آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: كيف تدخل الأدوية المزورة والمنتهية عبر الموانئ والمطارات إلى البلاد؟

الثلاثاء - 12 ديسمبر 2023 - 07:00 ص بتوقيت عدن
تحليل: كيف تدخل الأدوية المزورة والمنتهية عبر الموانئ والمطارات إلى البلاد؟
(عدن الغد)خاص:

تحليل يقرأ في جرائم تهريب الأدوية وبيع المزورة منها والتالفة ودخولها عبر الموانئ والمطارات والمنافذ الأخرى..

من المسئول عن السماح بدخول بتهريب الأدوية والمتاجرة بالمزورة؟

هل يتعاطى اليمنيون أدوية فاسدة.. وكيف تؤثر على حياتهم؟

أين دور السلطات الرسمية في الرقابة والضبط ومعاقبة المتورطين؟

الموت القادم من الأدوية.

(عدن الغد) القسم السياسي:

ثمة حقيقة أمنية، تدركها الأجهزة المسئولة عن ضبط المواد المهربة في أية دولة من دول العالم، مفادها أن كل عملية تهريب يتم اكتشافها وفضح أمرها، لا تمثل سوى ما نسبته 10 % فقط من عمليات التهريب التي نجحت بالفعل في الوصول إلى أهدافها، ولم يتم كشفها عبر المنافذ، وهذه الحقيقة متعلقة بمنفذ واحد فقط.

ما يعني أن الأدوية المزورة والتالفة ومنتهية الصلاحية التي تم ضبطها مؤخرا في مطار عدن الدولي ليست سوى واحدة من عشرات العمليات الأخرى للأدوية غير الصالحة التي تسربت إلى الداخل المحلي واستطاعت الوصول إلى رفوف الصيدليات وبيعت للمواطنين على أنها أدوية صالحة، بينما العكس هو الصحيح.

ما يعني أن عدن تحديدا والبلاد برمتها أمام كارثة خطيرة، وجريمة ترتقي للإبادة، من خلال أن مثل هذه السموم تباع على أنها أدوية تداوي المرضى، بينما هي تقتلهم، لأنها لا تخضع لأي معايير أو مواصفات أو ضوابط تسمح لها بالوصول إلى أيادي المحتاجين من الناس، والمشكلة أن مثل هذه الأدوية يتم تهريبها عبر منافذ رسمية من المفروض أن تتضمن إجراءات أمنية مشددة، مثل مطار عدن الدولي.

صحيح أن أجهزة الأمن في المطار ضبطت شحنة الأدوية المهربة والمزورة، غير أنه من المؤكد مرور عشرات الشحنات التي لم تستطع الأجهزة المختصة كشفها، بناءً على الحقيقة الأمنية والقاعدة المشار إليها أعلاه، ما يؤكد أن كميات من أدوية ما وأصناف معينة غير صالحة أو مزورة دخلت البلاد عن طريق التهريب.

لن تكون قضية كهذه أبدا موجهة ضد منفذ عام واستراتيجي مثل مطار عدن الدولي، الذي لا يمكن أن يكون طرفا أو أن يتحمل مسئولية الأدوية التي تُغدق السوق المحلية والصيدليات، فالمنافذ التي يتم تهريب الأدوية المزورة ومنتهية الصلاحية كثيرة وعديدة، وتشمل المنافذ الجوية والبحرية والبرية، سواءً تلك الرسمية الحكومية أو المنافذ المخصصة للتهريب من قبل عصابات وجماعات التهريب الممنهجة.

> كيف تدخل الأدوية غير الصالحة؟

جميع الأدوية التي تدخل بلدنا، سواءً كانت مزورة في تاريخ صلاحيتها أو لم تكن، جميعها تسمى في لغة الأمن والجريمة بـ "المهربة"، كما أنها أيضا لن تكون صالحة للاستخدام أبدا، ما دامت دخلت عبر وسائل وأساليب لا تراعي الحفاظ على الأدوية، فلا يمكن توقع مثل هذا العمل المتمثل في الحفاظ على سلامة الأدوية من القائمين على عمليات التهريب، الذين من المؤكد أنهم لا يكترثون لسلامة المواطنين.

فحتى لو كانت الأدوية سليمة وغير مزورة في تاريخ صلاحيتها، فإنها من الضروري أن تفسد وتتعرض للتلف بسبب الطرق التي مرت بها أثناء التهريب وأساليب نقلها وأماكن تخزينها، وهذا الفعل الإجرامي من المؤكد أنه سيحولها إلى مجرد سموم خطيرة على صحة وحياة الناس، نظرا لأنها تنقل في ظروف غير ملائمة.

وهناك عدة طرق تدخل فيها المواد المهربة بشكل عام بما فيها الأدوية إلى الداخل والى السوق المحلية، أولى تلك الطرق هي المنافذ البحرية والجوية والبحرية الرسمية والتابعة للدولة والجهات الحكومية، وهي في هذه الحالة تدفع المهربين للتنسيق أمنيا وإداريا مع أطراف داخل تلك المنافذ لتسهيل وترتيب عملية إخراجها وإيصالها إلى مخازن المعنيين.

الطريقة الأخرى، هي تهريب المواد المراد تهريبها عبر الشواطئ البحرية والسواحل المهجورة والمقطوعة وفي جنح الليل، وهذه تحتاج إلى عمليات سرية وأشخاص كثر في البحر والبر للتعاون في نقل المواد المهربة، كما تحتاج إلى مركبات وعربات خاصة وتغطيتها جيدا، وهذا ينطبق أيضا على التهريب عبر الصحاري والطرق البرية المفتوحة على الحدود.

كل تلك الطرق ليست جديدة، وهي طرق معروفة لدى كافة أجهزة أي دولة وتحدث في أي مكان من الدنيا، لكن الفارق بين أي مكان من العالم وبين بلادنا أن عمليات التهريب هذه في البلاد الأخرى تلقى مكافحة قوية من الأجهزة الأمنية، وهذه المكافحة تكلف المهربين كلفة باهظة حتى يستطيعوا إدخال المواد المهربة، غير أن الوضع في بلادنا وبسبب غياب الدولة وظروف الحرب فإن التهريب أصبح أمرا سهلا، ولا يمكن كشفه إلا إذا اختلف المتفاهمون ودبت بينهم الفرقة.

> من المسئول؟

قد تكون عملية مراقبة ومكافحة التهريب، وعلى رأسها الأدوية إلى بلادنا ضعيفة وغير مجدية في ظل حالة الحرب والظروف الاستثنائية وعدم القدرة على ضبط المنافذ غير الرسمية والأراضي المفتوحة، لكن ثمة مسئوليات تقع على عاتق الجهات الحكومية والسلطات المعنية بالصحة تحديدا لوقف التعامل مع هذا الأدوية المميتة، حتى وإن استطاع مهربوها إيصالها إلى الأسواق.

فإذا كانت الأجهزة الأمنية في المنافذ والموانئ والمطارات غير قادرة على ضبط "لوبي التهريب" في عدن أو غيرها، فإنها قادرة على مصادرة كافة الأدوية المتواجدة في الصيدليات الخاصة، والتي لا تعتمدها وزارة الصحة أو مكاتبها في المحافظات أو تلك المصرح بتداولها وبيعها من قبل الهيئة العليا للأدوية، وما دون ذلك من الأدوية التي لم تحظَ بأي اعتماد أو تصريح فيجب مصادرتها وتتبع مورديها وموزعيها وضبطهم وإلحاق العقوبات بهم.

كثيرا ما تعلن الهيئة العليا للأدوية أن مهمتها قاصرة على منح التصاريح للسماح لشركات الأدوية المحلية والأجنبية باستيراد أدوية تحت مسميات معينة واحتياجات محددة، تخضع للفحص في المختبرات حتى يتم إجازتها وإنزالها للأسواق حتى تكون في متناول المواطنين، وذات الأمر ينطبق على مصانع الأدوية المحلية والخارجية، والتي تلزمها الهيئة العليا للأدوية بالأدوية في اليمن بفحص منتجاتها من الأدوية قبل السماح بتداولها محليا.

الهيئة تشير إلى أن مسئولية الرقابة على الأدوية غير المصرح بها وغير المعتمدة، بالإضافة إلى الأدوية المزورة والمقلدة تقع على عاتق مكاتب الصحة في المحافظات والمديريات عبر نزولات ميدانية إلى الصيدليات والمستوصفات والمستشفيات الخاصة للتأكد منها، كما أن مسئولية دخول الأدوية المهربة هي مسئولية الأجهزة الأمنية في المنافذ والمداخل.

بمعنى أنه حتى لو تم إدخال وتهريب كميات مهربة من منافذ غير رسمية لا تخضع للأجهزة الأمنية، إلا أنه يجب أن يتم رصدها ومصادرتها عبر مكاتب الصحة التابعة لوزارة الصحية اليمنية، لكن من المؤكد أن المسئولية هي عبارة عن مسئولية مشتركة وتكاملية من قبل الجميع، وهو ما يستلزم تنسيقا بين الصحة كوزارة ومكاتبها، هيئة الأدوية والأجهزة الأمنية والضبطية.

> قتل شعب

ممارسات كهذه، وفي مادة من المواد المسئولة عن حياة الناس، من المفترض أن تمنحهم الأمل بالحياة وتعيد إليهم صحتهم، ليس لها معنى سوى أنها أصبحت وسيلة من وسائل قتل الناس والشعب؛ بهدف الوصول إلى الربح السريع بدون دفع أية تكلفة.

كما أن الأمر لا يقف عند مستوى الموت القادم من الأدوية، ولكنه كما يقول المثل الشعبي: "موت وخراب ديار"، وذلك من خلال التكلفة العالية لهذه الأدوية التي يتكبدها أهالي وذوو المرضى في سبيل إنقاذ حياتهم، بالإضافة إلى أن أدوية كهذه مزورة ومقلدة ومنتهية الصلاحية من شأنها أن تودي بحياة المواطنين، وهي مسئولية المهربين ومن يقف معهم سواء في منافذ التهريب أو المقصرين في تأدية مهام الرقابة لدى السلطات والجهات الرسمية والحكومية.

حيث إن التقصير في الرقابة والتشديد فيها، وعدم تفعيل دور القانون وفرضه على الجميع، والإهمال في هذا الجانب هو عمل لا يقل بشاعة عن تخريب الأدوية المزورة والمقلدة ومنتهية الصلاحية، عندها يصبح الجميع شركاء في جريمة قتل الشعب من خلال الأدوية الفاسدة.