آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-07:49ص
ملفات وتحقيقات

تقرير: أهداف الانتقالي المستقبلية بين الواقع والطموح

السبت - 11 مايو 2024 - 09:24 ص بتوقيت عدن
تقرير: أهداف الانتقالي المستقبلية بين الواقع والطموح
(عدن الغد)خاص:
تقرير يناقش تعامل الانتقالي مع الأوضاع السياسية والاقتصادية قبل وبعد دخوله الحكومة ومآلات تحركاته المستقبلية

المجلس الانتقالي الجنوبي.. ماذا بعد؟

المجلس الانتقالي في الحكومة.. قوة أم ضعف؟

تحرك الانتقالي صوب الشرق.. المكاسب والمصاعب

تقرير/ صالح المحوري:

سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن، في أغسطس 2019 وأصبح لاحقًا ضمن تشكيلة حكومة المناصفة في العام 2020، والآن يواجه المجلس تحديًا مزدوجًا بين التزاماته الحكومية والوفاء لمطالب الجماهير في المحافظات الجنوبية.

وفي الوقت الذي يسعى المجلس لتأمين مكاسبه السياسية والعسكرية في جنوبي البلاد، فإنه يحاول إيجاد التوازن بين أهدافه المستقبلية والواقع الحالي مع تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية في إقليم عدن، حيث يسيطر المجلس على المحافظات الأربع (عدن، لحج، أبين، الضالع).

الدخول في الحكومة قوة أم ضعف؟

منذ أواخر ديسمبر 2020 أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي، جزءا من الحكومة التي كان يتهمها بالفشل والفساد، وفي حين أن هذه الاتهامات كان جزء منها حقيقيا فإن المجلس الانتقالي استخدم هذه التُهم لتأليب الرأي العام وتحقيق مكاسب من هذا الالتفات لصالحه.

ولكن منذ العام 2020 حتى الآن لم يحدث أي تغيير في أداء الحكومة، وهذا يتضح من ملفات الاقتصاد والخدمات التي يستمر التدهور فيها بشكل متسارع، وبالتالي لم يتوقف الفساد والفشل بل تصاعد بشكل أكبر في وجود وزراء المجلس الانتقالي نفسه الذي كان من أشد منتقدي الحكومة وقاد ضدها احتجاجات وتحركات منفصلة منذ العام 2017 حتى العام 2020.

من الواضح أن خطاب النقد من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، تجاه الحكومة لم يتوقف حتى بعد أن أصبح جزءا منها، ففي كثير من المرات أصدر بيانات تتضمن دعوات للتصحيح والعمل على تحسين الاقتصاد والخدمات والقيام بمهامها، لكن هذه البيانات التي تراوحت ما بين اللغة الحادة والمتوسطة لم يتجاوز تأثيرها حدود المكان والزمان لعدة أسباب.

أول هذه الأسباب يتعلق بأن السكان في المحافظات الجنوبية وعدن تحديدًا باتوا غير مقتنعين بجدوى هذه البيانات والخطوات لأنها لا تقترب من الحلول ولا تقدمها وهي بالنسبة لهم بيانات استهلاكية لرفع العذر، لأنها لا تتضمن أي تحركات وأفعال ميدانية، ومن جانب آخر يمكن القول إن تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي قبل دخوله الحكومة كانت أكثر مصداقية مما هي عليه الآن.

الدخول في الحكومة عامل قوة من حيث أنه منح الانتقالي المشروعية للتعامل السياسي معه من قبل القوى الإقليمية وإن كان هذا التعامل يجري في الغالب مع قيادات في المجلس بصفتها الرسمية في السلطات الحكومية وليس مع المجلس الانتقالي الجنوبي بصفته مكونا سياسيا جنوبيا لديه مطالب منفصلة عن مطالب السلطات الحكومية.

ويمكن القول إن وجود المجلس الانتقالي الجنوبي، في الحكومة الحالية عامل ضعف من حيث إنهُ ساهم في تقييد تحركات المجلس وربطه بالالتزامات التي عليه بصفته مشاركًا فيها، كما أنه بات الآن في مواجه التحالف نفسه وخصوصًا السعودية وهي الداعم الرئيسي لهذه الحكومة التي انبثقت في الأساس من اتفاق رعته السعودية في أراضيها بين السلطات الحكومية والمجلس الانتقالي في العام 2020.

من ناحية ثانية أفتقد المجلس لأدوات الضغط والمناورة بعد دخوله الحكومة، إذ كان في السابق يستخدم ملف الفساد الحكومي وتردي الخدمات للضغط على السلطات في مدينة عدن والمحافظات المجاورة، وفي ابريل 2020 كان أعلن الإدارة الذاتية في المحافظات الجنوبية قبل أن يتراجع عنها بعد شهرين.

لكن الأمر يبدو صعبًا الآن لأن الخطوة الأكثر جرأة من قبل المجلس للتعبير عن رفضه لأي إجراءات أو في حال تصاعد أزمات الخدمات هي تعليق عمل وزرائه في حكومة المناصفة وهي خطوة مكلفة للمجلس فهي قد تحرره من الضغوط الشعبية، لكنها ستزيد الضغط السياسي عليه من قبل الرعاة الإقليميين والدوليين.

البدايات

بالعودة إلى الوراء عام 2017 كان إعلان تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ردة فعل عملية على قرار الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بإقالة خمسة مسؤولين جنوبيين أصبحوا لاحقًا ضمن هيئة رئاسة المجلس الذي شكل تأسيسه خطوة وإن كانت متوقع حدوثها، إلا انها تلقت تأييدًا شعبيًا كبيرًا في البداية، إذ بدأ الجنوبيون بتعليق الآمال على الانتقالي لتحقيق مكاسب سياسية للمحافظات الجنوبية.

تأسيس المجلس الانتقالي كان من الممكن أن يكون بمثابة فعل وليس رد فعل، إذ كانت التقديرات تشير إلى احتمالية نشوء كيان جنوبي واسع يضم عددا من القيادات السياسية الجنوبية حتى قبل قرار الرئيس السابق هادي بإقالة الزُبيدي والمسؤولين الآخرين، لكن من الواضح أن هذه القيادات كانت تنتظر اللحظة المناسبة والمبررات لتأسيس المجلس.

مع الإشارة إلى أن الوضع السياسي آنذاك وحالة التصدي في العلاقة بين الحكومة الشرعية ودولة الإمارات مرورًا بقرارات هادي بإقالة نائبه ورئيس الحكومة خالد بحاح وصولًا إلى إقالة الزُبيدي والمحافظين الآخرين وهم حلفاء دولة الإمارات التي كانت تتواجد في عدن، بشكل لافت مهدت الأرضية لإعلان تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي.

التوقف شرقًا

يحكم المجلس الانتقالي الجنوبي، سيطرته شبه الكاملة على محافظات إقليم عدن، ورغم وجود قوات ليست تابعة له في محافظتي أبين ولحج، لكنها لا تملك القوة والتأثير لإحداث أي تغيير لصالحها إلا في حالة حصولها على الدعم والمساندة العسكرية إلى جانب التأييد الشعبي وهي ورقة يعول عليها المجلس الانتقالي الجنوبي، رغم تراجع شعبيته خلال الفترة الأخيرة.

إذ إن حمل المجلس الانتقالي ملف القضية الجنوبية يعطيه الكثير من الزخم لدى الناس بعكس المكونات والقوى والتيارات الأخرى.

لكن المجلس الانتقالي وإذ يحكم سيطرته على عدن ولحج وأبين والضالع، فإنه يُراقب الأوضاع في المحافظات الشرقية رغم حضور قواته هناك، لكنه يدرك أن هذا الحضور لا يمنحه القوة والتأثير لإحداث تغيير في خارطة السيطرة والنفوذ على الأقل في الوقت الحالي.

لدى المجلس الانتقالي الجنوبي، حضور سياسي وعسكري في محافظات شبوة وسقطرى وساحل حضرموت مع تبقي المهرة التي يحضر فيها المجلس الانتقالي فقط عبر دوائره السياسية، لكن حتى محافظات شبوة وسقطرى وساحل حضرموت تبدو فيها سيطرة الانتقالي مهددة بالفقدان، مع وجود قوى ومكونات سياسية عديدة وقوى عسكرية متربصة إضافة إلى القوى الإقليمية التي تبحث عن مصالحها في هذه المنطقة المهمة.

لدى الانتقالي تجربة مريرة من الهزيمة في شبوة، في أواخر العام 2019 عندما اندفع بجزء كبير من قواته للسيطرة على المحافظة منتشيًا بفرض سيطرته على محافظتي عدن وأبين، قبل أن يسقط لعدة أسباب جزء منها سياسي يتعلق بالإبقاء على التوازن في الجنوب بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، وآخر عسكري في ظل وقوع قوات الأخير في منطقة تحشيد عسكري من مأرب وحضرموت، وثالث اجتماعي يرتبط بموقف الأهالي والقبائل بين تأييد قوات الحكومة وبين تأييد الانتقالي غير أن القبائل رجحت كفة الأولى.

يختلف هذا الوضع عن إقليم عدن، حيث يقل المتنافسون هناك ويفتقدون للقوة، لكن هذا ينطبق على القوى في داخل المحافظات الجنوبية الأربع (عدن، أبين، لحج، الضالع) ولا ينطبق على القوى خارج هذه المحافظات.

أهمية المحافظات الجنوبية الشرقية للمجلس الانتقالي عديدة فعدا عن كونها منطقة ثروة بالغة الأهمية لمن يسيطر عليها وورقة قوية في التفاوض، فإحكام السيطرة عليها إلى جانب إقليم عدن يمنح ملفه السياسي القوة في أي مفاوضات قادمة بما أنه بات يحكم نصف اليمن أو ما كان يطلق عليه سابقًا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

فيما هذه السيطرة المفترضة ستوسع نطاق نفوذ المجلس محليًا وإقليميًا لأن هذا سيمثل عامل جذب للتعامل السياسي الإقليمي والدولي مع المجلس، على أن تكون سيطرة حقيقية فاعلة تفضي إلى نتائج واضحة لأن المزاج الشعبي العام في المحافظات الشرقية يختلف عن الحال في محافظات إقليم عدن.

تمكن المجلس الانتقالي من السيطرة على المحافظات الشرقية يعطي المجلس حرية التحرك وتأمين امداداته من وإلى عدن وحضرموت، حيث تتواجد أقوى المراكز السياسية والاقتصادية في محافظات الجنوب، إضافة إلى أن السيطرة على محافظات الشرق لاسيما حضرموت وشبوة اللتين ترتبطان بحدود طويلة مع محافظات مأرب والبيضاء والجوف بقدر ما تضع المسؤولية عليه لصد أي هجمات محتملة، فهي تعطيه المبادرة لفرض حضوره عند الحدود مع هذه المحافظات وإقامة علاقات جيدة مع أبناء هذه المحافظات منعًا لإحداث أي اختراق هناك.

في حين أن بقاء المجلس في إقليم عدن، والإبقاء على نفس حالة الحضور المحدود في المحافظات الشرقية تجعل المجلس الانتقالي الجنوبي في موقع متأخر سياسيًا وتفقده القوة والتأثير في أي مفاوضات مرتقبة.

ماذا بعد؟

المجلس الانتقالي الجنوبي، يقع بين فكي كماشة الواقع والطموح، فالذي يسعى إليه سياسيًا وعسكريًا يصطدم بواقع تداخل الصراعات السياسية في البلاد، وتضارب المصالح والتحالفات وهو يقف في منطقة نزاع تاريخي تسعى جميع الأطراف المحلية والإقليمية لوضع قدم فيها.

ما الذي سيحدث غدًا من جانب المجلس الانتقالي الجنوبي، أو ماذا بعد؟ تعتمد على وضع المجلس الانتقالي، فإذا كان خلال الأعوام القادمة محافظ على ما بحوزته في جغرافية الجنوب وحقق تقدمًا واضحًا بعيدًا عن خطابات التخدير السياسي في ملف المنشئات السيادية ونجح في تطويع الموارد لصالح تحسين الملفات الرئيسية من الممكن أن يقدم نفسه كطرف رئيسي فاعل من الصعب تجاوزه.

وفي الوقت نفسه سيعيد ترميم علاقته التي تصدعت لدى الناس نتيجة انعدام أو تدهور الثقة به بفعل عدم اتخاذه أي مواقف فاعلة إزاء تردي الخدمات، وإلى جانب ذلك وهو أمر مهم يحتاج المجلس الانتقالي الجنوبي لمعرفة ما إذا كان متمكنا ومسيطرا بالفعل على مضيق باب المندب وهو موقع حيوي إذا استطاع الانتقالي ضمان السيطرة عليه بمساعدة حلفائه المفترضين فإن هذا يمنحه ورقة تفاوض جيدة ومكسب سياسي واقتصادي في أي مفاوضات قادمة.

نخبة المجلس الانتقالي يبدو دورها مهما أكثر من أي وقت مضى في خلق تفاهمات ونقاط مشتركة مع القوى والمكونات السياسية الجنوبية والسياسيين الجنوبيين المؤثرين على طريق تشكيل تحالف جنوبي عريض بصيغة خطاب موحد على الأقل خلال المرحلة القادمة.

ومن الواضح أن النخب في المجلس الانتقالي تدرك أن هناك فرقا بين علاقة الحلفاء وبين أي علاقة أخرى، يصبح فيها طرف مؤثر على طرف آخر بشكل كبير ما يجعل الطرف الثاني ضعيفا وهو قوي نتيجة تقييده ووضعه تحت التزامات تضر حضوره السياسي والعسكري، والآن يحتاج المجلس الانتقالي لإثبات فاعليته بعيدًا عن الداعمين.