هيئة التحرير
عن الصحيفة
إتصل بنا
الرئيسية
أخبار عدن
محافظات
تقـارير
اليمن في الصحافة
حوارات
دولية وعالمية
شكاوى الناس
رياضة
آراء وأتجاهات
هيئة التحرير
عن الصحيفة
إتصل بنا
أخبار المحافظات
أمن أبين يشكو من قيام النيابة العامة بإطلاق سراح مطلوبين ومتورطين في قضايا جنائية ...
أخبار وتقارير
المشرف العلمي الدكتور علي أبو بكر الزامكي يوضح حقيقة مراعم وافتراءات سرقة البحث العلمي في برنامج الماجستي ...
رياضة
اتحاد الصلاحي يتوج بطلاً وجار وصيفاً في دوري شهداء قسم الرباط بيافع رصد ...
المهجر اليمني
مناقشة رسالة ماجستير متميزة للباحث هادي الوليدي بجامعة المنصورة ...
أخبار وتقارير
عاجل.. عضو مجلس القيادة الرئاسي البحسني يصل إلى المكلا ...
وفيات
المهندس علي المصعبي يعزي بوفاة الشيخ يحيى أحمد حسين الطاهري ...
وفيات
الميسري يعزي الشيخ صالح فريد بن العولقي بوفاة شقيقه ...
أخبار عدن
صباح السبت.. تدشين المعرض الرمضاني الثالث في عدن من قبل المؤسسة الاقتصادية اليمنية ...
راديو عدن الغد.. للإستماع اضغط هنا
آخر تحديث :
السبت-22 فبراير 2025-08:16ص
ملفات وتحقيقات
الرئيس علي ناصر يكشف بداية الخلاف في عدن بين أنصار الصين والسوفيات دون النظر إلى المصلحة العامة للبلد (44)
الإثنين - 29 يناير 2024 - 05:22 م بتوقيت عدن
إعداد/ د. الخضر عبدالله:
تطرقنا الرئيس علي ناصر محمد في اللقاء الماضي عن زيارته إلى الاتحاد السوفييتي.. وفي هذا اللقاء يروي عن علاقة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع البلدان الاشتراكية.. وهذا ما قال:" منذ وقت مبكر من الاستقلال، وتحديداً منذ خطوة 22 حزيران/يونيو 1969م بدأ الحديث عن (المنظومة الاشتراكية)، ما بين قائل بأن المصطلح يشمل الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية جميعاً، وقائل بأن الصين لا تقع في إطار تلك المنظومة حيث تقتصر على دول حلف وارسو فقط التي تتكون من الاتحاد السوفياتي وألبانيا وبلغاريا وألمانيا الشرقية وبولندا وتشكوسلوفاكيا ورومانيا والمجر. أما يوغوسلافيا، فقد اتخذت موقف عدم الانحياز بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي وكانت الدولة الأوروبية الشيوعية الوحيدة التي لم تنضم إلى هذا الحلف، وتنصّ معاهدة حلف وارسو على أهمية التعاون المشترك بين دول الحلف دون التدخل في أيٍّ من الشؤون الداخلية لدولة ما (تتبع الحلف) واحترام سيادتها واستقلالها. على الرغم من ذلك فإن هذا البند قد خرق غير مرة في تاريخ هذا الحلف. ففي الثورة المجرية وربيع براغ جرى التدخل من دول أخرى في الحلف لقمع هذه الثورات، وكانت الحجة في التدخل دائماً، أن القوى المتدخلة إنما دُعيت إلى ذلك التدخل، وبالتالي فإن البند في المعاهدة رسمياً لم يخرق. أما ألبانيا فقد انسحبت من الحلف عام 1968 بعد الخلاف السوفياتي الصيني الذي أدى إلى تكوين حلفاء جدد لكلا النظامين الشيوعيين، وباعتبار عدن الحليف والصديق للمعسكر الاشتراكي وعضواً في منظمة الوحدة الاقتصادية (الكوميكون)، فقد تطورت العلاقات بينها وبين دول الحلف على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، كافة وقدمت هذه الدول كافة أشكال الدعم للنظام في عدن لحمايته من التآمر الإقليمي والدولي.
الصراع الصيني السوفياتي
واضاف ناصر في حديثه:" أما فيتنام فرفضت هذا الانحياز في الصراع الصيني السوفياتي، وأقامت علاقات متوازية معهما على السواء، لأن فيتنام كانت في حرب مع أميركا والغرب، ولهذا كانت بحاجة إلى دعم الصين والسوفيات معاً، وترى أن أي انحياز يضر بمصالحها الوطنية، وقد تقبّل الطرفان هذا القرار وهذا الموقف المتوازن. بينما انحازت كوبا إلى السوفيات بعد خلافها مع الصين، وهي التي رفعت أيام تشي غيفارا شعار «الثورة الدائمة» في العالم، النظرية التي سقطت وسقط قادتها وحلفاؤها، وعلى رأسهم غيفارا في بوليفيا وتروتسكي الذي اغتيل في المكسيك.
ومضى يقول:" هكذا بدا الخلاف نظرياً في عدن بين أنصار الصين والسوفيات، البعض من منطلق «عقائدي»، والبعض من منطلق «براغماتي». كان البعض يظهر ميلاً نحو هذا الطرف أو ذاك دون النظر إلى أن العلاقات الدولية قائمة على تبادل المنافع، ولا مصلحة لنا في هذا الصراع. كان البعض يظهر عداءه للصين (بطريقة ساذجة) في الوقت الذي كان فيه الصينيون يشقون طريقاً مهماً وحيوياً، بل استراتيجياً بين عدن وحضرموت شرقاً، وهو أول وأطول وأهم طريق يربط بين أكثر وأكبر محافظات الجمهورية (أبين، شبوة، وحضرموت) ويمرّ في وسط أو بمحاذاة كثير من مدنها وقراها ومناطقها لأول مرة في التاريخ، وسيخدم بعد الانتهاء منه غالبية سكان اليمن الديمقراطية. وكانت تتميز الصين وخبراؤها في كل المشاريع التي ينفذونها بعدم تدخلهم في الشؤون الداخلية للنظام وحكامه في عدن، وكانوا يؤكدون دوماً بتواضع جمّ عُرف به الصينيون أنهم يقفون مع الشعب اليمني، وأنهم جاؤوا إلى عدن لمساعدة الشعب اليمني والتعلم منه، أو بحسب قولهم عندما ينطقون ذلك بالعربية:
جئنا لمساعدتكم والتألم منكم! (ويقصدون التعلم منكم).
رسالة إنسانية بهدوء، وبلا ضجيج أو إعلام
ويستدرك الرئيس ناصر في حديثه ويقول:" يؤدون رسالتهم الإنسانية بهدوء، وبلا ضجيج أو إعلام. ويعملون بدأب وصبر، ويعيشون حياة بسيطة، متواضعة، وليست لهم مطالب مكلفة أو مستحيلة التحقيق. كان الصينيون ينفذون عدة مشاريع مهمة. وبالإضافة إلى طريق عدن المكلا الذي أشرت إليه، كانوا ينفذون مشروع مصنع الغزل والنسيج في الشيخ عثمان، ومصنع الذخيرة في أبين، ومصانع صغيرة لقطع الغيار، ويعمل خبراؤهم في تشغيل أربع طائرات مروحية أو عمودية تحطمت واحدة إثر الأخرى في مرتفعات الضالع! وبتحطمها انتهى الوجود الصيني المحدود في سلاح الطيران.
كان وجود الخبراء العسكريين الصينيين يسبب القلق والإزعاج للروس وخبرائهم في القوات المسلحة لليمن الجنوبية. لكن المؤكد أن القوات المسلحة اليمنية أصبحت منطقة مُحرّمة على الصينيين، وعلى الجنس الأصفر، بحسب تعبير المستشار السوفياتي في المدرسة الحزبية، وأذكر أن هذا المستشار واسمه بوريس، كان من رأيه أن الصينيين أخطر عرق في العالم، ويكرر «أن القوات المسلحة لا تتسع لنا ولهم ولا تتحملنا جميعاً، وعليكم أن تختاروا، إما نحن وإما هم؟!».
جنبوننا صراعاتكم
وتابع الرئيس ناصر حديثه قائلا:" وعندما سألته: لماذا لا تتفقون وتجنبوننا صراعاتكم؟ ضحك ضحكة صفراء وقال: لا تفاهم ولا صلح مع اللون الأصفر حتى بعد ثلاثين عاماً!
لا أدري لماذا حدد المدة بهذه السنوات، بينما حددها مترجم صيني سنأتي على ذكره بثلاث كلمات. لكن بعد عشرين عاماً من حديث المستشار السوفياتي، الذي لم يعد اليوم كذلك (إن كان لا يزال على قيد الحياة، انهار الاتحاد السوفياتي على يد قيصر الكرملين ميخائيل غورباتشوف! قبل أن تتحقق المصالحة المنشودة بين أكبر قطبين شيوعيين في العالم.
شنج، بنج، سنج!
يواصل الرئيس حديثه وقال :" بعضهم يعيد الخلاف الصيني السوفياتي إلى انحياز الصين إلى فكر ستالين الذي علقت له صورة كبيرة جنباً إلى جنب مع صورة مماثلة للزعيم الصيني ماو تسي تونغ بالقرب من قصر الشعب في قلب العاصمة بكين، وقد شاهدتُ الصورتين عندما زرتُ الصين في نيسان/أبريل 1978م.
عندما وجهتُ سؤالي إلى المستشار السوفياتي في المدرسة الحزبية عن ضرورة تسوية الصراع الصيني السوفياتي، لم أكن قد سمعتُ بعد بالنكتة – الحكمة، التي رواها لي الصديق المرحوم نصر ناصر علي، وكان حينذاك وزيراً للعمل والخدمة المدنية، وهو من أحسن رواة النكتة، وجزء من روعة النكتة ولذعتها يكمن في الشخص الذي يلقيها أو يرويها، وهي موهبة لا يملكها إلا عدد محدود من الناس، وكان المرحوم نصر ناصر أحد هؤلاء القلّة فوق كفاءته، وخبرته، وحسّه الإنساني الراقي، ووطنيته، ومواقفه النبيلة في أصعب المواقف.
خلاصة النكتة أن الرئيس الألماني الديمقراطي زار بكين وتحدث في مهرجان جماهيري عن الخلافات بين البلدين، وحثّ على ضرورة التفاهم والتصالح والتضامن الأممي، وقال إن هذا التقارب لمصلحة البلدين ومصلحة الدول الصديقة... ولم تفهم الجماهير التي كانت تملأ الميدان شيئاً مما قاله الضيف الألماني الذي كان يخطب بلغته الألمانية، لأن المترجم الصيني لم يكن يترجم كلامه إلى الناس. وعندما لاحظ الرئيس ذلك نظر نحو المترجم وقال له: ترجم ما أقوله.
فقال المترجم كلمة واحدة: «شنج»... وسكت. فواصل الضيف خطابه، واستمرّ يتحدث طوال عشرين دقيقة تقريباً، والمترجم صامت لا يترجم شيئاً من كلامه. فالتفت نحوه وقال له: لماذا لا تترجم؟!
فقال المترجم: «بنج»! وعاد إلى صمته، وأومأ إلى الرئيس ليواصل خطابه. فواصل هذا حديثه حتى النهاية. وطلب من المترجم أن يترجمه للناس. فقال هذا: «سنج»!
استغرب الضيف الألماني هذه التقنية العالية في اللغة الصينية، التي مكنت المترجم من اختزال خطابه الطويل الذي استغرق نحو الساعة في ثلاث كلمات فقط (شنج، بنج، سنج) وهنأ المترجم على براعته، وسأله: كيف استطعت أن تختصر خطابي الطويل بثلاث كلمات؟!
ضحك المترجم الصيني وقال له: لقد قلت للشعب إنك تقول كلاماً فارغاً، وإنك تواصل كلامك الفارغ، وإنك أنهيت كلامك الفارغ! فضحك الرئيس الألماني بدوره وعاد إلى بلاده، لكن بعد أن أدرك أن الخلاف أعمق مما كان يعتقد.
الذئب الأميركي أكل الفرخة
ويضيف الرئيس ناصر بقوله" أما أنا، فبعد أن سمعت هذه النكتة تذكرت كلام المستشار السوفياتي في معهد باذيب للعلوم الاجتماعية بوريس، وكانت العلاقات الصينية السوفياتية في أسوأ أحوالها، وقد أضرّ التنافس الأيديولوجي بين موسكو وبكين على زعامة العالم بمصالح العالم الثالث. وفي الأخير فإن الذئب الأميركي أكل الفرخة التي كانا يتصارعان عليها! بعد أن أصبح الصراع على المصالح وسقطت الأيديولوجيات، وصار التنافس في الأسواق العالمية، وتسويق البضائع والمنتجات، بدلاً من تسويق أفكار ماو ولينين!! وهو أمر أدركته الصين فيما بعد عندما فصلت الأيديولوجيا عن الاقتصاد، فصارت تغزو العالم بمنتجاتها وبضائعها بما في ذلك العالم الرأسمالي لا بأفكارها الشيوعية.
علاقات مميزة مع المنظومة الاشتراكية
وتابع حديثه وقال " أصبحت منظومة البلدان الاشتراكية ذكرى من الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط المشروع الشيوعي.. وكما قال الزعيم المجري يونش كادار»لا اشتراكية بدون الاتحاد السوفياتي لكن غني عن القول أن الأسرة الاشتراكية مارست دورا هاما في السياسة الدولية في زمن الحرب وزمن السلم لا يمكن نكرانه.
كان من أهم نتائج الحرب العالمية الثانية تشكل ميزان جديد للقوى في أوروبا وفي العالم. وكانت دول «المنظومة الاشتراكية» هي الحصيلة التي خرج بها الاتحاد السوفياتي من هذه الحرب. وبقوة نفوذه داخل هذه الدول شكلت منظومة البلدان الاشتراكية كفة الميزان في أوروبا بعد أن لاقت الفاشية والنازية حتفهما بسبب الهزيمة التي لحقت بهما في الحرب. أقام الاتحاد السوفياتي حكومات وأنظمة مواليه له في ألمانيا الديمقراطية، بولونيا، وتشيكوسلوفاكيا، والمجر، وبلغاريا، ورومانيا. أما يوغسلافيا فقد اختطت لنفسها طريق تطور خاص بها حافظت فيه على استقلاليتها عن قرار موسكو، واختطت طريق عدم الانحياز بين المعسكرين وذلك بعد أن قام «جوزيف ستالين» بفصلها من «الكونفورم» في عام 1948م. اما البانيا فقد اختطت طريقا نحو الصين.
اما اليمن الديمقراطية، فقد صنفت ضمن مجموعة بلدان «التوجه الاشتراكي» كانت هذه العلاقات قد تحسنت بشكل تدريجي على مدى عشرين عاماً مع موسكو وبقية بلدان أوربا الشرقية. وكان «الكرملين» والعلاقة بقادته هو «ترمومتر» العلاقة ببقية الدول الأخرى التابعة له. فحين تكون العلاقات جيدة مع موسكو تكون تلقائياً جيدة مع بقية العواصم. وحين يوقع اتفاق أو بروتوكول في موسكو تفتح الأبواب أمام بروتوكولات واتفاقات مماثلة في صوفيا وبودابست وبرلين وغيرها. وهكذا فإن اليمن الديمقراطية حين وقعت في عام 1979م «اتفاقية الصداقة والتعاون» مع الاتحاد السوفياتي، توافد بعض قادة البلدان الاشتراكية إلى عدن لتوقيع اتفاقيات مماثلة، وعندما منحني السوفيات وسام الصداقة مع الشعوب عام 1979م سارعت البلدان الاشتراكية كلها تقريباً إلى منحي أوسمتها من الدرجة الأولى في عام 1979م.
في نوفمبر عام 1975م زار عدن رئيس المجر الشعبية «بالو شونسي»، وزارها مرة أخرى في سبتمبر عام 1980م وفي أكتوبر عام 1978م زارها الرئيس البلغاري «تيودور جيفكوف»، بينما قام رئيس ألمانيا الديمقراطية «ايريش هونيكر» بزيارتها في نوفمبر عام 1979م، وفي سبتمبر 1981م زارها الرئيس الشيكوسلوفاكي «هوساك «. وقام رؤساء وزراء من هذه الدول بزيارة اليمن الديمقراطية في أوقات مختلفة. وكانت المساعدات التي تقدمها لنا موسكو وبقية هذه المجموعة تزيد من فرص تطور اقتصادنا الذي كان يعاني اختناقات مزمنة.
بودابست
وقال ناصر مسترسلا في حديثه:"في إحدى زياراتي إلى «بودابست» عاصمة المجر في 11 يوليو عام 1977م، وكانت زيارة مفاجئة من غير إعداد مسبق أو بروتوكول متفق عليه كما جرت العادة بين الدول، فوجئ المسؤولون المجريون بوجود رئيس الوزراء ووزير دفاع اليمن الديمقراطية في بلادهم. بعد أن نقلتني طائرة خاصة إلى بودابست من الأجواء أبلغناهم بانني ساهبط في مطار بودابست ولذلك لم يتمكنوا من استكمال ترتيبات الاستقبال الذي يليق بنا، كان في استقبالنا نائب رئيس الوزراء الذي نقلنا بسيارته الخاصة إلى احد دور الضيافة في بودابست. بعد الترحيب وكلمات المجاملة سألني ماذا تقترحون بشأن إقامتكم وزيارتكم الودية لبلادنا، فأجبته أنني جئت للراحة فقط، وسألوني ماهو برنامج الزيارة؟ قلت لهم النوم والقراءة والسباحة.
كنت في الفترة الأخيرة، قد تعرضت لإرهاق شديد. فقررت قضاء فترة من الراحة والاستجمام والتأمل بعيداً عن مسؤوليات الحكم والعمل الشاق، والإجهاد الذهني والجسدي. فليس أصعب من حياة المسؤول في العالم الثالث خاصة في بلد مثل اليمن، حيث عليه أن يباشر الكثير من الأمور بنفسه ولا يستطيع تركها لغيره.
على البحر المجري
ويضيف الرئيس ناصر قائلا:" كنت فعلاً أحتاج إلى الراحة والى مناخ جديد يعينني على أداء مهامي، لكن تصرفي أثار دهشة المجريين الذين لم يكونوا يتوقعون هذه الزيارة. ولم يستردوا دهشتهم إلا بعد أن شرحت لهم سبب وجودي في بلادهم الجميلة، حينها فقط زال توترهم وارتباكهم وأصروا على استضافتي..
فوفروا لي منزلاً جميلاً على ضفاف بحيرة «بلاتون»، التي يعتز المجريون بها كثيراً. تزول دهشتك عندما تعرف سبب كل هذا الحب لبحيرة، وتغفر لهم أنهم سموها «البحر المجري» لأن المجر لا تقع على شاطئ أي بحر فقد حرمتها الجغرافيا هذه الميزة الهامة، لكن الطبيعة مقابل هذا الحرمان حبتها بالجمال الذي يأخذ بشغاف القلب. البحيرة نفسها تقع في منطقة هادئة رائعة، بحيرة ضخمة كأنها بحر مغلق تحيطها الغابات والخضرة، كأنها قطعة من الجنة الموعودة. هدوء وجمال وجو معتدل في ذلك الوقت من العام.. خاصة عندما أتذكر جو عدن الحار الذي تركته ورائي في يوليو. عندما رأيت «بلاتون» هذه البحيرة الجميلة تذكرت كيف حرمتنا الطبيعة سحر الغابات وأهدتنا الجبال الجرداء والصحراء القاحلة، لكنني تذكرت أيضاً أنها لم تنسَ أن تهدينا معها شفافية البحر الذي لولاه لم تكن لعدن بهجتها. وللعديد من مدننا الواقعة على البحر.
كان يرافقني في رحلتي هذه صديقي عبد العزيز عبد الولي، إنه فنان على هيئة سياسي، ذكي، مرح، لبق، يتندر ويضحك وهو قادر على الضحك حتى في أصعب الظروف السياسية، له ملامح طيبة وهو إنسان بكل ما في الكلمة من معنى. ساحر الكلمات والبسمات والبهجة والذكاء..
وتابع حديثه" أراد المجريون أن يبالغوا في تكريمنا فلم يكتفوا بتوفير الدار الجميلة على ضفاف هذه البحيرة الساحرة، بل أصروا على تنظيم برنامج سياحي وترفيهي لنا. شكرت أصدقائي المجريين، واعتذرت عن تنفيذ أي برنامج حتى لو كان ترفيهياً. كنت أحتاج إلى الراحة فعلاً، وإلى النوم العميق قبل كل شيء تعويضاً عن ليالي السهر الطويل أشهراً وسنين طويلة خلف طاولتي البنية اللون، الموضوعة في صدر غرفة فسيحة على شكل حدوة حصان.. خلف هذه الطاولة، الواقعة في الغرفة الأخيرة المواجهة للجبل الذي يفصل بين سكرتارية مجلس الوزراء وخليج (رامبو) وشاطئ «جولد مور» قضيت أعز أيام شبابي أتطلع بعيداً وأرسم مع رفاقي المستقبل الذي نحلم به ونتمناه لليمن والشعب اليمني، منكباً على ملفات وأوراق وخطط وبرامج عن كيفية نقل اليمن الديمقراطية من واقعه المرير.. وأمام كل ورقة وكل حالة، تصورات واجتهادات عن كيف يكون المستقبل وكيف ننتقل ببلدنا وشعبنا إلى مصاف العصر.. كان ذلك من نوع الواجب للشعب الذي كنت أعظم فيه صبره وتفانيه وتضحياته..وأتذكر انني كنت اسهر حتى الصباح وانتقل من المكتب إلى شاطئ البحر واسبح لمدة ساعة في الصباح واحياناً أسبح قبل مغيب الشمس كل ما سمحت لي ظروف العمل وكانت هذه متعتي المفضلة وراحتي النفسية فانا اغسل كل همومي في بحر عدن الدافئ صيفاً وشتاءً ولا أكاد انقطع يوماً عن السباحة طوال أيام السنة.
لقاء مع الرئيس بال لوشينسي
ويواصل الرئيس ناصر حديثه ويقول:" خلال أسبوعين من الراحة في أحضان الطبيعة الساحرة على حافة البحيرة الشفافة، استعدت نشاطي، وصرت قادراً على الضحك والابتسام، ومستعداً للسفر والعودة إلى بلادي لاستئناف عملي من جديد. كان علي أن أقوم بواجب الشكر لمضيفيّ على كرمهم وحسن استضافتهم لي في بلادهم الجميلة، لكن الأصدقاء المجريين لم يوافقوا على ذهابي أو عودتي إلى بلادي وترك المجر هكذا كما دخلتها كسائح. واقترحوا أن يرتبوا لي لقاء مع الرئيس «بال لوشينسي». مرة أخرى اعتذرت لم يكن لدي قضايا هامة تستدعي مني مناقشتها مع الرجل خاصة أنني لم أكن في مهمة رسمية، فلم أشأ أن أضيع على الرجل وقته، أبدد وقته الثمين في تبادل كلمات المجاملات، عندها أصر رئيس الوزراء في المجر «جيورجي لا زار» على إقامة حفل عشاء على شرفي، هذه المرة لم أستطع أن أرفض أو أعتذر بعد أن تكررت اعتذاراتي كثيراً فقبلت دعوته..
ومضى يقول " في مساء يوم 26 يوليو أقيمت المأدبة، وجلسنا حول الطاولة «ندردش» ونتبادل الأحاديث الودية، واختلطت لهجتهم المجرية بلهجتنا اليمنية. وفي إحدى هذه الأحاديث المشتركة تحدث مضيفونا المجريون عن المفاجأة والارتباك اللذين سببته لهم زيارتي المفاجئة التي لم تتقيد بأصول البروتوكول. تذكروا أن زيارتي ليس لها مثيل في تاريخ دولتهم سوى حادثة واحدة مشابهة لها حين فوجئوا ذات يوم بالجنرال الفيتنامي الأسطورة «جياب» في بودابست قادماً للراحة والاستجمام مثلي تماماً من غير علم مسبق وقالوا لي إنهم مندهشون لهذه المصادفة الغريبة!
الحقيقة أنني لم أدهش لهذا التوافق.. فبعض قادة البلدان التي تشبه ظروفها ظروف فيتنام واليمن قلما يجدون الوقت الكافي للراحة والنوم الهادئ، ناهيك عن البحث عن سبل الرفاهية التي تعد في ظروف هذه البلدان ترفاً غير جائز ولا حتى مقدوراً عليه.. بل إن ذلك كان عندنا في يوم من الأيام عرضة للنقد والتشهير رغم أن الراحة والإجازة حق طبيعي وإنساني..
العودة إلى عدن
وقال الرئيس ناصر :" وفي سبتمبر عام 1980م قام الرئيس المجري «بالو لوشينسي» بزيارة رسمية ودية لليمن الديمقراطية. كانت هذه هي زيارته الثانية إلى عدن التي كان زارها لأول مرة في عام 1975م. وبينما ظل هو رئيساً لبلاده فإن اليمن الديمقراطية التي عانت كثيراً عدم الاستقرار السياسي والصراعات على السلطة شهدت خلال هذه السنوات الخمس بين الزيارتين تغيير ثلاثة رؤساء دولة في الجنوب وثلاثة في الشمال! كانت مواقفنا ومشاعرنا مشتركة، لدينا قضايا وهموم مشتركة أيضاً تحدثنا فيها خلال الزيارة التي كانت طيبة وإيجابية، وجرى حوارنا في جو من أواصر الصداقة والتعاطف الذي كان المجريون يبدونه نحو نظامنا في اليمن الديمقراطية، ونحن بالمقابل كنا نعاملهم بالقدر ذاته من الود والاحترام، وكان ذلك يدفعنا إلى فتح الأبواب لإقامة علاقات أكثر عمقا وصداقة.. علاقة تقوم على الاحترام والثقة.
الزيارة إلى ألمانيا
وتابع حدثيه قائلا:" اكتشفت خلال الزيارات العديدة التي قمت بها إلى برلين عاصمة ألمانيا الديمقراطية أن لديهم مشاعر ودية مماثلة تجاه اليمن الديمقراطية. وأنهم كانوا ينظرون إلينا بتقدير خاص، لأننا كنا من أوائل الدول العربية التي اعترفت بهم في وقت كانت فيه ألمانيا الديمقراطية تعاني عقدة عدم اعتراف العالم بها.. ولا يدرك هذا الإحساس الخاص إلا من يعاني العزلة.
شهدت العلاقات بيننا ازدهاراً ملحوظاً، وكانت ألمانيا الديمقراطية تقدم الدعم لنا في مجالات عديدة، وبدرجة أساسية فقد استفدنا من خبرتهم في مجال الأمن والشرطة والبعثات التعليمية. زرت «برلين» لأول مرة في الفترة من 11-16 يناير عام 1978م بدعوة من نظيري رئيس الوزراء «فيلي شتوف» والتقيت السكرتير العام ورئيس الدولة «أريش هونيكر»، كما زرت بوابة (براندينورجر) التي بنيت مابين عام 1788 و1791 والتي هي امتداد لسور برلين الذي تم إنشاؤه في آب/أغسطس 1961م.
قطاع الموت
ويضيف الرئيس ناصر قائلا:" برلين عام 1984م في بوابة (براندينورجر) احدى بوابات جدار برلين
عانى الألمان تقسيم مدينتهم برلين إلى قسمين، غربية وشرقية، وقد حدثني المرشد السياحي أن الجدار يبلغ ارتفاعه اثني عشر قدماً وسمكه أربعة أقدام ويتألف من مادة كونكريتية شديدة الصلابة ويبلغ طوله سبعة أميال ونصف الميل استغرق بناؤه سنة كاملة وكان السبب في أقامته هو نزوح الألمان من برلين الشرقية إلى الغربية حيث بلغ عدد الذين انتقلوا 2000 شخص في الأسبوع قبل بناء الجدار بيومين وصل عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى 1500 شخص في اليوم الواحد وهذا الرقم يعني استحالة إقامة دولة تستنزف بشرياً على هذا النحو، خاصة أن برلين الشرقية كانت عاصمة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية، واستمر الألمان خلال الأيام الأولى من بناء الجدار بالانتقال من شرقي برلين إلى غربيها قبل أن يتم إنشاء ما أسماه الغرب في فترة الحرب الباردة بـ « قطاع الموت « حيث وُضِعَ حد لمحاولات الهروب الكثيرة التي كانت تجري عبر هذا الجدار بتشجيع من الدول الغربية. وكان الرئيس الأميركي السابق جون كنيدي قال في خطابه قبل ثلاثة أسابيع من إقامة الجدار أن الولايات المتحدة ستستمر في الاحتفاظ بموقعها في برلين الغربية، ولم يشر بوضوح إلى ضمان معبر بين الشرق والغرب، بل إن كنيدي عبّر لخروتشيف عن أمله في أن يكون إغلاق الحدود هو الحل المعقول. وكان كنيدي يحاجج أحد مساعديه معقباً على المزاعم القائلة بأن الروس يريدون ضم برلين الغربية إلى القطاع الشرقي وأنه لما أمر خروتشيف بإقامة الجدار كان يرمي إلى السيطرة على برلين الغربية؟ إن إقامة الجدار أفضل بكثير من الحرب «ولعل الرئيس الأميركي كان مصيباً، فالجدار كان أفضل من المواجهة.
الحروب والصراع
ويقول الرئيس ناصر في حديثه " لا أظن العالم ينسى مشهد الدبابات الأميركية والسوفياتية وهي تتقابل متواجهة عند نقطة تفتيش «تشيك شارلي بوينت « بين برلين الغربية والشرقية في أكتوبر عام 1961م حينما تأزم الوضع بين الشرق والغرب وأصبح العالم على كف عفريت، فساد الهلع واحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة... بعد تسعة وعشرين عاماً من بناء السور واثني عشر عاماً من زيارتنا سور برلين انهار هذا السور بانهيار النظام الاشتراكي في ألمانيا، وبقي للبرلينيين من ذلك الجدار ذكرى أليمة وخصوصاً إذا ما علمنا أن 163 رجلاً وامرأة لقوا حتفهم وهم يحاولون اجتيازه، وبسقوطه رقص الطلاب والشباب والمواطنون الألمان على الحطام العظيم لجدار برلين هاتفين بوحدة ألمانيا التي عانت من الحروب والصراع والتقسيم.
في شهر نوفمبر 1979م قام «ايريش هونيكر» بزيارة رسمية وودية إلى عدن. خلالها تم التوقيع على اتفاقية صداقة وتعاون بين البلدين، وقعها عن الجانب اليمني عبد الفتاح إسماعيل الذي أصبح في هذا الوقت الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني ورئيس الدولة جامعاً بين المنصبين على غرار ما هو سائد في البلدان الاشتراكية، وقلد هونيكر وسام الثورة 14 أكتوبر.
الصداقة بين الشعوب
ومضى يقول الرئيس علي ناصر :"كانت ألمانيا الديمقراطية ضمن جولتي في البلدان الاشتراكية ووصلت إلى برلين في 8 نوفمبر 1984م والتقيت هونيكر مجدداً، وأجريت معه محادثات تركزت على الوضع المتوتر حينها في البحر الأحمر، وهو موضوع كان يهمنا كثيراً خاصة بعد تفجيرات الألغام البحرية التي تعرضت لها بعض السفن في هذا الممر المائي الدولي الحيوي للملاحة الدولية، وخلال هذه الزيارة منحت وسام النجمة الكبرى للصداقة بين الشعوب
كانت هذه آخر زيارة أقوم بها إلى ألمانيا وآخر لقاء مع الزعيم أريش هونيكر قبل انهيار النظام الاشتراكي في ألمانيا الديمقراطية في السادس من نوفمبر 1989 حيث قدم مجلس الوزراء والمكتب السياسي للحزب الاشتراكي الألماني الموحد استقالة جماعية وفي أغسطس عام 1990 وافق مجلس الشعب على انضمام جمهورية ألمانيا الشرقية إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية ليصبح يوم الثالث من أكتوبر عيد الوحدة الألماني.
صوفيا.. زيارة واحدة لا تكفي
وحول زيارته إلى دولة بلغاريا يقول الرئيس ناصر في حديثه:" زيارة واحدة إلى بلغاريا لا تكفي، فعاصمتها صوفيا الهاجعة في حضن الغابات شريحة من الجنة الجميلة، باذخة الخضرة والجمال، ولهذا ربما أطلقوا عليها «حديقة أوروبا «، فالغابة في هذه البلاد واسعة ورحبة كأنها تضم كل ما في الكون من الخضرة من البداية إلى النهاية. وقد حدثني رئيس الوزراء البلغاري عن صوفيا وبلغاريا مازحاً ومعجباً أيضاً قائلاً: إن الله عندما وزع الأرض على الشعوب والدول اختار لبلغاريا ما هو اجمل من بحار وأنهار وجبال وغابات وسهول ووديان خضراء. فكل شيء فيها جميل وهم يتباهون ببلدهم وعاصمتهم الجميلة صوفيا.
حللت في «صوفيا» ضيفا رسمياً لأول مرة في شتاء عام 1978م واستغرقت زيارتي الفترة ما بين 16 -19 من الشهر نفسه. والتقيت نظيري «ستانكوتودروف»، رئيس مجلس الوزراء والرئيس «تيودور جيفكوف» وشملت المحادثات التي أجريتها معهما العلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا المتعلقة بالمسائل العربية والإقليمية والدولية. وفي النهاية وقعنا على «بروتوكول» للتعاون. واستمتعت بزيارة إلى مدينة «فارنا» الساحلية الجميلة حيث قضيت وقتاً جميلاً بين أحضان الطبيعة هناك. وشاهدت البحر تنبثق منه الغابات الخضراء الكثيفة التي تزخر بألف بهجة وبهجة للبصر، وألف ألف نداء داخلي دافئ.. ولقد لبيت هذا النداء مرات عديدة بعد ذلك كلما وجدت الفرصة سانحة لذلك....كانت زيارتي التالية إلى بلغاريا في إبريل عام 1979م، والمرة الثالثة كانت في سبتمبر عام 1984م وزيارتي الأخيرة في ديسمبر شتاء عام1985م، وكنت أجتمع خلال تلك الزيارات بالرئيس «تيودور جيفكوف» ونقيِم معاً علاقاتنا الثنائية ونستعرض وجهات نظرنا تجاه المستجدات في الوضع العالمي.
وارسو.. عاصمة حلف وارسو
ويضيف ناصر قائلا:" كانت أولى زياراتي إلى العاصمة البولونية «وارسو» في عام 1973م، قمت خلالها بجولة واسعة في المدينة الجميلة التي دمرها الفاشيون الألمان في الحرب العالمية الثانية عن بكرة أبيها بكل قسوة، كأنهم ينتقمون من حجارتها بعد أن افتتحوا حمامات الدم أينما حلت جحافلهم في القارة الأوربية في جولة تطهير عرقي. كانت بولونيا عشية الحرب العالمية الثانية في حلف مع بريطانيا وفرنسا، لكنها سقطت أمام جحافل القوات الألمانية الزاحفة وآلتها الجهنمية الرهيبة، التي دمرت العاصمة «وارسو» تدميراً كاملاً ، ولكن البولنديين أعادوا بناء عاصمتهم التاريخية بعد انتهاء الحرب وهزيمة النازية، وفقا لما كانت عليه قبل تدميرها محافظين على طابعها التاريخي الجميل.. رغم تعرضها للدمار الشديد أثناء الحرب العالمية الثانية، وزوال أكثر من 85 في المائة من مبانيها، إلا أنها تعافت بشكل مذهل من تلك الأضرار الجسيمة التي لحقت بها، وباتت واحده من المدن الحديثة التي تحظى بأهمية وإثارة على الصعيدين الثقافي والتاريخي على حدٍ سواء.
«الإحساس بالحياة» ذلك ما أفهمتني إياه وارسو وأنا أتجول فيها فهي كما يطلقون عليها المدينة العنيدة التي تبعث من جديد ، واستمع إلى تاريخها الخاص، هذا الإحساس الذي أشعر بأنه حقيقي وليس متخيلاً، الإحساس بعظمة التاريخ، والفعل التاريخي بالرغم من بشاعة ما أرتكبه النازيون على هذه الأرض.. التقيت الرئيس البولوني «ادوارد جيريك» الذي نظر إليّ وقد تولاه العجب، لم أفهم سر نظرته إلا عندما قال مشيراً إلى صغر عمري: - «أليس باكراً عليكم تحمل المسئولية وأنتم في هذه السن؟.. إن الشباب عندنا في سنكم ما زالوا يقضون الكثير من وقتهم في اللهو»!
حينها لم يكن يتجاوز عمري إحدى وثلاثين سنة، كنت أصغر رئيس وزراء في العالم تقريباً. وعندما أوكل إلي أمر رئاسة الحكومة وأنا في هذه السن.
الطريق الوعر
ويتابع حديثه ويقول:" كان علينا أن نجتاز هذا الطريق الوعر بإمكانات قليلة بل شحيحة، ووسط صعوبات وعراقيل هائلة لم تكن تغيب عن بالنا ولا عن بال الرئيس البولوني الذي كنت ضيفه الساعة، ففضل الحديث عن المصاعب الكثيرة التي تواجهها بلاده، والتي سحبت نفسها نتيجة الممارسات الخاطئة على اقتصاد بولونيا خاصة في مجال الزراعة.. فبولونيا تعتبر في الأساس بلداً زراعياً، وبها حركة قوية لملاك الأرض، وكان من ضمن الأخطاء التي ارتكبتها السلطات هناك مصادرة جميع الأراضي بما فيها أراضي الفلاحين المتوسطين، ثم في وقت لاحق عندما أدركوا فداحة ما ارتكبوه تم التراجع عن هذه الخطوة وأعادوا الأرض إلى ملاكها السابقين.. ولم يقتصر الأمر على الزراعة وحدها، فقد رافقت العديد من المشاكل الاقتصاد البولوني وتم بنتيجتها عزل الرئيس «جيريك» وتعيين رئيس جديد تم عزله أيضاً، ثم ظهرت حركة «تضامن» وجاء إلى السلطة الجنرال «ياروزولسكي» لكن الوقت كان قد فات للخروج من عنق الزجاجة، إذ كان النظام الاشتراكي كله ينهار من حول بولندا التي كانت البادئة في إعلان العصيان والثورة بسبب التناقضات الحادة التي عجز النظام عن حلها. وكانت الطبقة العاملة نفسها هذه المرة هي التي حملت معول هدم النظام الاشتراكي الذي حكم باسمها، وبشرت الماركسية التقليدية بحتمية انهيار وتفسخ النظام الرأسمالي، لكن العكس هو الذي حدث، وانتصر النظام الرأسمالي على النظام الاشتراكي.. وبدأت الاحتجاجات من الطبقة العاملة في غدانسك ومنها امتدت إلى بقية المدن البولونية. وقد قاد فوينسا حركة الاحتجاجات إلى أن سقط النظام في وارسو عام 1990م واصبح فاوينسا بعد ذلك رئيساً من عام 1990 إلى عام 1995م.
الجنرال «ياروزولسكي»
ويستدرك الرئيس ناصر في حديثه وقال:" أعود بذاكرتي إلى آخر مرة زرت فيها «وارسو» كان ذلك في نهاية عام 1984م. كان في استقبالي لحظة وصولي إلى المطار العسكري الجنرال «ياروزولسكي» الذي أنيطت به مهمة إنقاذ بولندا من خطر تضامن نقابات العمال،وبعد المحادثات التي أجريناها، وحفل العشاء الذي أقامه على شرفي تبادلنا حديثاً خاصاً قال فيه «ياروزولسكي»: «إن اليمن الديمقراطية تعدّ الجسر الذي تمر عليه الاشتراكية إلى المنطقة !.. لم أكن أشاركه الأمل، إذ لاحظت أن المشاركة ستكون نوعاً من المجاملة، فالأوضاع التي كانت تمر بها بولونيا، والصعوبات التي كانت تعانيها العديد من البلدان الاشتراكية، والإرهاصات التي بدأت في الاتحاد السوفياتي نفسه، كلها كانت نذيراً بموت الأمل الذي راود الشعوب ذات يوم عن جنة الاشتراكية الموعودة. قررت عدم مسايرة الجنرال في تفاؤله.. بعد ذلك بسنوات لم تطل كانت بولندا نفسها هي الجسر الذي مرت عليه الرأسمالية إلى المعسكر الاشتراكي..!
علي ناصر في براغ
ويقول الرئيس ناصر :" علاقات اليمن الديمقراطية بتشيكوسلوفاكيا كانت جيدة، وجرت زيارات متبادلة لقادة البلدين كل إلى بلد الآخر. زرت «براغ» في 17 إبريل عام 1979م وكان في استقبالي نظيري «لبميرس روجال» رئيس الوزراء. عقدنا جلسة مباحثات في قصر «هردان» استعرضنا فيها العلاقات الثنائية بين البلدين، والأوضاع العربية والإقليمية والدولية....وفي شهر سبتمبر 1981م استقبلنا الرئيس التشيكوسلوفاكي «جوستاف هوساك» في اليمن الديمقراطية.. وتم التوقيع خلال الزيارة على اتفاقية الصداقة والتعاون بين البلدين، كما تم تقليده وسام الثورة 14 أكتوبر.
زيارة يوغسلافيا
ويتابع حديثه قائلا:" وفي ما يخص يوغوسلافيا، فإنها بوصفها دولة مؤسسة لحركة عدم الانحياز، فقد اتخذت موقفاً متوازناً من الصراع الدولي بفضل تلك الحركة التي أسستها مع الهند والصين ومصر وإندونيسيا، ولكنها انهارت وضعفت وبهت دورها بعد موت الزعيم الوطني اليوغوسلافي المارشال جوزيف بروز تيتو الذي كان أول رئيس يزور عدن بعد الاستقلال في كانون الثاني/يناير من عام 1968م، وهو في طريقه إلى الشرق. وقد رافقته في هذه الرحلة زوجته التي التقت اتحاد النساء في عدن. وبعد موت تيتو انهارت يوغوسلافيا وتمزقت الدولة الاتحادية، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991م، ونتيجة لذلك التهمت الحرب الأهلية العرقية ما بقي من إرث نظام المارشال تيتو.
( للحديث بقية)
تابعونا عبر
Whatsapp
تابعونا عبر
Telegram
صحيفة عدن الغد
صحيفة عدن الغد العدد 3418
كافة الاعداد
اختيار المحرر
أخبار وتقارير
تحليل سياسي خاص : التعديل الوزاري في حكومة بن مبارك ليس حلاً ...
أخبار وتقارير
استمرار البناء في حوش مؤسسة النقل البري بعدن رغم الاحتجاجات. ...
أخبار وتقارير
الخبير الأقتصادي شكيب عليوة يكشف لراديو عدن الغد تفاصيل حالة ...
أخبار وتقارير
تعز : سقوط محتال “الحالة الإنسانية”.. رجل يتخفى بحساب فتاة و ...
الأكثر قراءة
أخبار وتقارير
محكمة مصرية: الإعدام لشخصين من اليمن اعتديا على طفل صغير.
أخبار المحافظات
اليوتيوبر البحريني عمر فاروق من وسط مهرجان "ذهبا" للموسم العاشر للموروث الش.
أخبار وتقارير
شهيد و 2 جرحى من الجنود برصاص قناص إرهابي في وادي عومران.
أخبار المحافظات
رفع قطاع المسلحين على قواطر الغاز في أبين بصورة مفاجئة بعد أسبوع من الاحتجا.