تقرير يسلط الضوء على التعليم العام في اليمن.. أرقام صادمة تكشف عن مستقبل مجهول..
كيف عبثت مليشيا الحوثي بالتعليم وعملت على تطييف المنهج الدراسي؟
كيف يواجه أولياء أمور الطلاب هذا العام وسط موجة الغلاء الحالية التي تعصف بحال الأسر اليمنية؟
أي مستقبل للتعليم باليمن في ظل مؤشرات صادمة تنبئ بكارثة مستقبلية؟
متى يصلح حال المعلم في اليمن حتى يصلح حال التعليم؟
ما دور الحكومة والمنظمات العاملة بالبلاد في الحد من انهيار العملية التعليمية بالبلاد؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
تفصلنا أيام عن بدأ العام الدراسي الجديد وسط شكاوى تتجدد كل عام من قبل المعلمين وأولياء أمور الطلاب والطالبات في التعليم الأساسي والثانوي.
العام الدراسي هذا الذي يمر ثقيلا في حده الأدنى وتحت ظروف يشكو المعلمون خلالها من انقطاع الرواتب في المناطق الخاضعة لمليشيات الحوثي، ومن تدني الأجور والتأخير في العلاوات السنوية في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليا.
أما المدارس الحكومية ماتزال تشكو من عبث واسع خلفته الحرب المستمرة التي يقودها الحوثيون على قطاع التعليم ومناهجه وبنيته التحتية منذ تسع سنوات مضت.
يعيش التعليم العام في اليمن أسوأ أوضاعه، وفق أرقام صادمة تكشف عنها نتائج المسح التربوي الشامل وكذا التقارير الدولية ذات الصلة بين حين وآخر.
وتتحدث التقارير الدولية عما يقارب عن ثلاثة ملايين طفل محرومين من التعليم العام في اليمن، بسبب إغلاق المدارس وتدميرها ونزوح طلابها وتحويل المئات منها إلى ثكنات عسكرية أو أماكن سكن للنازحين.
وفي حين تتعمد مليشيا الحوثي استهداف هذا القطاع لأسباب تتعلق برغبتها في فرض عقيدتها ومذهبها الفكري والطائفي والإمعان في ممارسة التجهيل وضرب الوعي الجمعي للمجتمع الجمهوري، والعمل على خلق أجيال تابعة وخاضعة للجماعة، يعاني التعليم ذاته في الجزء الخاضع للحكومة المعترف بها دوليا من الإهمال وغياب أبسط مستلزمات العلمية التربوية، فضلا عن إهدار حقوق المعلم المتعلقة بالعلاوات السنوية.
لم تكن العملية التعليمية والتربوية بمنأى عن الحرب التي دمرت البنية التحتية وهجرت مئات آلاف من الطلاب وأجبرتهم على ترك مقاعد الدراسة إما بسبب النزوح مع أسرهم أو تعرض مدارسهم للقصف والتدمير المباشر أو تجنيدهم من قبل المليشيا الحوثية في جبهات القتال.
وبحسب مختصين تربويين فإن هناك أسبابا عدة وراء تدهور العملية التعليمية في اليمن باتت واضحة للعيان، يعود مجملها إلى أوضاع الحرب التي تعيشها اليمن منذ تسع سنوات، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية المتردية في البلاد بشكل عام التي ألقت بظلالها على ملايين الأسر اليمنية، وهو الأمر الذي يشكل خطرا حقيقيًا على مستقبل الأجيال القادمة بحسب رأي المختصين التربويين.
> أرقام صادمة
استنادا إلى آخر نسخة من نتائج المسح التربوي الشامل لوزارة التربية والتعليم لعام 2020م عدنا إليها، فإن عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم العام قرابة 6 ملايين طالب وطالبة، منهم 4 ملايين وتسعمائة ألف طالب وطالبة في التعليم الأساسي، وستمائة ألف وتسعين ألف في التعليم الثانوي.
وطبقا لهذه الإحصاءات يشكل عدد طلاب مناطق الريف في التعليم الأساسي أكثر من 3.5 مليون، بمعدل 67 % من إجمالي عدد طلاب المرحلة الأساسية، ويتوزع هذا العدد من الطلاب على حوالي ستة عشر ألف وثمان مئة مدرسة في عموم الجمهورية.
وفيما يخص عدد موظفي وزارة التربية والتعليم، فالعدد يصل إلى ثلاثمائة ألف وخمسمائة منهم مائتان وثمانون ألفا وسبعمائة وواحد وستون معلما ومعلمة.
ووفقا لنتائج المسح هذه فقد وصل عدد رياض الأطفال إلى خمسمائة وثمانين، منها ثلاثمائة وستة وستون روضةً أهلية، ويبلغ عدد الأطفال فيها حوالي ثلاثين ألف طالب وطالبة، فيما وصل عدد مراكز محو الأمية إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة وواحد وتسعون مركزا وبلغ الدارسون فيها مائة وثمانين ألف وخمسمائة دارس ودارسة.
وكشفت نتائج البحث عن عدد الأطفال الذين لم يلتحقوا بالتعليم العام هو قرابة 3 ملايين، وبالطبع الأسباب واضحة مجملها يعود إلى أوضاع الحرب التي تعيشها اليمن منذ تسع سنوات، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة في اليمن، وهو الأمر الذي يشكل خطرًا حقيقيًّا على مستقبل الأجيال القادمة بحسب مختصين تربويين.
تعطي إحصاءات المسح نسبة مئوية للطلاب الذين يلتحقون بالجامعات والكليات ومعاهدِ التعليم العالي من خريجي الثانوية العامة بلغت 48 % فقط و52 % منهم لا يحصلون على تعليم عالٍ، فبعض الطلاب غير قادر على الالتحاق بالجامعات والكليات الخاصة بسبب التكاليف الباهظة للتعليم، فيذهب إلى العمل مبكرا ليعول أسرته والبعض الآخر يقف العائق أمام استمراره في الدراسة سياسات التعليم الجامعي بما فيها سياسات نسب القبول والتسجيل وإجراءات المفاضلة.
وفيما يخص الكادر التعليمي والإداري فإن نتائج المسح تذكر أن عدد المعلمين الذين لديهم جداول دراسية هو مائتان وثلاثة آلاف معلم، ويبلغ عدد الإداريين العاملين في الإدارة المدرسيّة سبعة وعشرين ألفا معظمُهم لا يملكون معيارَ الكفاءة العلميّة والإداريّة.
وبينما بلغ عدد المدرسين الذين يحملون مؤهِلات ثانوية عامة غير تربوية هو ستة وعشرين ألفا وبمعدل 11.5 % من إجمالي المعلمين، بلغ في الوقت ذاته عدد الذين يحملون دبلوم معلمين بعد الأساسي سبعة وأربعين ألف معلم، أي بمعدل 20 % من إجمالي المعلّمين.
أما عدد الذين يحملون دبلوما بعد الثانويّة العامة فهو واحد وخمسون ألفا وبنسبة 22 % من إجمالي المعلمين، فيما وصل عدد الذين يحملون مؤهلا جامعيا بكالوريوس فأكثر هو مائة وخمس آلاف معلم، أي بمعدل 46 % من إجمالي عدد المعلمين.
كل ما سبق من نتائج تكشف حقيقة صادمة للجميع، ولا تدري ماذا حدث في السنوات اللاحقة من تدهور في التعليم العام، إذ يحتاج الأمر إلى مسوحات ميدانية أخرى.
> الحرب تفاقم بنية التعليم الضعيفة
يرى مراقبون أن التعليم في اليمن وصل إلى وضع كارثي مع بدء الحرب في العام 2015م، ويحتاج إلى خطط وطنية واستراتيجية مع تنفيذ مشاريع بتمويل كبير، تسهم فيه الدولة والجهات الدولية الداعمة، لاسيما وأن متطلبات إعادة الإعمار وخطط التعافي والتطوير لتجاوز آثار الحرب والحصار في قطاع التعليم العام باهظة، نتيجة تعرض الكثير من المباني والمرافق التعليمية إلى تدمير كلي أو جزئي وتعرض البعض الآخر إلى النهب لمحتوياتها.
وبالعودة إلى نتائج المسح المذكور آنفا فقد بلغ عدد الحجرات الدراسية مائة وأربعين ألفا، مع حالة ازدحام تشهدها الفصول حيث يصل عددُ الطلّاب في الفصل الواحد في بعض المدارس إلى أكثر من 80 طالبًا.
يظهر المسح الميداني هشاشة وغياب الجانب العملي وغلبة الجانب النظري، وما يؤكد هذا هو عدد معامل العلوم في المدارس الأساسية الذي وصل إلى أربعة آلاف وثلاثمائة معمل فقط، وهو ما يعادل 25 % من عدد المدارس.
ويعطي هذا الرقم مؤشرا على أنّ 75 % من المدارس لا معاملَ علومٍ فيها، وبالتالي يُحرم طلّابُها القيام بالتجاربَ والتطبيقاتِ العمليّة في مواد الكيمياء والفيزياء والأحياء.
ويجهل معظم الملتحقين بالتعليم العام الحكومي أبجديات التعامل مع الحاسب الآلي، وما يؤكد هذا الكلام هو أن النقص الكبير في عدد معامل الحاسوب في المدارس الحكومية كبير جدا، إذ بلغ ألفا وثلاثمائة جهاز حاسوب، وهذا يشير إلى أن معظم المدارس في التعليم الأساسي لا معامل حاسوبٍ بها.
> شكاوى ووعود
يستمر المعلمون اليمنيون في تأدية مهامهم تحت ظروف خانقة وأوضاع مأساوية، ويواجه المعلمون اليمنيون في اليمن بشكل عام وفي العاصمة المؤقتة عدن بشكل خاص ظروفا معيشية صعبة مع تدني الأجور والمرتبات، يضاعف من ذلك تأخر صرف العلاوات المقررة.
وشكا معلمون لـ(عدن الغد) يعملون في مدارس العاصمة المؤقتة عدن، من تأخر علاوات التربويين التي كان من المقرر صرفها بحسب توجيهات وزير الدولة ومحافظ عدن أحمد حامد لملس قبل عيد الأضحى المبارك، وهي في حدها الأعلى لا تساوي قيمة كليو لحم، حد وصفهم.
وعلى الرغم من تأكيدات مكتب مالية عدن على صرفها بعد عيد الأضحى إلا أن ذلك لم يحدث للآن وماتزال تعليمات المحافظ في أدراج مالية عدن.
ومع تزايد حالة التقاعد للكادر التربوي والتعليمي في ظل توقف التوظيف الجديد المتوقف منذ ثماني سنوات، تبرز مشكلة أخرى تواجه معظم مدارس التعليم العام في المحافظات المحررة ومنها العاصمة المؤقتة عدن.
وفي المقابل يشكو أولياء أمور الطلاب من الأعباء المالية التي تثقل كاهلهم مع بداية كل عام، جراء مواجهة مستلزمات الطالب المدرسية مع ارتفاع الأسعار الجنوني لهذه المتطلبات بفعل تراجع قيمة العملة المحلية أمام العملات الصعبة.
وتتعالى الشكوى لأولياء الأمور من ضعف المستوى التعليمي للطلاب مع حصولهم على ساعات غير منتظمة في بعض مدارس الجمهورية.
وما يفاقم من ضعف تدني التعليم بحسب تربويين ترك بعض المدرسين العمل وبحثهم عن مهن أخرى تغطي احتياجاتهم المعيشية الضرورية بعد تدني الأجور وتآكل القيمة الشرائية للراتب الذي يترافق مع تدهور مريع للعملة المحلية.
يرى باحثون في مجال التعليم العام تدني جودة التعليم انعكس بشكل واضح في تدني التحصيل العلمي في مجالي العلوم والرياضيات، بالإضافة إلى تدني مهارات القراءة والكتابة في الصفوف الأولى من التعليم الأساسي.
ولعل أكبر كارثة على التعليم العام هو انتشار ظاهرة الغش في المدارس دون وضع معالجات جذرية لهذه الظاهرة التي بدأت تغزو معظم مدارس الجمهورية.
> اليونسكو وإنقاذ التعليم
وفي محاولة لإنقاذ حالة التعليم العام من الوضع المتردي الذي يعيشه، أقرت مجموعة التعليم التابعة لليونسكو إعداد خطة للتعليم لعموم اليمن 2024 - 2030 وتنفيذ مسح تربوي شامل للفترة من 2024 - 2025.
يلخص سفير اليمن السابق لدى اليونسكو محمد جميح واقع التعليم في اليمن والانتهاكات التي تطال الكادر التعليمي في البلاد، في ظل قطع مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي منذ ثماني سنوات.
وقال "جميح" إن واقع قطاع التعليم وما يعانيه من صعوبات في اليمن يتمثل بانقطاع مرتبات المعلمين، وتجنيد الأطفال، وتسرب الطلاب، والمدارس المدمرة، وأطفال المخيمات، وعدد من آثار الحرب والتغير المناخي على التعليم.
وطبقا لوكالة الأنباء اليمنية سبأ التابعة لحكومة الشرعية فإنه في وقت سابق ضم لقاء وزارة التربية والتعليم والشراكة العالمية للتعليم والبنك الدولي واليونسكو ومنظمات اليونيسف ومنظمة رعاية الأطفال، الوكالة الأمريكية للتنمية، الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، معهد اليونسكو الدولي للتخطيط التربوي في باريس، والصندوق الاجتماعي للتنمية، وممثلين عن الائتلاف اليمني للتعليم للجميع.
وبحسب الوكالة الحكومية فإن اليونيسكو التزمت بالمضي قدما لإطلاق خطة 2025 باليمن في المجموعة الخامسة ودعم وزارة التربية والتعليم اليمنية لعملية إعداد ميثاق الشراكة لدعم النظام التعليمي في البلاد.
يظل الدمار الكبير الذي ألحقته مليشيا الحوثي بقطاع التعليم العام بكل مراحله كارثيا وبحاجة إلى معالجات سريعة وطارئة من قبل الحكومة والمنظمات الدولية العاملة في البلاد مع العمل على تخفيف آثاره على مستقبل الطلاب.
ومع استمرار هذه المعاناة وتقصير وإهمال الحكومة الشرعية أو عجزها تجاه العملية التعليمية الذي يصاحبها خذلان المنظمات الدولية المعنية لمناشدات الجهات المعنية بالتعليم، يظل مستقبل الملايين من الطلبة مجهولاً وعرضة للضياع ما لم تضع الحكومة المعترف بها دوليا معالجات ناجعة لهذه الكارثة المستقبلية والتسريع في إيجاد الحلول العملية لها.