آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:16ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: من المسئول الحقيقي عن التدهور الحاصل في الأوضاع المعيشية.. أم أنها مسئولية مشتركة؟

السبت - 15 يوليو 2023 - 08:46 ص بتوقيت عدن
تحليل: من المسئول الحقيقي عن التدهور الحاصل في الأوضاع المعيشية.. أم أنها مسئولية مشتركة؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل يتناول الوضع الاقتصادي والمعيشي في المناطق المحررة وسط تدهور قياسي للعملة المحلية وصمت الجهات المسئولة..

لماذا تعجز الدولة والحكومة عن معالجة وضع تدهور العملة المحلية؟

إلى متى سيستمر صمت المسئولين عن تحقيق إصلاحات اقتصادية حقيقية؟

ما دور المناكفات السياسية الداخلية في تأجيج الحرب الاقتصادية على المواطنين؟

الاقتصاد.. الوجه الأكثر قبحًا للحرب

(عدن الغد) القسم السياسي:

للحرب أوجه قبيحة متعددة، قد يكون الوجه الدموي أسوأها وأكثرها قبحًا، غير أن الواقع يثبت أن هناك أوجهًا تتجاوز في قبحها الوجه العسكري القتالي، وجميعها يسفر عن سقوط ضحايا نتيجة ممارستها من قبل أطراف الصراع، ولعل في قائمة تلك الوجوه القبيحة للحرب، يأتي الوجه الاقتصادي والمعيشي المرتبط بشكل مباشر بحياة الناس وأقواتهم.

فالاقتصاد ومعيشة الناس أولويات استغلها المتاجرون بالحرب، ووظفوها بطريقة إجرامية لصالح غاياتهم الدنيئة، وهي غايات لا يوجد بين ثناياها أي اهتمام بالمواطنين البسطاء المكتوين أكثر من غيرهم بنيران هذه الحرب ووجوهها القبيحة، حتى إن العالم وضع اليمنيين نتيجة لذلك في أعلى تصنيف دولي معاصر، بالنسبة البؤس والعوز والفقر، كأسوأ أزمة إنسانية تشهدها الدنيا بحسب تقارير المنظمات الدولية والأممية.

كل هذا الوضع، طال القضايا الاقتصادية والمعيشية، وما تعلق بها من الجوانب الإنسانية المترتبة على الشأن الاقتصادي، وكلها جاءت في سياقات الحرب ومبرراتها التي لا يمكن لأحد أن يتقبلها أو يوافق عليها، رغم الحديث الإعلامي المستهلك للأطراف الدولية والأممية، وحتى تلك الجهات المتورطة بالحرب في اليمن عن ضرورة تحييد العامل الاقتصادي في الأزمة اليمنية.

لكن دعوات التحييد هذه لا تجد لها آذانًا مصغية في الداخل ولا حتى لدى المؤثرين بالشأن اليمني خارجيًا، وكيف لهم أن يستجيبوا لتلك الدعوات وهم يروون في هذا الوجه القبيح وفي تعذيب الناس معيشيًا وخدميًا سلاحًا فاعلًا لمحاولة تركيع الخصوم وأطراف الصراع الآخرين، غير آبيهم بمن يموت ويسقط ضحية هذا السلاح الفتاك أكثر من أسلحة الدمار الشامل.

فبعد أن اندلعت الحرب قبل ما يزيد على ثماني سنوات، لم تكن سعر صرف الدولار الأمريكي يتجاوز 220 ريال يمني، حتى إن تداعياتها الأولى رفعت هذا الرقم إلى ما يزيد قليلًا عن 300 ريال يمني أمام الدولار، غير أن الأمور أخذت تتجه نحو منعطفات خطيرة عقب ذلك، خاصةً بعد قرار الحكومة الشرعية نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، وذلك في سبتمبر/ أيلول 2016.

هذا القرار- بحسب مراقبين- هو ما أشعل فتيل الحرب الاقتصادية بين مليشيات الحوثي والحكومة الشرعية، وبدأت المضاربة بالعملات في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، ليرتفع سعر الصرف إلى حدود 800 ريال يمني للدولار الأمريكي الواحد، لكن التدارك كان سريعًا عبر إجراءات اتخذتها اللجنة الاقتصادية المشكلة حينها، خلال عامي 2017 و2018، ليستقر الصرف عند مستوى 600 ريال.

لكن قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن لم يمر مرور الكرام، وبات سببًا في إحداث انقسام نقدي بين صنعاء وعدن، ذاق ويلاته المواطن البسيط الذي لم يعد يستطيع تحويل الأموال إلا من خلال دفع ما يزيد على 140 % من قيمة الحوالة المراد إيصالها من مناطق الشرعية إلى مناطق الحوثيين، والعكس.

ووفق خبراء ومختصين في الاقتصاد، فإن هذا الإجراء هو تكتيك مليشياوي حوثي، نقلت من خلاله تجربة قامت بها حكومة "كردستان العراق"، لتفصل بين العملة المحلية في الإقليم وعملة الدولة والحكومة العراقية الرسمية، ليكون الأمر أشبه بالتعامل بين عملتي دولتين مستقلتين، لهما قيم نقدية مختلفة، وهو ما تعمدت مليشيات الحوثي القيام به فعلا، باعتباره وجهًا قبيحًا آخر للحرب على المواطنين.

> إصلاحات لم تتحقق

حدة التردي الحقيقي معيشيًا واقتصاديًا، لم تقف أبدًا، واستمرت بفعل المضاربات التي تقوم بها "دكاكين الصرافة" في المحافظات المحررة، وأدت لوصول سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني إلى مستويات مبالغ فيها وقياسية وغير مسبوقة، حتى تجاوزت أواخر العام 2021 حاجز الـ1700 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي الواحد.

الأمر الذي فرض على الحكومة القيام بتحرك، ظهر شكليًا في بداية أمره، وتأكد أنه قرار سطحي مؤخرًا لم ينفع في كبح جماح تدهور العملة المحلية، وتمثل هذا التحرك في تغيير قيادة البنك المركزي اليمني في عدن، والتي رغم أنها حافظت على سعر الصرف بحدود 1200 - 1300 ريال إلا أنها لم تحقق أكثر من ذلك، وهو أمر غير كافٍ بالنسبة للمواطنين البسطاء حتى بالنسبة لخبراء الاقتصاد.

وسبب أن هذا الإجراء غير كافٍ هو أن انعكاسات هذا الاستقرار النسبي لم يكن مؤخرًا على واقع السلع والخدمات المرتبطة بحياة الناس، الذين لم يروا أو يلمسوا أي تغيير حقيقي من بقاء سعر صرف عند هذه الحدود، التي وإن تم الحفاظ عليها إلا أنها تعتبر مرتفعة أيضا وقياسية، وتُعبّر عن اقتصاد هش، كما يفضح القائمين على البنك المركزي بعدن والحكومة من خلال عجزهم عن تقديم أي معالجات أو حلول أخرى.

والحفاظ على استقرار الصرف في مستويات لا تبدو آمنة، لا يمثل إنجازًا اقتصاديًا حقيقيًا، خاصة أن المجتمع الدولي والداعمين الخليجيين ما فتئوا يطالبون المركزي اليمني بعدن والحكومة اليمنية بـ "إصلاحات اقتصادية" ومطالب عاجلة لم تنفذ إطلاقًا ولم يتم الإفصاح عنها، واكتفت تلك المؤسسات السيادية بإلقاء التهم على شركات الصرافة المنشآت المالية التي منحتها تصريحات العمل بالتورط بالمضاربة والتسبب بتدهور سعر الصرف.

كما مضت قدمًا في مناكفات سياسية دون أن تقوم بأي عمل اقتصادي حقيقي على الأرض أو تمنع عمليات المضاربة أو تحمل المسئولية أيًا من تلك المكونات أو الكيانات التي تتهمها ليل نهار بعدم توريد الموارد والإيرادات أو مساندة الحكومة، رغم أنها حكومة رفعت شعار الاقتصاد، كأولوية بالنسبة لها ستعمل على تعافيه وتحسينه، غير أن شيئًا من ذلك لم يحدث.

حتى إن هذه الحكومة التي ادعت اهتمامها بالاقتصاد الذي لن تهتم به يومًا، لم تعرف ما الذي يجب عليها القيام به، عندما أحرجتها مليشيات الحوثي وأرغمتها وعلى إيقاف صادرات النفط والغاز من موانئ التصدير المحررة، ولم تواجه هذا الإجراء الحوثي إلا بإجراء لم تُوفق به، حين "مدت يدها إلى جيب المواطن الغلبان"، ورفعت الضرائب وسعر الدولار الجمركي وتعرفة الكهرباء والمياه، لتعويض توقف إيرادات النفط.

وهي إجراءات عجزت فيها الدولة والحكومة عن مواجهة تغول مليشيات الحوثي في حربها الاقتصادية، تمامًا كما عجزت عن تحقيق أية إجراءات أو إصلاحات زعمت أنها ستعمل على تنفيذها، لمواجهة تردي العملة والاقتصاد، بناءً على مطالب وضغوط المجتمعين الدولي والإقليمي الذَين لم يعودوا راضيين عن أداء هذه الحكومة.

> عوامل أخرى

لا يمكن لأحد أن يستبعد الحكومة اليمنية بمختلف مؤسساتها السيادية، بالإضافة إلى مؤسسة نقدية سيادية ذات استقلالية كالبنك المركزي اليمني من المسئولية تجاه ما حدث ويحدث من تردي كبير للعملة المحلية، تجسدت تداعياته خلال اليومين الماضيين بإغلاق عدد من المحال التجارية أبوابها في مدن عدة كعدن وتعز والمكلا، وخروج المواطنين للتظاهر والاحتجاج.

لكن من الأهمية بمكان أيضًا التطرق إلى عديد عوامل ساهمت كثيرًا في تردي الوضع المعيشي والاقتصادي في البلاد، فحين نذكر مليشيات الحوثي فإنها المسئول الرئيسي والأول عن كل ما يحدث في البلاد، لكن هذا لا يعفي الحكومة الشرعية التي تتحمل جزءًا كبيرًا نتيجة عدم تدخلاتها الناجمة، والغائبة تمامًا، بالإضافة إلى بقية الكيانات الأخرى المتورطة بشكل أو بآخر في هذه الأزمة المعضلة.

ويأتي على رأس هذه الكيانات أيضًا المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي ساهم في سيطرته العسكرية أواخر عام 2019 على مؤسسات الدولة في عدن على إحداث عجز حقيقي في تدخلات الحكومة فعليًا في الشأن الاقتصادي، بل والتسبب في غياب مسئولي الدولة عن مهامهم في المؤسسات التي باتت تحت سيطرة فصيل عسكري قبل أن يتم استيعابه سياسيًا ويصبح جزءًا من الحكومة.

حتى بعد أن صار الانتقالي جزءًا من الحكومة، بل وأحد أبرز رموزه محافظًا للعاصمة المؤقتة، لم ينجح الأمر في انتشال الوضع المعيشي والاقتصادي مما هو عليه، واستمر التدهور يضرب في كل الاتجاهات، حتى طال الخدمات العامة كالكهرباء والمياه وكل ما له علاقة بقوت الناس.

فالتوتر السياسي والمناكفات بين القوى السياسية والحزبية هي الأخرى ساهمت بشكل أو بآخر فيما وصلت إليه البلاد من تدهور اقتصادي، رزحت بسببه في حرب اقتصادية مجهولة النهاية.