آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

تقرير: مليار ريال سعودي في خزينة البنك المركزي بعدن.. لماذا لم يحدث أي تغيير؟

الأحد - 20 أغسطس 2023 - 06:45 ص بتوقيت عدن
تقرير: مليار ريال سعودي في خزينة البنك المركزي بعدن.. لماذا لم يحدث أي تغيير؟
(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول مصير الدعم السعودي المالي الأخير المقدم للحكومة الشرعية وأسباب عدم تحقيق أي تأثير يذكر على سعر الصرف أو الوضع المعيشي..

هل خرجت الأمور عن سيطرة حكومة معين.. ولماذا لم يشهد سعر الصرف أي تحسن؟

ما دور مضاربة الصرافين.. وهل أحكموا قبضتهم على السياسة المالية للدولة؟

هل تذهب هذه المعونات أدراج الرياح في ظل غياب حكومي واضح؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

يجمع كل الخبراء الاقتصاديين اليمنيين والدوليين على أن اليمن بلد غني وثري بالثروات الطبيعية القادرة على جعل هذا البلد الفقير حاليًا في مصاف الدول الغنية المتخمة، فقط إذا حصلت على رجال يعرفون كيف يديرون كل هذه الثروات التي تنام عليها هذه البلاد البكر.

وعندما يتم توصيف اليمن بأنها ما زالت "بكرًا" فهذا معناه أن الثروات المختزنة في جوف هذه الأرض وجبالها ومياهها ما برحت تحتفظ بكمياتها الضخمة والتي يمكن أن تمد العالم بالخيرات لعقود إن لم يكن لقرون، ولعل في المخزون النفطي والغازية في صحراء الجوف خير دليل على كلام كهذا، وفق تقارير اقتصادية دولية.

لكن ما ينقص هذه البلاد هي الكفاءات الإدارية الناجمة والتي يمكن لها أن تدير كل هذا الكم الهائل من الثروات، وتحويل اليمن من مجرد بلد يشكل عبئًا على جيرانه وعلى العالم، إلى بلد مستقل الإرادة والسيادة بفضل استقلاله بثرواته وخيراته.

كفاءات كهذه يفتقد إليها اليمن بكل تأكيد، ففي الوقت الذي يوجد فيه إجماع على غنى اليمن وامتلاكها للثروات الضخمة، ثمة إجماع آخر على افتقاد هذا البلد للإدارة الجيدة، التي تتحطم عندها كل محاولات الإصلاح الاقتصادي والمالي الذي جربته اليمن منذ تسعينيات القرن الماضي.

ولعل سوء الإدارة هذا، هو ما جعل أيادي الدعم في العالم والإقليم تتراجع توجسًا عن تقديم أية مساندة حقيقية وفاعلة لانتشال الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في اليمن من حالتها المتدهورة، وما تأخر الوديعة التي وعد بها السعوديون والإماراتيون غداة تأسيس المجلس الرئاسي اليمني مطلع أبريل/ نيسان 2022 إلا نتيجة هذا التوجس من انعدام الثقة في الإدارة اليمنية اقتصاديًا وسياسيًا.

إلا أن المسئولية التي تجسدها المملكة العربية السعودية تجاه الوضع العام في اليمن، منذ تدخلها العسكري في مارس/ آذار عام 2015، فرضت عليها ربما التعجيل بمنح الحكومة اليمنية دعمًا ماليًا -ليس وديعة بنكية- بمبلغ وقدره 1,2 مليار دولار، سارعت بصرف دفعة أولى منه بمبلغ مليار ريال سعودي إلى خزينة البنك المركزي اليمني.

كما أن الظروف الاقتصادية والمالية التي تمر بها الحكومة الشرعية نتيجة توقف إيرادات تصدير النفط والغاز بعد تهديد مليشيات الحوثي للموانئ اليمنية، عرّت الدولة في اليمن وحكومتها وعززت العجز بقيام مؤسسات البلاد عن الإيفاء بأهم التزاماتها تجاه مواطنيها، وعلى رأس ذلك دفع مرتبات موظفي الدولة، وهو ما يبدو أنه دفع الرياض إلى هذه المنحة المالية للحكومة اليمنية.

مليار ريال سعودي، تسلمته خزينة البنك المركزي اليمني بعدن، كدفعة أولى من المنحة البالغة مليار ومائتي مليون دولار، غير أن شيئًا لم يحدث على مستوى سعر صرف العملة المحلية، الذي ما زال يعاني انهيارًا مضطردًا، لم توقفه هذه الدفعة الأولى من المنحة المالية السعودية.

> سوء الإدارة وفشل مزمن

إذًا، ربما هي الالتزامات التي دفعت السعوديين إلى منح المنحة المالية للحكومة، وإلا فإن الوعود بالوديعة البنكية الخليجية التي لم تلج بالكامل بعد في خزينة البنك المركزي بعدن تشهد أن الإقليم والمجتمع الدولي ما فتئ يطالب الحكومة اليمنية وقيادة المركزي اليمني بإصلاحات حقيقية حتى تشجع المانحين على دعم اليمن اقتصاديًا.

وحتى بعد أن تسلم مركزي عدن مليار ريال سعودي، لن يشهد سوق الصرف المحلي ولا الاقتصاد الوطني أي يتحسن يذكر، وعاد الريال اليمني إلى هوايته المفضلة بالتردي المتواصل دون أن يحقق المليار السعودي أي تأثير يذكر، وظلت العملة المحلية في انهيارها المزمن، الأمر الذي يؤثر التساؤلات والاستغراب من العوامل والأسباب التي أدت إلى غياب أي تأثير يذكر الدعم السعودي الأخير.

بعض التفسيرات ترجح استمرار مشكلة اليمن الأزلية، المتمثلة في سوء الإدارة التي تتسبب بتلاشي الإيرادات والموارد والثروات اليمنية، وفي توصيف آخر "الفساد" الذي يمتص كل الخيرات كثقب أسود عملاق يلتهم كل ما يقابله أو يقترب منه، ويبدو أن المليار السعودي المقدم كدعم لليمن كان ضحية هذا الثقب الأسود، والفساد المستشري في قوام الدولة اليمنية.

ويجب هنا التنويه إلى أن هذا الفساد والإدارة السيئة للإيرادات لا ترتبط فقط بمفهوم الحكومة اليمنية بصفتها الشرعية الراهنة، ولكن سوء الإدارة متعدٍ حتى آلة قادة المكونات والتيارات والقوى السياسية والحزبية التي جاءت حتى ما بعد عام 2015، والتي باتت اليوم تسيطر على نسبة كبيرة من المحافظات المحررة، وعليها يقع، كما يقع على الحكومة الشرعية مسئولية سوء الإدارة والفساد الطاغي في البلاد.

الغريب في هذه القضية، أن ممارسي سوء الإدارة يتسببون، من حيث لا يدرون -أو ربما يدرون- بـ "تطفيش" أي رغبة دولية وإقليمية بدعم اليمن وانتشاله من الحالة المعيشية التي وصل إليها المواطنون، ويعززون نظرة العالم إلى اليمن بأنها عبارة عن تجمع كبير للصوص وناهبي الدعم الخارجي والقروض الدولية.

كان يمكن تجنب مثل هذا التحليل لهكذا وضع يعيشه اليمن، إلا أن الدعم الذي ما برح يتدفق على اليمن منذ بداية حرب عام 2015 حتى اليوم كفيل بانتشال اليمن من حالته المعيشية، وإنعاش الاقتصاد الوطني، وهو ما تشير إليه الإحصائيات الدولية التي تؤكد أن اليمن تلقى أكثر من 23 مليار دولار من الدول المانحة والمنظمات الدولية والإنسانية منذ بدء الصراع في اليمن خلال السنوات الثماني الماضية.

ورغم أن هذه الإحصائيات والتقارير تتحدث أيضا عن نسبة كبيرة من الدعم العيني، وليس فقط المادي، إلا أن رقم كهذا يعتبر كبيرًا وضخمًا للغاية، ويتطلب تدخلًا وتوضيحًا بمصير هذه الأموال وأين ذهبت، فالسكوت عنها يعني السكوت أيضًا عن المليار السعودي الذي دخل خزينة البنك المركزي اليمني ولم يحقق أي تغيير في سعر الصرف ولا تحسين الوضع المعيشي لبسطاء اليمنيين.

وهذا ما يؤكد أن أي دعم مالي قدم أو قد يقدم الى اليمن منذ سنوات ماضية وفي المستقبل قد لا يكون له أي أثر ما لم تتم معالجة قضية سوء الإدارة والفساد المالي والإداري الذي لم يرتبط بحكومة الدكتور معين عبدالملك فقط ولكن أيضًا بالحكومات الماضية، غير أن حكومة معين تبدو أنها فقدت السيطرة على هذا الفساد والإدارة السيئة أكثر من غيرها، وذلك لعدة عوامل.

أهم تلك العوامل هي الصراعات الداخلية التي فرضت على حكومة معين عبدالملك البقاء خارج البلاد والتمرغ في خيرات البلاد بالعملة الصعبة، لكن هذه المرة في فنادق العالم وليس في الداخل، بالإضافة إلى العديد من العوامل العسكرية والسياسية التي جعلت من الحكومة الحالية من أفشل الحكومات اليمنية على الإطلاق؛ نظرًا لعجزها عن كسب ثقة العالم والإقليم، وفشلها في تنفيذ أية إصلاحات أو معالجات اقتصادية حقيقية.

> تلاعب الصرافين

قد يتحدث بعض الخبراء الماليين عن أدوار تلعبها كيانات مالية تتواجد في المحافظات المحررة، تؤدي إلى التلاعب في أسعار صرف الريال اليمني وتمنع تعافيه حتى لو استقبلت الحكومة أي كمية من الأموال سواءً كمنح أو ودائع.

وهذا ما حذر منه غير واحد من المراقبين الاقتصاديين الذي أشاروا إلى دور خطير لشركات ومنشآت الصرافة، ووصفوها بالـ "دكاكين"، وتقوم بعمليات مضاربة تؤثر على أية إجراءات أو إصلاحات قد تعمل عليها الحكومة اليمنية أو البنك المركزي لكبح جماح تدهور العملة المحلية.

لدرجة أن بعض الخبراء وصف منشآت الصرافة التي تفرخت وتكاثرت بشكل مريب عقب عام 2016، بأنها باتت تشكل اليوم العنصر الأهم في التحكم بسعر صرف الريال اليمني في المحافظات المحررة، بل إنها أحكمت السيطرة على السياسة المالية الدولية، وصارت توجه أي صعود أو هبوط للعملة المحلية، وأن الحاجة حتى لفتح محلات الصرافة أو غلقها، كون عمليات المضاربة تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية وليس في سوق الصرافة الحقيقي.

خاصة وأن غالبية شركات الصرافة التي فتحت فروعًا جديدة في المحافظات المحررة هي شركات غير شرعية وغير قانونية، ومعظمها تعرض للإغلاق من البنك المركزي اليمني بعدن، غير أنها سرعان ما تعود للعمل مجددًا بشكل أكثر ريبة، وهو ما يؤكد أن ثمة أيادي أخرى غير سوء الإدارة والفساد الإداري والمالي للحكومة تمنع أي تأثير للمنح المالية والودائع البنكية المقدمة لليمن.

غير أن استمرار هذا الوضع على ما هو عليه كفيل بأن يجعل كل هذه المساعدات والمعونات والمنح المالية تذهب أدراج الرياح، وتتبخر الوعود الدولية والإقليمية بمد يد العون لليمن والحكومة في ظل تواصل غياب الإصلاحات الاقتصادية الحكومية، واستمرار دور منشآت الصرافة المريب في التلاعب بسعر العملة المحلية، وهو ما دق ناقوس الخطر إذا لم يتم يتدارك الوضع سريعًا.