آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: لماذا تمتنع مليشيا الحوثي عن دفع رواتب موظفي القطاع العام حتى اليوم؟

الأربعاء - 16 أغسطس 2023 - 06:15 ص بتوقيت عدن
تحليل: لماذا تمتنع مليشيا الحوثي عن دفع رواتب موظفي القطاع العام حتى اليوم؟
(عدن الغد)خاص:

4 مليارات دولار تدخل في خزينة المليشيا الحوثية سنويا من العائدات الضريبية والجمركية والجبايات وميناء الحديدة..

صنعاء بلا رواتب.. والحوثيون يلهثون وراء (الديولة) لا الدولة.

كيف تحايلت المليشيا الحوثية عن دفع رواتب المعلمين في المناطق الخاضعة لها؟

هل يضع الحوثيون من آلية دفع الرواتب عقبة جديدة أمام مسار السلام الشامل في البلاد؟

ما الذي يريدونه الحوثيون (الديولة) أم الدولة؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

أثبتت السنوات الفائتة منذ الانقلاب الحوثي على الدولة في عام 2014م أن المليشيا الحوثية تستخدم ملف رواتب الموظفين ورقة ضغط وابتزاز سياسي، على الرغم من المليارات التي تجنبها سنويا، بفعل تحكمها بالموارد الضريبية والجمركية وسيطرتها على ميناء الحديدة بقرارات دولية، ضاربة بكل مواثيق ومبادئ وأعراف القانون الدولي وحقوق الإنسان وقوانين الجمهورية اليمنية وقرارات الأمم المتحدة عرض الحائط.

ومنذ إعلان الهدنة وفتح الموانئ والمطارات في أبريل 2022م، تضاعفت الإيرادات الحوثية إلى أربعة ونصف تريليون ريال كحصيلة النهب الحوثي خلال العامين 2022/ 2023م، كما تضاعف معها الحقد على الوطن والمواطن وأصبح الموظف اليمني يعمل بالسخرة لدى الكهنوت الحوثي.

ومع امتناع الحوثيين عن دفع الرواتب، أطلق مناهضون للمليشيا الحوثية وصحفيون وإعلاميون وسياسيون وناشطون حملة إلكترونية تحت وسم "الحوثي يسرق الرواتب" للكشف عن عبث المليشيا الحوثية ونهبها لأموال وحقوق الشعب اليمني في المناطق الخاضعة لها.

ويشهد ملف رواتب الموظفين في اليمن تعقيدات من شأنها عرقلة مسار إحراز اتفاق شامل بين الحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين، هذا الاتفاق الذي تقوده السعودية وسلطنة عُمان منذ أشهر، تمهيدا للوصول إلى اتفاق شامل ينهي أزمة البلاد المستمرة منذ نحو تسع سنوات.

> ثراء فاحش يقابله موظفون بلا رواتب

ما بين فينة وأخرى يعبر اليمنيون عن استيائهم وغضبهم من إصرار مليشيا الحوثي وامتناعها بدفع رواتب موظفي الدولة في القطاع العام بالمناطق الخاضعة لسيطرتها، على الرغم من كل المطالبات المستمرة من قبل موظفي القطاع العام هناك.

هذه المطالب الحقوقية تتزامن مع حالة المعاناة الناجمة عن انقطاع الرواتب منذ 2016م، في الوقت الذي تراكم قيادات المليشيا الحوثية الإيرادات والجبايات في البدرومات وفي الاستثمارات الخاصة لقيادات الصف الأول في الجماعة في الداخل والخارج.

ووفقاً لبيانات تتعلق بكميات الوقود التي دخلت عبر ميناء الحديدة أشار تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة الخاص باليمن الصادر في عام 2019م إلى أن الحوثيين تحصلوا في عام ٢٠١٨ وحدها على نحو ١٣٢ مليار ريال يمني مقابل الرسوم على المشتقات النفطية الواردة عبر هذا الميناء فقط، ومع ذلك يمتنع الحوثيون عن دفع الرواتب حتى للمعلمين في المدارس الخاضعة لسلطتهم.

وبعد فتح الموانئ والمطارات بموجب اتفاق ستوكهولم 2018م، ازدادت إيراداتهم تضخما وتجاوزت 4 مليارات دولار في العام الماضي 2022م، لكنهم مع كل هذه الإيرادات يرفضون صرف رواتب الموظفين مع قدرتهم على ذلك.

وترى الصحفية وضحى مرشد أن العصابات الحوثية ظلت تحتكر توزيع الغاز والمحروقات وتكدس عائداتها، بينما تحتجز رواتب الموظفين.

ولم تقتصر المليشيا بذلك، بل قامت بنهب أرصدة الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات في العاصمة صنعاء عقب انقلابهم على الدولة 2014م، وقدرت تقارير اقتصادية أن ما نهبه الحوثيون من الهيئة قدر بنحو ٧٥٠ مليار ريال يمني، وفي العام ٢٠١٧ تم نهب بقية أرصد الهيئة، وقد بلغت إجمالي المبالغ الأخيرة نحو ٢٠٠ مليون دولار أمريكي.

> تحايل على دفع راتب المعلم

وبدلا أن تدفع مليشيا الحوثي رواتب المعلمين من الإيرادات والجبايات الضخمة التي تجنيها في مناطقها، تحايلت على المعلمين بتأسيس "صندوق دعم المعلمين"، الذي يشرف عليه وزير التربية والتعليم المعين من قبلها يحيى الحوثي شقيق زعيم الجماعة، ويتم تمويل هذا الصندوق بمضاعفة الرسوم والجبايات على الخدمات العامة، مما يثقل هذا الإجراء كاهل المواطن وبالطبع المعلم من ناحية أخرى.

قوبلت هذه الخطوة الحوثية بالرفض من قبل نادي المعلمين والمعلمات، واعتبر النادي إن أي مساعٍ تبذلها سلطة الحوثيين لا يعد إلا تحايلا جديدا على مطالبتهم بصرف رواتبهم بصورة شهرية أسوة بالصف الأول من القياديين والمسؤولين الحوثيين وأعضاء الحكومة الحوثية وغيرها من القيادات الموالية للجماعة.

وأكد النادي أن عائدات صندوق دعم المعلم ما هي إلا حوافز مستحقة للمعلمين، ولكنهم لن يقبلوا أن تكون هذه المبالغ الضئيلة بديلاً من رواتبهم المستحقة والمنقطعة منذ 2016م.

> ملف الرواتب عقبة حوثية جديدة

يرى مراقبون أن ثلاثة تحديات برزت أمام التوصل إلى توافق بشأن آلية دفع رواتب موظفي القطاع العام في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وتمثلت هذه التحديات حول كيفية احتساب إجمالي قيمة الرواتب المفترض دفعها بموجب كشوفات ديسمبر 2014م، وكذا كيفية إيجاد مصادر تمويل الآلية المرتقبة، بالإضافة إلى القيود ذات العلاقة بالسياسة النقدية التي يتبعها بنك صنعاء وعدن في ظل انقسام عمل البنكين منذ نقله إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر 2016م.

وطبقا لباحثين فإنه من المتوقع أن تواجه الوسطاء الدوليين والإقليميين تحديات صعبة في مساعيهم لبناء توافق بين الحكومة المعترف بها دوليا، وجماعة الحوثي على آلية تسليم مرتبات الموظفين في القطاع العام داخل مناطق سيطرة الأخيرة، وقد يتحول هذا الملف الإنساني إلى عقبة رئيسة أمام الجهود الحالية لتمديد الهدنة وتوسيعها مستقبلا على طريق إيقاف الحرب بشكل نهائي وعودة البلاد إلى مسار الحل السياسي.

وعلى الرغم أن الحوثيين أظهروا انفتاحاً على مقترحات من قبيل تخصيص عائدات مبيعات النفط والغاز لتمويل دفع رواتب الموظفين في القطاع العام في كل أرجاء البلاد، لكن هذا الأمر يصطدم مع توجهات الحكومة المعترف بها دوليا ومساعيها للوفاء بالحد الأدنى من التزاماتها تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها، ولاسيما ملف وقود محطات الكهرباء.

ووفقا لمتابعين فإن المفاوضات التي تدور حالياً بمساعي حوثية ورعاية عمانية، هي بشأن آلية تسليم مرتبات موظفي القطاع العام داخل مناطق سيطرة الحوثيين، في الوقت الذي يسلط الضوء هذا الملف مجدداً على مسألة الانقسام المالي، بفعل وجود بنكين مركزيين في صنعاء وعدن، والتداعيات المحتملة على صعيد السياسات النقدية، وأولوية معالجة هذا الانقسام في أي ترتيبات تمهد للحل السياسي الشامل.

ومن المعلوم أن المليشيا الحوثية تشترط تمويل آلية تسليم مرتبات موظفي القطاع العام في مناطق سيطرتها من إيرادات الثروة النفطية والغازية المتركزة في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، كما ترفض القبول بأي صيغة مغايرة تشمل تمويل الآلية من مصادر الإيرادات الضريبية والجمركية في مناطق سيطرتها، بل وترفض حتى تطبيق اتفاق ستوكهولم الذي نص على تخصيص عائدات موانئ محافظة الحديدة لصالح دفع مرتبات موظفي القطاع العام في مناطق سيطرتها، بينما تتولى الحكومة تمويل أي فجوة قد تظهر بين إجمالي قيمة العائدات والميزانية المطلوبة لدفع المرتبات بموجب كشوفات ديسمبر 2014م.

ويعتقد كثيرون أن الحوثيين يطرحون هذه الشروط بدافع رغبتهم في الاستئثار بمصادر الإيرادات في مناطق نفوذهم، وهي مصادر وموارد ضخمة تأتي من الجمارك والضرائب والزكاة ومبيعات النفط والغاز وجبايات أخرى متعددة، تعود عليهم بإيرادات ضخمة تتجاوز قيمة فاتورة الرواتب، غير أن الجماعة تسخر معظمها لصالح أجندتها المذهبية والطائفية الخاصة وحربها ضد اليمنيين المخالفين لها، وما تنفقه على الصالح العام إلا القليل من أجل امتصاص الغضب الشعبي ليس إلا.

ووفق المعطيات الحالية التي تبديها المليشيا الحوثية، فإنها لا تبدو مُستعدة للتنازل عن حصة أكبر لتمويل آلية دفع مرتبات موظفي القطاع العام في مناطق سيطرتها، وتريد إلزام حكومة مجلس القيادة الرئاسي بتحمل هذا العبء من عوائد بيع النفط والغاز.

وإمعانا في ممارسة هذا الابتزاز وتمرير هذا الشرط، هاجمت مسيرات مليشيا الحوثي منذ انتهاء الهدنة الأممية مطلع أكتوبر الفائت 2022م، ميناءي تصدير النفط في الضبة بحضرموت والنشيمة في شبوة.

وتأتي هذه الهجمات على موانئ النفط ضمن حرب اقتصادية تشنها على روافد الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى محاولتها تمرير صفقة شرط دفع الرواتب من عائدات النفط والغاز.

وعلى الرغم أن هذه الهجمات قوبلت بإدانة دولية واسعة باعتبارها عملاً إرهابياً يستهدف اقتصاد البلاد، إلا أنها لم تثن الحوثيين عن مواصلة حربهم الاقتصادية على كل الصعد والاتجاهات.

> الديولة أم الدولة؟

يرى كثيرون أن مليشيا الحوثي تريد "الديولة " ولا تريد الدولة، بمعنى آخر تريد من الدولة مميزاتها وعائداتها الضريبة والجمركية، لكنها في نفس الوقت ترفض أي التزامات تجاه المواطنين، ومن هنا فهو ينهب كل مقدرات الدولة ويسرق حقوق الموظفين وبالمقابل تتهرب هذه المليشيا من أي إنفاق على رواتب موظفي القطاع العام أو الخدمات العامة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

فـ "الحوثية" في المحصلة النهائية تقوم على مزعوم الاصطفاء والتفضيل الإلهي، لذا تقوم بتشغيل الناس بنظام السخرة، باعتبار أن لهم الشرف بخدمتها ولا يجوز لهم أن يطالبوا مقابل ما يقومون به من جهد وعرق إلا من الله تعالى شأنه.

باختصار... في نظر الكثيرين أن ما تقوم به مليشيا الحوثي تجاه الامتناع عن دفع رواتب موظفي الدولة والإمعان في المزيد من ممارسة التعنت والمماطلة لا يبررها شيئا، فلديها من الموارد والجبايات أضعاف ما كانت تمتلكه وزارة المالية إبان نظام علي عبد الله صالح، لكنها تريد أن تمعن في السرقة وأذلال الشعب.

ولا تكتفي هذه المليشيا بممارسة النهب وحرمان الموظف من راتبه، بل تقوم بشرعنة هذه اللصوصية عبر ترسانة فكرية ومذهبية وطائفية تقوم على الدجل والخرافة، بالإضافة إلى قاعدة تأسست على يد أسلافهم من الأماميين "جوع كلبك يتبعك"- يقول مواطنون.