آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: ما الذي تحمله عودة معين.. وهل تغير مجريات الأوضاع على الواقع؟

الثلاثاء - 15 أغسطس 2023 - 06:23 ص بتوقيت عدن
تحليل: ما الذي تحمله عودة معين.. وهل تغير مجريات الأوضاع على الواقع؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل يقرأ في عودة رئيس الحكومة اليمنية الدكتور معين عبدالملك إلى عدن في ظل أوضاع سياسية واقتصادية غير مستقرة..

ما الذي ستضيفه هذه العودة في ظل حالة الانسداد السياسي مع الانتقالي؟

كيف تقييم هذه العودة في ظل انهيار سعر الصرف والتردي الاقتصادي؟

جهود ومحاولات تغيير الحكومة.. هل فشلت وما الذي يترتب على بقاء الحكومة؟

(حكومة ستجلس في معاشيق)

(عدن الغد) القسم السياسي:

لم تتوقف الانتقادات الشعبية والمجتمعية للحكومة الشرعية؛ نتيجة التدهور الخدمي والمعيشي غير المسبوق الذي تعيشه المحافظات المحررة، وباتت هذه الحكومة العاجزة منذ أكثر من ثلاث سنوات في مرمى مدافع السخط العام، في ظل استمرار التردي الذي طال كافة مجالات الحياة في البلاد.

ووسط كل هذا الانتقاد والسخط، كان كثير من المواطنين يتوقعون تغييرًا مرتقبًا في الحكومة التي يترأسها الدكتور معين عبدالملك، وهو ما كان متوقعًا، أكثر من أي شيء آخر، ولم يدر في خلد كثيرين عودة هذه الحكومة ورئيسها إلى مدينة عدن، مع كل ما يعيشه الناس من معاناة وحرمان.

فليس بخافٍ على أحد، فشل هذه الحكومة في حلحلة الأزمات الخدمية والاقتصادية التي ترزح تحت ويلاتها المناطق المحررة، وهي الأزمات التي تسببت أيضًا بتوتر سياسي بين فرقاء الحكومة ومكوناتها المتعددة، وهي قوى ومكونات يفترض منها التعاون لإيجاد معالجات للأزمات العاصفة، وليس الصراع وتبادل تهم المسئولية.

عودة معين إلى عدن، كانت مستغربة لدرجة الاستهجان، فما الذي يمكن أن يفرض على هذا الرجل العودة إلى مدينة باتت أشبه بقرية محرومة من أساسيات الحياة، مدينة يفترض أنها عاصمة، غير أن ليس هناك من شيء يوحي عاصمة، فقد تحولت إلى مجرد مكان مظلم محروم من الكهرباء، وأهالي عطشى لا يجدون الماء، وميناء خاوٍ على عروشه ممنوع من التجارة والاستيراد، رغم أن سمعته بلغت ذات يوم الآفاق.

يغيب التفاؤل في هذه المدينة، ويكاد ينعدم من أي احتمالات للإصلاح، ليس من باب التشاؤم أو النظرة السوداوية، بقدر ما هو الواقع الذي يدركه الصغير قبل الكبير في مدينة عدن وكافة المحافظات المحررة، وهو ما ينطبق على عودة الدكتور معين، بعد أن تغلغل اليأس في نفوس الناس، عقب أكثر من ثماني سنوات غلبت عليها المعاناة المستمرة، ولا شيء غيرها.

لا يعلق أحدًا الآمال على عودة الرجل ولا على حكومته، بكافة وزرائها، سواءً المنتمين لمصطلح ما يعرف بـ "الشرعية" أو المنتمين لغيرها من القوى والتيارات والمكونات السياسية التي تقاسمت "كعكة" الحقائب الوزارية، وحاجة تلك القوى للتواجد والحضور السياسي، وتناست احتياجات البسطاء من المواطنين الذي يجب على الحكومة أن تخدمهم أولاً وتوفر احتياجاتهم كأولوية لعملها.

ومن المؤكد أن غياب الأمل، وانعدام التفاؤل في عودة الحكومة ورئيسها إلى عدن، والاقتناع بأي شيئًا لن يحدث أو يتغير في هذا الواقع، يرجع إلى العديد من العوامل والأسباب والمبررات يمكن قراءتها فيما يلي من سطور، وهي سطور تُكتب تحت الظلام، في ظل انعدام الكهرباء تمامًا عن مدينة يفترض أنها عاصمة.

> الانسداد السياسي

تُلقي الصراعات السياسية بآثارها على العمل الحكومي في أي مكان من العالم، فالتوتر بين القوى التي تتقاسم السلطة لا يولد نجاحًا خدميًا، ولا تساعد على إنعاش الاقتصاد والأوضاع المعيشية، بل إن أية مشاكل أو اتهامات متبادلة تسهم في تردي سعر الصرف مثلًا، كما هو حال الريال اليمني.

ولعل العلاقة غير المستقرة بين جناح الشرعية اليمنية في الحكومة، وبين جناح المجلس الانتقالي الجنوبي، هو ما يجعل الاستقرار الحكومي منعدمًا، وبالتالي تلاشي عوامل النجاح لصالح توافر أسباب الفشل عدم نجاعة أية حلول ومعالجات للأزمات التي تعصف بالمواطنين في كافة المناطق المحررة.

فالعمل الخدمي مرتبط جدًا بمدى الاستقرار السياسي وحتى العسكري، ولا يمكن أن تجد توجيهات ما طريقها إلى التنفيذ في ظل عدم التوافق عليها، وهو بالفعل ما تعيشه المحافظات المحررة منذ سنوات عديدة، يُرجعها البعض إلى ما بعد حرب عام 2015، وليس وليدة اليوم.

وتفاقمت الأزمة السياسية وضربت جوانب العمل الحكومي بشكل حاد عقب منتصف العام 2017، بل إن العمل الخدمي يكاد يكون منعدمًا منذ بداية المواجهات العسكرية داخل العاصمة عدن في بداية عام 2018، وخريف عام 2019، والتي لا يمكن تحميل أسبابها طرف دون آخر؛ كون المسئولية مشتركة.

الانسداد السياسي هذا مستمر طيلة السنوات الماضية، وهو ما جعل من الحكومة اليمنية أشبه بمكون "مشلول" لا يقدر على شيء؛ نتيجة كل هذا الصراع بين القوى السياسية والحزبية، وهو صراع لا يدفع ثمنه سوى الوطن والمواطن، المحروم من أبسط مقومات الحياة والخدمات العامة.

وبالتالي فإن عودة رئيس الحكومة الشرعية إلى عدن وسط كل هذه الظروف السياسية والصراعات بين الفرقاء لا يمكن أن تضيف جديدًا، ولا أن تغير في واقع التردي الحاصل في كل المجالات، بحسب مراقبين وحتى مواطنين فقدوا الأمل في التغيير، مع تصاعد التوتر.

وهو ما يقود إلى تساؤلات حول جدوى مثل هذه العودة من قبل رئيس الوزراء إلى مدينة عدن التي لا تنعم بأي توافق سياسي، كما أنها مدينة مغلقة على المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على المدينة ومقدراتها حتى الاقتصادية منها والتجارية؛ الأمر الذي يثير مسألة فاعلية وجدوى هذه العودة.

ففي ظل وضع كهذا، لا يمكن لرئيس الحكومة أن يقوم بأي إنجاز أو أن يحرك الملفات المتأزمة، أو يمارس أي نشاط حقيقي وفاعل على الأرض، مع تصاعد السخط الشعبي، والتوتر السياسي مع الفرقاء السياسيين والشركاء في الحكومة، ما يُرجح أن تكون عودة الدكتور معين ستبقى حبيسة قصر معاشيق، وقد لا تتعداه حتى يعود أدراجه من حيث أتى.

> الممكن والمتاح

العمل الحكومي يحتاج إلى الكثير من العوامل المساندة والمعاضدة، ولعل أول تلك العوامل هو المال، ومن المؤكد أن الحكومة الشرعية تفتقد إلى مثل هذا العنصر المهم، خاصة مع توقف تصدير النفط والغاز اليمني عقب تهديدات الحوثيين على الموانئ اليمنية المحررة، وبالتالي حرمان الحكومة من 77 % من موازنتها.

وأمام هذا الوضع، ثمة ملفات ثقيلة تواجه الحكومة تضعها أمام تحدي كبير، وأبرز تلك الملفات يأتي انهيار سعر صرف الريال اليمني، وما أعقبه وترتب عليه من تردي اقتصادي ومعيشي وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى توقف نشاط ميناء عدن وانحساره لصالح ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة مليشيات الحوثي.

وبناءً على ذلك، قد يتحدث البعض عن دور حكومي لانتشال التردي ومواجهته وكبح جماح التدهور الحاصل على كافة الصعد، على الأقل بما هو متاح وممكن وبحسب الإمكانيات المتاحة لدى الحكومة والتي كانت قد بدأت بالشروع بها، عبر إجراءات بديلة لتعويض النقص في الإيرادات النفطية، غير أن تلك الاجراءات لم تمضِ وفق ما كان مأمولًا، في ظل ازدهار الفساد وغياب الرقابة والمحاسبة.

وهذا ما جعل كافة الإجراءات البديلة غير ناجعة، ولم تحقق غايتها، الأمر الذي فرض على المملكة العربية السعودية منح اليمن دعم مالي -ليس وديعة- بمليار ومائتي مليون دولار لتسيير الشئون الخاصة بالحكومة، وإمكانية توفير التزامات المستويات العليا للدولة، وربما العمل على صرف مرتبات الموظفين العموميين المهددة بالتوقف.

كما أن بعض المراقبين، لا يستبعد أن تكون عودة رئيس الحكومة الشرعية إلى عدن تصب في اتجاه البحث عن بدائل اقتصادية حقيقية، لكن هذه المحاولة لن تكون سهلة، وستصطدم بالعوامل السياسية والشعبية السابق ذكرها، ما يتطلب جهدًا أكبر، وبالتالي توقعات أقل بالتفاؤل.

> فشل التغيير

عودة الدكتور معين عبدالملك توحي، بحسب متابعين، أن جهود ومطالب تغيير هذه الحكومة باءت بالفشل، في ظل دعوات كثيرة وضغوطات من قوى سياسية وحزبية عديدة بضرورة تغيير الحكومة ورئيسها، بما يتوافق مع تغير الخارطة السياسية للمكونات اليمنية والجنوبية، خاصة مع ظهور تشكيلات ومجالس سياسية مستحدثة مؤخرًا.

لكن هناك قوى إقليمية وخارجية ربما لا تريد تغيير هذه الحكومة، وترى أنها مناسبة لمصالحها وأجنداتها، ويبدو أن هذا الطرح هو ما يبرر الدعم المالي الأخير الذي حصلت عليه الحكومة؛ بهدف استمرارها وبقائها مزيدًا من الوقت.

غير أن بقاء الحكومة يحتم على الراغبين بهذا الخيار أن يكونوا أكثر سخاءً بدعمها ماليًا، لتأمين قضية صرف المرتبات المهددة بالتوقف، والعمل على توفير واستقرار الخدمات العامة وعلى رأسها الكهرباء، وإلا ليس هناك من فائدة لاستمرار حكومة لا تعمل شيئًا ولا تقدم خدمات، وهذا هو لسان حال بسطاء المواطنين.