تقرير يسلط الضوء على تعليق أنشطة برنامج الغذاء العالمي في اليمن وآثاره على المواطنين..
ما تداعيات هذا الإعلان على تعميق الأزمة الإنسانية وزيادة معدل سوء التغذية؟
لماذا أعلن برنامج الغذاء العالمي تعليق بعض أنشطته في اليمن؟
ما الانتقادات الموجهة لتعليق أنشطة برنامج الغذاء العالمي؟
هل للحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا علاقة بذلك؟
الأزمة الإنسانية تتعمق
(عدن الغد) القسم السياسي:
لا حديث هذه الأيام سوى حديث الجياع، أولئك الجياع الذين أفزعهم إعلان برنامج الغذاء العالمي تعليق بعض أنشطته في اليمن ابتداء من شهر أغسطس الجاري.
هذا الفزع ناجم عن الخسارة المتوقعة للسلة الغذائية أو ما يقابلها من المساعدة النقدية التي يقدمها لهم البرنامج منذ سنوات الحرب في اليمن الممتدة إلى تسع سنوات.
في الأمس كان بعض المستفيدين يخشى السقوط من قائمة المستفيدين، فكيف حالنا اليوم والكل معرض للسقوط والعودة إلى الفاقة والحاجة وسوء التغذية من جديد- يقول أحد المستفيدين من البرنامج في مديرية الشيخ عثمان.
ويتزامن هذا الإعلان من قبل البرنامج الأممي في الوقت الذي تشهد غالبية المحافظات اليمنية تدهورا متزايدا في قيمة العملة المحلية وارتفاعاً بشكل جنوني في أسعار السلع الغذائية، يرافقه تدن في الرواتب وتآكل قدرتها الشرائية، مع غياب برامج الحماية الاجتماعية المقدمة من الحكومة للفئات الأشد فقرا في المجتمع.
وما يزيد من هذه المخاوف تقارير لمنظمات عاملة في اليمن تحذر من تداعيات تراجع شديد للأمن الغذائي في البلاد، الذي ترجعه الأمم المتحدة إلى النقص في التمويل والتنصل الروسي من اتفاق تصدير الحبوب إلى أوروبا عبر البحر الأسود.
> برنامج الغذاء العالمي يعلق بعض أنشطته في اليمن
أعلن برنامج الغذاء العالمي (WFP) تعليق تدخلاته في مجال الوقاية من سوء التغذية في اليمن بداية من هذا الشهر، بسبب النقص الحاد في التمويل وهو الأمر الذي سيؤثر على أكثر من مليوني شخص.
وقال البرنامج في تقرير حديث له إن النقص الحاد في التمويل إلى جانب الانقطاع المستمر للإمدادات سيجبرنا على التعليق الكامل لنشاط الوقاية من سوء التغذية في اليمن اعتباراً من أغسطس المقبل، وهذا الإجراء سيكون له أثر بالغ على 2.4 مليون شخص يعانون من سوء التغذية في البلاد وهم من الذين يستهدفهم البرنامج ومنهم الأطفال والنساء.
وأضاف التقرير أن هذا التعليق يأتي لتوجيه ما يتوفر لدى البرنامج من تمويلات بسيطة نحو علاج الحالات الأشد خطراً، حيث سيتم استخدام الموارد الشحيحة المتاحة لتغطية متطلبات برنامج علاج سوء التغذية الحاد المنقذ للحياة والذي يعد أخطر من سوء التغذية المعتدل.
ولفت إلى أن البرنامج اضطر أيضاً إلى تحويل أكثر من 900 ألف شخص مستفيد من التحويلات القائمة على النقد إلى التوزيعات الغذائية العينية اعتباراً من دورة التوزيع الرابعة التي بدأت في منتصف يونيو الماضي، وذلك بسبب النقص الحاد في تمويل برنامج التحويلات القائمة على النقد.
وأوضح التقرير أن تمويل خطة برنامج الغذاء العالمي للأشهر الستة المقبلة أغسطس 2023 - يناير 2024، لم يتم تلبيته سوى بنسبة 28 % فقط، من إجمالي المبلغ المطلوب والمقدر بـ1.05 مليار دولار أميركي، فيما تم التأكيد في يونيو الماضي على مساهمات بقيمة 139 مليون دولار من أستراليا والاتحاد الأوروبي والنرويج والولايات المتحدة الأميركية وصندوق اليمن الإنساني.
> أسباب تعليق البرنامج لأنشطته
في شهر يونيو الحالي حذر برنامج الغذاء العالمي من أزمة جديدة بسبب انسحاب موسكو من اتفاق الحبوب، هذا الاتفاق يسمح للسفن بتصدير المحاصيل الأوكرانية عبر البحر الأسود دون التعرض للهجوم من جانب القوات الروسية.
وبحسب وكالات دولية فإن هذا الاتفاق انتهى سريانه الأسبوع الماضي، وترفض روسيا تجديده.
ووفق محللين اقتصاديين فإن هذا القرار الروسي أدى إلى ارتفاع الأسعار العالمية للقمح.
وسلط الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الضوء على الحاجة إلى معالجة قضية الجوع في العالم، وتعزيز التعاون بين الشركات والحكومات وتخفيف الأثر الضار لتغير المناخ على إنتاج الغذاء.
وتحدث الأمين العام في قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية +2 التي بدأت في روما يوم الاثنين الماضي قائلا: إنه في عالم يتسم بالوفرة من المشين أن يستمر الناس في المعاناة والموت جوعا.
وقال السيد غوتيريش في تدوينة له على الحساب الرسمي للبرنامج إن إنهاء روسيا مشاركتها في مبادرة البحر الأسود فاقم الوضع، فقد مكنت هذه المبادرة من تصدير ملايين الأطنان من الغذاء من الموانئ الأوكرانية، وساهمت بالإضافة إلى اتفاق الأمم المتحدة الموازي مع روسيا بشأن تصدير الأغذية والأسمدة في استقرار أسعار الغذاء عالميا.
وأضاف الأمين العام أن الفئات الأكثر ضعفا ستدفع الثمن باهظا بسبب إنهاء هذه المبادرة، مشددا على أن كلا من روسيا وأوكرانيا تلعبان دورا مهما في الأمن الغذائي العالمي، وحث موسكو على إلغاء قرارها بعدم المشاركة في مبادرة البحر الأسود.
وجدد الأمين العام للأمم المتحدة التزامه بتمكين الأغذية من كلا البلدين من الوصول- دون عوائق- إلى الأسواق العالمية، وتوفير الأمن الغذائي الذي يستحقه كل شخص.
وفي منتصف العام الماضي أعلن مكتب برنامج الغذاء العالمي في اليمن عن تقليص المساعدات في اليمن إلى ما دون 50 بالمائة من الاحتياجات اليومية لـ5 ملايين شخص من الأكثر احتياجاً، في حين سيتم تقليص المساعدات لبقية المستفيدين البالغ عددهم 8 ملايين مستفيد إلى نحو 25 بالمائة من احتياجاتهم اليومية.
وأضاف البرنامج بأنه سيقوم بإيقاف أنشطة تعزيز القدرة على الصمود وسُبل كسب العيش والبرامج التغذوية وأنشطة التغذية المدرسية لأربعة ملايين مستفيد، فيما سيستمر تقديم المساعدات ضمن هذه الأنشطة والبرامج لنحو 1.8 مليون شخص فقط.
وعزا البرنامج هذه الخطوة إلى النقص الحاد في التمويل وتداعيات الحرب في أوكرانيا إلى جانب التضخم على المستوى العالمي، ولذلك اضطر البرنامج إلى اتخاذ بعض القرارات الصعبة بخصوص المساعدات التي يقدمها للمستفيدين في اليمن.
ليأتي في آواخر يوليو الجاري ويعلن عن تعليق أنشطته في تقديم المساعدات للذين يعانون من سوء التغذية المعتدلة ويحصرها على فئات قليلة تعاني من سوء التغذية الحادة.
> الحاجة تزيد.. والمساعدات تقل
يعاني نحو 19 مليون يمني جرى تصنيفهم متضررين من انعدام الأمن الغذائي، ونحو 41 % من السكان الواقعين تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليا من حالة انعدام الأمن الغذائي في حالتيه الحادة والمعتدلة، وفق تقارير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن.
وكشفت دراسة عن المركز اليمني للدراسات أن أكثر من 21.6 مليون شخص يحتاجون إلى خدمات الحماية والمساعدة الإنسانية المنقذة للحياة، منهم 3.1 مليون شخص نازحون داخلياً، و17.3 مليون شخص يفتقرون إلى مساعدات غذائية وزراعية، و20.3 مليون شخص بحاجة إلى خدمات صحية ضرورية، و15.3 مليون شخص يبحثون عن مياه نظيفة ودعم للصرف الصحي الأساسي.
وطبقا لتقرير صحفي في صحيفة الشرق الأوسط، فإن أعداد اليمنيين الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليا قد ارتفعت مع حلول شهر يونيو الجاري 2023م إلى 4 ملايين شخص، وفقاً لبيانات حديثة وزعها مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، الذي توقع أن يستمر هذا الوضع حتى نهاية العام مع انضمام أكثر من 630 ألف شخص إلى المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي للأمن الغذائي، التي تسبق مرحلة المجاعة بمرحلة واحدة.
وحسب خطة البرنامج المنشورة على موقعه الإلكتروني، فإنه في عام 2023 استهدف البرنامج ما يقرب من 15 مليون شخص بالمساعدات الغذائية في صورة حصص عينية من الدقيق والبقول والزيت والسكر والملح في مناطق يمنية وعلى شكل مساعدات نقدية لشراء نفس الكمية من الغذاء في مناطق أخرى.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة يعاني أكثر من 780 مليون شخص من الجوع في العالم، ويفقد أو يهدر ما يقرب من ثلث الأغذية المنتجة على مستوى العالم في الوقت الذي لا يستطيع ما يقرب من ثلاثة مليارات شخص تحمل تكاليف وجبات صحية.
> انتقادات وغياب للمساءلة
ولا تزال الأمم المتحدة ووكالاتها الإغاثية تتلقى انتقادات حادة على خلفية الآلية المتبعة لتقديم المعونات، حيث تشير التقارير والتحقيقات الصحفية إلى أن نسبة كبيرة من هذه المخصصات تذهب إلى نفقات تشغيلية ومصروفات إدارية، بالإضافة إلى استغلال نسبة من الإغاثة من قبل الحوثيين المسيطرين في صنعاء ومحافظات أخرى لتمويل مجهودهم الحربي.
وفي نفس السياق انتقد المركز اليمني للسياسات تجاهل الجهات الإغاثية الخارجية قدرة اليمنيين على تحديد احتياجاتهم من المساعدات الإنسانية، وانفرادها بتحديد الطريقة التي ينفق بها القطاع الإنساني مبالغ تُقدَر بالمليارات، ولا يتم هذا بشكلٍ فعال دائما، مطالبا بتمكين السكان المتضررين من الأزمات المعيشية من مساءلة قطاع المساعدات الإنسانية.
هذا وتشهد اليمن تدهورا في الأوضاع الإنسانية وأزمة تمويل حادة تعاني منها المنظمات الإنسانية العاملة في البلاد، ويأتي إعلان برنامج الغذاء العالمي بتعليق بعض أنشطته في اليمن ليفاقم ويعمق من هذه الأزمة الإنسانية.
ووفق تقارير اقتصادية فاليمن يعد من أكثر الدول انعداما للأمن الغذائي على المستوى العالمي، بسبب تأثير الصراع الدائر في البلاد على مدى أكثر من ثماني سنوات، هذا الصراع الذي نجم عنه تدهور اقتصادي وتضخم وانهيار للعملة المحلية، مصحوبا بزيادة البطالة واتساع دائرة الفقر وسوء التغذية في أواسط ملايين من الآسر اليمنية التي بحاجة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة.