تقرير حول الصراع السياسي في حضرموت الذي امتد إلى مهرجان البلدة السياحي..
لماذا يعارض البعض مهرجانات تراثية في حضرموت ويؤيدها في أماكن أخرى؟
كيف يمكن لحضرموت أن تستفيد من مثل هذه المهرجانات للترويج لمقوماتها السياحية؟
كيف ستدير إدارة المحافظ بن ماضي معركة إنجاح المهرجان؟
هل تؤكد هذه التطورات أن الصراع السياسي سيعطل كافة مناحي الحياة في حضرموت؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
تلقي الصراعات السياسية والنزاعات بظلالها القاتمة على كافة نواحي الحياة، ولا تكاد تترك قطاعًا أو مجالًا إلا وأحالته إلى خرابٍ تام، ولعل في الحرب اليمنية أكبر دليل على هذا التأثر الواضح، وغير المبرر تمامًا، ما يؤكد أن الصراعات والحروب لا تصنع حياةً، بقدر ما تغتال ما فرص بقائها أو إحيائها.
قبل أيام تحدث "عدن الغد" عن وجوه قبيحة للحرب الجارية في البلاد منذ أكثر من ثماني سنوات، وكان الحديث يتركز على التداعيات الاقتصادية والمعيشية للحرب في البلاد، باعتبارها أقبح وجود الحرب والصراع على الإطلاق، بحكم أنها تطال قوت الناس واحتياجاتهم الأساسية، لكن يبدو أن الصراعات في البلاد تمتلك بالفعل وجوهًا قبيحة عديدة.
وآخر ما كشفت عنه وجوه الصراعات السياسية في المحافظات المحررة، والجنوبية على وجه التحديد، محاولتها تجيير الاحتفالات والمهرجانات التراثية والسياحية إلى ساحة للصراع، بين القوى والتيارات السياسية في البلاد، ومحاولة منع تقاليد درج عليها سكان تلك المناطق لمئات إن لم يكن آلاف السنين.
وهذا ما حدث بالفعل خلال مهرجان موسم البلدة السياحي الذي تعيش فعالياته حاليًا شواطئ مديريات ساحل حضرموت، والذي تعرض لمحاولات من بعض قوى سياسية في حضرموت بهدف منع إقامته واستمرار أنشطته الثقافية والسياحية والبحرية.
ورغم أن مهرجانا كهذا يمثل عادةً وتقليدا تاريخيا اعتاد عليه الحضارم طيلة قرون مديدة، غير أن الصراع السياسي الراهن الذي لم يتعدَّ عمره بضعة سنين يحاول تعطيل تراث مئات الأعوام، في مفارقة عجيبة لا تحدث سوى في اليمن.
محاولات كهذه تكشف وتفضح مدى وحجم القبح الذي تشكله الصراعات السياسية والحروب في بلد كاليمن، وخاصة في المحافظات الجنوبية من البلاد والتي دفعت ثمنًا من استقرارها وتفاصيل حياتها المبهجة التي باتت مهددة للغاية وتحت طائلة الخطر والاندثار نتيجة ممارسات غير واعية، تقدم السياسي على كل ما هو تراثي وثقافي وتاريخي.
وكان الهدف من وراء هذه الممارسات هو إفقاد الناس أي أمل بحياة أو تفاصيل وعادات يمكن أن يهربوا إليها من جور الصراعات والحروب التي ملأت واقعهم بالقبح، واختاروا الفرار إلى سواحل وشواطئ تنسيهم شيئًا من ذلك الواقع، غير أن المتربصين بهم منعوهم حتى من محاولة كهذه.
> معارضة غير مبررة
كثير من المراقبين مندهشون من حقيقة الأخبار الواردة من ساحل حضرموت، حول محاولات قطاعات سياسية وقوى معينة هناك بمنع إقامة بعض فعاليات وأنشطة مهرجان موسم البلدة السياحي التراثي، معتبرين أن مثل هذه الممارسات غير منطقية وغير مبررة، خاصةً أن المهرجان تراثي سياحي بحت، ولا يمتلك أية غايات أو نوايا سياسية.
بل إن الغرابة في الموضوع تكمن في القيام بمحاولة "تسييس" المهرجان رغم أنه مهرجان يقام منذ مئات السنين، ولا علاقة له بالصراعات المستحدثة في البلاد، وتحديدًا بالمحافظات الجنوبية مؤخرًا، لكن الإصرار على تسييس كل شيء جميل في هذه البلاد، يؤدي في النهاية إلى محصلة تضر الجميع، ولا تقتصر على فصيل سياسي دون غيره.
ولا يمكن إيجاد أي مبرر لمثل هذا الإصرار على تحويل مهرجان كالبلدة إلى قضية سياسية إلا السعي لدى بعض القوى إلى السيطرة والإمساك بكافة زمام الأمور في مناطق سيطرتها، أو تلك التي تحاول بسط سيطرتها عليها، مقابل تهميش الأطراف السياسية الأخرى، وإظهارها بموقف الضعيف عبر إبرازها بأنها غير قادرة على اتخاذ رد فعل مناسب.
ولعل هذا هو السبب والتفسير الوحيد لما جرى في ساحل حضرموت من محاولات منع إقامة مهرجان البلدة السياحي، رغم الإقبال الشعبي والجماهيري الكبير واللافت الذي عاشته مديريات الساحل، الباحثون عن فرصة للنزهة والسياحة والترويح عن الأنفس في ظل مشاحنات السياسيين، إلا أنهم المواطنين انموا بوجود صراعات الساسة تلاحقهم حتى في مهرجان البلدة!
وما يجعل من ممارسات بعض القوى ومعارضتها إقامة مهرجان كالبلدة أو محاولة منعه أمورًا غير منطقية وغير مبررة، هو أنه نفس هذه القوى أو التيارات السياسية التي تعمل على إعاقة موسم البلدة هي نفسها التي سمحت وشجعت بل ودعمت مهرجانات تراثية مشابهة في مناطق سيطرتها داخل عدد من المحافظات الجنوبية.
ما يؤكد أنه لا وجود لأي مبرر من وراء منع مهرجان البلدة السنوي، في ظل إقبال منقطع النظير من كافة مدن ومديريات حضرموت وبقية المحافظات الجنوبية ومحافظات اليمن حتى، ولعل في هذا الإقبال ما يثير جنون بعض القوى السياسية التي ربما تسعى إلى حصر التجمعات الجماهيرية على فعالياتها ومليونياتها ذات الطابع السياسي فقط!!
لكن يبدو أن بعض القوى السياسية لم تنتهز الفطنة والاستثمار الذي يجب أن تكون عليه في مثل هذه التجمعات والمهرجانات الشعبية والجماهيرية، وبدلًا من محاربتها، كان على تلك القوى أن تستثمرها للترويج لقضيتها التي ترى أنها عادلة، والعمل على كسب الجماهير المشاركة والحاضرة في المهرجان بدلًا من كسب العداوات والنظرة المعادية.
> العمل ضد مصالح الناس
المناط بأي حزب سياسي أو قوى أو تيارات ذات أهداف سياسية أن تسعى إلى رفاهية وخدمة المواطنين والوطن بشكل عام، ومن مهامها تلك الكيانات أن تهتم بكل ما يجلب السعادة والاستقرار إلى الناس، وليس منعه من ممارسة تفاصيل حياته أو الابتهاج والاحتفال أو ممارسة السباحة في مياه بحر العرب الباردة.
وكان الأحرى بأي قوى أو مكون سياسي أن يضع نصب عينيه فرحة الناس وإقبالهم على مثل هذه المواسم، فرارًا من مشاكلهم السياسية والمعيشية والخدمية، وعدم إفشال أو تعطيل فرحتهم تلك والتضييق عليهم بما يزيد من مشاكلهم، وهو عكس المهام التي وجدت من أجلها تلك المكونات.
وغالبًا ما تتحدث القوى السياسية بأنها تهتم لأمر حضرموت وشأنها، غير أن ما تقوم به تلك القوى لا يرقى إلى مستوى الاهتمام بحضرموت ومقوماتها السياحية وإحياءً للموروث الثقافي والتاريخي الذي تزخر به حضرموت، وبدلًا من مساندة هذه المقومات السياحية التي تتمتع بها حضرموت، تقوم تلك الكيانات -من حيث لا تدري- بممارسات تسيء وتضر بتلك المقومات.
كما كان الأولى بالمكونات السياسية تلك أن تعمل على استفادة حضرموت من هذه المقومات التي تمثلها المهرجانات الثقافية والسياحية، بهدف الترويج للمحافظة، بما ينعش اقتصادها، فهي لا تقل أهمية عن مقومات وثورات النفط والغاز، بل إن المقومات السياحية والثقافية المرتبطة بهوية الجغرافية والناس هي الباقية والمستمرة، على العكس من الثروات الطبيعية التي يمكن أن تنضب يومًا ما.
ومنع استثمار هذه المقومات الثقافية والسياحية والهوية الوجودية لحضرموت يعني أن المحافظة ستخسر أهم ما تملكه، كما يعني أن القوى التي تمارس عملية المعارضة ومحاولات إفشال مهرجان مثل مهرجان البلدة هي من تقف ضد حضرموت وتاريخها وثقافتها.
وفي سياقات أخرى، تشكل عملية إجهاض مهرجان البلدة تحديًا جديدًا أمام السلطة المحلية بحضرموت بقيادة المحافظ مبخوت بن ماضي، التي تجد نفسها تخوض معركة حادة للانتصار لحضرموت وإنجاح المهرجان وموسم البلدة، وهي معركة ليست بالسهلة ولا الهينة، ستتطلب من المحافظ مواجهة قوى سياسية ضخمة وقوية وشرسة.
وما يجعل القضية خطيرة، هو أنها تمتلك العديد من المؤشرات التي تشكل تهديدًا لطبيعة الحياة نفسها، والمتعلقة بإمكانية تعطيل كافة مناحي الحياة لدى الناس، وجهود تطبيع الأوضاع في حضرموت، بل وفي كافة مناطق البلاد، إذا نجحت الصراعات السياسية في إيقاف عجلة الحياة، وهو ما لا يتمناه أحد.