تقرير يتناول الصراع بين مليشيات الحوثيين وشركة طيران الخطوط الجوية اليمنية..
ما حقيقة اتهامات الحوثيين لشركة طيران اليمنية؟
لماذا يحتجز الحوثيون أموال شركة طيران اليمنية؟
كيف يمكن حل وتجاوز الإشكاليات التي تحدث.. وما تأثيراتها على المواطنين؟
استعراض تاريخ الشركة وإنجازاتها ومشاكلها
(عدن الغد) القسم السياسي:
احتدم الصراع بين مليشيات الحوثي الانقلابية بصنعاء، وبين شركة الخطوط الجوية اليمنية، الشركة الحكومية الوحيدة والحصرية المتكفلة بنقل المواطنين اليمنيين الراغبين بالسفر، وحلقة الوصل الجوية الوحيدة بين اليمن والعالم.
طبيعة الصراع وخلفياته يمكن حصرها واختصارها بسياسة الحوثيين الانقلابيين التي انتهجوها منذ الوهلة الأولى لانقلابهم على الدولة في اليمن، وذلك أن المليشيات أخذت على عاتقها السيطرة والاستحواذ على كافة مؤسسات الدولة، وشركاتها ومرافقها الإيرادية الكبرى، كنتاج طبيعي لرغبتهم في النهب والسلب التي درجوا عليها واعتادوها.
فالمشكلة الأخيرة بين الحوثيين وشركة طيران اليمنية تتمحور حول أرصدة الشركة وأموالها المتواجدة في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، والتي سطا عليها الحوثيون ونهبوها، تحت مبررات واهية وغير منطقية، وهو ما لم ترضَ به شركة الخطوط الجوية اليمنية، التي صعدت من جانبها هي الأخرى.
تصعيد اليمنية تمثل في تعليق رحلاتها إلى مطار صنعاء الدولي، كاحتجاج ورد فعل على مصادرة الحوثيين لأرصدة وأموال الشركة في صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة، غير أن الحوثيين واجهوا التصعيد بتصعيد مماثل من خلال احتجاز طائرة اليمنية القادمة من مطار الملكة علياء بالعاصمة الأردنية عمّان إلى صنعاء، ما جعل المشكلة تتخذ أبعادا خطيرة، ربما لم يكن مخططا لها.
لكن ما لا يستوعبه أحد، هو الكيفية التي تواجدت فيها طائرة اليمنية في صنعاء، رغم تصعيد شركة الطيران المحلية ضد الحوثيين، وخلافاتها معهم، وإقرارها تعليق رحلاتها إلى صنعاء، فمن البديهي أن تتوقف رحلات اليمنية إلى صنعاء بعد قرار الأخيرة تعليق رحلاتها، غير أن تواجد الطائرة المحتجزة في مطار صنعاء رغم المخاطر ورغم الخلافات يثير الكثير من التساؤلات والشبهات.
الصراع بين الطرفين قائم على الأموال الخاصة باليمنية في مكاتبها ومرافقها الواقعة داخل نطاق سيطرة الحوثيين، لكنه اتخذ أبعادا سياسية كثيرة، عطفا على علاقة اليمنية المباشرة بالحكومة الشرعية، بالإضافة إلى تأثيرات التفاهمات بين الحوثيين والتحالف العربي والأمم المتحدة بشأن تشغيل الرحلات الإنسانية عبر مطار صنعاء الدولي.
قد تكون طبيعة الخلاف هذه ألقت بظلالها على الوضع الإنساني للرحلات من وإلى صنعاء بالفعل، لكنها أيضا تخضع للمبالغة من قبل المليشيات التي تتخذ من المبرر الإنساني منطلقا لممارستها ضد مؤسسات الدولة، خاصة الإيرادية منها، والتي تهدف على ما يبدو للإضرار بالوضع المالي لشركة الخطوط الجوية اليمنية، تماما كما أضرت بالكثير من مؤسسات الدولة الكبرى.
> اتهامات الحوثيين لـ "اليمنية"
مصادرة الحوثيين لأموال اليمنية في مناطق سيطرة المليشيات، بررته هذه الأخيرة بأنه يأتي بهدف إعادة تهيئة الشركة وفروعها في مناطق سيطرة الجماعة، وهذا المبرر مهما كان غير منطقي وغير واقعي، إلا أنه كان الأساس الذي بنت من أجله المليشيات قرار مصادرة أموال شركة الخطوط الجوية اليمنية، والبالغة حوالي 80 مليون دولار، بحسب بيان الحوثيين الأخير.
لكن هذا التبرير لم يقف عند حد الترويج لرغبة الحوثيين بـ "تحديث أسطول طيران اليمنية"، وإعادة تشغيل مكاتبها وفروعها في صنعاء ومدن السيطرة الحوثية، بحسب البيان الحوثي، ولكنه يوحي بسعي المليشيات إلى محاولة الاستقلال وانفصال شركة الطيران عن اليمنية، وإنشاء شركة طيران خاصة بها، لا مانع من أن تحمل نفس الاسم، تجسيدا للازدواجية التي ضربت حكومات اليمن المتعددة ورؤساءها الكثر، وعملتي الشمال والمناطق المحررة، وغيرها من الثنائيات المؤسسية التي أنتجتها الحرب وتبعاتها.
وهذه محاولة قامت على أساس اتهامات أطلقتها الجماعة الحوثية ضد شركة طيران اليمنية، فوفق البيان الحوثي، فإن اليمنية تعمل على "العبث" بأموال المسافرين اليمنيين من الجرحى والمرضى والضعفاء، الذين يدفعون لليمنية أموالهم دون أن يحصلوا على خدمات مناسبة ونوعية، بحسب التبرير العلني الذي أصدره الحوثيون، دون التوضيح عن حقيقة ذلك العبث وصوره.
وإذا كانت تلك المبررات هي التي اعتمدها الحوثيون وقادتهم في مصادرة أموال اليمنية، إلا أن الهدف منها واضح، في توجه المليشيات إلى اعتماد وبناء أسطول جوي مدني للرحلات الجوية من وإلى صنعاء ومطارات أخرى داخل نطاق سيطرتها، خاصة بعد تخفيف القيود عن للحظر الجوي على اليمن، والسماح بتشغيل مطار صنعاء بشكل واسع عقب التفاهمات مع الأمم المتحدة والسعوديين.
ورغم أن التوجه الحوثي هذا يبدو صعبا، ويحتاج إلى موافقات من المطارات التي ستستقبل طائرات الحوثيين ورحلاتهم، في ظل عدم اعتراف دولي بالجماعة، ولا بالرحلات القادمة من مناطق سيطرتها إلا بموافقة الأمم المتحدة والتحالف والحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، إلا أنه يبقى مشروعا حوثيا تسعى إليه الجماعة؛ لتكريس الفصل بين مؤسسات الدولة، في مناطق سيطرتها والمناطق المحررة الخاضعة لسيطرة الحكومة.
وبعيدا عن حقيقة تلك الاتهامات، إلا أن الوضع المتعلق بالخلاف بين الحوثية وشركة طيران اليمنية ليس بمنأى عن التجاذبات السياسية بين أطراف الحرب المحليين والإقليميين، وللأسف فإن المتضرر الأكبر من كل ذلك هم المواطنون الضعفاء من المرضى والجرحى المتضررين من توقف الرحلات أو تعليقها.
> اتهامات "اليمنية" للحوثيين
في المقابل، ترى شركة الخطوط الجوية اليمنية، أن مليشيات الحوثي تصادر أموالها وأرصدتها في مناطق الجماعة بشكل سافر وغير منطقي، ولا يمكن قبول أية ممارسات صادرة على الحوثيين بهذا الشأن؛ كون الشركة تقدم خدمات إنسانية بناء على تفاهمات مع الأمم المتحدة والتحالف العربي.
وبحسب اليمنية، فإن الحوثيين لا يقومون إلا بعملية سطو وسرقة ونهب لأموال ليست لهم، وهي أموال خاصة بالشركة تعمل من خلالها على توفير خدماتها الرعايا اليمنيين، بمن فيهم المرضى والجرحى في مناطق سيطرة المليشيات، وتتضمن تكاليف الرحلات والصيانة وغيرها، بحسب وصف ردود أفعال شركة الطيران.
وبالتالي فإن مراقبين وكتابا صحفيين يرون أن الحوثيين ليست لهم أية سلطة على مؤسسة مثل اليمنية، لم تعد تتواجد بشكل رسمي في مناطق سيطرة الحوثيين، حتى رحلاتها من وإلى صنعاء لا تتم منذ عام 2016، إلا بحسب اتفاقيات بين الحوثيين والتحالف والأمم المتحدة وموافقة الحكومة الشرعية انطلاقا من مسئولية إنسانية بحتة.
وبناء على ذلك، فإن اليمنية والمراقبين المتبنين لوجهة نظرها، يرون في ممارسات الحوثيين تعديا صارخا على أموال شركة الطيران اليمنية، قد يمنعها من تقديم خدماتها، وهو ما دفعها إلى إيقاف وتعليق رحلاتها من وإلى مطار صنعاء الحوثي، وفق بيان رسمي صدر عن الشركة.
هذه المشكلات بين الحوثيين واليمنية، كان يجب أن تسعى لحلها جهات وأطراف إقليمية ودولية، باعتبارها مشكلة ستؤثر على كافة التفاهمات والاتفاقات الخاصة بإعادة تشغيل مطار صنعاء، وهي قضية معني بها بشكل مباشر المسافرون المرضى والجرحى في مناطق سيطرة الحوثيين، ممكن يتكبدون عناء السفر والتنقل إلى مناطق سيطرة الشرعية بهدف السفر الى الخارج.
وانطلاقا من هذا التأثير، فإن العمل على تجاوز هذه الإشكاليات ينبغي أن يقوم على أساس إبعاد الخدمات المقدمة من اليمنية عن أية أبعاد سياسية، وكف يد الحوثيين عن التدخل في عملية الرحلات الجوية، باعتبارها جانبا إنسانيا بحتا مرتبطا بالمواطنين ويؤثر عليهم بشدة، لا علاقة للحوثيين بإدارة هذا الجانب أو الإشراف عليه، وهو ما تحدثت عنه بالفعل كيانات نقابية تابعة لطيران اليمنية.
> خيار التحييد
نقابات الخطوط الجوية اليمنية قدمت مبادرة لتحييد عمل الشركة عن التجاذبات السياسية، باعتباره حلا ومعالجة واقعية للمشاكل التي تواجه عمل شركة الطيران اليمنية في مناطق سيطرة الحوثيين.
حيث قدمت نقابات الخطوط الجوية اليمنية، يوم الثلاثاء الماضي، مبادرة لإنهاء أزمة توقف نشاط الخطوط الجوية من صنعاء إلى الأردن، تلخصت المبادرة في نقطتين رئيسيتين، تتمثل في فتح الرحلات من مطار صنعاء الدولي، وتشكيل لجنة عاجلة في صنعاء وعدن بإشراك النقابات للاجتماع في عمّان والتوصل إلى اتفاق.
وقال بيان صادر عن نقابات الخطوط الجوية اليمنية إن ذلك يأتي وفقا للبروتوكول الموقع بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية بقانون رقم 21 لعام 1997، وأضاف البيان أن المبادرة تأتي انطلاقا من مبدأ الحفاظ على شركتنا ودورها الوطني وسعيا منا لمنع تفاقم الأزمة ووقف التصعيد من الأطراف السياسية الذي لا يخدم الشركة ويؤثر على ممارسة نشاطها وتقديم خدماتها الإنسانية.
وتهدف المبادرة إلى تطبيع نشاط الشركة ومعالجة كافة الإشكاليات، ويشير البيان إلى أن الإشكاليات التي تسببت في إعاقة تنفيذ خطط الناقل الوطني المنشودة لتطوير أسطولها ومعداتها.
خاصة أن شركة طيران اليمنية التي يعود تاريخه إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر عام 1962، وفي زمن الإمامة، حين دخلت المملكة العربية السعودية كشريك بنسبة أقل من نسبة اليمن في الشركة، تعاني تهالكا في أسطولها ومعداتها، وبالكاد تعمل الشركة على شراء وتحديث طائراتها، وهو وضع فامته الحرب الراهنة.