آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-08:25ص
ملفات وتحقيقات

تحليل: هل تردع الضربات الغربية مليشيات الحوثي عن تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر؟

السبت - 13 يناير 2024 - 09:17 ص بتوقيت عدن
تحليل: هل تردع الضربات الغربية مليشيات الحوثي عن تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر؟
(عدن الغد) خاص:
قراءة في تداعيات الضربات الأمريكية البريطانية على مواقع وأهداف عسكرية تابعة لمليشيات الحوثي في اليمن..

كيف يمكن أن تعزز الضربات الغربية قوة الحوثي وشعبيته وسطوته على مستوى اليمن كافة؟

ما موقف الأطراف السياسية اليمنية من قصف اليمن.. هل هناك من يعارضها؟

ما مصير الاتفاق السياسي وخارطة الطريق الأممية بعد الضربات الأمريكية البريطانية على الحوثيين؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

كما كان متوقعا، بدأت العملية العسكرية الغربية على مواقع الحوثيين والأهداف العسكرية للمليشيات في الداخل اليمني، بعد نحو أكثر من شهرين من الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وقصفها للسفن التجارية وناقلات النفط المارة عبر باب المندب.

"حارس الازدهار"، الاسم الذي وضع للتحالف الغربي المكون من الولايات المتحدة وبريطانيا، وأستراليا وكندا وهولندا والبحرين، بدأ بممارسة مهامه كحارس فعلي لبوابة البحر الأحمر الجنوبية من الهجمات الصاروخية الحوثية، بعد أن تضررت بالفعل التجارة العالمية من وإلى الشرق والغرب، ولجوء الشركات الملاحية نحو طريق "رأس الرجاء الصالح" -المهجور- كخيار بديل لمرور سفنها التجارية والنفطية.

تأتي العملية العسكرية التي نفذتها واشنطن برفقة لندن بشكل عملي، وبمؤازرة لوجستية من باقي الدول المذكورة أعلاه، عقب ساعات قليلة من بيان وقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي تقدمت به الولايات المتحدة واليابان، يقضي بتجريم هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ويطالب بسرعة إيقافها وبشكل "فوري"، وفق تعبير القرار.

العملية تسببت بجدل واسع على المستوى الدولي، وفي الوقت الذي ساندتها ودعمتها دول غربية عديدة، كونها تعمل على تأمين الملاحة في واحد من أهم الممرات المائية على مستوى العالم، إلا أن عدد من الدول الأخرى -بينها دول كبرى- عارضتها وشككت في إمكانية أن تمنع هذه العملية الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر.

محللون دوليون اعتبروا أن هذه العملية هي عملية "تأديبية" للحوثيين، حد وصفهم، ولن تكون عملية ردع، أي بمعنى أنها لن تمنع الهجمات الحوثية في البحر الأحمر بحق السفن التجارية وناقلات النفط، حتى إن الولايات المتحدة نفسها توقعت ردا حوثيا على عملياتها العسكرية، وهو ما يوحي أن العملية لن تكون إلا بداية لتصعيد جديد في المنطقة، يقودها نحو مزيد من للتوتر وعدم الاستقرار.

وهذا التحليل منطقي للغاية، فالعملية تتناسق مع جنون الحوثي وتخدم أجندات المليشيات في المنطقة، باعتبارها أداة لإيران التي ستتلقف هذه الفرصة هي والحوثيون بكل حفاوة لتعزيز صورتهم البطولية أمام الشارع العربي واليمني، باعتبارهم يدفعون ثمن الوقوف إلى جانب غزة والفلسطينيين الذين يتعرضون لانتهاكات إسرائيلية متواصلة، حتى وإن لم تحقق الهجمات الحوثية هدفها في رفع معاناة أهالي غزة، إلا أن هذا الهدف ليس في حسابات الحوثي بقدر ما يسعى إلى تحسين صورة وتحقيق مكاسب من وراء كل هذا.

الحوثي بالفعل التقط هذه الفرصة للتصعيد، وأعلن غداة الضربة الأمريكية البريطانية أن مصالح واشنطن ولندن في المنطقة ستكون في مرمى التهديدات الحوثية، الأمر الذي يؤكد أن الحوثي لن "يتأدب"، ولن تشكل العملية ردعا أو منعا لهجماته في البحر الأحمر وباب المندب، ما يؤكد أن المنطقة برمتها تسير نحو المجهول.

> الأصداء المحلية

ثمة رأي يفيد بأن الولايات المتحدة لجأت إلى ضرب الحوثيين وإشعال المنطقة بهدف حرف بوصلة الحرب على غزة من قبل آلة الدمار الصهيوني، وإشغال الرأي العام العالمي بما يجري في البحر الأحمر وباب المندب، وهي خدمة قدمها الحوثيون بالفعل منذ الأيام الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، رغم مزاعمه بأن ما يقومون به يأتي من باب نصرة غزة وأهلها، بينما العكس هو ما يحدث.

غير أن الأصداء المحلية والشعبية في اليمن، خاصة داخل مناطق سيطرة المليشيات الحوثي كانت على العكس من ذلك، وإذا لم تكن تلك الأصداء إيجابية بالنسبة للحوثيين، فإنها على الأقل كانت محايدة، وهو ما يراه الحوثيون بأنه نصر سياسي وشعبي بحد ذاته، خاصة وأنه يأتي بعد فترة كانت فيها شعبية الحوثيين داخليا في اليمن قد وصلت إلى الحضيض، عقب ممارسات قمع للمواطنين بالإضافة إلى سياسة النهب التي انتهجتها المليشيات للمرتبات وفرض الإتاوات المالية.

وفي الحقيقة فإن الشعبية الحوثية على المستوى العربي وليس فقط في نطاقها اليمني قد ارتفعت كثيرا حين بدأ الحوثيون باستهداف السفن في البحر الأحمر نصرة لغزة بحسب زعمهم، وربما كان الرأي العام العربي مغيبا عما ينتهكه الحوثيون في الداخل اليمني، لكن الغريب هو أن ينساق اليمنيون لمثل هذه التعبئة الخاطئة وهم يدركون ما فعله ويفعله الحوثيون في المواطنين منذ أن وصلوا إلى السلطة قبل نحو عشر سنوات عجاف.

لكن الضربات العسكرية الأمريكية والبريطانية التي بدأت فجر أمس الجمعة، شكلت طوق نجاة بالنسبة للحوثيين ومنحت "قبلة الحياة" للمليشيات التي قدمت نفسها في لباس البطولة والقومية ونصرة المظلومين في غزة، وأنها هي الآن تدفع ثمن مواقفها العروبية والإسلامية، بل وحتى الإنسانية، وهو ما استغلته قيادات حوثية عديدة وتحدثوا عن هذه الجزئية في منصات التواصل الاجتماعي بكثير من الفخر والزهو والانتهازية.

فالعملية العسكرية الغربية ضد أهداف عسكرية حوثية في صنعاء والحديدة وذمار وصعدة عززت من موقف الحوثيين وشعبيتهم، بل وستعمل هذه الضربة على صناعة أسطورة سيستغلها الحوثي جيدا للترويج لنفسه في أنه تعرض لعدوان غربي، تماما كما روّج للعدوان الذي يقول إنه تعرض له من التحالف العربي وبنى عليها مظلوميته طيلة سنوات الحرب الطويلة.

> مواقف القوى السياسية

قد تكون الفئات المجتمعية من عامة الشعب متأثرة بالرسائل الإعلامية الموجهة، التي يجيد الإعلام الحوثي صياغتها وتوجيهها بشكل احترافي كبير، وهو ما تأكد خلال سني الحرب، غير أن دهاليز السياسة تختلف تماما عما يتلقاه المواطن العامي البسيط، فالسياسة تدرك ما الذي يدور في كواليس التفاهمات وحتى التهديدات وما الذي يسعى كل طرف إلى الحصول عليه من مكاسب من وراء تصعيده أو تهدئته.

وهذا تماما ينطبق على القوى السياسية اليمنية، التي لم تصدر حتى الآن أي بيانات تفصح عن مواقفها من العملية العسكرية الغربية ضد المدن اليمنية، صحيح أن المناطق المستهدفة تحت سيطرة الحوثي الذي يعتبر عدوا القوى السياسية اليمنية المتصارعة مع المليشيات، إلا أن بعض المراقبين ينظر الى الأمر بأنه اعتداء على السيادة اليمنية، بغض النظر عن طبيعة الطرف السياسي المستهدف.

غير أن أيا من القوى السياسية أعلنت موقفها أو ردة فعلها، سوى الحكومة اليمنية التي حملت في بيان رسمي مسئولية ما تعرضت له البلاد من هجمات وقصف جوي أمريكي بريطاني، نتيجة ما قالت عنه بأنها ممارسات حوثية تهدف إلى تحقيق "أغراض دعائية"، من وراء ادعاء أن هجماتها تسعى لدعم الفلسطينيين في غزة.

الحكومة عبرت عن تمسكها بموقفها الثابت في دعم حق الشعب الفلسطيني، ورفضها لاستمرار الانتهاكات الإسرائيلية، غير أنها رفضت الاستغلال الحوثي لهذه القضية، وتحميل اليمن ثمن ممارستها وهجماتها في البحر الأحمر، وموقف الحكومة هذا قد يكون في ظاهره محملا الحوثيين المسئولية إلا أنه لا يعارض العملية العسكرية الغربية، التي قالت إنها تؤمن الملاحة الدولية، كما أنها حملت المجتمع الدولي المسئولية فيما وصلت إليه الأوضاع في البحر الأحمر وباب المندب؛ نتيجة سياسة المجتمع الدولي وصمته تجاه ممارسات الحوثيين غير المسئولة منذ سنوات.

> مصير السلام

وسط كل هذا الخضم والفوضى التي خلطت فيها أوراق التسوية السياسية يأتي -على استحياء- الحديث عن مصير خارطة الطريق التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التوقيع عليها بداية الشهر الجاري، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث.

وبعد الضربات الأمريكية والبريطانية الأخيرة، سيكون الحديث عن السلام وخارطة الطريق الأممية في مهب الريح، حتى إن السعودية التي سعت إلى دعم إبرام الاتفاق خرجت لتعلن عن ضرورة ضبط النفس بين الحوثيين والغرب، في إشارة إلى رغبتها في تهدئة الأوضاع ومنح فرصة للسلام حتى يعود مرة أخرى إلى الساحة.

وعطفا على الإرث الحوثي في التعامل مع المعاهدات واتفاقات السلام، فإن فرصة مثل العملية العسكرية الغربية تمنح الحوثيين فرصة للتنصل عن أية التزامات أو تفاهمات كانت قد تمت من قبل، حتى وإن عاد الحوثيون للاتفاق، فإنه من المتوقع أن يرتفع سقف مطالبهم بعد أن اكتسبوا المزيد من المكاسب بسبب الضربة الأمريكية التي ربما تؤكد شعارهم المرفوع دوما والمنادي بالموت لأمريكا.