تقرير يبحث في مسار التحقيقات في مقتل الموظف الأممي مؤيد حميدي بتعز..
هل سنرى محاكمة قريبة وسريعة للمتهمين أم أن القضية سيطويها النسيان؟
كيف ستؤثر حادثة القتل على العمل الإنساني وما علاقتها بالصراع السياسي؟
هل نحن أمام إنجاز حقيقي لشرطة تعز أم أننا سنكون أمام مسرحية هزلية جديدة؟
لماذا لم يظهر أي اعتراف أو تأكيد أن المقبوض عليهم هم المذنبون؟
إلى أين وصلت التحقيقات في مقتل الموظف الأممي بتعز؟
ماذا لو اتضح عدم صلة المتهمين بقضية القتل؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
لم ينجُ أي قطاع أو مجال في اليمن من التردي الحاصل نتيجة استمرار الحرب، التي ألقت بظلالها المؤثرة على كل المستويات، بما فيها المجالات الأمنية والعسكرية الغارقة في الفوضى، تمامًا كما هو حال بقية الأوضاع الأخرى في المحافظات اليمنية المحررة، وسط أجواء من اللا استقرار.
وبناءً على هذا الوضع المتردي، تبدو أية إنجازات أو أي تقدم يتم إحرازه هنا أو هناك لافتًا، ولا يمكن إغفاله، بل يجب الإشادة به والوقوف أمامه كثيرًا، خاصة في المجالات الأمنية والعسكرية، كون هذا الإنجاز بات أشبه بصفحة بيضاء وسط سواد الظلام الذي ضرب كل المجالات المعيشية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.
الحديث هنا عن الإنجاز الأمني في محافظة تعز، والذي ما زال صداه يتردد إعلاميًا، والمتمثل في ضبط المتهمين بقتل الموظف الأممي، أردني الجنسية "مؤيد حميدي"، يوم الجمعة الماضي، وبعد أقل من 24 ساعة من وقوع الحادثة.
ورغم أن حادثة القتل هزت اليمن برمتها، وتصدرت اهتمامات في داخل وخارج البلاد، وأوساط العمل الإنساني الأممي والدولي، إلا أن عملية توقيف أكثر من عشرين متهمًا مشتبها بهم في وقت سياسي من قبل شرطة محافظة تعز، خفف من وطأة الحادثة رغم صداها المؤلم الذي ما زال مستمرًا.
هذا الإنجاز الذي حققته أجهزة الأمن في تعز، أعطى أبعادًا إضافية لقضية مقتل الموظف الأممي، ليس على المستوى الدولي والأممي، والذي شهد تطورًا في طلب الأمم المتحدة المشاركة في التحقيقات والاطلاع وتزويدها بمعلومات عملية التحقيق الجارية مع المتهمين الموقوفين على ذمة القضية، وهي العملية التي تصدر أي تأكيدات أو تفصح عن أي جديد بخصوص حقيقة تورط المضبوطين في عملية قتل الموظف الأممي.
فبعد مرور قرابة أسبوع على ضبط المتهمين والشروع في التحقيق معهم، بمن فيهم المتهم الرئيسي، إلا أن النتائج لم يُفصح عنها حتى الآن، ولم يتم الإعلان عن كيفية قيام المتهمين بعملية القتل، وهوية المتورطين الحقيقيين في هذه الجريمة، سواء كانوا أشخاصًا أم جهات.
البعض يرى أن المدة ما بين ضبط المتهمين والتحقيق معهم ما زالت قصيرة، كما أن إجراءات التحقيق تحتاج إلى وقت للكشف عن ملابسات وتفاصيل القضية، غير أن ثمة رأياً مخالفاً لهذا الرأي، يعتقد أن هذا التطويل في عملية التحقيق حتى الآن يوحي بالكثير من الأشياء والمؤشرات ذات الصلة بتردي الأوضاع الأمنية التي لم تصل بعد إلى مستوى التعافي والتحسن لتعطي نتيجة حقيقية.
بل إن البعض يشكك حتى في مدى تورط المتهمين الموقوفين، وعلاقتهم بجريمة القتل، بمن فيهم المتهم الرئيسي، ولا شيء قد يوقف هذا التشكيك إلا الإفصاح عن نتائج التحقيقات للكشف عن حقيقة قتل الموظف الأممي حميدي، وكلما تأخر هذا الإعلان تأخرت العدالة في أن تأخذ طريقها، وزاد التشكيك في الإنجاز الأمني الذي كانت بطلته شرطة تعز.
إنجاز أم مسرحية؟
من الطبيعي أن يتسبب هذا التأخير في إعلان نتائج التحقيقات مع المتهمين في عملية قتل الموظف الأممي حميدي بتشويه الإنجاز الأمني المتمثل في سرعة توقيف المتهمين، فاستمرار مثل هذا الوضع قد يثير الكثير من التأويلات حول هذه القضية، كما أنه يؤكد مدى حجم الإشكاليات التي يواجهها قطاع الأمن في البلاد كلها.
فالمنظومة الأمنية في اليمن، كغيرها من المنظومات والمجالات التي يعتريها الكثير من المشكلات، وتعز إحدى المدن اليمنية المحررة تواجه نفس المصير من التردي والانفلات الأمني، بسبب الحرب وتداعياتها، وبالتالي فإن أي إنجاز أمني لن تكتمل جوانبه إلا بالوصول الى نهاية سليمة، عبر الكشف عن آلية الجريمة حديث الساعة، وليس فقط مجرد ضبط مشتبه، بعضهم لا علاقة لهم بالقضية.
وإلا، لماذا لم تخرج الأجهزة الأمنية في تعز بأي اعتراف أو تأكيد من قبل المقبوض عليهم، يؤكد أنهم مذنبون فعلًا، ويعزز إنجاز شرطة تعز الأمني، الذي يكاد يتحول إلى مجرد "مسرحية هزلية" إذا لم يُكلل بنهاية تجلي كل تلك الضبابية والغموض الذي يكتنف عملية التحقيق، ما دفع الأمم المتحدة ومسئوليتها بطلب المشاركة في التحقيق والاطلاع على معلوماته المتوفرة حتى الآن.
وذلك نتيجة طبيعية لهذا الوضع الحالي، الذي شحت فيه المعلومات حول ملابسات القضية وما جرى في مدينة التربة بتعز يوم الجمعة الماضي، حين قتل الموظف الأممي، الأمر الذي يحتاج إلى تأكيد صلة المضبوطين على ذمة القضية، وإلا فإن عملية الضبط وما رافقها من ترويج كبير الذي طغى عليها، قد يذهب أدراج الرياح.
حيث إن عملية الإعلان عن نتائج التحقيقات يترتب عليها تقديم المتهمين ممن تأكد أنهم مذنبون إلى المحاكمة وتقديمهم للعدالة حتى تفصل في شأنهم، وبالتالي إطلاق سراح الباقين، الذين من المؤكد أنهم لا صلة له بالقضية، أما موضوع المماطلة في الإفصاح عن نتائج التحقيقات سيؤدي إلى مزيد من اللغط حول حقيقة عملية الضبط والإيقاف.
كما أن أي تأخير سيعمل على انخفاض حدة الضغط على المسئولين عن إدارة هذا الملف، وتسويف عملية الإعلان عن نتائج التحقيقات إلى أجل غير مسمى ولا معلوم، ما يترتب عليه إطالة أمد البت في القضية، وبالتالي وضع هذه الجريمة تحت رحمة النسيان الذي سيطويها إذا لم يتم السير سريعًا في إجراءاتها القانونية.
تأثير الجريمة
لا ريب أن جريمة قتل الموظف الأممي هددت استقرار العمل الإنساني في اليمن برمته، وليس في تعز فقط، رغم تطمينات الأمين العام للأمم المتحدة، وبرنامج الغذاء العالمي التابع لها بأن الجريمة لن توقف إمدادات المساعدات والإغاثة الأممية إلى اليمن، ولكن هذا لا يعني أن تأثير جريمة القتل واقع لا محالة بشكل أو بآخر.
أحد تلك الأشكال قد تكون عبارة عن صرف الأمم المتحدة ومنظماتها نظرها عن إنشاء وتأسيس مكتب او مركز محور في تعز، يمد المناطق المحررة والمحاضرة فيها بما تحتاجه من احتياجات إنسانية هي بأمس الحاجة لها، بعد ثماني سنوات من الحصار الحوثي المطبق والجائر.
وتخلي الأمم المتحدة عن تركيز عملها في تعز وما جاورها، يمثل احتمالات واردة، ستؤكدها وتحولها إلى واقع، عملية التأخر في الكشف عن مصير التحقيقات الأمنية، وهذا ما يخلق مسئولية مضاعفة على السلطات الأمنية وأجهزة التحقيق في محافظة تعز للإسراع غي إعلان نتائج التحقيق ومحاسبة المتورطين، حتى يؤدي هذا إلى تقليل احتمالات صرف النظر الأممي عن اختيار تعز مطرز إغاثيًا.
ومن المؤكد أن هذه الزاوية هي ما تدور حوله دوافع وأسباب جريمة قتل الموظف الأممي في مدينة التربة بتعز، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراع السياسي والعسكري في البلاد، كما أنه يتصل بالرغبة الدنيئة باستمرار حصار تعز، ومحاولات تركيعها وتجويعها ضمن توجه ما لحصر غايات الناس داخل تعز بلقمة العيش وأساسيات الحياة.
ولعل هذا يُذكر بما يجري في عدن أيضًا من سياسة تجويع وحرمان خدمي، لا يختلف عما يدور في تعز، وفي سبيله يتم تنفيذ الجرائم الأمنية التي تكرس هذا التوجه الذي لا تديره فقط أطراف داخلية، ولكن أيضًا أطراف خارجية، وهو ما يجعل من البت والفصل في قضية مقتل الموظف الأممي من الأهمية بمكان حتى تؤكد سلطات الأمن هناك أن المدينة والمناطق المحررة عمومًا آمنة، ويمكن للأمم المتحدة ومنظماتها العمل فيها بأريحية.
أما أي تأخير في التحقيقات وتقديم المتهمين المتورطين والمذنبين إلى المحاكمة فإنه سيعمل على تكريس اعتقاد خاطئ بأن تعز وعدن وكل المدن المحررة لا تستحق أن تعمل فيها منظمات دولية وأممية، وبالتالي خسارة فرصة لتطبيع الأوضاع، وهو ما يجب أن تتنبه له السلطات المحلية والأمنية، ليس في المحافظات فقط وإنما على مستوى سلطات الدولة العليا.