كتب : فهد البرشاء
انتهيت للتو من قراءة رواية (ماجدولين) للروائي مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله تعالى
سبحت عميقاً بين أنهارها وبحورها، وحلقت عالياً في سمائها، واستروحت من أزهارها ومدائنها، وتجرعت مرارة بؤس أبطالها لاسيما البائس (أستيفن) المتشبع أخلاقاً وطُهراً ونقاء، الذي أزرى به الدهر وخانه الصديق وغدرت به الحبيبة..
كيف بات طاوياً لأيام، وهائماً لأسابيع، وموجوعاً لشهور، وكيف لم يشفع له الحب والإخلاص والصدق ونقاء القلب وطُهره، فاستحالت حياته إلى بؤس دائم وشقاء يلازمه رغم تبدل أحواله وبلوغه مرامه..
كيف لم يشفع له الحب العذري الذي استوطن خلجاته وسكن جوانحه، ولم يؤثر وجده فيمن قاسمها الحب والروح والنفس وأسكنها من الروح مسكنناً واتخذ لها من القلب موطناً..
كيف عبث الوجع بذلك الفقير البسيط القروي الذي نبذ رفاهية الإقطاعيين وحياتهم وتجرد من واقعهم الذي يخامره المجون وتحيط به المصالح والمنافع المادية من كل اتجاه..
فما كان منه إلا أن أولى شقيق روحه وونيس وحدته وشريك (ثدي) أمه جل اهتمامه وعنايته، فحرم نفسه من لذة الأكل والشرب واللباس في سبيل أن ينعم شقيقه (أوجن) الذي حُرم من حنان الأم في المهد ومن عطف (الأب) صبياً بعد أن استخوذت زوجة الأب على (لبه) وتملكت جوانحه فبات أبناءه ألد أعداءه، حتى غدا أخوه بطلاً قومياً شق (بسرج) حصانه صفوف المقاتلين ليذيقهم البأس والمرارة فيخونه سرجه ويسقط صريعاً ويطوي قصته بحوافر فرسه قتيلاً..
وتتابعت الطعنات وتوالت النكبات وتزاحمت الأوجاع على قلب (أستيفن) لترديه بعد أن اكتشف خيانة صديقه الصدوق ورفيق رحلة الشقاء والعناء بعد أن آواه وأسكنه من قلبه مسكن الأخ، وآثره على ذاته بل وانسكب لأجله دمه في مبارزة غير متكافئة، فلم يقبل أن يُصاب رفيق الشقاء بمصاب أو تنزل به نازلة..
فلم يقابل (أدورد) ذلك إلا بطعنة قاتلة وجُرح غائر، ظل ينزف في أعماق البائس أستيفن بعد أن اكتشف ميل (محبوبته) ماجدولين لصديقه أدورد الذي أصبح ثرياً بعد أن ظفر (بميراثه) من أبيه وبدأ الثراء يظهر جلياً على كل شيء فيه،فما كان منه إلا أن أستمال حبيبة صديقه البائس لتقع في (حبائله) وشراكه وتقع فريسة لأغراءات صديقتها (سوزان) ذات الثراء الفاحش والترف الباذخ فسلمت (قلبها) لأدوارد ليدفع البائس أستيفن ضريبة ذلك وجعاً دائما وألماً لايبارحه، ومعاناة أوصلته حافة (الجنون) وأغرقته في بحر الهذيان الانكسار والموت مرات ومرات حينما تخالجه الذكرى وتراوحه الأيام الخوالي..
أبين
16 يوليو 2023م
.