آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:16ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: لماذا تستمر حرب الخدمات بعدن.. وما مصير التحقيقات في فساد وقود محطات الكهرباء؟

الثلاثاء - 11 يوليو 2023 - 08:23 ص بتوقيت عدن
تحليل: لماذا تستمر حرب الخدمات بعدن.. وما مصير التحقيقات في فساد وقود محطات الكهرباء؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل يخوض في تسريبات "فساد الكهرباء" بعد تموين محطات التوليد بعدن بوقود غير مطابق للمواصفات..

الحرب وظروف البلاد.. هل هي مبرر منطقي لانعدام وتردي الخدمات في عدن؟

ملف وقود الكهرباء يكبد الدولة مليارات وخسائر باهظة.. أين تذهب؟

ما نتائج التحقيق في الوقود الفاسد.. وهل ستظهر النتائج حقًا؟

(بدخانها الأسود.. محطات الكهرباء ترفض الفساد)

(عدن الغد) القسم السياسي:

تقاس قيمة الدول بما تقدمه من خدمات عامة لمواطنيها، وتسعى حثيثة لتوفير احتياجاتهم، ومحاولة تحقيق مستوى معين من الرفاهية، حتى إن كان متدنيًا، وهذا هو الأمر الطبيعي والواجب العادي لأي حكومة في العالم، تمتلك استقرارها ومواردها وتوجهها التوجيه الأمثل.

غير أن هذه الحقيقة البديهية تنتفي مقومات وجودها في بلد كاليمن، مطحون برحى الحرب التي قاربت على دخول عامها التاسع، والتي ألقت بظلالها على كافة المجالات الخدمية والتنموية، وانعكست على الاقتصاد الوطني والوضع المعيشي لعامة الناس والسواد الأعظم منهم.

قد تكون الحرب هي السبب في الحالة اليمنية فيما يتعلق بسوء وتردي بل وانعدام الخدمات العامة، غير أن بعض المراقبين لا يرى في هذا المبرر أي واقعية أو منطقية، ويشير إلى أن الحرب لا يمكن أن تكون بمثابة "شماعة" لبعض ممارسات "المستفيدين" من استمرار هذه الحرب، خاصة إذا عُرف أن في اليمن مناطق بعيدة تمامًا عن لظى الحرب وتداعياتها، وهي المناطق التي يطلق عليها بأنها "محافظات محررة".

ولعل في موضوع وقضية الكهرباء التي تعاني منها العاصمة المؤقتة لليمن، عدن، أكبر دليل على التلاعب الذي يقصده هؤلاء عند حديثهم عن ممارسات المستفيدين من الحرب، فالمدينة العاصمة آمنةً مستقرة بحسب من يحكمها، وتمتلك هي ونظيراتها من المدن والمحافظات المحررة الكثير من العوامل والمقومات التي يمكن لها أن توفر خدمة الكهرباء وغيرها من الخدمات بمستوى مُرضي ومقبول لدى الكثير من الناس.

وهذا ما يدعو إلى انتفاء أي مبرر لتفسير التدهور الخدمي الذي تغرق فيه عدن وبقية المحافظات الأخرى، أو إيجاد مخرج غير شرعي المتسببين بكل هذا التردي والمأساة الخدمية، خاصةً أن الموارد والإيرادات المحلية يمكن لها أن تقوم بمهمة تغطية التكاليف اللازمة لكافة الخدمات، إذا تم تجاوز سوء الإدارة، وتحسين قنوات التحصيل، وإجبار المتنفذين على الترشيد في الإنفاق، وإشعارهم بأنهم محل رقابة ومحاسبة.

قد يبدو حديثًا كهذا مثاليًا، لكن القيام به وتنفيذه يبدو بالفعل ممكنًا إذا وجدت النوايا الحسنة من المسئولين المترفين داخل وخارج البلاد، الغارقون في الترف والبذخ وفي نفس الوقت غير مدركين لحجم معاناة البسطاء المحرومين من أبسط حقوقهم في الحياة.

هذه التراجيديا المأساوية التي تعيشها اليمن عمومًا وليس فقط عدن أو المدن المحررة، تتورط فيها الحرب بكل وضوح، لكن ما يجعل الأمر غير مناط بالحرب فقط هو وجود متورطين من القيادات والمسئولين الذين لم يقومون بمسئولياتهم كما يجب، ولم يجنِ الشعب منهم سوى الويلات والمآسي، ومشكلات الكهرباء والخدمات العامة بجميعها تؤكد ذلك.

> واقع الكهرباء

ثمة حقيقة لا تخفى على أحد، وهو أن قطاع الخدمات العامة، وعلى رأسها الكهرباء، غارقة في بحر من التجاوزات والاختلالات الإدارية والمالية بشكل كبير، وهي تجاوزات قد يصنفها البعض تحت قائمة "الفساد"، لكن اتهامًا كهذا يحتاج إلى إثباتات وبراهين تؤكده، حتى فيما يتعلق بالتجاوزات أو الاختلالات المالية، لكن تقارير صادرة عن مؤسسات رسمية تؤكد أن المشكلة في قطاع الكهرباء كبيرة.

تلك التقارير تجنبت الخوض في غمار الاختلالات المالية، لكنها في نفس الوقت تحدثت عن الإنفاق المالي على الوقود وقطاع الكهرباء والذي بلغ مستويات مرعبة وغير مسبوقة خلال السنوات الثمان الماضية، لدرجة الإشارة إلى أن تكلفة الوقود اليومية في محطات الدولة الخاصة بتوليد الطاقة الكهربائية تصل إلى مليوني دولار.

هذا المبلغ المهول قد لا يعني شيئًا إذا قورن بتكاليف تشغيل المحطات الخاصة المعروفة بمحطات "الطاقة المشتراة"، والتي تكلف خزينة الدولة ما يتجاوز 50 مليون دولار شهريًا، وفق بيانات مؤسسة الكهرباء، ورغم هذا المبلغ الخيالي الذي يمكن أن يبني -في حالة توفيره لمدة عام واحد- أكثر من محطة كهربائية تكفي حاجة أهالي مدينة عدن من الطاقة، بحسب مختصين وخبراء.

غير أن "لوبي المستفيدين" من هذا الوضع، لن يسمح على ما يبدو لإيجاد بدائل مستقبلية واستراتيجية كهذه، بهدف الحفاظ على "العمولات" و "الامتيازات" التي يحصل عليها متنفذون من تجار وملاك شركات الطاقة المشتراة، كما أن مصلحتهم إبقاء واقع الكهرباء في عدن متدهورًا، بما يساعد على انتعاش تجارة محطات الطاقة المشتراة التي تكلف ميزانية الدولة فوق طاقتها.

زيادة على كل ذلك، ثمة معضلة أخرى، تتمثل في وجود "لوبي آخر" يركز عمله على سوق الطاقة البديلة، التي ازدهرت نشاطاتها خلال سني الحرب، وباتت اليمن في مصاف الدول التي تستخدم الطاقة المتجددة ليس رغبة في التوجه نحوها، باعتبارها طاقة نظيفة ونقية للبيئة، ولكن بشكل إجباري وعلى قاعدة "مكره أخاك لا بطل"، والتي أرغمت الناس على اللجوء لألواح الطاقة الشمسية والبطاريات وأجهزة الشحن بعد أن توقفت وانعدمت الخدمات العامة من الدولة والحكومة.

وقطاع متغول ومتوحش كقطاع للطاقة البديلة المنتشي في الأسواق اليمنية اليوم، مستفيد أول ورئيسي من تدهور وواقع الكهرباء الحالي، ولا يمكن إخفاء أن وراء هذا القطاع متنفذين ومسئولين لا يهمهم معاناة الناس بقدر ما تهمهم رغبات الإثراء السريع التي أدمنوها عبر مص دماء البسطاء من اليمنيين في كل مكان، وخاصة في عدن.

> الوقود الفاسد

كل تلك المآسي التي يرزح تحتها قطاع الطاقة والكهرباء في اليمن، لم يكن كافيًا حتى يحيل أيام وليالي المواطنين في عدن إلى جحيم، عدن هذه المدينة الساحلية الحارة حد الالتهاب صيفًا، وزاد عليه مؤخرًا قضية الساعة وحديث الناس والمدينة، والمتمثل في وقود فاسد، به تم تموين محطات توليد الطاقة بعدن.

وكأن المدينة لم يكن ينقصها سوى الوقود الفاسد هذا، الذي فاحت روائحه وتصاعدت ألسنة دخانه لتفضح عبث العابثين، وتكشف الصفقات المشبوهة التي تتم هناك وهناك تحت جنح الظلام؛ لمضاعفة تعذيب الشعب في عدن ومحاولة إذلاله وحرمانه من أساسيات الحياة التي تجاوزها العالم وما زال اليمنيون والعدنيون متعثرون فيها حتى اليوم.

محطات التوليد في عدن لم تصمت على تلك الصفقات المشبوهة التي تم تمريرها دون علم أحد، وتحركت بدخانها الأسود الكثيف لتقول للناس أن هذا الوقود الذي تم به تموين محطات عدن هو "وقود فاسد" ولا يصلح لتشغيل المحطات والتخفيف من وطأة الحر على أبناء المدينة، وهذا ما دفع وزير الدولة ومحافظ عدن لتشكيل لجنة مختصة للتحقيق في عملية وصول هذا الوقود المخالف للمواصفات والمعايير إلى محطات التوليد والإضرار بها.

الوقود غير المطابق للمواصفات والمعايير لم يتسبب فقط بإيقاف محطة المنصورة عن العمل، وبالتالي تخفيض عدد ساعات تشغيل الكهرباء في المنظومة المحلية للكهرباء، وزيادة عدد ساعات الانطفاء، بل إنه يهدد الأطفال والنساء والشيوخ ومرضى الربو والصدر بمشكلات صحية قد لا يبرأون منها وتبقى مزمنة ومتلازمة لهم طيبة حياتهم.

هذه الحقائق تؤكد أن الكهرباء وبقية الخدمات العامة ليست مقتصرة بمدى توفرها على ما توفره من خدمات مرتبطة بنوعيتها، ولكنها تتعداها لتشمل كل مناحي الحياة، الاقتصادية والعلمية والإنشائية والصحية وغيرها، فتوفر الكهرباء ليس مجرد خدمة رفاهية أو ترف زائد، ولكنها خدمة مرتبطة بكيان الدولة.

فالتقدم الحضاري والتقني والعلمي متصل اتصالًا وثيقًا بالكهرباء، وبناء اقتصاد قوي ووجود استثمارات ضخمة وكبيرة مناط بمدى توفر خدمة كهرباء مستقرة، تمد المصانع والمدارس والورش والمخابرات والموانئ والمطارات، والأسواق العامة والمولات بحاجتها من الطاقة حتى تنتعش وتصنع وتنتج وتزرع.

رؤية كهذه تحتاج إلى فكر يتجاوز العمل من أجل مصالحه الخاصة والشخصية، والحصول على قوت أو "قات" يومه من عمولات الصفقات المشبوهة التي تدار خلف الكواليس، بل يجب أن يكون لدينا فكر ينظر ويخطط للبعيد وللمستقبل، من خلال النظر إلى خدمة الكهرباء بأنها "أساس التطور والتقدم والحضارة".

> نتائج التحقيق

لم يكن لمحافظ عدن أن يتحرك ويشكل لجنة تحقيق في ملابسات قضية وقود الكهرباء، وخروج بعض المحطات نتيجة الوقود الفاسد أو المخالف للمواصفات، دون أن يكون هناك تأكيدات على أن هذا الوقود هو بالفعل وقود غير مطابق.

ورغم الفترة الوجيزة التي كلف بها المحافظ اللجنة، إلا أن ثمة توجس وترقب من مثل هذه النتائج، التي يتمنى الجميع أن تكشف أسباب وعوامل وصول هذا القدر من الوقود الفاسد إلى محطات التوليد الكهربائي، ومحاسبة الفاسدين والعابثين بخدمات المواطنين، فمن أمن العقاب أساء الأدب، والكثير من مسئولينا ومتنفذين في مواقع كبيرة أمنوا الأمن فكانت هذه هي النتيجة.

وهو ما يأمله المواطنون في عدن، أن يتم الإعلان عن المتورطين وملابسات الوقود غير المطابق للمواصفات حتى يكونوا عبرة لمن خلفهم، وألا يتم إخفاء الحقائق كما هي عادة ويدين لجان التحقيق المختلفة، وأن يتم معالجة القضية في القريب العاجل والتفكير ببدائل حقيقية وعصرية تخفف عن الدولة التكاليف الباهظة.

وبعيدا عن مصلحات أو مزاعم كـ "حرب الخدمات" أو أيًا كانت المسميات، إلا أن عدن تستحق أن تنتصر لواقعها، هذا الواقع الذي بات كارثيًا، بعد أن مثلت هذه المدينة نبراسًا للحضارة والتمدن والتقدم في بدايات القرن العشرين يتمنى الجميع أن يعود مضيئًا كما كان من قبل.