آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:16ص
ملفات وتحقيقات

تقرير: وسط كل هذا السخط الشعبي للشارع العدني.. هل نشهد تغييرات جذرية في رأس هرم السلطة؟

الإثنين - 17 يوليو 2023 - 07:39 ص بتوقيت عدن
تقرير: وسط كل هذا السخط الشعبي للشارع العدني.. هل نشهد تغييرات جذرية في رأس هرم السلطة؟
(عدن الغد)خاص:

تقرير يرصد حالة السخط الشعبي للشارع العدني منذ أيام في ظل ترد فاضح في الخدمات واتساع رقعة الفساد والدعوات لتشكيل مجلس عدن الوطني..

مدينة عدن الآن.. ما مدى دقة الوصف الذي يصفها بأنها "قرية"؟

من بمقدوره إيقاف العبث الذي يجري في أم الحواضر اليمنية؟

ما هي آخر نتائج التحقيق في قضية الوقود المغشوش؟

إلى أين وصلت الاتصالات المكثفة في الرياض من أجل إنقاذ المدينة؟

ما هي دواعي تشكيل مجلس عدن الوطني وما هو الدور المنوط به حالياً؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

لم تعد العاصمة المؤقتة عدن في نظر الكثيرين هذه الأيام عاصمة (الهوى الملون) بحسب أغنية شهيرة لفنان اليمن أيوب طارش غناها في مطلع السبعينات من القرن الفائت.

فعدن اليوم كما يراها سكانها لا تتلون بالحب والهوى بل تتلون سماؤها بالهواء الملوث بسبب أدخنة وقود الديزل "الرديء" وغير المطابق لمواصفات التشغيل الخاصة بمولدات محطات الكهرباء في المدينة.

ما إن تذكر عدن على لسانك في مقهى من مقاهي المدينة أو من على وسيلة نقل داخلي إلا وتسمع الآهات والحسرات على حال المدينة الأقدم في جزيرة العرب- يقول رجل طاعن في السن عايش الغيبوبة في يومه مرتين جراء ارتفاع درجة الحرارة في المدينة مع غياب متواصل للتيار الكهربائي لأكثر من ثمانية عشر ساعة يوميا.

فمن لا يعرف عدن؟ عدن التي ظلت تحمل اليمن (شماله وجنوبه)، وتعبر به الزمن بحلوه ومره، كما يصفها القيادي الاشتراكي وسفير اليمن الحالي لدى بريطانيا ياسين سعيد نعمان.

فعدن، بحسب حديث نعمان، هي المكان الذي لا يتأثر بما يفعله الزمن من تغيرات, فهو الثابت في معادلة الحياة بالنسبة لليمنيين قاطبة، وبذلك اكتسبت مكانتها في قلوب اليمنيين، حيث أمها المتعبون من نكد الحياة بحثاً عن ملاذ يعيدون فيه صياغة حياتهم بأمان، وجاء إليها التجار والعمال والبناؤون والسياسيون والشعراء والهاربون من الظلم، وبسطوا خيمهم في الفراغات التي رسمت البسمة كعنوان كبير لأحلام هؤلاء المتعبين، وكانوا أوفياء في الالتزام بقيمها: التسامح والتعايش والسلام، فمن عدن وعبر موانئها غادر المهاجرون إلى عوالم مجهولة وفي سفن بلا هويات.

تلك عدن في الماضي، أما عدن اليوم فهي المدينة التي تتلون بأدخنة محطات الوقود المغشوش, وأدخنة إطارات المحتجين في شوارع المدينة احتجاجا على سوء الخدمات وتدهور العملة المصاحب لارتفاع الأسعار, بالإضافة إلى الفساد المحلي والعابر عبر حدودها الجغرافية.

> عدن.. عبث يجري في أم المدائن!

وسط التجاذبات والتراشقات فيمن يتحمل المسؤولية لما آلت إليه مدينة عدن، تحسر رئيس تحرير صحيفة (عدن الغد) في حسابه بفيسبوك على وضع مدينة عدن حاليا بقوله: في عهد هذا الرجل (يشير إلى الراحل علي عبدالله صالح) كانت عدن دولة مدنية ودولة نظام وقانون وخدمات وفن ورواتب وحرية، وما قبلها وما بعدها لم تكن إلا مدينة بائسة يسكن الموت جنباتها وتنصبغ شوارعها بالشعارات الثورية الفارغة من أي معنى.

وفي نفس السياق تألم القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي عادل الشبحي على حال مدينة عدن التي كانت تمثل نموذجا فريدا في التعايش والمدنية والتطور.

ونشر الشبحي صورة قديمة لمدينة عدن وعلق عليها بالقول: حاتم بهائي عبدالحسين وعائلته (إنجليزية) وفوطة وبنطال وشيذر وشارع نظيف في عدن المدينة التي مثلت نموذجا فريدا في التعايش والمدنية وسبقت في تطورها دولا كانت حينها خياما متناثرة في الصحراء نهضت وتحولت إلى دول متقدمة.

وعبر القيادي في الانتقالي الجنوبي ووزير الخدمة المدنية الدكتور عبدالرحمن الوالي عن استيائه إثر الوضع الذي تعيشه عدن في المرحلة الحالية.

وأكد الوالي في تدوينه له أن العاصمة عدن حاليا أصبحت قرية مدمرة من كل النواحي.

وقال الوالي: لكي تبني جنوبا حرا مستقلا فيجب أن تبني (نموذجا) يشجع الناس ويحمسهم لجعل الجنوب مثله.

وأضاف الوالي بقوله: النموذج لا يمكن أن يكون إلا عدن عاصمة الجنوب، حاليا عدن (قرية) مدمرة من كل النواحي وبشكل مريع وهو أمر متعمد لإفشال الاستقلال, حد وصفه.

ويقول مستشار مجلس القيادة الرئاسي وعضو مؤتمر الحوار الوطني اليمني ياسين عمر مكاوي إن الرفض الشعبي للعبث الممنهج في أم المدائن عدن والمؤسسات الخدمية كالكهرباء والمياه، بالإضافة إلى تدهور العملة، يعتبر نتيجة طبيعية لتغول الفساد وبروز عصابات الاتجار بقوت الشعب وتبييض الأموال وأكشاك الصرافة الطارئة وغياب المؤسسة والحكومة والمجلس الرئاسي، إن كل ذلك التراكم ينتج المزيد من المعاناة التي يتعرض لها المواطن في عدن.

وناشد مكاوي الجميع، وعلى رأسهم الأشقاء والأصدقاء، وخاصة المملكة العربية السعودية التدخل لإنقاذ شعبنا من هول الكارثة وأن لا يتركوا عدن وابناءها يصارعون العوز والموت.

وفي نفس السياق قال نائب رئيس الجمعية الوطنية رئيس مركز البحوث ودعم القرار في المجلس الانتقالي الجنوبي لطفي شطارة، إن الفساد في عدن خرج عن السيطرة.

وأضاف شطارة في تغريدة على (تويتر): تلوث الهواء في محطات توليد الطاقة الكهربائية في عدن، يكشف حجم فساد مشترك بين ادارة مصافي عدن وبين تجار يستوردون وقود ديزل أقذر جودة.

وتابع: أقولها بحرقة إننا نواجه قوة تعبث بكل شيء من أجل المال وضد مشروعنا السياسي ولإثبات أن الجنوب بلا كوادر شريفة.

> لا نتائج في تحقيق الوقود المغشوش

قالت مصادر إعلامية الجمعة إن لجنة التحقيق في واقعة انبعاث الدخان من محطات توليد الكهرباء في العاصمة عدن، رفعت تقريرها للنائب العام، تمهيدا لإحالته إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.

ومع وصول ساعات إطفاء الكهرباء في عدن، العاصمة اليمنية المؤقتة، إلى نحو 18 ساعة في اليوم، سجلت العملة المحلية تراجعاً هو الأعلى منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وقفز سعر الدولار الأميركي الواحد إلى حاجز 1500 ريال يمني، مقارنة بـ1200 ريال خلال الشهر الماضي.

ووفق مصادر ذكرتها صحيفة الشرق الأوسط عن عاملين في مؤسسة الكهرباء، فإنه ومنذ صباح الأربعاء ارتفعت ساعات الإطفاء إلى 5 ساعات مقابل ساعتين إضاءة بسبب خروج محطة «بترومسيلة» عن الخدمة، والتي تنتج 90 ميغا من احتياجات المحافظة والمناطق المجاورة.

ويرجع العاملون بحسب الصحيفة، الأسباب إلى تأخر وصول ناقلات النفط الخام المقبلة من محافظة شبوة الذي يستخدم في تشغيل المحطة، وقالوا إن جنوداً غاضبين من تأخير رواتبهم في محافظة أبين قاموا بإيقاف الناقلات قبل السماح لها بالمرور مساء الثلاثاء.

فالمحطة وفق المؤسسة العامة للكهرباء لن تعود إلى العمل إلا بعد مرور 36 ساعة على إطفائها، وهو ما سيزيد من معاناة السكان مع ارتفاع درجة الحرارة واقترابها من الأربعين درجة مئوية، مع ارتفاع معدلات الرطوبة، كما أن هذا العجز يأتي بعد يوم واحد فقط على إعادة خفض ساعات الإطفاء إلى أربع ساعات مقابل ساعتين ونصف ساعة من التشغيل، بعد توقف عدد من محطات التوليد بسبب رداءة الوقود الذي تم شراؤه من أحد التجار وفق ما يتداوله العاملون، حيث شكلت لجنة فنية لإعادة فحص الشحنة، لكن المولدات عادت بعد ثلاثة أيام، ولم تعرف نتائج ذلك الفحص.

مصادر حكومية ذكرت للشرق الأوسط أن انتهاء مدة معونة الوقود التي كانت تقدم من السعودية ضاعف من الأعباء على الحكومة التي تنفق شهرياً نحو خمسين مليون دولار لتغطية تكاليف تشغيل محطات إنتاج الكهرباء في عدن، وشراء جزء من الطاقة من مولدات تتبع القطاع الخاص.

وكشفت الصحيفة عن اتصالات مكثفة تجري بين الحكومة الشرعية والبنك المركزي من جهة وبين  الحكومتين السعودية والإماراتية من جهة أخرى؛ للاتفاق على آلية لإطلاق دفعة من الوديعة التي وضعتها الدولتان في حسابات البنك؛ لأن ذلك سيمكنه من مواجهة الاحتياجات المتزايدة للمستوردين من كل مناطق اليمن، ويخفف من الإقبال المتزايد على شراء الدولار.

مصادر متطابقة كشفت عن استدعاء رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي لمحافظ البنك المركزي ووزير المالية إلى الرياض للتوقيع على اتفاقية الدعم السعودي للمالية العامة للدولة.

> مجلس عدن الوطني.. هل يعيد المدينة؟

تأتي التداعيات العديدة لتشكيل مكون سياسي عدني يخدم أبناء عدن، مع توسع رقعة الاحتجاجات منذ أمس الأول لتصل إلى معظم مديريات عدن، حيث أضرم المحتجون النار في  إطارات السيارات احتجاجا على تدهور الكهرباء وارتفاع الأسعار وتدهور الحياة المعيشية.

وفي أول رد فعل لمجلس عدن الوطني على الوقود المغشوش في محطات عدن دعا المجلس النائب العام والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلى سرعة التحقيق في فساد كهرباء عدن، وأكدت رئاسة المجلس أنها أقرت رفع دعوى قضائية ضد اللجنة المسؤولة عن استيراد الوقود والفنيين الذين أجازوا استخدامه، ودعت المحامين الراغبين بالترافع القضائي للتواصل مع رئاسة المجلس، شاكرة الصحافيين الذين رفعوا أصواتهم لكشف حجم الفساد في كهرباء عدن وقضايا فساد أخرى.

وعلى نفس الصعيد أصدر ائتلاف أبناء عدن بيانا حول الأوضاع المتردية التي تعيشها عدن عقب الفشل والفساد اللذين سادا مؤسسات الدولة وأوصلا المدينة إلى التجرد من الخدمات الأساسية.

وقال البيان: نتابع بقلق نحن أعضاء ائتلاف أبناء عدن بكل المكونات والشخصيات المنضوية فيه الحال المتردي لمدينتنا عدن التي تحولت إلى مدينة غير صالحة للسكن، بفعل غياب واضح لفكرة الدولة وفشل أكثر وضوحا لمؤسسات الدولة وفساد يعبث بإيراداتها وأشخاص يجلسون على كراسي المسؤولية ويفتقدون روحها حتى صارت عدن بلا كهرباء ولا ماء ولا اتصالات ولا إنترنت، وغلاء أسعار وانهيار للعملة وتدني الرواتب والأجور أوصل حال الناس إلى تحت مستوى الفقر والجوع والمجاعة. حد وصف البيان.

وطالب ائتلاف عدن مجلس القيادة الرئاسي والتحالف العربي بأربع نقاط هامة، تمثلت في هيكلة جديدة للسلطة المحلية في عدن تمنح أبناءها السيادة على الأرض والثروة، وإعادة هيكلة أجهزة الأمن العام ليكونوا من إبناء عدن المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة، مع اعتماد ائتلاف عدن ضمن مجلس عدن الوطني المقترح، بالإضافة إلى اعتبار عدن مدينة ذات خصوصية مختلفة عن من حولها، مدينة لا تقبل العصبيات يحكمها النظام والقانون، ومركز اقتصادي وتجاري هام، ومنطقة حرة لها كيانها الخاص الأمني والسياسي والثقافي لا تحكمها عقليات خارج تلك الخصوصية.

> تغييرات محتملة في قيادة الشرعية

وتحت وقع هذه الأوضاع في العاصمة عدن وبقية المحافظات اليمنية، هاجمت المحامية والناشطة الحقوقية عفراء الحريري المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي تزامنا مع تفاقم معاناة المواطنين في عدن.

وقالت الحريري إن مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي في إجازة عما يحدث في البلد، وفي زيارات للدول لإمكانية البقاء الأطول على كرسي السلطة، لافتة إلى أن كلاهما يتصارع في عدن التي تحتضر بوجودهما الذي يتشابه مع غيابهما.

وفي هذا الصدد قال وزير الأوقاف والإرشاد السابق وعضو الفريق القانوني في مجلس القيادة الرئاسي أحمد عطية إن الأسابيع القادمة ستشهد تغييرات كبيرة وجذرية في قيادة الشرعية.

وأضاف عطية في منشور مقتضب على حسابه في فيسبوك: خلال أسابيع.. الشرعية قادمة على تغييرات جذرية من كل النواحي".

ويتفق أغلب المحللين السياسيين والاقتصاديين على أن العاصمة المؤقتة عدن أوضاعها لا تليق بكونها عاصمة لليمنيين، وأن هناك شعبا يموت من الجوع وعملة يمنية منهارة وفي مهب الريح، وساسة جشعين، وإعلاما غير مسؤول يعيش بعيدا عن المعاناة الإنسانية والمعيشية للمواطنين.