تقرير يرصد ظاهرة تعدد المجالس السياسية والأحلاف القبلية في اليمن عموما وجنوب البلاد خاصة ويبحث عن أسبابها ودوافعها..
ما أسباب ودوافع تناسخ وتكاثر المجالس السياسية والأحلاف القبلية في اليمن عامة وجنوب البلاد خاصة؟
ما الذي يغذي الانقسام وتعدد هذه المجالس السياسية والأحلاف القبلية؟
ما مخاطر المجالس السياسية التي لا تبنى على الأهداف الوطنية؟
ما المخرج من فوضى المجالس السياسية في البلاد؟
المجالس السياسية تتعدد.
(عدن الغد) القسم السياسي:
يضعف الجسم والإطار الوطني الجامع فتتوالد من ضعفه المجالس الطائفية والمناطقية والجهوية ذات المشاريع المتناقضة والمتعارضة التي تصل أحيانا إلى المواجهة العسكرية .
يرى متابعون للشأن السياسي اليمني أن هذه المجالس قد لا تتوقف عند حد معين، ومن يدري، فلربما تعلن غدا محافظات المهرة وشبوة وسقطرى عن مجلسها السياسي تحت مسمى "الكتلة الشرقية" على سبيل المثال، فليس هناك "حد أحسن من حد".
ومن الملاحظ أن هذه المجالس تتعدد بحسب ظروف نشأتها المحلية وتسليحها ودعمها ورعايتها وحمايتها، بالإضافة إلى الأجندات الخارجية التي تقف وراءها.
ومع هذه الكيانات والمجالس الصغيرة التي تتوالد، تتعدد المشاريع والرؤى السياسية في إطار البلد الواحد، بل أحيانا تتعدد هذه الرؤى في إطار المحافظة الواحدة، كما هو حاصل في محافظة حضرموت على سبيل المثال.
وكلما تحللت شرعية الجمهورية اليمنية وشخصيتها الدولية أكثر وأكثر تطل علينا المزيد من هذه المجالس كأمر واقع، نحو الدخول في مرحلة أمر وأقسى على اليمنيين من سابقاتها ألا وهي مرحلة التقسيم والكانتونات والدويلات الصغيرة.
منذ الانقلاب على الدولة من قبل مليشيا الحوثي في العاصمة اليمنية صنعاء 2014 والمجالس السياسية تعلن عن نفسها تباعا، وآخر هذه المجالس مجلس حضرموت الوطني.
وإلى الآن بلغت حصيلة هذه المجالس أربعة، هي على التوالي: المجلس السياسي في صنعاء، والمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، ومجلس المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، ومجلس حضرموت الوطني.
ومع استمرار الحرب في اليمن هناك من يتوقع بروز كيانات جديدة، وأن حالة الانقسام في البلد لن تتوقف عند هذا المستوى بالنظر إلى واقع البلد.
> هل تشهد الساحة الجنوبية مجلسا سياسيا آخر؟
لا يمكن إغفال حالة الانقسام في الصف الجنوبي لدرجة أن الأحزاب والمجالس والمكونات والكيانات القبلية والسياسية والاجتماعية في المحافظات الجنوبية قد فاقت 50 مجلسا وكيانا ومكونا ضمت كل أشكال الطيف الجنوبي بمختلف توجهاتهم السياسية وخلفياتهم التاريخية والثقافية.
وعلى الرغم من أن أكبر المكونات الجنوبية في الوقت الحالي هما المجلس الانتقالي الجنوبي والائتلاف الوطني الجنوبي، بالإضافة إلى الوافد الجديد مجلس حضرموت الوطني إلا أنه لا يجب التقليل من أمر الكيانات الأخرى وتأثيرها على مجمل المشهد السياسي اليمني.
في مطلع مايو الماضي دعا عضو مجلس الشورى وعضو مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل الشيخ علي حسين البجيري أبناء محافظة أبين إلى تشكيل حلف قبلي بالمحافظة من جميع مديريات المحافظة، مع وضع برنامج يحدد مهام هذا الحلف.
ووجه البجيري، في رسالة إلى أبناء أبين بكافة أطيافهم وتوجهاتهم، بتشكيل هذا الحلف دون استثناء أحد، مشيرا إلى أن أبين أقصيت من المشهد السياسي والعسكري وهمش دورها في المرحلة الحالية، ويجب على أبنائها رد الاعتبار لمحافظتهم بتشكيل هذا الحلف القبلي كي يمثل المحافظة أمام الدولة وكل الجهات لما فيه مصلحة المحافظة.
ولفت البجيري إلى أن محافظة أبين غنية بالثروات البترولية والغازية وكل أنواع المعادن ومقدمتها الذهب، بالإضافة إلى الزراعة والثروة السمكية.
كما أكد البجيري أن أبين غنية برجالها ونخبها السياسية والنضالية والثقافية التي مثلت الوطن على مدى عقود طويلة وكانت درعه الأمين.
تلقف هذه الدعوة الشيخ وليد الفضلي وأعلن مكتبه أنه بصدد إشهار حلف بشكل رسمي كمكون سياسي جديد على الساحة الجنوبية، وقال بيان صادر عنه إن هذا المكون لن يستثني أحد امن أبناء أبين، وسيكون مظلة جامعة لإنهاء- ما وصفها- بسنوات التهميش التي عاشتها المحافظة.
وأعلن الفضلي أنه بصدد تشكيل لجان الحلف التي شملت لجنة متابعة إعادة تفعيل صندوق إعمار أبين، ولجنة الصلح وحل الخلافات القبلية، ولجنة متابعة حصة المحافظة من الكليات المدنية والعسكرية والأمنية والبعثات في الخارج، ولجنة التنمية ومتابعة احتياجات المحافظة، بالإضافة إلى لجنة الحقوق والحريات.
وبمجرد إعلان هذا الحلف أصدر المهندس أحمد الميسري مباركته لتشكيل حلف قبائل أبين والتحضيرات المتواصلة للإعلان عنه رسميا.
وأكد الميسري على أن وجود هذا الحلف من شأنه أن يعزز وحدة أبناء أبين وحماية أمنهم المجتمعي، ومساعدة جهود الدولة في حفظ الأمن والاستقرار وإصلاح ذات البين، خاصة في الظروف الاستثنائية التي يضعف أو يغيب فيها دور الدولة.
ورحب الصحفي مدين مقباس على حسابه في تويتر بالدعوات المطالبة بتشكيل مجلس وطني لمحافظة أبين أسوة بحضرموت، مشيرا إلى أنه لن يملأ الفراغ في أبين إلا هذا المجلس في إطار أي شكل للدولة ستفضي إليه التسوية السياسية القادمة في البلاد.
وقال مقباس إن هذا المجلس عليه أن يتبنى مطالب المحافظة وأبنائها ويحمل همومها ويدافع عن حقوقها ومواردها ويسعى إلى تحقيق تطلعات أبنائها لإيجاد الاستقرار المأمول ومعالجة مشكلاتها المعقدة والمرحلة منذ عشرات السنين.
ويشاطر مقباس الرأي الكاتب الصحفي سامي حروبي بقوله: محافظة أبين بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إشهار مجلس وطني ويكون مظلة جامعة لجميع أبناء المحافظة يلبي تطلعاتهم السياسية ويطالب بحقوقهم الخدماتية، ويدفع الضرر عن مواطنيها ويقوم على تقوية الجبهة الداخلية ومحاربة الفساد.
يضيف حروبي: المحافظة ظلمت وأقصيت وأصبحت في آخر اهتمامات مجلس القيادة الرئاسي إذ تم تهميش كوادرها وأصبحت المحافظة بلا خدمات.
> لماذا تتناسل الكيانات والمجالس؟!
لا أحد يساوره الشك من أن الانقلاب الحوثي على الدولة في 21 سبتمبر 2014 هو من وضع الحجر الأساس لكل هذا التشظي والتفكك والانقسام، بإصدارهم في فبراير/ شباط إعلانا دستوريا نص على عزل الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، وبموجبه عطلوا دستور دولة الوحدة وشكلوا المجلس الثوري أو اللجنة الثورية، ثم فيما بعد وبالمشاركة مع زعيم المؤتمر الراحل علي عبدالله صالح تم تأسيس المجلس السياسي في العاصمة صنعاء الذي انتهى بمقتله في 4 ديسمبر 2017.
من ذلك التاريخ تناسخت المجالس السياسية في اليمن حتى وصلت إلى 4 مجالس سياسية في شمال البلاد وغربها وجنوبها وشرقها.
ووفق متابعين للشأن اليمني فإن هذا الوضع المزري من حال الدولة اليمنية الذي أوصلنا إليه الانقلاب الحوثي قد قاد البلاد رويدا رويدا إلى حالة من التشظي في المجتمع والنخب السياسية حتى وصل إلى تشظي وتفتت الدولة نفسها.
تمظهر تشظي الدولة على شكل كانتونات ودويلات كل منها اقتطع جزءا من البلاد وبسط سيطرته العسكرية والأمنية بل وسيطر أيضا على الموارد الاقتصادية وتحكم بتحصيل الإيرادات وإنفاقها على مشروعه الإيديولوجي والسياسي.
يرى علماء الاجتماع السياسي أن من يخلق مثل هذه الكيانات الجديدة هو غياب الثقة بين مكونات المجتمع، وخضوع هذه الكيانات والمكونات إلى اللاعب الأجنبي ومصالحه الخاصة أكثر من العمل على المصالح المشتركة بين القوى المحلية والعمل على تقويتها بشكل مستقل.
لم تكن ظاهرة الاستقواء بالأجنبي، وفق رأي الكثيرين، من أجل إضعاف وإقصاء وتهميش الشريك السياسي المحلي بعيدة عن الأسباب التي تخلق مظالم، تسهم في انتشار الأحلاف القبلية والمجالس السياسية التي تحاول أن تبحث لها عن شركاء آخرين من أجل مقاومة هذه المظالم.
يبقى الأهم في نشأة هذه المجالس والأحلاف هو غياب العدالة الاجتماعية والمساواة، وشعور طرف ما بحرمانه من حقوقه السياسية والاقتصادية وغياب التوزيع العادل للسلطة والثروة، يقول آخرون.
> ما الذي يغذي هذا الانقسام وتعدد المشاريع؟!
شهد شمال اليمن وجنوبه دورات عنف وإقصاء وتهميش، وظلت جراح الماضي مفتوحة دون علاج ناجع لها، وخلفت هذه الجراح مظالم سياسية واقتصادية لا حصر لها ظلت آثارها حتى اليوم.
وفي سعي هذه الفئات التي تتبنى المظلوميات إلى إنصاف نفسها كونت مجالس وكيانات ومكونات، مع خشية البعض منها أن تنال هذه الكيانات الجديدة من جغرافية اليمن الموحدة، ومن تماسك نسيجه الاجتماعي وتفتح الباب واسعا لكيانات ومجالس مناطقية وجهوية بهويات ثقافية محلية متعددة لن تقبل التعايش مع الآخر المختلف معها.
تنامي النزعات المذهبية والطائفية والمناطقية والجهوية في البلاد تحت وقع الحرب أسهم بشكل فاعل في نشأة هذه الكيانات الجديدة، فالبعض منها تحمل مشاريع طائفية وسلالية وأسرية بنكهة الماضي البعيد، وبعضها الآخر تحمل مشروعا سياسيا أثبتت فشلها في الماضي، وأخرى ترتد إلى الماضي أيضا وهي تعتقد أنها تتحرك صوب المستقبل، ويبقى في الأخير المشروع الوطني هو الغائب من كل ما سبق.
يرى الكثيرون أن المنطق القروي لن يبني أوطانا بقدر ما يسعى الجميع إلى حماية وحدة البلاد بصيغة سياسية معينة تضمن تقسيما عادلا للسلطة والثروة، والمشاريع السياسية التي تقوم على كراهية الآخر لا تدوم أيضا، إن لم تشكل هذه المشاريع خطرا على أصحابها قبل غيرهم.
وفي الحقيقة فإن المشاريع السياسية التي تحمي المجتمع من التفتت والتمزق والتشرذم هي تلك المشاريع التي تبني نموذج "دولة المواطنين".
> ما المخرج؟!
لا حل إلا في تعزيز سلطة الدولة وحضورها في مناحي الحياة المختلفة العسكرية والأمنية والقانونية والسياسية والاقتصادية والخدمية والتنموية، كما أن على سلطات الدولة أن تحتكر القوة العسكرية والأمنية وسلطة الموارد وتحصيلها وإنفاقها وفق الأطر القانونية والدستورية.
كما أنه لا حل إلا بمغادرة النظام الشمولي الديني والسياسي إلى دولة اتحادية ذات نظام مدني ديمقراطي توافقي تشاركي تتعزز فيه قيم الشراكة في السلطة والثروة والمواطنة المتساوية.
كذلك لن تخرج البلاد من هذا الوضع سوى بحامل سياسي وطني عريض، يلتف الشعب حوله ويكون لديه القدرة على صياغة معادلة وطنية يفرضها على كل أطراف الحرب والصراع مع مراعاة المتغيرات الإقليمية والدولية في هكذا توجه ومآل ومصير.