كتب/فارس العزيبي
الأحداث الأخيرة في سوريا تعكس مشهداً معقداً من التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث تحمل التطورات العسكرية في البلاد أبعاداً تتجاوز الصراع السوري الداخلي. وتشير الدلائل إلى أن الولايات المتحدة تقف وراء التصعيد الأخير الذي شهدته المنطقة، وليس تركيا كما قد يعتقد البعض. فالنفوذ التركي، وإن كان قوياً في بعض المناطق، لا يكفي لتحريك جميع القوى الميليشياوية داخل سوريا في وقت واحد دون دعم خارجي.
رسائل أمريكية موجهة لروسيا
التصعيد الأخير يحمل رسالة واضحة من واشنطن إلى موسكو، مفادها أن الولايات المتحدة قادرة على إثارة ملفات مزعجة تشتت تركيز روسيا وتضاعف استنزافها، إذا استمرت الأخيرة في تخطي قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنياً بين الطرفين. هذه الرسالة جاءت في أعقاب استخدام روسيا لصاروخ باليستي عابر للقارات، بسرعات تفوق الصوت بعشرة أضعاف، لأول مرة في أوكرانيا، مما يعد تطوراً خطيراً في ميزان القوى العسكرية العالمية.
أمريكا تدرك أن مثل هذا النوع من التصعيد العسكري قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على التوازن الاستراتيجي العالمي. لذلك، تحاول واشنطن من خلال خطواتها في سوريا إعادة ضبط قواعد الاشتباك مع روسيا، لمنع أي تحركات روسية قد تُحدث تغييراً جوهرياً في قواعد اللعبة الدولية.
سوريا: ساحة استراتيجية لروسيا
رغم الضغوط الأمريكية، تبقى سوريا ذات أهمية جيوستراتيجية لا يمكن لموسكو التخلي عنها بسهولة. فمن يعتقد أن روسيا قد تتراجع عن دعم النظام السوري لا يدرك الدور الحاسم الذي تلعبه سوريا في الاستراتيجية الروسية.
وجود القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، يمثل نقطة بحرية استراتيجية حيوية لروسيا. فهي ليست فقط المنفذ البحري الوحيد لروسيا على المتوسط، ولكنها أيضاً توفر لموسكو قدرة على تعزيز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة. كما تعد طرطوس جزءاً من استراتيجية روسية أكبر لضمان التأثير في الشرق الأوسط، الذي يعتبر منطقة حيوية للتوازنات الدولية.
التنافس الدولي على قواعد الاشتباك
الأزمة السورية باتت تمثل ورقة ضغط رئيسية في يد الأطراف الدولية المتصارعة. فبينما تحاول الولايات المتحدة تثبيت هيمنتها عبر الضغط على روسيا، تسعى موسكو إلى الحفاظ على مكاسبها وتعزيز وجودها العسكري في سوريا.
لكن الصراع على قواعد الاشتباك في سوريا ليس جديداً. فقد شهدت السنوات الماضية عدة محطات تصعيدية بين القوى الكبرى، إلا أن استخدام روسيا أسلحة متطورة مثل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ينذر بمرحلة جديدة من التصعيد الدولي، قد تكون أكثر خطورة على الأمن والاستقرار العالمي.
الأحداث الأخيرة في سوريا ليست سوى فصل جديد من الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث تسعى كل منهما لتثبيت موقعها في ميزان القوى العالمي. وبينما تحاول واشنطن الضغط على موسكو من خلال إثارة الملفات الشائكة في الشرق الأوسط، تدرك روسيا أن التراجع في سوريا قد يعني فقدانها نقطة استراتيجية حيوية.
في هذا السياق، يبدو أن سوريا ستظل مسرحاً للتنافس الدولي لفترة طويلة، مع استمرار القوى الكبرى في استخدام أدوات التصعيد لإعادة رسم قواعد اللعبة في المنطقة.