تحليل يقرأ في عدم البت بتعيين رئيس وزراء جديد وتغيير الحكومة اليمنية حتى الآن رغم الأوضاع المعيشية المنهارة..
ما مدى الحاجة لوجود رئيس وزراء جديد وسط كل هذا الكم من الفوضى المعيشية؟
لماذا فشلت الحكومة الحالية.. وهل يمكن أن تفشل الحكومة القادمة لنفس الأسباب؟
كيف سيدار المشهد خلال الأشهر القادمة.. هل يعني التجميد استمرار الانهيار؟
ما الحلول الممكنة أمام التدهور الخدمي والمعيشي الذي أثقل كاهل الناس؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
قبل أسابيع، لم يكن من حديث يسيطر على أروقة السياسة والإعلام سوى قضية التغيير المرتقب لرئيس وزراء الحكومة اليمنية الحالية، والذي كان قاب قوسين أو أدنى، بالتزامن مع إبرام اتفاق "خارطة الطريق" الذي رعته المملكة العربية السعودية بين الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثيين، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث حتى الآن، وظلت الحكومة ورئيسها باقيين دون أي تغيير.
هذا التغيير الذي كان منشودا، بعد أن اقتنعت الأطراف المتقاتلة بعد حرب استمرت تسع سنوات، أن الحسم لن يكون عسكريا أبدا، وبدأت بالفعل تجنح نحو السلام، رغم عدم مأمونية الطرف الحوثي في الالتزام بالتعهدات والاتفاقيات والتفاهمات، كما درجت عليها المليشيات واعتادت، غير أن ثمة متغيرات وتطورات منعت التغيير المرتقب للحكومة ورئيسها.
فالمستجدات الميدانية في البحر الأحمر، وتداعيات حرب غزة، التي أشعلت منطقة باب المندب، والمواجهة بين الحوثيين من جهة، وبين الأمريكيين والبريطانيين من جهة أخرى؛ أدت إلى خلط الأوراق السياسية وتلك المتعلقة بالتسوية السياسية للأزمة اليمنية، وحال دون أن تمضي إجراءات التوقيع على خارطة الطريق التي كادت أن تنجز بداية شهر يناير/ كانون أول الجاري.
لكن بعيدا عن التطورات والتأثيرات السياسية التي شكلت عاملا مهما، يأتي العامل المعيشي والاقتصادي الذي يكابده البسطاء من عامة الناس، في صدارة المشهد الذي من أجله يجب تغيير الحكومة ورئيسها، لكن هذا العامل لم يلتفت إليه أحد، ولم تمنحه أي من القوى السياسية الحاكمة أي اهتمام، رغم أولويته البالغة الأهمية، والتي بدت آثاره واضحة على حياة الناس ومعيشتهم، في ظل انتظار البسطاء من المواطنين لتغيير هذا الواقع من خلال تغيير شكل الحكومة ورئيسها باعتبارهم مسئولين عما يحدث من مشكلات اقتصادية ومعيشية خطيرة.
الوضع الخدمي في كافة المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، بكافة مكوناتها يكاد يكون كارثي، بل هو مأساوي بالفعل، فلا كهرباء ولا مياه، والمرتبات متوقفة ومتأخرة، وبالتالي انعكاس كل ذلك على الحياة العامة للناس، والتي تدهورت بشكل مخيف، حتى استشعر المواطنون غياب الدولة، وأنهم عادوا إلى عصور ما قبل الحضارة، في ظل انعدام أساسيات الحياة.
ولعل هذا الوضع الراهن الذي تعيشه عدن اليوم على مستوى الخدمات، وعلى رأسها الظلام الدامس الذي يسيطر على مدينة عدن، التي تمثل عاصمة الدولة، بالإضافة إلى ضعف الإيرادات وتأخر صرف المرتبات، كل ذلك يحتم على صناع القرار التحرك لعمل تغيير حقيقي في سدة المسئولين عن الخدمات العامة، بدءا من الحكومة ورئيسها والوزراء المعنيين بالخدمات، وحتى أصغر مسئول في هذه البلاد، ويجب أن يكون هذا المعيار هو المحرك للتغيير الحكومي وليس فقط الملف السياسي، الذي فيما يبدو أنه هو من جمّد عملية تغيير رئيس وزراء واختيار حكومة جديدة.
> ترحيل المشكلات
التأخر في تعيين رئيس وزراء جديد، وتغيير الحكومة الحالية، يعني أن الملفات الساخنة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالناس ستبقى بلا حلول أو معالجات، وهو أمر خطير للغاية ينبغي ألا يمر مرور الكرام، فهذه الملفات المعيشية والخدمية هي ذات أولوية، وتنعكس بالسلب على حياة العامة، وعدم البت في تغيير الحكومة التي أثبتت فشلها على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية، يؤكد أن المواطن البسيط لا يحظى بأي اهتمام أو حظوة عند الساسة.
كما أن هذا الإهمال يعني أن المشكلات المعيشية والخدمية، والملفات الاقتصادية للبلاد التي يفتقر إليها المواطنون سيتم ترحيلها إلى ما بعد تغيير رئيس الحكومة الجديد، وبالتالي استمرار المعاناة والمكابدة والمأساة التي يرزح تحتها عامة الشعب، منذ سنوات، دون أن تتدخل الحكومة أو أن يكون للدولة تواجد في تخفيف وطأة الكوارث الراهنة والقادمة؛ كون التغيير مهما للغاية، ليس نكاية برئيس الوزراء الجديد، أو نتيجة مماحكات حزبية أو سياسية، لكن لأن الوضع بات غير محتمل ولا يتحمل المزيد من التأجيل أو الترحيل.
فالحاجة لوجود رئيس وزراء جديد، ووزراء جدد، والحاجة لتغيير دماء الحكومة الحالية، كبيرة للغاية، ولا يجب تأخيرها أكثر من هذا، حيث وصلت الفوضى المعيشية حدا لا ينبغي السكوت عنه، بعد أن طالت قوت الشعب الأساسي من المرتبات، وتدهور حالة الخدمات وعلى رأسها الكهرباء، التي باتت تنقطع لساعات طويلة تتجاوز الثمان ساعات، حتى في عز أشهر الشتاء، وهو ما لم يكن يحدث من قبل؛ ولهذا فإن التغيير لا بد منه، وهو أمر حتمي ولا يقبل التأخير؛ لمواجهة الفوضى الحاصلة في الخدمات والأوضاع المعيشية.
لكن في المقابل، ثمة من يجتهد ويحرص على استمرار الحكومة الحالية رغم فشلها الصريح والواضح والملموس، وهو فشل بدأ منذ الوهلة الأولى لتسلم مهامها، أو حتى منذ بداية الشراكة بين القوى السياسية والعسكرية التي تتجاذبها الخلافات والمماحكات وأخذتها في طريق منحرف، غير الطريق الذي كان المواطنون يتوقعونه أو يحلمون به، مثل معالجة الوضع المعيشي والخدمي.
وهذا يعني أن الحكومة الحالية كانت تحمل بين طياتها بذور فشلها، حتى قبل أن تلتئم الشراكة السياسية بين القوى المسيطرة على الأرض في بعض المحافظات الجنوبية المحررة، وبين الشرعية، وهي شراكة جاءت بعد عداء ومواجهات دامية بين الجانبين، لم تكن لتسمح بتوفير بيئة عمل حكومية صالحة بين الفصائل المتحالفة في إطار حكومة واحدة، وهذا أحد الأسباب التي جعلت هذه الحكومة فاشلة، وليس هو السبب الوحيد، لكنه مهم للغاية.
المحاصصة إذن كان سببا في عرقلة عمل الحكومة، غير أن هناك من الأسباب الأخرى ما حال دون قيام الحكومة بواجباتها الخدمية والمعيشية، وهي ثقافة الفساد والإنفاق غير المسئول والترف الذي تميزت به الحكومات اليمنية في السابق، وصاحب الحكومة الحالية، حتى مع الوزراء غير المحسوبين على الشرعية للأسف، وبالتالي فإن كثيرين يخشون أن تنتقل بذور الفشل هذه إلى أي حكومة جديدة، ما لم يتم معالجة تلك السلبيات المتمثلة في الفساد وآلية المحاصصة غير المجدية في تشكيل الحكومات.
> مخاوف قادمة
لا يمكن ترك الناس مكشوفين أمام التدهور الاقتصادي والانهيار الذي يضرب كل تفاصيل حياتهم، حتى القشة الوحيدة التي يتعلق بها الغرقى من المواطنين وسط خضم هذه الفوضى، والمتمثلة في المرتبات، ها هي بدأت تتأخر وتتوقف في مشهد يزيد من الضغط المعيشي على الشعب المكلوم بالحرب وتداعياتها المؤلمة.
ومن الطبيعي أن يسهم بقاء الحكومة الفاشلة دون تغيير سياساتها أو تقديم معالجات وحلول للوضع المعيشي، من معاناة الناس، في ظل استمرار انهيار العملة المحلية وارتفاع أسعار المواد الأساسية، فإذا لم يكن الحل في تغيير الحكومة وتجميد عملية تعيين رئيس وزراء جديد وتشكيلة حكومية جديدة، ومنح المواطنين بصيص من الأمل، فعلى الأقل ينبغي أن تضطلع الأطر الحكومية والأجهزة التنفيذية بواجباتها تجاه التدهور العام للحياة الاقتصادية.
فالمشهد القادم خلال الشهور القليلة المقبلة لن يكون بأحسن حال مما مضى، خاصة مع تكالب توقف المرتبات وتوقف مساعدات المنظمات الإغاثية، بفعل أزمة البحر الأحمر وتراجع دعم المانحين، ما ينذر بمجاعة وكوراث معيشية لا يعلم عاقبتها إلا الله.