه يوم "احتلال يمني" لأرض الجنوب، عقب حرب صيف عام 1994، بين القوات الشمالية والجيش الجنوبي.

وهو ما يؤكد أن الصراع بين قطبي التحالف العربي الإقليميين خرج إلى العلن وبشكل سافر، وبات واضحًا للعيان، ولا يحتاج إلى الغموض الذي يحاول البعض حصره وقصره على الأدوات المحلية المتمثلة في الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي فقط، رغم أن كل منهما يقف خلفه أحد أقطاب الإقليم.

كما لا يخفى على الكثيرين أن محافظة حضرموت باتت منقسمة على نفسها؛ نتيجة هذا الصراع الذي تجاوز قضية الجنوب والانفصال والوحدة، أو حتى الخدمات التي تتلاعب بها الحكومة الشرعية بحق أبناء حضرموت، أو مطالب الانتقالي بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من الوادي المثقل بالثروات.

وهو انقسام سينعكس بلا شك على استقرار المحافظة وأمنها واستقرارها الذي بات على المحك، وتحولت المحافظة بسبب هذا الانقسام إلى مجرد محافظة مليئة بالصراعات كغيرها من المحافظات اليمنية المتخمة بنزاعات تتداخل مسبباتها وأدواتها بين القوى المحلية والأطراف الخارجية الإقليمية.

الأمر الذي جعل حضرموت تغادر مربع المثالية والنموذج المتفرد الذي كانت تتميز به عن أقرانها من المحافظات الأخرى، كل ذلك كان نتيجة الاستسلام لصراعات الداخل والخارج وانعكاساتها على استقرار المحافظة.

> تجاذب الداخل والخارج

خلال الأسابيع الماضية، اتجهت حضرموت نحو منعطف خطير جدًا، سياسيًا، وبالتالي يمكن أن تتجه نحو منعطفات عسكرية ربما تكون أكثر خطورة من المعطف السياسي.

بدأت هذه المنعطفات بقرار قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي عقد اجتماعات الجمعية العمومية الوطنية التابعة للانتقالي في مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، في محاولة منها لبعث رسالة سياسية إلى الأطراف الإقليمية والمحلية المناهضة لفكرة الانفصال واستعادة دولة الجنوب على حدود عام 1990، بل والذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال تسمية دولة الجنوب القادمة بـ "دولة حضرموت العربية المتحدة".

ولعل غاية الانتقالي من كل تلك الخطوات هو استمالة الحضارم، بكل مشاربهم وانتماءاتهم، واستقطابهم إلى صف مشروع المجلس الانتقالي ودولة الجنوب، وهو المشروع الذي وجد ممانعة من قبل الحضارم، أو بعض المكونات الحضرمية التي رأت فيه تكرارا لعمليات الضم التي مارستها الجبهة القومية عام 1967، بحق حضرموت ودولتها المستقلة، وإلحاقها بدولة جنوب اليمن بعد نيل الاستقلال من بريطانيا.

وبغض النظر عن ذكاء الخطوة، وبريقها اللافت في تسمية دولة الجنوب باسم "دولة حضرموت"، إلا أن مراقبين رأوا أن الانتقالي لم يبدد بعد مخاوف الحضارم من محاولات ضم محافظتهم لمشروع الجنوب السياسي، حتى إن كثيرا من المكونات الحضرمية واجه هذا المشروع بالالتحاق بركب المتشاورين في العاصمة السعودية الرياض، والعمل على تشكيل مكون سياسي جديد، لا ينكر أحد أنه جاء لمواجهة خطوات الانتقالي.

فالمكون الجديد المسمى بـ "مجلس حضرموت الوطني"، ضم تيارات وقوى حضرمية عديدة، ما كان لها أن تنضم إلى هذا المكون لولا رغبتها في تأسيس كيان يواجه ويُقابل إجراءات الانتقالي الأخيرة في حضرموت، تحت عباءة الحكومة الشرعية، ودعم الرياض، بل ويكون بمثابة الرد السياسي الملائم على ما قام به الانتقالي، في ظل التجاذب وحرب المشاريع المدعومة خارجيًا.

وإذا كانت خطوات المجلس الانتقالي تحظى بدعم إماراتي كما يرجح البعض، فإنه من المؤكد أن خطوات الحكومة الشرعية في تكوين كيان حضرمي جديد يحظى بدعم ومباركة ورعاية السعودية، وبالتالي فإن الصراع والتجارب الراهن في حضرموت، ما هو إلا تنافس وصراع إقليمي بين قطبي التحالف وليس مجرد نزاع بين شرعية وانتقالي أو مشروع الوحدة والانفصال، بل إن الأمر أكبر من ذلك بكثير.

لكن الأسوأ في الأمر، أن لا أحد يدرك من ستكون له الغلبة في هذا الصراع الذي تجاوز حدود اليمن وحضرموت، فالمشاريع متباينة، واللاعبون الإقليميون لا يبخلون أبدًا في دعم هذا الطرف أو ذاك، كما أن الشيء الأخطر يكمن في أن عدم معرفة من سيكون هو الغالب في هكذا صراع يؤكد للجميع أن استمرار الصراع والتنافس بشكل عبثي تذهب ضحيته المحافظة ومواطنوها الذين يتوجهون إلى الساحات للتظاهر ونصرة طرف ما على حساب الآخر، رغم أنهم مواطنون بلا خدمات وبلا مستقبل.

وهنا فقط، ستكون الغلبة غائبة تمامًا، ولا شيء موجود سوى الصراع ومزيد من الصراع، لأن لا أحد يمكنه أن يُسلّم بسهولة أو يقر بانتصار الطرف الآخر عليه.

> تأثيرات الصراع الداخلي

من المؤكد أن ما يدور في حضرموت لا يمكن فصله عما يعتري المجلس الرئاسي اليمني، الذي لم يتجاوز عمره عامًا وثلاثة أشهر، من خلافات وصراعات داخلية قد تكون سببًا في انهيار بنيانه، في ظل ما يشكله من تهديد على مستوى بقاء هذا الكيان الجامع للتيارات السياسية اليمنية، بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتباره ممثلا عن الجنوب في المجلس.

لكن اللافت في هذه القضية أن الصراعات لم تعد هي الأخرى خافية على أحد، وبالتالي فإن التهديدات كبيرة ومحدقة بدرجة كبيرة، ما يشكل خطرًا كبيرًا، ليس فقط فيما يتعلق بالمجلس الرئاسي، بل أيضا على مستوى المعركة الجارية مع مليشيات الحوثي، والتي ستكون هذه الجماعة الانقلابية هي المستفيد الأول من أي تقهقر في عملية المواجهة، وتصدع المعسكر الشرعي.

وهذا الواقع الذي سيترتب على احتمالات انهيار المجلس الرئاسي بسبب خلافاته وصراعاته الداخلية، قد يعطي دافعًا سياسيًا للحوثيين لشن مزيد من الهجمات العسكرية بحجة أنه الطرف الأقوى أمام العالم والمجتمع الدولي، ليس فقط عسكريًا بل حتى سياسيًا، خاصة في ظل تماسك جبهة الانقلابيين الحوثيين.

الأمر الذي يجعل من صراعات حضرموت تلقي بظلالها حتمًا على كل اليمن، وليست القضية مقتصرة على حضرموت فقط كما يبدو الأمر، ما يعطي خطورة كبيرة لما يجري حاليا من تجاذبات وصراعات محورها الأساسي هو حضرموت، كما أن هذا يؤكد مدى التأثير الكبير الذي تشكله حضرموت على جميع اليمن.

هذه التأثيرات الخطيرة يمكن أن يتم تلافيها في حالة إدراك الأطراف المحلية والإقليمية لمخاطر هذا الصراع حول حضرموت، وبالتالي تهديد جبهة مقاومة الحوثيين المتربصين بالجميع، ولا يعتقد أحد أن القوى اليمنية والجنوبية غير مدركة لهذا الواقع الخطير، ولكن هناك مصالح ضيقة يتم تقديمها على حساب المصالح العامة للوطن، وهنا تكمن المعضلة التي يجب أن يتجاوزها الجميع، إذا حكموا المنطق والواقع.