تقرير/ عبدالله جاحب:..
لم تقصر المعركة التي تشن في اليمن على معارك ضارية بالسلاح، ولكن هناك حروب أخرى تشن في بلد منكوب ومتهالك جراء ما يحدث به من ضربات موجعة بين الحين والآخر، وترهق رقعة الجغرافية والبشرية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والصحية والتعليمية والأمنية.
وسط الهدوء النسبي في الآونة الأخيرة لمعركة البندقية والمدفعية تصاعدت وتيرة وحدة الضربات الموجهة لليمن، فظهرت وأفرزت لنا حربا أخرى وأكثر حدة وتأثيرا، معركة الحرب الناعمة (النفط) الذي أصبح المصدر الوحيد للعملة الأجنبية الصعبة التي ترفد خزينة الدولة في البلاد المنكوب اقتصاديا قبل أي شيء آخر،
حرب رمت بنفسها وقبل ذلك بظلالها على الاقتصاد الوطني اليمني وهزت البنية الأساسية المعيشية للمواطنين، وأفرزت لنا الكثير من العواقب الوخيمة والصعوبات والعقبات الشائكة والمعقدة.
حرب النفط معركة جديدة تضاف إلى معركة البندقية والمدفعية، وصراع يضاف إلى الصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي أهلكت مضاجع البلاد والعباد في هذا الوطن.
> أطراف الصراع وحرب النفط من أجل البقاء
بعد اندلاع الحرب اليمنية قبل سنوات يسعى طرفا الصراع السياسي والعسكري المتمثل بالحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وإقليميا وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهناك حرب ضروس من أجل الاستحواذ والهيمنة والسيطرة على عائدات النفط.
ويصارع أطراف الصراع في اليمن على ثلاثة موانئ رئيسية مخصصة لتصدير النفط والغاز المسال، وهي ميناء بلحاف للنفط والغاز وميناء الضبة النفطي في المنطقة الجنوبية ويخضعان لحكومة الشرعية، والثالث ميناء رأس عيسى النفطي الذي يقع ويقبع على البحر الأحمر في محافظة الحديدة غرب اليمن ويخضع لسيطرة جماعة ومليشيات ما يعرف أنصار الله (الحوثيين).
ويظهر ذلك الصراع جلياً في أرض حقول النفط والغاز في محافظات وسط اليمن التي يتمركز أغلب تلك الحقول فيها مثل مأرب وجنوبها مثل شبوة وشرقها مثل حضرموت.
ويحتدم الصراع والنزاع بين الأطراف المتصارعة والمتناحرة على كسب ود الاستحواذ على تلك المناطق المتاخمة لحقول النفط والغاز، بغية الهيمنة من أجل البقاء والاستمرار، فسلاح النفط هو الضمان القوي لذلك البقاء وحظوظ الاستمرار.
> توقيف تصدير النفط يضرب الحكومة في مقتل
تعاني الحكومة الشرعية من أزمة مالية إثر توقف صادراتها النفطية منذ أكتوبر تشرين الأول الماضي، جراء استهداف الحوثيين بهجمات ميناء الضبة النفطي في محافظة حضرموت شرق اليمن وميناء قنا في محافظة شبوة جنوب شرقي البلاد.
وتسببت تلك الهجمات في توقيف تصدير النفط والغاز، مما أدى إلى مضاعفة الأعباء المالية على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وإقليميا وإصابتها في مقتل جراء ذلك.
وتشترط الجماعة لاستئناف تصدير النفط الخام المستخرج من مناطق سيطرة الحكومة، توجيه العائدات لدفع رواتب كافة الموظفين العموميين في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة ومليشيات ما يعرف بأنصار الله، والذين لم يتقاض أغلبهم أجورهم لشهور طويلة.
وأكد رئيس الحكومة الشرعية، المعترف بها دوليًا، معين عبدالملك، في شهر فبراير/ شباط الماضي، أن اقتصاد بلاده خسر نحو مليار دولار بسبب استهداف "أنصار الله" موانئ نفطية في جنوب البلاد وشرقها، وأن الاقتصاد انكمش إلى النصف، وهو ما انعكس بشكل عام على اقتصاد البلاد، كون النفط أصبح المصدر الأكبر للدخل.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي أكد وزير المالية، سالم بن بريك، تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن إثر توقف الصادرات النفطية، المصدر الرئيسي لتمويل خزانة الحكومة، نتيجة استهداف أنصار الله الموانئ النفطية في البلاد.
> هجوم على الموانئ
وفي 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تبنت "أنصار الله" هجوماً على ميناء الضبة النفطي في محافظة حضرموت شرق اليمن، هو الثاني على الميناء والثالث الذي يستهدف الموانئ النفطية في مناطق الحكومة، وذلك بعد شهر من إعلان الجماعة إبلاغ الشركات النفطية بإيقاف عمليات التصدير رداً على ما تعتبره استحواذاً من الحكومة على إيرادات النفط والغاز وعدم توجيهها لدفع رواتب الموظفين العموميين.
وأعلنت "أنصار الله"، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وصول مفاوضات تمديد الهدنة إلى طريق مسدود، في ظل اشتراط الجماعة دفع الحكومة رواتب الموظفين العموميين من عائدات النفط والغاز المنتج من المحافظات التي تسيطر عليها القوات الحكومية.
> من المستفيد من إيقاف تصدير النفط؟
أدى توقف صادرات النفط في اليمن إلى تكبد الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا خسائر بأكثر من مليار دولار خلال الثمانية الأشهر الماضية في وقت تعاني فيه من العديد من الأزمات المالية والاقتصادية مع استمرار حالة الحرب والنزاع بين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا والمليشيات الحوثية التي تسيطر على عدد من المدن.
يأتي ذلك وسط شكاوى من أزمة مالية حادة يعانيها اليمن الذي يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم.
وبين كل ذلك الصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تمر بها البلاد بين الأطراف المتصارعة والمتناحرة يبقى السؤال الأهم الذي يطرح نفسه ويخرج إلى الضوء: من المستفيد من إيقاف تصدير النفط في اليمن؟