تقرير يسلط الضوء على مآلات الصراع والفساد بين المتصارعين السياسيين..
كيف أسهم انشغال الحكومة والمجلس الرئاسي بالصراع السياسي البيني في إخفاقهما بإدارة الأزمة الاقتصادية؟
متى ستستأنف الحكومة صادرات النفط لرفد خزانة الدولة بالعملة الصعبة وللحد من التدهور الاقتصادي؟
كيف سيكون مستقبل إنتاج النفط والغاز مع محادثات السلام اليمني الأخيرة؟
كيف أسهم صرف مليارات الدولارات على البعثات الدبلوماسية الكبيرة غير النفعية في زيادة حجم الفساد الاقتصادي؟
لماذا تلجأ الحكومة إلى الحلول الترقيعية وتبتعد عن الحلول الجذرية لملفات الفساد؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
تواصل العملة اليمنية انهيارها التاريخي مع عجز حكومي عن السيطرة على القطاع المصرفي في البلاد، بعد أن تخطى سعر الدولار حاجز 1400 ريال للمرة الأولى، الأمر الذي يفاقم الظروف المعيشية الصعبة للملايين الذين أنهكتهم الحرب الدائرة منذ نحو سبعة أعوام.
وصلت قيمة الريال اليمني إلى مستويات انهيار قياسية خلال تعاملات أمس الإثنين، إذ وصل سعر صرف الدولار الأميركي الواحد إلى أكثر من 1400 ريال، بحسب مصادر مصرفية في العاصمة المؤقتة عدن.
وقال اقتصاديون إن الريال مرشح لفقدان مزيد من قدرته الشرائية أمام سلة العملات الأجنبية، مما ينذر بموجة ارتفاع جديدة لأسعار المواد الغذائية والضرورية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
مع ما يسجله هذا الانخفاض المتتابع تتزايد التحذيرات المحلية والدولية من تفاقم الأزمة الاقتصادية في ظل أزمة إنسانية هي الأسوأ عالمياً، ووسط توقعات بمزيد من التدهور خلال الأيام المقبلة جراء غياب المعالجات الحكومية الفاعلة.
> عجز وإخفاق
وتسعى حكومة معين عبدالملك إلى استئناف صادرات النفط أملاً في رفد خزانة الدولة بالعملة الصعبة للحد من التدهور الاقتصادي، إلا أن خبراء شككوا في مدى نجاحها على إحداث تعاف ملموس مع توقف التصدير وعوامل أخرى.
وتباطأ إنتاج النفط والغاز اليمني إلى حد كبير في الأشهر الأخيرة بعد أن هاجم الحوثيون المدعومون من إيران محطات تصدير النفط لقطع مصدر الإيرادات الحيوي للحكومة المعترف بها دولياً. يأتي ذلك على الرغم من تجدد الآمال في التوصل إلى حل سلمي للحرب المستمرة منذ ثماني سنوات في البلاد.
وعلى الرغم من أن العنف قد هدأ منذ بدء المفاوضات التاريخية في أبريل بين الرياض والحوثيين– الذين يسيطرون على مساحة كبيرة من شمال اليمن– قال محللون ل شركة "إس أند بي جلوبال" (S&P Global Commodity Insights ) إن إنتاج النفط والاستثمار فيه لن يزدادا حتى يتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل.
وقالت شركة تحليل المخاطر، إنه مع ابتلاء الحكومة بالاقتتال الداخلي يقول الخبراء إن تحقيق السلام لا يزال بعيد المنال.
قالت كارول نخلة، الرئيس التنفيذي لشركة "كرستول انريجي" (Crystol Energy): "ما زلت متشككا حتى يتم إرساء السلام حقا"؛ مضيفة "الثقة في السياسات الحكومية والاستقرار السياسي وتوافر وسلامة وأمن البنية التحتية ليست سوى بعض العوامل التي ستشكل توقعات الاستثمار في القطاع."
لم يكن اليمن أبدا منتجا رئيسيا، لكن الدولة الشرق أوسطية، التي تقع على ممرات الشحن الدولية الرئيسية، لديها 3 مليارات برميل من النفط الخام و17 تريليون قدم مكعب من الغاز، وفقا لوكالة معلومات الطاقة الأمريكية. وبلغ إنتاج النفط ذروته عند 450 ألف برميل يوميا في عام 2001 لكنه انهار منذ ذلك الحين نتيجة لنضوج الحقول ونقص الاستثمار والحرب المستمرة منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014م.
قال المحللون إن البلاد تنتج اليوم ما بين 7000 برميل و10 آلاف برميل يومياً من النفط، وكلها مكررة محليًا. أثر انخفاض الإنتاج ونقص الصادرات على المالية العامة لليمن منذ أن ساهم النفط بنسبة 63 ٪ من عائدات الحكومة قبل الحرب، وفقًا لصندوق النقد الدولي.
وتنتج معظم الخام اليمني شركتان مملوكتان للدولة، هما المؤسسة العامة للنفط والغاز والثروة المعدنية وبترومسيلة، في حين أن مجموعة من الشركات الأجنبية، بما في ذلك أو.إم.في النمساوية، وكالفالي الكندية، وميدكو إنرجي الإندونيسية، عالقة. وقالت OMV، التي وافقت في يناير على بيع كتلها النفطية اليمنية الثلاث إلى شركة Zenith Energy الكندية، ل S&P Global في بيان إنها أنتجت 600,000 برميل في عام 2022، أو ما يقرب من 1,644 برميل في اليوم.
> صادرات غير مكتملة
في عام 2014، كان اليمن ينتج 125 ألف برميل في اليوم من النفط الخام من أحواض المسيلة ومأرب وشبوة، لكن الصادرات توقفت مع 2015م، كما فعل مشروع الغاز الطبيعي المسال اليمني، وهو تغيير اقتصادي حيث تعد توتال للطاقة صاحبة المصلحة الرئيسية بنسبة 39.6 % تشمل درجات التصدير المسيلة الخفيف والحلو ومأرب لايت الخفيف جدا.
في عام 2017، استأنفت الحكومة إنتاج النفط، لكن الصادرات كانت متقطعة، وتتأرجح بشكل كبير من شهر لآخر من 18000 برميل في اليوم إلى 81000 برميل في اليوم، وفقًا لشركة "إس أند بي جلوبال". ومع ذلك حاولوا مرارًا وتكرارًا الاستيلاء على حقول نفط مأرب– محطتي التحميل في بير علي والشحر على خليج عدن، مما قلل الصادرات إلى الصفر.
ووصلت الأطراف المتحاربة إلى طريق مسدود منذ ذلك الحين، حيث يطالب الحوثيون بحصة الأسد من عائدات النفط المستقبلية لدفع رواتب القطاع العام والعسكريين، حسبما قال رأفت الأكحلي، وهو زميل في كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية في جامعة أكسفورد ووزير يمني سابق للشباب والرياضة، لـ "إس أند بي جلوبال".
كما حذر الحوثيون شركات النفط الأجنبية من توقيع صفقات مع الحكومة المعترف بها دوليا وتبيع المنتجات المكررة المستوردة لزيادة الضغط على إيرادات الحكومة.
وقالت أو ام في "نحن لا نعلق على الأوضاع السياسية". ولم ترد توتال إنرجيز على طلب للتعليق لكنها قالت في وقت سابق إنها "تأمل بوضوح أن يكون من الممكن في المستقبل استئناف إنتاج الغاز الطبيعي المسال".
ويقول الخبراء إن القيام بذلك سيتطلب اتفاقا أمنيا مع كيان حاكم واحد.
وقالت نخلة: "قد تكون توتال من بين أول من يعود إلى اليمن لأنها استثمرت رأس المال والوقت والجهد في البلاد، لذلك ستكون حريصة على استرداد بعض استثماراتها الأولية على الأقل".
وأضافت: "قد يكون الاستثمار الجديد حذرا، لكن إذا نجحت شركة كبرى مثل توتال في العودة إلى البلاد، فستشجع الشركات الأخرى على أن تحذو حذوها".
يقول الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي إن وقف تصدير النفط تسبب في خسارة البلد نحو مليار ونصف المليار دولار، في حين يتحمل البلد أعباء تسرب العملة الصعبة بسبب شراء المشتقات النفطية لتغطية النقص المحلي التي تبلغ نحو 3.4 مليار دولار، بحسب تقرير البنك المركزي الأخير، بالتالي يحصل انهيار متتابع في العملة المحلية.
وتوقف تصدير النفط اليمني منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بسبب هجمات شنتها ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران بطائرات مسيرة مفخخة استهدفت موانئ التصدير في محافظتي شبوة وحضرموت (شرق).
> الصراع السياسي والفساد
وهناك عامل آخر يضيفه العوبلي يتمثل في تقصير الحكومة والمجلس الرئاسي في مهامهما وإخفاقهما في إدارة الأزمة الاقتصادية جراء انشغالهما بالصراع السياسي البيني، إضافة إلى الفساد الدائر ومن ضمنه صرف مليارات الدولارات على البعثات الدبلوماسية الكبيرة التي تتشكل بحسب محسوبيات الفساد على غير الاحتياج المنتشرة في أنحاء العالم.
ووفقاً لذلك فكل ما يحدث من زيادة في قيمة الدولار نتيجة طبيعية ومتوقع حدوث مزيد من الانهيار مستقبلاً.
> معالجات منقوصة
وفي إطار معالجاتها لوقف هذا التدهور كانت الحكومة اليمنية قالت مطلع العام الحالي إنها اتخذت قرارات تقضي بإيقاف تراخيص مزاولة أعمال الصرافة لعدد من الشركات "غير ملتزمة قانون تنظيم القطاع".
وشددت على "أهمية اتخاذ كل الإجراءات الهادفة إلى منع الاختلالات والمضاربة في سعر الصرف والإضرار بحالة الاستقرار في السوق، وضرورة المتابعة الميدانية من البنك المركزي للتنفيذ وتقييم الوضع بشكل مستمر، والعمل على التطبيق الصارم لقانون شركات الصرافة، وما يتضمنه من إجراءات الفحص والتدقيق في العمليات المالية أولاً بأول".
غير أن الإجراءات الحكومية لم تثمر عن نتائج ملموسة توقف حالة الانهيار الاقتصادي المتلاحق في البلد المعذب بالحرب والصراعات في حين وصلت القيمة الشرائية للعملة اليمنية أدنى مستوياتها، نتيجة اعتماد البلاد على استيراد السلع الأساسية والكمالية بالعملة الصعبة التي تتم تغطية فارق قيمتها مع العملة المحلية برفع الأسعار، وهو ما يتسبب طردياً في موجات غلاء فاحشة في السلع الأساسية بالعاصمة الموقتة عدن، والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، الأمر الذي يزيد المخاوف من شبح مجاعة تلوح في الأفق المعتم أكثر من أي وقت مضى.
> ضغط متزايد
وتزامناً مع حملات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي عكست في مجملها الحالة الإنسانية المتفاقمة جراء الوضع المالي الصعب، تقف الحكومة الشرعية عاجزة عن اتخاذ معالجات تلامس المشكلة بعد أن فشلت في استئناف تصدير النفط وردع الضربات الحوثية التي تستهدف موانئ التصدير، وهو ما يشكل لها عامل ضغط إضافياً يضاف إلى انهيار الخدمات من جهة ويفاقم تباينها القائم مع "الانتقالي الجنوبي" يعززه عجزها عن السيطرة على القطاع المصرفي في البلاد، الأمر الذي يدفع إلى دخول الملايين موجة مجاعة جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مستوى لا يمكن لغالبية اليمنيين تحمله كون الأسواق اليمنية تعتمد في معظم سلعها على المستوردات الخارجية التي يتم توريدها بالنقد الأجنبي خصوصاً المواد الغذائية، فمع كل انخفاض لقيمة الدولار يباشر التجار رفع الأسعار التي تباع بالعملة المحلية
لتعويض النقص في قيمة الريال أمام الدولار.
بحسب بيانات اقتصادية صادرة عن وزارة التجارة اليمنية تستورد السوق نحو 80 في المئة مما تستهلكه، وبحسب خبراء اقتصاديين أدت الحرب الدائرة في البلاد منذ ثماني سنوات إلى تقليص حجم الإنتاج المحلي، ليتضاعف حجم الطلب على الاستيراد الخارجي لتغطية متطلبات السوق اليمنية إلى نحو 90 في المئة كحد أدنى.
> سيطرة قمعية
وعلى خلاف الأمر من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، تستقر العملة المحلية في مناطق سيطرة الحوثيين سواء في قيمة الصرف ولكن هذا الاستقرار لا يلامس أسعار السلع، بعد أن حافظ سعر الدولار الواحد على سعره عند حدود 600 ريال.
يرجع العوبلي ذلك إلى السيطرة الحوثية القمعية على السوق المصرفية التي هي في الأساس تابعة لهم، إضافة إلى ضعف الطلب على الدولار، وهو ما أسهم في بقاء قيمة العملة مستقراً وإن بشكل مؤقت.
وقال إن الحوثيين حافظوا على سعر الـ600 للدولار ليتسنى لهم الاستئثار بالفارق إلى حساباتهم الخاصة، وخلص إلى أن "هذا الاستقرار وهمي وغير حقيقي، لأنه لا ينعكس على أسعار المواد والبضائع التي يستهلكها المواطن".