تقرير يتناول غياب اليمن عن خارطة التكتلات والمشاريع الاقتصادية الدولية..
ما أسباب المشاركة الباهتة لليمن في الدورة الثالثة لمنتدى الحزام والطريق الصيني؟
ما المكاسب الاقتصادية لليمن من وراء الانضمام لمشروع الحزام والطريق؟
ما الخسائر من وراء تأخر مشاريع الحزام والطريق المخصصة لليمن بسبب استمرار الحرب؟
متى يرى جسر النور البري الرابط بين اليمن وجيبوتي النور؟
اليمن.. في عالم ثانٍ
(عدن الغد) القسم السياسي:
شارك سفير اليمن في الصين محمد الميتمي الأربعاء الماضي في الجلسة الافتتاحية للدورة الثالثة لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، المنعقدة في العاصمة بكين التي تعقد تزامنا مع حلول الذكرى العاشرة لإطلاق مبادرة الحزام والطريق، ويشارك في المنتدى ممثلو أكثر من 130 دولة ومنظمة دولية بينهم عدد من رؤساء الدول.
وكانت اليمن قد وقعت عام 2019 على مذكرة تفاهم، للانضمام لمبادرة الحزام والطريق التي تعد خطوة إيجابية لفتح آفاق كبيرة في مجال التجارة والاستثمار والتنمية مع الدول الأعضاء في المبادرة وخصوصا مع الصين.
وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ في افتتاح المنتدى إن بلاده أبرمت اتفاقيات لمبادرة "الحزام والطريق" بقيمة 97.2 مليار دولار خلال مؤتمر الرؤساء التنفيذيين المقام على هامش الدورة الثالثة لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، مضيفا أن بنك التنمية الصيني وبنك الاستيراد والتصدير الصيني، سيؤسس كل منهما نافذة تمويل بقيمة 49 مليار دولار، مع ضخ نحو 11 مليار دولار إضافية إلى صندوق طريق الحرير.
وقبل انعقاد المنتدى بيومين قال وزير الإدارة المحلية السابق عبد الرقيب فتح على حسابه في منصة (إكس) إن اليمن فشلت في المشاركة في منتدى الحزام والطريق بالصين، بسبب سوء التنسيق والإجراءات الروتينية بين وزارات الحكومة المختلفة، مشيرا إلى أن المنتدى كان فرصة لتقديم مشاريع مدروسة، يتم تمويلها عالميا إذا تم إقرارها، لافتا أنه جرى تكرار نفس ما حدث لعملية نقل الـ 40ألف طن من الحبوب وبنفس الإجراءات الروتينية، مما أدى إلى فشل المشاركة، حد تعبيره.
وفي ظل التكتلات والمشاريع الاقتصادية الدولية ماتزال الحرب الدائرة في البلاد منذ تسع سنوات، تسهم في تغييب اليمن من أهم هذه المشاريع الاقتصادية، ولعل أولها طريق الحزام والطريق الصيني الذي جعل من اليمن أهم المحطات فيه.
> اليمن تنظم للمبادرة وتتعثر في التنفيذ
وقعت اليمن عبر وزير الصناعة والتجارة على مذكرة تفاهم مع الصين في أبريل عام 2019، للانضمام إلى مشروع طريق الحرير الجديد الذي تعتبر اليمن أحد المحطات المهمة جداً فيه.
وصادق مجلس الوزراء على مذكرة التفاهم بين اليمن وجمهورية الصين الشعبية، بشأن التعاون في إطار الحزام وطريق الحرير الاقتصادي للقرن الحادي والعشرين، وذلك بهدف تعزيز تبادل السلع والتكنولوجيا ورأس المال وتحقيق التنمية المشتركة، وتعزيز التعاون والاتصال الإقليمي بين المناطق وتحقيق تعاون اقتصادي منفتح وشامل ومتوازن للجميع.
ويركز مشروع طريق الحرير الجديد الذي أعلنته الصين في نهاية عام 2013، على الاستثمار في البنية التحتية والسكك الحديدية والطرق السريعة، وتقع اليمن في قلب هذا المشروع ومراكز رئيسة، لاستقبال سفن طريق الحرير البحري القادمة من الصين لأوروبا عن طريق باب المندب والموانئ اليمنية.
يرى المحلل الاقتصادي عبد الواحد العوبلي أن هذا المشروع يصب في مصلحة اليمن ويتيح لها الاستفادة من الاستثمارات الضخمة التي يمكن للصين ضخها في مشاريع البنية التحتية في اليمن، ما سيمكنها من استئناف إعمار اليمن في وقت أقل، لذلك فمشروع طريق الحرير الصيني يعتبر فرصة عظيمة لليمن للتعافي من آثار الحرب بأسرع وقت.
كما أنها فرصة لدخول اليمن في عقود دولية من عينة (البناء والتشغيل ونقل الملكية) مع دول أخرى، وتفعيل دور القطاع الخاص لخدمة جهود إعادة التنمية، بحيث تتجنب اليمن سيطرة دولة أو قوى دولية معينة على الاقتصاد، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى السيطرة على السيادة والقرار السياسي اليمني.
بدوره يقول السفير اليمني لدى الصين عبد الواحد الميتمي "إن طريق الحرير أعظم مشروع اقتصادي وتنموي يربط بين دول العالم، وتعتز اليمن وتفتخر أنها تجدد روابطها التاريخية مع الصين عبر انضمامها في إبريل 2019 إلى مبادرة الحزام والطريق، على الرغم من أن اليمن يمر في مأزق تأريخي وطويل على امتداد قرن من الزمن، وفي الوقت الحاضر يعاني الضعف بفعل الحروب والصراعات المفروضة عليه لتكبيل حركته الإقليمية والدولية ونزع روحه الوطنية".
وفي نظر كثيرين، فإن الحرب الحالية تتعدى الآثار الاقتصادية إلى استهداف وتُمزيق وحدته الوطنية والجغرافية والنسيج الاجتماعي وتعمل على تعميم الفقر والخراب والدمار في أرجاء البلاد، حتى غدا البلد هامشيا كسيحا لا يقوى على شيء.
ولأسباب الحرب الدائرة في البلاد، صرف الصينيون النظر عن اليمن مؤقتا ومعها تضيع الفرصة الاقتصادية التاريخية التي كانت مرسومة لليمن في خرائط الخطة الصينية الأصلية المعلنة في مبادرة طريق الحرير إلى أن تضع الحرب أوزارها.
> الحزام والطريق الصيني
يرى باحثون اقتصاديون أن مبادرة الحزام والطريق، تمثل منصة مثالية لعقد الشراكات والتحالفات الاقتصادية المؤثرة، ومعبراً لمرور حركة التجارة لمختلف دول العالم، بالنظر إلى وجود أكثر من 70 دولة حول العالم منخرطة في هذه المبادرة التنموية الضخمة، ويهدف إلى بناء شبكة تجارة وبنية تحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا سعياً إلى تحقيق التنمية والازدهار على نحو مشترك، وتشكل هذه المبادرة حالة إيجابية لتحقيق الأهداف الاقتصادية المتضمنة في وثيقة مبادئ الخمسين وعلى رأسها التنويع والاستدامة الاقتصادية.
وبدوره قال الإعلامي اليمني خالد عليان "إن الصين اليوم تشارك الآخرين عبر مفهوم الحزام والطريق في إتاحة الفرصة، لتحقيق الأحلام المتساوية وإنقاذ الدول النامية ومد يد العون للدول الفقيرة في مساحة واسعة من دائرة الأصدقاء في الحزام والطريق".
وفي نفس السياق أعلن الرئيس الصيني شي جين عن الأعمال الثمانية التي ستقوم بها الصين لدعم بناء "الحزام والطريق" بجودة عالية، وذلك ببناء شبكة الحزام والطريق الشاملة الأبعاد للتواصل والترابط، ودعم بناء الاقتصاد العالمي المنفتح وإجراء التعاون العملي وتدعيم التنمية، والدفع بالابتكار التكنولوجي ودعم التواصل الشعبي وبناء طريق النزاهة، فضلا عن استكمال آليات التعاون الدولي بشأن الحزام والطريق.
وأكد الرئيس الصيني شي أن الصين ستدعم بناء اقتصاد عالمي مفتوح، في الوقت الذي من المتوقع أن يتجاوز إجمالي حجم تجارة البلد في السلع والخدمات 32 ألف مليار دولار، و5 آلاف مليار دولار على التوالي خلال الفترة 2024 - 2028، لافتا إلى أن الصين ستنشئ مناطق تجريبية للتعاون في التجارة الإلكترونية لطريق الحرير، وستوقع اتفاقيات للتجارة الحرة ومعاهدات لحماية الاستثمار مع المزيد من الدول.
من جهة أخرى تعهد الرئيس شي بتقديم مزيد من الدعم المالي على أساس العمليات السوقية والتجارية لمشاريع مبادرة الحزام والطريق، وأبرز في هذا الصدد أن بنك التنمية الصيني وبنك الاستيراد والتصدير الصيني سيؤسس كل منهما نافذة تمويل بقيمة (48,75 مليار دولار أمريكي)، مع ضخ 11مليار دولار إضافية إلى صندوق طريق الحرير، منوها أن الصين ستنفذ 1.000 مشروع صغير لدعم سبل العيش، وتعزز التعاون في التعليم المهني عبر "ورش عمل لوبان" ومبادرات أخرى، مشددا على أنه يتعين بذل مزيد من الجهود لضمان نجاح المشاريع المقامة في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وأضاف أن الصين ستعمل مع الدول الشريكة في مبادرة الحزام والطريق لتعزيز بناء منصات التعاون متعدد الأطراف التي تشمل الطاقة والضرائب والتمويل والتنمية الخضراء، والحد من الكوارث ومكافحة الفساد ومراكز الأبحاث والإعلام والثقافة ومجالات أخرى.
وعلى المستوى الإيكولوجي أبرز أن الصين ستواصل تعميق التعاون في مجالات من قبيل البنية التحتية الخضراء والطاقة الخضراء والنقل الأخضر، وستزيد من دعمها للتحالف الدولي للتنمية الخضراء لمبادرة الحزام والطريق.
وبخصوص قطاع الابتكار أوضح شي أن الصين ستواصل تنفيذ مخطط عمل الحزام والطريق للتعاون في الابتكار العلمي والتكنولوجي، وستعقد أول مؤتمر للحزام والطريق حول تبادل العلوم والتكنولوجيا، مشددا على أن تعاون الحزام والطريق اقترحته الصين، ولكن فوائده وفرصه يتقاسمها العالم الممتد من القارة الأوراسية إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث وقعت أكثر من 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية على وثائق تعاون بشأن الحزام والطريق.
وطبقا لتقارير صحفية عربية، فإن الصين الآن تعد الشريكة التجارية الأكبر للدول العربية، وتضاعف حجم التجارة بين الصين والدول العربية منذ عام 2012 ليصل إلى 431.4 مليار دولار أمريكي عام 2022، وفي النصف الأول من هذا العام وصل حجم التجارة بين الصين والدول العربية إلى 199.9 مليار دولار.
> تكتل البريكس.. والممر الاقتصادي
يرى مراقبون أن حروب العقدين الأخيرين باسم الديمقراطية والثورات، هي قي الأساس حروب الأنابيب وممرّات الطاقة من العراق إلى سوريا وليبيا واليمن، فضلًا عن مصر المحاصرة اقتصاديًا والمهدّدة مائيًا، دون أن نغفل تطورات حرب البحر الأحمر المنطلقة في السودان وربما تنطلق غدًا منه.
ويرى مختصون في العلاقات الدولية أن ثمّة نتيجة مغايرة لما تقدّم، خصوصًا إذا ما حسمت روسيا معركتها مع الناتو في أوكرانيا، وإذا ما ضاعف مشروع الحزام والطريق الصيني سرعته، ليفرض وقائع جيوسياسية تشلّ حركة المشروع الهندي الإسرائيلي (الممر الاقتصادي).
ولم تتعثر اليمن في مبادرة الحزام والطريق بل في الانضمام إلى مجموعة "البريكس" أيضا، التي تأسَّست في العام 2009 من أربع دول هي روسيا والصين، الهند والبرازيل، ثمّ انضمت إليها جنوب أفريقيا في العام 2011، حتى وصلت اليوم إلى 23 دولة، وقد ينظم إليها مع حلول العام المقبل 2024م دول أخرى منها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، لتصبح دول البريكس 40 دولة.
وبعد عشرة أعوام على إطلاق مبادرة الحزام والطريق التي انبثقت عنها اتفاقيات شملت 152 دولة و32 منظمة دولية، وأرست شراكات تجارية بين الصين و25 دولة، أطلقت الولايات المتحدة "مشروع الممر الاقتصادي"، لربط جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والشرق الأوسط، وذلك خلال قمة العشرين الأخيرة التي عقدت في نيودلهي وحضرها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
> جسر النور لم ير النور
في العام 2008م كانت شركة ميدل أيست ديفلوبمنت ومقرها دبي أعلنت اعتزامها بناء مشروعات عمرانية في كل من اليمن وجيبوتي على جانبي جسر معلق على البحر الأحمر يربط بين البلدين بتكلفة 200 مليار دولار.
وكانت الشركة التي يملكها رجل الأعمال السعودي طارق محمد بن لادن ستستثمر عشرة مليارات دولار في المشروع، لبناء مدينتين ملحقتين على أن تكون واحدة في اليمن وأخرى في جيبوتي، وستضمان مناطق سكنية وتجارية ورعاية صحية، وكان من المفترض أن تتسع المدينة الواقعة في اليمن خمسة ملايين ساكن والواقعة في جيبوتي 1.5 مليون نسمة.
وحسب الشركة المنفذة للمشروع، فإن الجسر يمتد 18.5 كيلومترا وتمر عليه المركبات والقطارات والغاز الطبيعي والمياه، وقدرت تكلفته حينها ب 14 مليار دولار على أن يستكمل بناؤه على مراحل بفترة زمنية تستغرق 15 عاما، واليوم تنقضي من هذا المشروع نحو 15عاما ولم ير النور بعد.
ختاما.. مع استمرار الحرب في اليمن في ظل ألا أفق للخروج من هذا النفق المظلم قريبا، يبدو أن البلاد مقبلة على المزيد من الخسائر الاقتصادية للاقتصاد الوطني المنهك على الصعيد المحلي، علاوة على الخسائر في الصعيد الإقليمي والدولي، جراء هذا الغياب القسري والاضطراري عن عجلة الاقتصاد الدولي.