تقرير يتناول المقترحات الاقتصادية في مفاوضات الرياض لتجاوز المعضلة المعيشية التي خلفتها الحرب..
كيف يمكن تجاوز مشكلة فوارق الصرف بين العملتين في صنعاء وعدن؟
ما إمكانية طباعة أوراق مالية جديدة لتفادي مشكلة العملة بين صنعاء وعدن؟
ما الصعوبات التي يمكن أن تحول دون تنفيذ المقترحات الاقتصادية؟
لم تكن الحرب التي تعيشها اليمن منذ نحو تسع سنوات مجرد حرب أهلية أو حتى إقليمية عابرة، ولكنها مثلت حربا لئيمة، استلهمت صفتها هذه من لؤم الأطراف المتصارعة، التي طالما ابتكرت أساليب ووسائل عدائية نكايةً ببعضها البعض، وتسببت بـ(بمآزق) وأزماتٍ تجر بعضها بعضا، وتجلب الويل والثبور على المواطنين البسطاء.
وعلى رأس هذه الأطراف، تأتي مليشيات الحوثي الانقلابية التي استوردت طرقا لمفاقمة تبعات الحرب المعيشية والاقتصادية من شقيقاتها في المذهب والطائفية من المليشيات والطوائف الشيعية في البلدان العربية التي تسبح بحمد إيران ليل نهار، وأحالت واقع مواطني تلك الدول إلى جحيم مالي واقتصادي، كما هو الحال في العراق وسوريا ولبنان.
حيث استورد المليشيات الحوثية فكرة الانقسام النقدي، وطبقته في اليمن، ما أدى إلى تحويل العملة الوطنية الموحدة إلى عملتين منفصلتين وبقيمتين مختلفتين، وكأننا في بلدين وليس بلدا واحدا، وهي فكرة شيطانية اعتمدها الحوثيون في حربهم الاقتصادية على الوطن والمواطنين، غير آبهين بما خلفته من مآسي وكوارث معيشية بحق المواطنين.
فلم يعد بمقدور (الشاقي) البسيط الذي يعمل بأجر يومي لا يؤمّن قوت يومه، أن يرسل إلى أهله وذويه في مناطقهم وقراهم ما يعينهم على مواجهة أعباء الحياة والصبر على اغتراب عائلهم، بعد أن تضاعفت رسوم الحوالات المالية بين المناطق المحررة والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، لتصل حجم الفارق إلى أكثر من 120 %، في كارثة غير مسبوقة.
هذا المأزق الذي جلبته المليشيات على البلاد، بات اليوم محل نقاش في مفاوضات العاصمة السعودية الرياض، بين الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين، لوضع حلول له، والخروج بمعالجات مناسبة تخفف شيئا من الحرب الاقتصادية والمعيشية عن كاهل المواطنين، بعد أن أصبحوا يتعاملون بعملتين داخل نطاق دولة واحدة، وبفوارق مالية خيالية بين العملتين.
> اقتراحات للخروج من المأزق
كانت صحيفة وموقع (عدن الغد) أولى الوسائل الإعلامية التي نشرت معلومات اقتصادية غاية في الأهمية، حول الحلول والمعالجات التي تناقشها مفاوضات الرياض الجارية حاليا بين الحكومة الشرعية والحوثيين بوساطة سعودية؛ بهدف الترتيب لوضع معالجات أولية للملفات الإنسانية والمعيشية التي يكابدوها اليمنيون.
حيث أدلت مصادر سياسية مطلعة لصحيفة (عدن الغد) بتصريحات عن أن واحدة من المقترحات المطروحة بخصوص معالجة فوارق العملة بين مناطق سيطرة الحوثيين والحكومة الشرعية هي طباعة عملة جديدة، تتجاوز المشكلات التي نتجت عن عملتي عدن وصنعاء، في ظل منع كل طرف لعملة الطرف الآخر.
وقال مصدر حكومي مطلع للصحيفة أن إحدى المقترحات المطروحة هي طباعة عملة جديدة بالريال اليمني تكون مختلفة عن العملات الموجودة في اليمن حاليا وإلغاء التعامل بالعملات الحالية كمخرج لتجاوز حالة الفوارق، وأشار إلى أن هناك مقترحات أخرى تتمثل في إلغاء إحدى العملتين الموجودة حاليًا، إما السابقة أو التي طبعتها الحكومة الشرعية في روسيا.
وأوضح المصدر الحكومي أن النقاشات متواصلة بخصوص جهود توحيد البنك المركزي تحت قيادة واحدة مع الإبقاء على نشاطي البنك المركزي في صنعاء وعدن كفروع رئيسية لهذا البنك، في ظل وجود مقترحات أخرى تتعلق بهذه الجزئية، وذلك من خلال فتح حسابين للبنكين في دولة محايدة، يتم من خلالها صرف مرتبات الموظفين.
وجميعها مآزق متشعبة في تفاصيلها وتداعياتها على المواطنين وحياتهم المعيشية التي تحولت إلى كابوس مخيف، طيلة التسع السنوات الماضية، ورغم أن بعض المراقبين يرون أن تلك المعالجات تحتاج إلى وقت طويل للتنفيذ والموافقة عليها من قبل الأطراف المتسببة بها، إلا أنها تمثل بداية مهمة لجسر الهوة بين المتصارعين، انطلاقا ملف ساخن وشائك بات الشغل الشاغل لكافة مواطني اليمن شمالا وجنوبا.
> ما إمكانية التطبيق؟
يُبدع اليمنيون في استحداث المشكلات، لكنهم غالبا ما يفشلون في وضع حلول جذرية وحقيقية لها، وتجسد ذلك في الحرب الدائرة في اليمن، بل وحتى ما قبلها، ومنذ الأزمة السياسية والاضطرابات الشعبية عام 2011، حيث نجح السياسيون والحزبيون بإخراج الشعب إلى الساحات والاعتصامات لإسقاط النظام، غير أنهم لم يستطيعوا في إقامة أي نظام جديد، وغرقت البلاد برمتها في الفوضى.
وهو ما فرض على الساسة اليمنيين ومن ورائهم الشعب الذي خرج ذات يوم، إلى اللجوء للخارج ودول الخليج تحديدا لنجدة اليمنية ووضع لهم (خارجة طريق) -المبادرة الخليجية- توصلهم إلى بر الأمان وتجاوز (مأزق الثورة) الذي وضعوا الناس فيه، دون أن يكون لدى أولئك الساسة أية رؤية للخروج من هذا المأزق بشكل طبيعي وسلس وواضح.
لكن حتى الحلول الخليجية، لم يكتب لها النجاح هي الأخرى، رغم أنها ضمنت بضع سنوات قليلة من الاستقرار قبل أن يعود اليمنيون إلى الحرب، لكنها هذه المرة حرب وحشية دمرت الأخضر واليابس، وأهلكت الحرث والنسل؛ ما اضطر الخليجيين إلى التدخل مرة أخرى، لكن هذه المرة كان تدخلا أكثر عنفا، ما زالت البلاد ترزح تحت بنوده وقراراته الدولية.
كما أن مليشيات الحوثيين أنفسهم لم ينجحوا في إخراج اليمن في (مأزق الجرعة) التي رفعوا شعارها بهدف إسقاط صنعاء عام 2014، وعاونهم من عاونهم من اليمنيين، ولم يستطيعوا في الأخير معالجة هذا المأزق، أو أنهم لا يريدون معالجته أصلا، باعتبار أن هذا الوضع مناسب للغاية مع توجهاتهم وفكرهم المدمر لليمن برمتها.
لهذا، وبناءً على ما سبق، فإن إمكانية تطبيق أية حلول أو معالجات حقيقية على الأرض، فيما يتعلق بالأمور المعيشية والاقتصادية، لا يمكن أن ينجح في حالة الأزمة اليمنية، عطفا على العقلية التي يتمتع بها الإنساني اليمني في التركيز على التدمير فقط وصناعة المعضلات والمآزق، دون أن يكون قادرا على الخروج منها بحلول ناجعة وحقيقية.
لكن يبقى الأمل قويا في هذه الحالة، خاصة بعد مرور سنين طويلة من المعاناة التي خبرتها جميع الأطراف بلا استثناء، وكابدها السواد الأعظم من المواطنين، ولعل في طباعة عملة جديدة حل ناجع للغاية لتجاوز تمسك كل طرف بوسيلته القذرة ومحاربة الناس اقتصاديا في حرب لا تُبقي ولا تذر.
> صعوبات أمام التنفيذ
يمتلك البعض نظرة معينة تجاه المقترحات التي طرحت على طاولة المفاوضات في الرياض بين اليمنيين، شرعية وحوثي، حيث يرون أنها من الصعوبة بمكان تنفيذها على أرض الواقع، في ظل الحرب المتواصلة، واستمرار الدعم والإيعاز الإيراني الحوثيين.
فالحرب نفسها تحمل مؤشرات عدم نجاح أي مقترح لمعالجة بذور الأزمات المترتبة عليها، فلا يمكن معالجة أو مواجهة أي وضع، بينما أصل تلك الدلائل ما زال قائما والمتمثل في الحرب، ويرى أصحاب هذا الرأي أنه لا بد أولا إيقاف الحرب بشكل كامل، قبل الخوض في تفاصيل الحلول الجانبية لهذه القضية أو تلك، وجميع هذه القضية هي جزء من الحرب وتبعاتها.
ولهذا تم تداول مقترح آخر، غير بعيد عن صلب هذا الموضوع، فالمقترح الخاص بطباعة عملة جديدة لتجاوز الانقسام النقدي لم يكن هو المقترح الوحيدة الذي طرح في المفاوضات بالسعودية، فثمة مقترح بفتح حسابين مختلفين للبنك المركزي اليمني في دولة محايدة، الأول حساب خاص ببنك عدن، والثاني حساب خاص ببنك صنعاء، وهذه الدولة هي الأردن.
جميع ما يتم تناقله لن يكون إلا محض مقترحات، ستتم دراسة جدواها من إمكانية تنفيذها أو عدمه، الشيء المهم الذي ينبغي أن ينتبه له الجميع ويهتم به، هو ضرورة تخفيف معاناة اليمنيين المعيشية، والتي تسببت بها أطراف الصراع في اليمن، وعلى رأسها انقسام العملة المحلية (الريال اليمني) نقديا بين صنعاء وعدن، بالإضافة إلى آليات صرف المرتبات، خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين.