قراءة في المشهد الأمني والعسكري عقب استشهاد قائد قوات الحزام الأمني في أبين العميد عبداللطيف السيد..
ما تاريخ عبداللطيف السيد.. وما اللافت في سيرته.. وكيف واجه التنظيمات المتطرفة؟
ما دلالات المحاولات الحثيثة والمتكررة للتخلص من العميد السيد؟
هل يمثل الرجل خسارة فعلية.. ومن هي أكثر الأطراف المتأثرة برحيله؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
لا يمكن وصف استشهاد العميد عبداللطيف السيد، القائد العام لقوات الحزام الأمني في محافظة أبين، إلا بأنها خسارة فادحة تعرضت لها القوات المسلحة الجنوبية، وتحديدًا قوات الحزام الأمني، خاصة أن هذه القوات الأخيرة كانت بمثابة "رأس حربة" المواجهة المفتوحة مع التنظيمات الإرهابية في أبين.
فالشهيد السيد أتى من الصفوف الأمامية التي ما فتئت تحارب الإرهاب وتنظيم القاعدة تحديدًا في أبين، كما أنه تدرج في صعود سلم القيادة، حتى صقلته السنوات وخبرته الميادين كخصم تاريخي لتنظيم القاعدة الإرهابي، والرجل الذي شكل تهديدًا لاستقرار التنظيم المتطرف في أبين.
ويعد العميد عبداللطيف محمد حسين بافقيه السيد قاهر الإرهاب في جنوب اليمن، ويوصف بأنه الرجل الذي طالما أفلت من الموت بأعجوبة لمرات عدة، قبل أن يترجل عن صهوة جواده، رغم العديد من محاولات الاغتيال والتصفية التي تعرض لها من التنظيم الإرهابي، بعد الضربات الموجعة التي تلقتها القاعدة على يدي هذا الرجل.
وفي مختلف المراحل السياسية التي مرت بها محافظة أبين، وتحديدًا منذ بداية العقد الثاني من الألفية الجديدة، وخلال الاضطرابات التي عاشتها اليمن عام 2011، وما نتج عنها من سيطرة تنظيم القاعدة الإرهابي على محافظة أبين، وإنشاء ما سُمسي بالإمارة الإسلامية هناك.
حينها كان عبداللطيف السيد أحد القيادات التي حملت على عاتقها مواجهة التنظيم الإرهابي في مديريات محافظة أبين، وكان أحد العوامل التي أدت إلى استئصال شأفة التنظيمات المتطرفة من محافظة أبين، واضطرارها للهروب إلى القفار والجبال مشردة مطاردة.
ومن المؤكد أن هذا التاريخ النضالي في مواجهة تنظيم القاعدة، وأيضًا مواجهة تنظيم داعش الذي ظهر عقب ذلك خلال سنوات ما قبل حرب عام 2015 وما بعدها، جعلت من العميد السيد هدفًا للتنظيمات المتطرفة، التي وضعته على قائمة استهدافها، بعد أن قيّدها السيد وحد من تنقلاتها ونشاطها.
وهو أمر طبيعي أن يتعرض بطل كهذا لكل هذا الاستهداف ومحاولات الاغتيال بهدف إيقاف الجهود التي تبناها الشهيد السيد لمواجهة الإرهابيين في أبين على وجه الخصوص.
> محاولات الاغتيال
وتمتد محاولات الاغتيال التي تعرض لها الشهيد القائد عبداللطيف السيد إلى لعام 2012، أي قبل أكثر من عشر سنوات، وبدأت في النصف الأول من عام 2012 ، حينها تعرض هذا القائد لثلاث محاولات اغتيال، نفذتها عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي، فقط خلال ستة أشهر من ذلك العام.
أيضًا في 4 أغسطس/ آب من عام 2012، استهدف هجوم انتحاري لتنظيم القاعدة الارهابي مخيم عزاء في منزل القائد عبداللطيف السيد بمدينة جعار، وخلّف هذا التفجير 70 شخصاً من القتلى والجرحى، بينهم 3 من أسرة السيد الذي أصيب هو أيضاً بالانفجار إصابة بالغة وفقد على إثرها إحدى عينيه.
وفي 22 سبتمبر/ أيلول عام 2012، نجا العميد السيد من عملية انتحارية بحزام ناسف استهدفته في العاصمة المؤقتة عدن، وأدت لإصابته وثلاثة من مرافقيه بجروح، أيضًا في نوفمبر/ تشرين ثاني عام 2017 تم استهداف موكبه بعبوات ناسفة زرعتها عناصر القاعدة الإرهابية، أثناء مغادرته لمدينة المحفد متوجهاً إلى زنجبار.
بالإضافة إلى تعرض القائد عبداللطيف السيد في فبراير/ شباط 2019 لمحاولة اغتيال في مديرية المحفد بمحافظة أبين، بعبوات ناسفة زرعتها عناصر من تنظيم القاعدة الإرهابي، كما تعرض في مايو/ أيار 2020، لاستهداف موكبه بهجوم مسلح في منطقة باتيس بابين أدى لاستشهاد اثنين من مرافقيه وإصابة اثنين آخرين.
وفي نوفمبر/ تشرين ثاني 2021، استهدف موكب القائد عبداللطيف السيد، بهجوم مسلح لعناصر من تنظيم القاعدة، وأدى لإصابة قائد حراسته بإصابات خطيرة، بالإضافة إلى استهداف موكبه في مارس 2022، بهجوم انتحاري بسيارة مفخخة، في الطريق الرابط بين مدينتي جعار وزنجبار.
ويوم الخميس الماضي، 10 أغسطس/ آب 2023، استشهد القائد عبداللطيف السيد وعدد من مرافقيه، واثنان من أبرز وجهاء ومشايخ أبين، إثر تفجير عبوة ناسفة زرعتها عناصر تنظيم القاعدة الإرهابية، استهدف موكب السيد في مديرية مودية بمحافظة أبين، خلال قيادته لعملية سيوف حوّس، لتطهير أبين من فلول القاعدة الإرهابية.
إن حجم وعدد ونوعية العمليات الإرهابية الجبانة التي شنتها جماعة القاعدة الإرهابية، واستهدفت بها القائد عبداللطيف السيد، دليل على أن هذا الرجل الشجاع تمكن من توجيه ضربات موجعة للجماعات الإرهابية في أبين، وأصبح يمثل كابوساً مرعباً بالنسبة لهم، ويقض مضاجعهم ليلاً ونهاراً.
> من هو عبداللطيف السيد؟
يعد القائد الأمني الشاب عبداللطيف السيد هو الأب الروحي للجان الشعبية في محافظة أبين، خاصة في مدينتي زنجبار وجعار اللتين سطر فيهما أروع التضحيات من أسرته وأقاربه.
فالسيد، وهو ابن محافظة أبين، ويعد مؤسس اللجان الشعبية من قبائل أبين لمحاربة تنظيم القاعدة بدعم من قائد المنطقة العسكرية الجنوبية اللواء الركن سالم قطن، إذ قدم في معركة واحدة عام 2011 أكثر من 49 قتيلا في مواجهات دارت رحاها شرقي زنجبار، فيما سقط العشرات في معركة أخرى لمنع التنظيم الإرهابي من اجتياح "مدينة لودر" في العام نفسه، وسجل أبناء المنطقة الوسطى ملحمة فريدة ما زالت تروى حتى اليوم.
وكان العميد السيد في ذلك الوقت على رأس "اللجان الشعبية" التي شاركت في تحرير محافظة أبين 2012 من القاعدة، قبل أن يعيد التنظيم الإرهابي ترتيب صفوفه في محافظة البيضاء وشن سلسلة من العمليات الإرهابية لاغتيال كبار القادة العسكريين والأمنيين من أبناء أبين وشبوة والجنوب كافة.
وعاد التنظيم الإرهابي مجددًا إلى أبين، لاسيما بعد اغتياله اللواء سالم قطن في ذات العام، لكنه اصطدم مجددا بـ "اللجان الشعبية"، التي قادها على الأرض العميد عبداللطيف السيد وأطرها لاحقا ضمن القوات الجنوبية.
ونجحت هذه القوة النوعية ضمن قوات الحزام الأمني وبدعم سخي من قوات التحالف العربي من تطهير محافظة أبين للمرة الثانية عام 2016 من تنظيم القاعدة الإرهابي، قبل أن يعود بعد عامين من ذلك لبعض المناطق بسبب تواطؤ بعض القوى السياسية، واستخدام هذه التنظيمات من قبل مليشيات الحوثي في الشمال.
وكان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي قد عين عبداللطيف السيد قائداً للحزام الأمني بمحافظة أبين في 3 أغسطس/ آب الجاري، أي قبل استشهاده بأسبوع واحد فقط.
وإلى جانب دوره الأمني والعسكري لعب عبداللطيف السيد منذ أن كان رئيسا للجان الشعبية دورًا محوريًا في مكافحة الإرهاب بمحافظة أبين، وحل مشاكل القبائل ومشاكل الثأر وإنصاف المواطنين، وقاد حملات لترتيب وتحسين الأسواق وحركة النقل ودعم الفقراء والاهتمام بالجانب الرياضي والفعاليات الجماهيرية للترويح عن المواطنين.
> ما بعد رحيل السيد
من المؤكد أن مرحلة ما بعد العميد عبداللطيف السيد لن تكون أبدا كما قبلها، فالخسارة التي مثلها رحيله، ربما قد تشجع التنظيمات الإرهابية على الازدهار في المناطق التي قاومها السيد فيها كثيرًا، ومن المؤكد أيضًا أن يترك رحيل العميد عبداللطيف السيد فراغاً كبيراً في صفوف الحزام الأمني أيضًا، على الأقل في أبين، حيث كان قائداً عظيماً له تأثير كبير في تعزيز الأمن وتحقيق النصر على الإرهاب.
ولهذا فإن العمل الأمني والعسكري بات يحتاج في الوقت الراهن تغييرًا وتطويرًا في بنيته، خاصة بعد رحيل السيد، وبحسب خبراء عسكريين فإن استهداف القاعدة لقائد الحزام الأمني في أبين العميد عبداللطيف السيد يؤكد مدى حاجة العمليات العسكرية القائمة ضد تنظيم القاعدة لجهد استخباراتي نوعي ومتقدم.
ويضيف الخبراء والمراقبون أن "السيد يمثل أحد القادة الذين قارعوا تنظيم القاعدة في أبين منذ وقت مبكر، سبق انطلاق عملية سهام الشرق بسنوات عدة، والرجل قام بجهد جبار في حقل أمني شائك ومضطرب منذ عام 2012، حتى عام 2023، لا سيما مع ما شهدته أبين من تجاذبات واضطرابات بين أجنحة الشرعية والانتقالي وبينهما تنظيم القاعدة.
السيد وقواته المتمثلة بالحزام الأمني في أبين قاموا بجهد جبار في ظروف صعبة وأوضاع شائكة، تعرضوا وخلالها للكثير من محاولات الاغتيال ولكنهم استطاعوا خلالها تأمين عدد من المديريات على رأسها زنجبار وجعار وخنفر قبل انطلاق عملية سهام الشرق التي التحمت قواته ضمنها، حتى لحظة استشهاده.
ولا يجب نسيان أن السيد قتل وهو يقود حملة "سيوف حوس" العسكرية، والتي حققت نجاحات مهمة أبرزها اعتقال القيادي الميداني بتنظيم القاعدة الإرهابي "سعيد علي سعيد" المكنى بـ "أبو القعقاع" وتحرير عديد المعسكرات في وادي رفض ووادي جنين في مديرية مودية، وهي إنجازات يجب الحفاظ عليها.
كما لا ينبغي أن يؤثر غياب العميد عبداللطيف السيد على المشهد الأمني والعسكري خاصة في مواجهة الإرهاب في أبين والمحافظات الجنوبية عمومًا، وبقدر ما يمثله رحيل الرجل من خسارة كبيرة، خاصة بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي وقواته الأمنية المتجسدة في الحزام الأمني، إلا أن هذه الأمر يجب ألا يلقي بظلاله على جهود الحرب ضد التنظيمات الإرهابية.