تقرير يبحث في إجراءات الدولة والحكومة لمواجهة إعصار تيج والتغيرات المناخية..
ما الاحتياطات التي وضعتها السلطات المحلية لمواجهة إعصار تيج؟
أين دور الحكومة ومؤسسات الدولة لوضع التدابير اللازمة للحد من تداعيات الإعصار؟
ما الإمكانيات التي يمكن تسخيرها لمواجهة إعصار تيج؟
في ظل تزايد الأعاصير.. ما الاستراتيجيات التي وضعتها الدولة لمواجهتها؟
كيف تتعامل الدولة مع التغير المناخي الذي يضرب العالم وتأثيراته على اليمن؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
تقاس قيمة الدول بما توفره من بنية تحتية في بلدانها، توفر من خلالها الخدمات، وتتواجد لحماية مواطنيها من أية كوارث، سواء كانت طبيعية أو من صنع بني البشر كالحروب وغيرها، وأولى تلك البنى التحتية يأتي الإنسان المؤهل والكادر المتدرب على التعامل مع الأزمات والكوارث، ثم تأتي بعد ذلك التجهيزات التي تعين الدولة على مواجهة أي طارئ.
ومع التغير المناخي الكبير الذي يضرب العالم خلال السنوات الأخيرة، باتت الاحترازات والإجراءات الاحتياطية المتوقعة لحدوث الطوارئ مهمة للغاية، وتعكس حرص الدولة ومؤسساتها على حماية رعاياها في نطاق حدودها، أما إذا افترقت الدولة لمثل هذه الأساسيات فإن الأمر يعني عدم اكتراثها بما قد يحدث لمواطنيها.
ومع اقترب إعصار (تيج) من السواحل الشرقية لليمن، يتزايد ترقب الكثيرين لما قد تقوم به الحكومة ومؤسسات الدولة في البلاد، من إجراءات واحترازات للحد من تأثيرات الإعصار، الذي وصل بالفعل إلى سواحل محافظة أرخبيل سقطرى، وشارف على الوصول إلى سواحل محافظتي المهرة وحضرموت.
ولعل زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى محافظة المهرة، وربما زيارته المرتقبة إلى محافظة حضرموت، يمثل تصرفا لم يعتده اليمنيون خلال ما يلم بهم من كوارث طبيعية، كانت فيما مضى تقتصر على تفقد شكلي للمسئولين المحليين، وفي أفضل الأحوال يكون محافظ المحافظة هو من يقوم بعملية التفقد.
فالزيارة خلقت شيئا من التغيير فيما يتعلق بكيفية تعامل المسئولين اليمنيين مع الكوارث والأزمات، لكنها لم تكن كافية بحسب كثيرين تجاه ما تعانيه اليمن خلال السنوات الأخيرة من تكرار هذا النوع من الكوارث الطبيعية التي تستلزم خطوات وإجراءات بعيدة المدى، وليست مجرد ردات فعل آنية وفورية مرتبطة بزمن الكارثة وتوقيتها الطارئ.
> الاحتياطات الجارية
أنذرت مراكز الأرصاد الجوية، المحلية والدولية، بوقوع تأثيرات خطيرة لإعصار تيج على السواحل اليمنية الشرقية، وتحديدا في سقطرى والمهرة وحضرموت، قد تصل تبعاته إلى سواحل محافظات شبوة وأبين وعدن (غربا)، وتبدو ردة فعل السلطات المحلية -من خلال اجتماعاتها- متوافقة مع درجة الخطورة التي يشكلها الإعصار.
غير أن الجميع يدرك مدى حاجة دعوات الاستنفار والتعبئة إلى إمكانات ترتقي إلى مستوى الخطورة، وهو للأسف بالفعل ما تفتقده مؤسسات الدولة في اليمن، المتأثرة أصلا بتداعيات الحرب والظروف الاقتصادية التي جعلت الدولة والحكومة عاجزة عن دفع مرتبات موظفيها، ناهيك عن توفير احتياجات مواجهة إعصار مناخي.
وحتى لو اجتمع مدراء المديريات ومحافظي المحافظات، سواء في عدن أو غيرها من المحافظات المتوقع أن تتأثر بالإعصار، إلا أن تلك الاجتماعات تعتمد في نقاشاتها تماما على ما سيجود به المجتمع المحلي والمدني ورجال الأعمال من تبرعات ومبادرات إغاثية، تعمل فيها الدولة والحكومة دور المشرف فقط.
ومن الإنصاف القول إن الدولة ومؤسساتها غير قادرة على القيام بمهامها المتوجبة عليها في ظل ظروف البلاد الراهنة، لهذا فهي تكتفي بدور المتابعة والرقابة والتنظيم، خاصة في ظل افتقارها لأبسط الإمكانيات البشرية والمادية، وعلى رأسها يأتي كوادر الدفاع المدني وجمعيات الهلال الأحمر والمنظمات الإغاثية المحلية بإمكانياتها، وهو أمر غائب للأسف نتيجة ما تمر به من تردٍ اقتصادي ومالي على المستويات العليا للدولة.
فالذي يمكن أن تقدمه الدولة في اليمن تجاه الكوارث الطبيعية المتوقعة هو عملية التنسيق والترتيب، وحشد الجهود المحلية من قبل المنظمات والمبادرات الشبابية، ورجال المال والأعمال، بالإضافة إلى استدعاء المنظمات الدولية، وتوجيه كافة تلك الطاقات وتسخيرها لمعالجة ما يمكن معالجته من أضرار متوقعة جراء الإعصار القادم.
لكن مجرد العمل والشروع في الحديث عن الكارثة المناخية المرتقبة من قبل مدراء المديريات ومحافظي المحافظات، وحتى زيارة الرئيس العليمي إلى مناطق الإعصار المتوقعة، يمنح تعزيزا معنويا تحتاجه الدولة ورجالاتها لإثبات تواجدها وقربها من الناس ومعاناتهم.
> استراتيجيات المواجهة
يواجه العالم تغيرات مناخية خطيرة، تهدد الحياة على كوكب الأرض، فالاحتباس الحراري الذي بدأ منذ عقود ألقى بظلاله اليوم على مختلف البلدان التي باتت تحت رحمة هذه التغيرات، بدءا بارتفاع درجات حرارة الكوكب، ومرورا بذوبان جليد القطب الشمالي، وتأثيراته على المدن الساحلية في العالم، ومنها مدينة عدن التي تُصنف بأنها إحدى المدن المهددة بالغرق نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر، كإحدى تبعات الاحتباس الحراري.
هذه التغيرات لم تقتصر على وضع المدن الساحلية وارتفاع منسوب مياه البحر، ولكن أيضا نتج عنها تغيير عملية تشكيل التيارات المائية المسئولة عن صناعة الأعاصير والعواصف المدارية في المحيطات، والتي تنطلق صوب اليابسة وتضرب حواف القارات والجزر والمناطق الساحلية في كل الدنيا بقوة الطبيعة التي لا ترحم.
وضع كهذا، استنفر غالبية دول العالم، التي رأت أنها لا بد من تهيئة وتسخير كافة إمكانياتها وبطريقة استراتيجية بعيدة المدى؛ لمواجهة الأعاصير المتوقعة، والتي تزايد وتكرر حدوثها مؤخرا بشكل لافت وباتت حاليا من الصعب التنبؤ بوقوعها، بعد أن أصبحت تتشكل بشكل مفاجئ وفي أماكن من العالم لا يُتوقع أن تظهر فيها.
واقع أثبتت فيه الدول القادرة على تلافي الكوارث نجاحها في الاستعداد المبكر للأزمات والأعاصير، وذلك من خلال استراتيجية تقوم على مبدأ تخطيط حضري عصري خاص بالمدن الساحلية، يحصن سواحلها وبحارها من ضربات الأمواج المتأثرة برياح الأعاصير؛ وذلك عبر مصدات بحرية صخرية، قد تكون طبيعية، وبعضها صناعية تقي للمدن الساحلية من أية ضربات.
غير أن الأعاصير والفيضانات لا يمكن صدها بشكل كامل ومثالي بأي حال من الأحوال، وفق خبراء المناخ، لكن هذا لا يمنع من أن تقوم الدول بمنع بناء المساكن والمدن في مجرى السيول الطبيعي الذي لا يمكن أن تنساه تلك السيول، مهما ضرب هذه المناطق الجفاف، فالسيل يعرف طريقه المرسوم ولو بعد مليون عام، وعدم إدراك ذلك يتسبب بكوارث ووفيات وخسائر ضخمة.
بالإضافة إلى ذلك، تستعد الدول الواعية بكل إمكانياتها وتسخيرها للحد من تبعات الكوارث، وعلى رأس هذه القدرات يأتي العنصر البشري الذي تقوم على أساسه كل تدخلات الدولة ما وقعت الكارثة، وذلك من خلال تهيئة وتدريب كوادر في الدفاع المدني والتدخل الإنساني تتعامل مع الكشف عن الضحايا والخسائر المادية بفعالية وإيجابية.
> استراتيجيات غائبة
في ظل تزايد الأعاصير وتكرارها في المناطق والمياه المحيطة باليمن، تفتقر الدولة والحكومة اليمنية لأية استراتيجيات فيما يتعلق بالتعامل مع هذا الوضع، وذلك ربما يعود إلى اختلاف أولويات البلاد المحكومة بظروف الحرب وتداعياتها على تدخلات الدولة وعملها تجاه رعاياها.
ففي الوقت الذي تغيب فيه الخدمات الأساسية والاحتياجات الملحة، كالكهرباء والمياه وحتى المرتبات، لا يمكن مطالبة هذه الدولة بتوفير إمكانيات لكوارث متوقعة تحتاج إلى تدخلات دول كبرى وليس مجرد دولة فقيرة الإمكانيات مثل اليمن، كما أن التغير المناخي لا يمكن اعتباره أولوية قصوى في برنامج عمل الحكومة حتى تولي له اهتماما ما.
ولهذا قد يتفهم المجتمع غياب استراتيجية أو رؤية خاصة في التعامل الأمثل من قبل الحكومة ومؤسسات الدولة مع الظواهر الطبيعية وما تخلفه من كوارث مؤلمة، كما أن اليمن أصلا بعيدة عن إيجاد رؤية بعيدة المدى خاصة بكيفية التعامل مع التغيرات المناخية وتأثيراتها التي لا تستثني أحدا، ومن المؤكد أن اليمن واحدة من هذه الدول والبلدان التي تغيب عنها الاستراتيجيات الخاصة بالكوارث.
وتعامل الدولة اليمنية هنا في هذا الموضوع، هو تعامل طارئ، يستنفر وقت حدوث الكارثة، ولا يتم الاستعداد والتهيئة لها إلا وقت أن (يقع الفأس في الرأس) -إن جاز القول- وهو تعامل سيء إلى حد بعيد، كونه لا يضع حسبانا للمستقبل بقدر ما يكتفي بمعالجة أوضاعه الراهنة والفورية والعاجلة.
وهذا التعامل هو ما يتسبب بكل هذه الكوارث الطبيعية، ويفاقم أرقام وأعداد الضحايا؛ الأمر الذي يستوجب من الدولة إعادة نظرها فيما تعلق باستراتيجية وسياسة التعامل مع للكوارث، وهو أمر لا بد ولا مناص منه.